النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: جـن (رواية قصيرة) القسم الخامس

  1. #1
    التسجيل
    26-09-2013
    المشاركات
    9

    جـن (رواية قصيرة) القسم الخامس

    بسم الله الرحمن الرحيم


    جـن : Demons

    القسم الخامس

    كانت دقات قلب الولدين تضرب صدريهما الصغيرين بسُرعة، فقليلاً ما جربا أن يركُضا كل هذه المسافة وكل هذه السُرعة، عادا إلى حيث كانت كومة القش التي قفزا إليها من نافذة الميتم، مُستلقيان عليها، (بون) على بطنه، و(هوب) على ظهره ينظُر إلى الشمس المُشعة فوقه وهو يصُد جزءاً منها بيده اليُمنى، فهُما لم يتمكنا من رؤية هذه الأجواء والخوض في هذه الامور من قبل
    "تغير مكان الشمس"
    قام (بون) ووقَف على قدميه ونظر إلى السماء يبحث عن الشمس، فابتسم لملاقاته إياها، فهو من كان يكرَه الظلمة، اخفض رأسه وبدأ يتلفت إلى طُرقات المدينة الصغيرة، فهو ما زال في يريد اكتشاف العالم بعد خروجه من سجنه الصغير،
    "اشعُر بالجوع، لماذا لم يسمح لنا بأخذ الطعام"
    وقَف (هوب) على قدميه وهو يُفكِّر بطريقة تُخلصهما من جوعهما هذا فلقد كان مُفترضاً لهما ان يُعدَّا طعامهما بنفسهما في الميتم كما كان معتاداً، فما كان لعقله الصغير سوى اللجوء الى المكائد والحيل فلقد اقترح لنفسه أن يسْرِق فوضع يدَه على كتِف (بون) ساحباً إياه فتبعه (بون) عبر الطرقات المُزدحمة حتى رأيا رجُلا يعُد شرائحاً من اللحم على طاولة سوداء من الحديد المُسخنة بلهب من اسفلها، نظر (هوب) إلى أخيه وبدأ يتفقَّد احوال المارة حوله، فهِم (بون) ما يريده أخوه فذهب إلى موقعٍ قريب من الطاولة مُستعداً لأخذ شيءٍ من تلك الشرائح، ثم اقترب (هوب) بدورِه لإلهاء الرجُل لثانيةٍ على الأقل،
    "سيدي..؟"
    وإذ بسيل من الماء يضْرب وجه الرجُل الذي يُعد الشرائح، بُهِت وجه (هوب) لما رآه فتراجع قليلاً وإذ بدلو حديديٍ يضرب وجه الرجُل أيضاً فأُسقِط الرجُل أرضاً فأتى ثلاثة صبيانٍ على الطاولة الحديدية وكلٍ من (هوب)و(بون) ينظُران إليهم ساكنين، فما إن لمَّ الصبية كلَّ شيءٍ هربوا باتجاه (بون) متعدينه، فركَّض خلفهم
    "(بون)!"
    فقام الرجل والدلو بيدِّه ونظَّر إلى (هوب) بوجه مُفترسٍ فتراجَع (هوب) قليلاً مبتسما على وجهِ الرجُل المبلل وبيده اليسرى إلى اليسار إلى حيث هرب الصبية وقال
    "سأُمسك بهم لك!"
    فركَض هو أيضاً وقد كان يتساءل هل تبعهم (بون) لكي يسْرق اللحم منهم هو الآخر أم ليُعيده إلى صاحبه، فلقد قرر (هوب) أن يعيد اللحم إن امسك بهم فهو لم يكُن يُريد السرقة في الأصل فلم يدفعه إلى السرقة سوى صعوبة الموقف الذي كان فيه، وهو كان يركُض لمِح (بون) يدخُل عبر احد الأروقة الضيقة بين البيوت الصغيرة فدخَل معه عبر الاخشاب المحطمة والصناديق المتناثرة حتى عبر مخرجاً اوصلهم إلى ساحة صغيرةٍ كان (بون) يقف في جهة وحده والصبية أربعة في جهة أُخرى
    "أربعة؟"
    أشار (بون) بإصبعه إلى الصبية وصرخ وتعابير الغضب تملأ وجهه
    "أعيدوا ما سرقتم"
    فضحك الصبية وبدأوا يقضمون الشرائح وهي في أيديهم مما أغضّب (بون) فصَرخ ثانيةً
    "توقفوا يا حمقى، سأُبرحكم ضرباً"
    توقَّف (بون) يُحدق بهم بعد رميه تلك الجُملة ظناً من أنهم سيتوقفون، لكن ما لم يعلمه أنه ليس في الميتم بعد اليوم، فلقد كان هؤلاء الصبية يفوقونه عمراً وخبرة وقدرة جسدية وعدداً أيضاً، فلهذا ضحكوا ثانيةً فرمى أحدٌ الشريحة التي بيده في الأرض وعاد لجدارٍ خلفه وامسك بعصاة خشبية مُلقاة على الأرض فرفعها ونظَر إلى (بون)، فُزع (هوب) لما رآه
    "(بون) لنذهب"
    تماسَك (بون) وثبَت في مكانه، فلقد أيقن أنه هو من سيُبرح ضرباً فابتسم وقال
    "هيا تقدَّم"
    وبصورة مفاجئة ركَض الصبي ذو العصاة بسُرعة ولوِّح بالعصاة وضرب بها جانب رأس (بون) الأيسر، فسقط (بون) على الأرض ويداه على رأسه فلقد تلقى ضربةً لم يتخيل ألمها يوماً، فتقدَّم كل الصبية مسددين ركلات نحو جسده الصغير، وقد كان يتألم حابساً أنفاسه ينتظر انتهاء ما نزَل عليه ، بينما كان (هوب) متجمِداً في مكانه ينظُر إلى أخيه يضْرب وهو عاجز لهلعه فجلس على الأرض يرْتعِد، فما مرت ثوانٍ حتى توقف الصبية وهم يضْحكون فشتان بين ساقِطٍ وواقفٍ فتوجه أحد الصبية نحو (هوب)
    "أتَظُنُ أننا نسيناك"
    سمِع (بون) ما قاله ذلك الصبي وهو في نفسه رغبةٌ كبيرة بحماية أخيه دون حماية نفسه لكنه مُدركٌ عجزه فما إن وصل الصبي إلى (هوب) فوضع يده على خده وقال
    "لا تُرنا وجهك ثانية"
    خيَّم الحزْن على وجه (هوب) الصغير فجُبر أن يُعبس وقد كان يُحاول إخفاء عبوسه والدموع تسْقُط من عينيه فأزال الصبي يدُه وهو يضْحك مُشيراً على (هوب)
    "لقد بكى"
    فضَحك الصبية جميعاً وبكى (بون) ويداه تُغطيان وجهه، وما مرت ثوانٍ حتى خرج الصبية من الساحة عبر الرواق، وبقى كلُ من الأخوين جالسين في سكون..
    مرت عليهما الدقائق وقد كانت الكراهية تغلي في عروق الساقط بينما كان اليأس يتجمَّد في عروق الجالس، اكتفى (هوب) من البكاء فنظر إلى (بون) وقال
    "أنا آسف، لم افعل شيئاً"
    أزال (بون) يديه من على وجهه وهو مستلقٍ على الأرض فضربت الشمس وجهه وقد كانت دموعه تلمع على وجهه الصغير، فقام على قدميه وذهب إلى أخيه ومد يده له ليُساعده على النهوض، فابتسم (هوب) وقام دون الامساك بيد (بون) فوجه قبضته نحوه، فابتسم (بون) وضرب بقبضته قبضة (هوب).
    وبينما كان ينظران إلى بسمتيهما، ما زالت الكراهية واليأس مُنغرسة في أعماقهما..
    هذا شيء، ولربما يصطدمان بأشياء اكثر خطورة من هذا، لا يعلُم الصغيران إن كانا سيران حياةً أم موتاً، لكنهما الآن عُتقاء، لا يزالان بحاجة إلى سجنهما تاراتٍ، ولكنهما ليسا الأسيران اللذان لن يختبرا تجارُب الحياة..
    رأى (هوب) قصراً ضخماً رمادي الجدران مُربع الحواف بنوافذٍ خضراء الزجاج وابراج مُستديرة تعلوها أعلام خضراء، فوضع يده على كتِف (بون) الأيمن ودفع ليلتفت معه نحو القصر، فأشار إلى الجدار المواجه وقال
    "يُمكننا الصعود"
    لقد كانت هذه الساحة المعزولة التي قادهم الصبية إليها غريبة التصميم، ساحة فيها اربعة جدران، جدار القصر ويقابله الجدار الذي يتوسطه الرواق، وجداران آخرين لبيوت قديمةٍ تبدو خالية، فلقد كان جدار القصر قصيراً مقارنةً بباقي القصر ولقد كان يعلو الجدار حديقة غريبة الشكل، تملأها الأشجار الخضراء.
    نظَر (بون) إلى أحد الأبنية الصغيرة فتوجه إليها وتسلقها ثم أشار لـ(هوب) بالقدوم فتسلق هو الآخر، حتى استطاعا الوصول إلى حديقة القصر.
    نظَر الصبيان إلى شيء لم يروه من قبل، كانت الحديقة الصغيرة مبسوطة بعشب أخضر يتلألأ بعضه من اشعة الشمس التي تخللت افرع الأشجار التي أظلت الحديقة، وبعضه الآخر يبرق في الظل من قطرات الماء التي تركت للجو برداً طيباً، ابتسم كلُ من الصبيان لما رأياه، فهذا شيء يُقال عنه جميل، لمِح (بون) مجموعة من السلال فاقترب نحوها وقد كان في كل سلة صنفٌ غريب لم يعرفه، اقترب (هوب) معه وبدأ ينظُر إلى السلال الثلاثة حيث كانت إحداهم تحمل لوزاً وأخرى رماناً والأخيرة برتقالاً
    "ما هذه الأشياء؟"
    أخذ (بون) حبتين من اللوز ووضعها في فمه وما إن بدأ يمضغ حتى ابتسم لما تذوقه، بعد أن نظر (هوب) إلى بسمة أخيه قرر أخذ شيءٍ مُختلف فأخذ برتقالةً وما إن عضها أغمض عينيه وأبعدَها بسُرعةٍ فضحِك (بون)
    "جرِّب هذا الشيء إنه جيِّد"
    أعاد (هوب) البرتقالة إلى السلة
    "لم أعُد أشعر بالجوع"
    لمِح (هوب) جرةً صغيرة فأخذها وفتحها ونظر إلى داخلها فرأى ماءً فبدأ بشُربه
    "من أنتما؟"
    التفت كُل من الصبيين فنظرا إلى كائنٍ غريبٍ لم يرياه من قبل..وقالا بنفس الوقت..
    "أهذه..؟ فتاة..؟"



    نُكمل على نفس المنوال

  2. #2

    رد: جـن (رواية قصيرة) القسم الخامس

    تسلم على هذا الموضوع القيم الرائع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •