النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: المهاجر

  1. #1
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    المهاجر

    المهاجر



    نشأ الزاكي مدللا بين أفراد أسرة تشبعت بتقاليد القبيلة الصارمة ، فرضت على الإناث التفرغ للتربية وتدبير الأشغال داخل البيت . وعلى الذكور السعي لكسب الرزق .
    تفوق الطفل في دراسته وتميز بذكائه ، إلا أن والده اختار له الانضمام في سن مبكرة إلى ورشة العائلة التي تتوسط أحد الأحياء المهمشة بالمدينة .
    بها أتقن السباكة والتلحيم مع بعض المعلومات عن ميكانيك المحركات .
    ارتياح الأب يزداد مع نمو الفتى .
    واطمئنانه على الورشة ومستقبل العائلة يكثر بما أحرزه ابنه
    " المعلم الزاكي "
    من خبرة مهنية وقدرة على التدبير والتسيير .
    طموح الفتى يسابق تراكم سنوات عمره .
    يتتبع بإعجاب المهاجرين من أبناء مدينته ، العائدين بسيارات فارهة ،
    المدمنين على اللهو والتبذير .
    يشاهد أنهم يعودون بحقائب الهدايا النفيسة ،
    ويعتقد أن لديهم أرصدة بنكية لا تنفد ...
    يتوق ليعمل على التأسي بهم .
    يطمح إلى
    امتلاك آخر أنواع السيارات الرياضية الجذابة ، يطوف بها على دوره الفسيحة ، المتواجدة بمدن شاطئية عديدة .
    وإلى التوفر على العديد من الحسابات بأشهر البنوك وأعرقها .
    عندها سيقتني لكل يوم بذلة ومع كل بذلة زوجة ...
    لا زال عمره المتدحرج نحو السنة السادسة عشرة يحول دون إتمام وثائق وإجراءات السفر خارج الوطن .
    اقترح عليه أحد أقاربه التوجه نحو الجنوب حيث تتيسر عمليات الهجرة الجماعية في اتجاه بعض دول الأورو .
    تسلل عبر الكتبان والواحات وأقام هناك بالعاصمة مختفيا بضعة أيام ،
    يشتغل بإحدى الشركات .
    يبحث بجد عن الذين سيسهلون عملية عبوره .
    تلقى عدة وعود بمختلف الشروط ،
    اختار أيسرها ورحل ممتطيا جنح الظلام .
    قبل انبلاج الضياء ،
    حطت القافلة بمركز لانتظار العتمة القادمة ، لمتابعة المسير
    استلقى بكوة خيمة ،
    يئن من تعب الطريق ،
    بعد غفوة أفاق على صوت ملثم يخبره بأن القافلة التي وفد معها رحلت .
    وعليه أن ينتظر وصول قافلة أخرى .
    انتفض ... مشدوها ...
    متسائلا ..
    وكم ستكون مدة الانتظار ؟
    لا تقل عن شهر أو شهرين وقد تمتد إلى عدة شهور .
    شعر بضياع يلفه بإحكام .
    سرت عبر عروقه وتعاقبت أمواج الفشل والإحباط .
    ثم نهض متثاقلا يستطلع المكان .
    خيام مرصوصة في صفوف طويلة ،
    يقطنها رجال ونساء وأطفال
    ذووا وجوه كالحة ، وأعين متحجرة ، وبشرة متفحمة ،
    لغاتهم مختلفة ،
    توحدهم الإشارة من أجل التخاطب والتفاهم ،
    وراء كل منهم عالم من الأسرار والفواجع .
    الأحياء مسيجة بجدار من الأسلاك الشائكة .
    الممرات كلها مغلقة ، والأبواب موصدة محروسة .
    قبل زوال قرص الشمس ،
    شاهد عربات مجرورة أو مدفوعة تطوف عبر الدروب والأزقة ،
    اقترب منها فأمره أحدهم بالعودة إلى مضجعه قبل ضياع حصته من الطعام .
    الطعام قليل والماء نادر
    ولن يتسلم إلا وجبة واحدة مع قنينة ماء صغيرة عن يوم بليله .
    لقد حاول الهرب مرارا فلم يفلح ،
    وضع داخل مستودع السيارات المعطوبة ، وأمر بسبك وترميم بعض أجزائها .
    تساءل مع نفسه ..
    من أخبرهم بحرفتي ؟
    سأشتغل مكرها وسأبحث دائما عن وسيلة للنجاة .
    لا أدري ما الذي حل بأسرتي بعد رحيلي .
    استعاد بمخيلته أيام دراسته وفترة اشتغاله إلى جانب والده . ومستوى النعيم
    الذي عاش فيه
    بهجة دائمة ، وسعادة شاملة .
    يأكل حتى بعد الشبع ، ويشرب متى شاء وقدر ما شاء . يستحم في كل وقت ، ويتصرف داخل أسرته الآمر الناهي بعد أبيه .
    هجره النوم فجلس يبكي ويردد آخر كلمات أمه وهي طريحة على سرير مرض الموت .
    أصبح منهكا من الأرق .
    لم يلتحق بعمله الجديد .
    مر به أحدهم يصيح ويتوعد ، فعنفه على تأخره وحاول ضربه .
    انتزع الفتى منه العصا ، وهوى بها على رأسه .
    فسقط أرضا مدرجا بالدماء .
    سيق إلى السجن . فقال :
    وأي فرق بين مكان الإقامة وقبو السجن ؟
    نقل أحدهم همسه ،
    فحكموا عليه بالأشغال الشاقة المهينة
    وأولها :
    إفراغ الحفرة الضخمة المخصصة لاستقبال مياه الصرف الصحي
    للمراحيض .
    رفض تنفيذ العقوبة .
    انتابه هيجان . فقد التحكم في أعصابه .
    أخذ يشتم ويهدد ويتوعد .
    فأخذه ثلاثة أشداء ،
    وألقوا به وسط حفرة الصرف الصحي ،
    فهوى وسط محتوياتها إلى أن لفظ أنفاسه
    وكانت له المثوى الأخير.



    محمد الطيب الحواط

  2. #2
    التسجيل
    22-07-2013
    المشاركات
    31

    رد: المهاجر

    لقد لفت الإنتباه إلى قضية نعاني منها في مجتمعنا
    يهاجرون بدون أي حسابات
    ويتخيلون أن المكان الذي سيذهبون إليه هو جنة
    حتى ترابها ذهب
    فقط يريدون الذهاب
    الذهاب وحسب
    وماذا تكون النهاية ؟!
    إما ذلا أو موتا بلا مال ومأوى كما أنهيت قصتك
    أو مالا مع موت و ضياع للقيم الأصيلة والعادات المحمودة
    لذلك من رأيي الهجرة والسفر ليس خطأ عندما نذهب لنسد حاجة مهمة دون نسيان المكان الأصلي الذي جئنا منه

    أستغفر الله * الله أكبر * سبحان الله * لا إله إلا الله



  3. #3
    التسجيل
    19-05-2013
    الدولة
    بين أهلي وناسي
    المشاركات
    210

    رد: المهاجر

    فعلا ... لا مكان آخر يناسب الانسان غير وطنه و بيته و عائلته ... قصة ذات معنى رهيب ... فعلا من أجمل ما قرأت لحد الآن ... شكرا




    يارب ... توفيقك ..


  4. #4
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    رد: المهاجر

    اوركيديا

    مشكورة على الاهتمام والتتبع والتشجيع


    [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ADMINI%7E1.SW%7E/LOCALS%7E1/Temp/moz-screenshot.jpg[/IMG]

  5. #5
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    رد: المهاجر

    راما 97


    مشكورة على الاهتمام والتتبع والتشجيع


المواضيع المتشابهه

  1. خواطر و نثر رسالة الحبيب المهاجر
    بواسطة : يوهلالي الدلوع , في المنتدى العام
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 25-09-2005, 01:50 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-07-2005, 07:20 PM
  3. قصة الحوطي المهاجر إلى أمريكا (نكتة)
    بواسطة : اللاعب الأخير , في المنتدى العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-08-2001, 03:28 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •