بسم الله الرحمن الرحيم






( قصـــــــة )
العدد الفردي الذي لا يقبل القسمة على اثنين ؟.؟
( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
قالت يا ولدي أنت واحتي وراحة قلبي في صحراء الدنيا وليس لي سواك .. وإن افتقدتك لحظة من ساحة العين فتلك لحظة كالحة سوداء .. وأعلم يقيناً بأن لك أرضك وخيارك الخاص في عالم الحياة .. غير أني بحر من سطوة أمومة طاغية غطت شغاف قلبي فلا أرى في الدنيا سواك .. وأعلم يقيناَ مقدار حدودي في مدارك .. ومع ذلك عجزت أن أقف عند حدي في شأنك .. وهذه الليلة هي ليلة العمر تتمناها كل أم لفلذة كبدها .. وتتمناها أن تكون أسعد ليلة وهناء لابنها .. غير أني خالفت سنة الأمهات ووجدت في نفسي غير ذلك .. وتلك نفسي غارقة في رمضاء من الهموم وهجير من الذكريات .. أحتضن علامات الموت بطيئاَ وأفقد الراحة في الروح .. حيث تهبط فوق قلبي جبال الحزن فكدت أفقد عقلي .. ناضلت فيها نفسي بالصبر والسلوان .. ثم جادلتها بالعقل والمنطق .. ثم حاورتها بكل زوايا الأمومة .. فغلبتني نفسي بالأنانية ونازعتني بشدة حتى خرجت إلى الشارع أركض كالمجنونة .. وهرولت إليك أناديك وأجاهر باسمك .. وأنا أجرى غير آبهة بعيون الناس .. حتى وقفت عند باب غرفتك وأنت في أولى لحظات ليلة العمر مع عروستك رفيقة دربك .


.....................كانت تلك كلمات أم لأبنها في ليلة زفافه .. وقد وقفت خارج باب الغرفة التي تم زفاف الابن إليها مع عروسته قبل ساعة من الزمان .. حيث اللحظات التي أعقبت مراسيم الزواج .. وكانت اللحظات بين العروسين تلك اللحظات التأملية التي تعني مراحل صمت واحترام ووقفة إجلال وحمد وشكر لرب العرش العظيم الذي جمع بالوفاق بين قلبين يأملان في مشوار سعادة مديدة طوال العمر .. إلا أن طرقات الأم الشديدة لباب الغرفة أزعجت قدسية تلك الطقوس .. وأربكت عوالم الخيال والجمال .. فأسرع الابن العريس يلبي نداءات الأم المضطربة ليفتح لها باب الغرفة .. ولكنه قبل أن يفتح الباب طمئن قلب عروسته بأن لا تنزعج كثيراً .. فتلك هي أمه التي يعرفها جيداَ .. فهي كعادتها إذا حكمت في رأسها أمراًَ فلا تعرف معاني الأصول .. ولا تهمها قدسية الطقوس والعادات .. ولا يمنعها الحياء .. وهي الآن عند لحظة من لحظات جنونها .. وعلى العروسة أن تعرف شيئاَ عن صفات أمـه .. وقد تأخذ درساَ يفيدها في مستقبل أيامها .

......................وقصة الأم تبدأ من هنا .. حيث بدأت حياتها مثل غيرها .. تتمنى عشاً سعيداً .. وتتأمل أن تكون سيدة عرشها .. كانت لها أحلامها كغيرها .. وكانت خطواتها تتوالى بقدر مرن وميسر .. والحظ جانبها كثيراً فلم تنتظر طويلاً في مشوار عمرها .. فقد كانت موفقة حيث تقدم إليها من كان في نيتها .. ونالت توفيقاً عجيباً في اختيارها .. فعاشت معه اسعد لحظات عمرها .. ولم تجد منه يوماً شائبة تخدش مرآة العلاقة الجميلة .. حتى رزقت منه بولد .. وهو ذاك الولد ثمرة فؤادها .. وكان رباط القلبين يتبادل المحبة بمحبة .. تلك المحبة التي أوجدت إنساناَ .. والابن كان صورة مطابقة للأب من حيث الملامح والشبه .. أحبت زوجها كثيراً وأحبت ولدها .. ولكن هي تلك سنة الحياة أن لا تدوم السعادة في مشاويرها .. فقد مات الزوج في حادثة سير مؤلمة ومؤسفة .. والصغير ما زال في أعوامه الثلاثة .. فخرجت من نكستها بعد صبر وحزن .. ثم رضيت بحكم القدر الذي هو مكتوب في الأزل .. وقد آمن به قلبها صادقاً .. ولكن قلبها أيضاًَ تعلق بالماضي وبالذكريات .. وكانت اشد تعلقاُ بابنها .. ذلك الابن الذي أصبح يمثل المشوارين .. يمثـل فلذة كبدها وخزانة ذكرياتها .. كما يمثل صورة الماضي العزيز في أبيه رفيق عمرها .. وهو يحمل من أبيه الشبه كثيراًَ ويحمل منه الكثير من الصفات الجميلة ...أبت نفسها أن تخوض تجربة أخرى في مشوار الحياة .. فظلت وحيدة وقد اكتفت بابنها الوحيد الفريد .. وصبرت عن مرارة الماضي واكتفت بالذكريات .. ونذرت أن تهدي حياتها لولدها الوحيد .. فعاشت أيامها سعيدة مع رفقة ابنها الحبيب .. حتى اجتاز ذاك المشوار بعوالم الطفولة ، ثم أيام الصبا والشباب .. ثم بدأت الأم تبحث عن نقلة جديدة لولدها .. تريد له السعادة في كل المراحل .. شأنها شأن كل أم تريد لولدها رحلة عش جديدة .. وحياة مستقلة خاصة .. غير أنها في تلك النقلة كانت مترددة .. وغير ميالة .. فكيف لها أن تقبل بأخرى تشاركها وتنازعها في حبها وملكها الوحيد .. وفي داخلها كان يجري جدل عنيف .. فالعقل كان يريد المنطق والسنة .. والعاطفة الجياشة كانت ترفض مجرد الفكرة .. وأخيراً تحت إلحاح السنة والعادة والتقاليد وافقت في قرارة نفسها بأن تتبع القرار الحكيم .. فحكمت عليه بأن يتقدم للزواج .. أما هو فكان يقدسها ويحبها حيث هي الأم وليس سواها .. فأطاعها في كل خطواتها .. وكان براً بها وقد عرفها جيداً .. وعرف عنها أنها في حبها له قد خرجت كثيراًَ عن معقولية الأمهات .. وأنها لا تطيق فراقه لحظة .


.......................وقفت هناك أمام غرفة العروسين وقد تجمع نفر من المعارف حيث جلبت الانتباه بنداءاتها وصيحاتها .. ثم تطرفت بحدةًَ وجادت بشرط عجيب .. وذلك الشرط هو أن يعود ابنها معها إلى الدار فوراَ .. كانت تتكلم وهي تفقد المنطق وتعاني نوعاً من الهستيريا .. فأجتهد البعض في إقناعها بالعدول عن شرطها .. ولكنها كانت بكماء صماء عمياء بهماء لا تعقل ولا تفكر .. ولا تقبل أية نصائح .. وفوراَ علمت بها ولدها .. وهو يعرف طبعها جيداً .. فقال لأمه .. لك السمع والطاعة يا أمي الحبيبة .. ثم أمسك بيدها وذهب معها إلى دارها .. والحضور في دهشة وذهول .. وهنالك في الدار جهزت سرير الابن بجوار سريرها كما كان يحدث في الماضي .. وطلبت منه أن ينام في سريره بجوار سريرها .. فأطاعها في كل أوامرها حتى أنه رقد في سريره وهو ما زال يلبس ملابس العرس بالكامل .. وما زالت الأحذية في أقدامه .. فرقدت إلام في سريرها .. وقد بدأت وكأنها نالت مرامها .. وغمرها نوع من السعادة والفرحـة الطاقية .. ثم بعد لحظات انتفضت فجأةَ من سريرها كالمجنونة .. وهي تصيح وتوبخ نفسها وتقول بالصوت العالي : ما هذا الذي فعلته أنا ؟؟!! .. وكيف يكون ذلك ؟؟ .. وأي أم أنا ؟؟ .. وهل يعقل أن أحرم ولدي من ليلة عمره ؟؟ .. ثم أخذت تبكي بحرقة شديدة .. ثم قامت من سريرها لتشد بيد ابنها وتأمره بأن يعود فوراً لعروسته .. وحاول الابن أن يهد من روعها ويقول لها : يا أمي العزيزة توقفي قليلاً .. وخذي أنفاسك ولا تكوني قاسية على نفسك .. فأنا أريد أن أكون معك للحظات لأطمئن عليك .. وبعد ذلك سوف أعود لزوجتي .. ولكنها كعادتها أصرت وأقسمت بالله بأنها لن تسمح له بالبقاء لحظة في منزلها .. فأخذت بيده تشده بقوة ثم قادته مرة أخرى حتى وصلت به إلى باب غرفة عروسته .. وهناك فاضت عيونها بدمعة حارة .. ثم ودعته بعد أن طبعت فوق جبينه قبلة صادقة .. وقالت له : يا بني كم كنت لي ابناًَ باراَ وطائعاً .. وكم كنت لك أماَ قاسية جافية !! .. والآن أنا أطلب منك العفو والسماح .. فقال لها : أمي العزيزة أنا أعرف قلبك الطيب جيداً .. وأنا كلي ملك قلبك ويمينك .. فكيف تطلبين السماح من روح نفسك ؟؟ .. ثم طبع قبلة بدوره على جبين أمه . فودعته وانصرفت .. ووقف هو هناك للحظات حتى اختفت ملامح تلك الأم العظيمة من شاشة بصره .. ثم دخل على عروسته وهي ما زالت في انتظاره .. وقد سمعت كل حرف دار بين الأم وابنه .. وهي تلك الحسناء الجميلة التي بدت كالبدر في ليلة القدر .. ترسل ضوء السحر والجمال لكل أرجاء الدنيا . وتلك الليلة كانت ليلة العمر التي جمعت أعز قلبين بوفاق الحلال .
( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
ــــــــــ


الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد