لا يمكن إنكار فضل الحضارة الرومانية القديمة وما قدَّمَتْه لمسيرة الثقافة الإنسانية؛ حيث كانت أعمال الروَّاد القدامى من الفلاسفة والمفكرين والعلماء الذين نبغوا في «أثينا» وحواضر الثقافة الباعثَ الرئيسيَّ لأوروبا العصورِ الوسطى التي بدأت نهضتها من «إيطاليا» ثم لحقت «إنجلترا» و«فرنسا» بمواكب النور والحضارة فاشتعلت بين البلدين منافسة حميدة على الريادة العقلية والعلمية لقرون، فأُنشئت فيهما الجامعات ومُوِّلَت الأبحاث العلمية والرِّحلات الاستكشافية من أصحاب الحَظْوة السياسية، وإذا تحدثنا عن النموذج البريطاني الإنجليزي كمثال، نجد أن مؤسساته الجامعية والعلمية قد قدمت الكثير والكثير من الإنجازات العلمية والفكرية؛ فكانت ولا تزال الجزر البريطانية قبلة طلاب العلم والباحثين من كل بلاد العالم، والكتاب الذي بين يديك يرصد فيه كوكبةٌ من علماء ومفكري مصر الحياةَ الفكريةَ والعلميةَ البريطانيةَ وأسسَ نجاحها ونقاطَ قوَّتها.




عن المؤلفين

طه حسين علي سلامة: أديبٌ ومفكِّرٌ مصريٌّ، يُعدُّ علمًا من أعلام التنوير والحركة الأدبية الحديثة، امتلك بصيرةً نافذة وإن حُرِم البصر، وقاد مشروعًا فكريًّا شاملًا، استحقَّ به لقب «عميد الأدب العربي»، وتحمَّل في سبيله أشكالًا من النقد والمصادرة.



وُلِدَ في نوفمبر ١٨٨٩م بقرية «الكيلو» بمحافظة المنيا. فَقَد بصرَه في الرابعة من عمره إثر إصابته بالرمد، لكن ذلك لم يُثنِ والده عن إلحاقه بكُتَّاب القرية، حيث فاجأ الصغيرُ شيخه «محمد جاد الرب» بذاكرة حافظة وذكاء متوقِّد، مكَّنَاه من تعلُّم اللغة والحساب والقرآن الكريم في فترة وجيزة.


وتابع مسيرته الدراسية بخطوات واسعة؛ حيث التحق بالتعليم الأزهري، ثم كان أول المنتسِبين إلى الجامعة المصرية سنة ١٩٠٨م، وحصل على درجة الدكتوراه سنة ١٩١٤م، لتبدأ أولى معاركه مع الفكر التقليدي؛ حيث أثارت أطروحته «ذكرى أبي العلاء» موجة عالية من الانتقاد. ثم أوفدته الجامعة المصرية إلى فرنسا، وهناك أَعَدَّ أُطروحة الدكتوراه الثانية: «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، واجتاز دبلوم الدراسات العليا في القانون الرُّوماني. وكان لزواجه بالسيدة الفرنسية «سوزان بريسو» عظيم الأثر في مسيرته العلمية والأدبية؛ حيث قامت له بدور القارئ، كما كانت الرفيقة المخلِصة التي دعمته وشجعته على العطاء والمثابرة، وقد رُزقا اثنين من الأبناء: «أمينة» و«مؤنس».


وبعد عودته من فرنسا، خاض غِمار الحياة العملية والعامة بقوة واقتدار؛ حيث عمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة المصرية، ثم أستاذًا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب، ثم عميدًا للكلية. وفي ١٩٤٢م عُيِّن مستشارًا لوزير المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية. وفي ١٩٥٠م أصبح وزيرًا للمعارف، وقاد الدعوة لمجانية التعليم وإلزاميته، وكان له الفضل في تأسيس عدد من الجامعات المصرية. وفي ١٩٥٩م عاد إلى الجامعة بصفة «أستاذ غير متفرِّغ»، وتسلَّم رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية».


أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلَّفات والترجمات، وكانت أعماله تكرِّس للتحرر والانفتاح الثقافي، مع الاعتزاز بالموروثات الحضارية القيِّمة عربيةً ومصرية. وبطبيعة الحال؛ فقد اصطدمت تجديدية أطروحاته وحداثيتها مع بعض الأفكار السائدة، فحصدت كبرى مؤلفاته النصيب الأكبر من الهجوم الذي وصل إلى حدِّ رفع الدعاوَى القضائية ضده. لكن — وعلى الرُّغم من ذلك — يبقى في الذاكرة: «في الأدب الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر»، والعديد من عيون الكتب والروايات، فضلًا عن رائعته «الأيام» التي روى فيها سيرته الذاتية.


رحل طه حسين عن دنيانا في أكتوبر ١٩٧٣م عن عمر ناهز ٨٤ عامًا، قضاها معلِّمًا ومؤلِّفًا، وصانعًا من صنَّاع النور.


أحمد محمد حسنين باشا: سياسي ورحَّالة ورياضي مصري، كان رئيس الديوان الملكي في عهد الملك «فاروق».


وُلِد حسنين باشا في عام ١٨٨٩م لأبٍ كان عالمًا بالأزهر، وتلقى تعليمًا دينيًّا تقليديًّا في طفولته؛ حيث حفظ الكثير من سور القرآن الكريم وقرأ على أبيه الكثير من التفاسير. كذلك حفظ بعض قصائد الشعر العربي القديم؛ مما انعكس على أسلوبه الأدبي وأَمَدَّهُ بذخيرة تراثية مميزة. التحق بعد ذلك بالمدرسة الخديوية التي كانت مقصورة على الصفوة، ثم سافر إلى «إنجلترا»، حيث أكمل تعليمه بجامعة «أكسفورد». وبجانب تفوقه الدراسي وتميزه الأخلاقي لمع في مجال رياضة السيف (الشيش)؛ حيث حصل على عدة بطولات في هذه الرياضة، أهمها بطولة جامعة «أكسفورد». كما اشترك في الدورة الأوليمبية عام ١٩١٢م كأول عربي يدخل هذه المسابقات.


كان حسنين باشا محبًّا للمغامرة والتجربة، حيث أراد أن يكون في شبابه طيَّارًا فقاد بنفسه طائرة من إنجلترا إلى إيطاليا، وحاول الطيران إلى مصر ولكنه لم ينجح. كذلك شُغف بالصحراء واستكشافها والارتحال إليها، فقام بالسفر في بعثتين استكشافيتين لصحاري ليبيا جمع فيهما العديد من الملاحظات العلمية عن طبائع وعادات القبائل والبدو الذين يسكنون تلك الصحراء. كذلك قام بجمع بعض العينات الصخرية من أجل دراسة تلك الصحراء جيولوجيًّا. كما كان له الفضل في اكتشاف بعض الواحات الصحراوية بمصر كواحتي أركينو والعوينات، وألف عنها كتابًا بالإنجليزية أسماه: «الواحات المفقودة».


عمل حسنين باشا بعدة وظائف حكومية رفيعة؛ حيث عمل مساعد مفتش بوزارة الداخلية، وكذلك أمينًا للملك «فؤاد»، كما صاحب البعثة التي سافرت مع الملك فاروق أثناء تعلمه بالخارج، وعندما تسلم فاروق الحكم أصبح حسنين باشا رئيسًا للديوان الملكي.


تُوُفِّيَ في عام ١٩٤٦م في حادث قتل غامض لم يُعرف إلى الآن من المسئول عنه، وإن حامت الشكوك حول بعض أفراد الأسرة المالكة.


علي مصطفى مشرفة: عالم فيزياء مصري كبير، لُقِّب ﺑ «أينشتاين العرب» لنبوغه في الفيزياء النووية. مُنح لقب أستاذ من جامعة القاهرة وهو دون الثلاثين من عمره انتخب في عام ١٩٣٦م عميدًا لكلية العلوم، فأصبح بذلك أول عميد مصري لها. حصل على لقب البشاوية من الملك فاروق. وقد تتلمذ على يده مجموعة من أشهر علماء مصر، ومن بينهم سميرة موسى.


ولد علي مصطفى مشرفة في الحادي عشر من يوليو عام ١٨٩٨م في مدينة دمياط، وكان الابن الأكبر لمصطفى مشرفة أحد وجهاء تلك المدينة وأثريائها. تلقَّى دروسه الأولى على يد والدته بمدرسة «أحمد الكتبي»، وكان دائمًا في مقدمة أقرانه. نشأ في أسرة غنية، إلا أن والده تعرض لخسارة كبيرة وتوفي على إثرها، فاضطرت الأسرة إلى الانتقال إلى القاهرة. التحق مشرفة بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية، ثم بالمدرسة السعيدية بالقاهرة حتى تخرجه فيها عام ١٩١٤م وكان ترتيبه الثاني على القُطر المصري. انتسب إلى دار المُعلِّمين العليا وتخرج فيها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى؛ مما أهله للسفر في بعثة علمية إلى بريطانيا على نفقة الحكومة.


تخرج عام ١٩١٧م في جامعة نوتنجهام الإنجليزية، ثم حصل على الدكتوراه من الكلية الملكية في فلسفة العلوم عام١٩٢٣م. حصل علي مشرفة عام ١٩٢٤م على دكتوراه العلوم من جامعة لندن؛ وهي أعلى درجة علمية في العالم لم يتمكن من الحصول عليها سوى ١١ عالمًا في ذلك الوقت، ثُمَّ عُيِّن أستاذًا للرياضيات في مدرسة المعلمين العليا ثم للرياضة التطبيقية في كلية العلوم بالقاهرة ١٩٢٦م.


أثرى الدكتور علي مصطفى مشرفة الحياة العلمية المصرية بالكثير من المؤلفات، من أهمها: «الميكانيكا العلمية والنظرية» و«الهندسة الوصفية» و«مطالعات علمية» و«الهندسة المستوية والفراغية» و«حساب المثلثات المستوية» و«الذرة والقنابل الذرية» و«العلم والحياة» و«الهندسة وحساب المثلثات» و«نحن والعلم» و«النظرية النسبية الخاصة».


توفي في ١٥ يناير ١٩٥٠م، إثر أزمة قلبية، ويشاع أنه توفي مسمومًا، وقيل: إن أحد مندوبي الملك فاروق كان خلف وفاته، كما قيل أيضًا أنها إحدى عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي.
حافظ عفيفي: سياسي وطبيب مصري عمِل بعدة وظائف سياسية ودبلوماسية مهمة بعد ثورة ١٩١٩م.
وُلِدَ محمد حافظ عفيفي بالقاهرة في عام ١٨٨٦م، حيث تلقَّى تعليمه الأوَّلِيَّ بمدارسها ثم حصل على درجة الدبلوم من «مدرسة الطب» في عام ١٩٠٧م.


عمِلَ عفيفي بعد تخرُّجه جرَّاحًا بمستشفى القصر العيني لمدة عام ثم سافر إلى أيرلندا وفرنسا، حيث تدرَّب في مستشفياتهما ليعود مجددًا إلى القاهرة ويقدم الخدمة الطبية لأبناء مصر، وقد تنقل بين المناصب حتى أصبح مديرًا لمستشفى الأطفال.



انضم عفيفي ﻟ «حزب الوفد»، وكان أحد الأعضاء البارزين الذين سافروا إلى باريس لعرض قضية استقلال مصر في المحافل الدولية، ثم استقال من الوفد في عام ١٩٢١م وأسس «حزب الأحرار الدستوريين» وأصدر كذلك «جريدة السياسة» لسان الحزب، ولما كان صاحب نفوذ كبير في الحزب فإنه انتُخِب نائبًا لرئيسه.
تسلَّم عفيفي حقيبة وزارة الخارجية في عهد رئيس الوزراء «محمد محمود باشا» واستطاع أن يُحسِّن العلاقات المصرية مع الدول الخارجية، وقد كان لعفيفي ميل وانحياز واضح لإنجلترا، حيث كان شديد الإعجاب بنظام الحكم الإنجليزي ومؤسَّساته وأيضًا بالثقافة الإنجليزية، وقد ظهر ذلك بوضوح في كتابه الشهير «الإنجليز في بلادهم» حيث قدم فيه مشاهداته عن التجرِبة البريطانية وأسلوب أهلها في العيش، تلك المشاهدات التي جمعها بعد إقامته لسنوات بإنجلترا.
تُوُفِّيَ عفيفي في عام ١٩٦١م عن ثمانين عامًا.


تحميل كتاب الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا








اقرأ أيضا: