اَلْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآلِهِ وَاَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِاِحْسَانٍ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَبَعْدُ, فَاِنَّنَا اَيُّهَا الْاِخْوَةُ نَسْتَفِيدُ جَمِيعاً فَائِدَةً كُبْرَى اِذَا انْتَبَهْنَا اِلَى مَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ اِنْ شَاءَ الله, نَعَمْ نَسْتَفِيدُ عِلْماً وَثَوَاباً عَظِيماً عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ لِاَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ عِنْدَ اللهِ هِيَ مَجَالِسُ الْعِلْم, نَعَمْ اَخِي, كُنْ عَالِماً, اَوْ مُتَعَلّماً, وَلَاتَكُنِ الثَّالِثَةَ فَتَهْلِك, فَاِمَّا عَالِمٌ, وَاِمَّا مُتَعَلّمٌ, وَاِيَّاكَ اَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ اَنَّكَ لَسْتَ عَالِماً وَلَامُتَعَلّماً, نَعَمْ اَخِي, وَالْاِنْسَانُ مِنَّا مَطْلُوبٌ مِنْهُ دَائِماً اَنْ يَتَعَلَّم, وَاِيَّاكَ اَنْ تَقُولَ اَخِي عَنْ نَفْسِكَ اَنَّكَ صِرْتَ تَفْهَمُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ وَانْتَهَى الْاَمْرُ وَاَنَّكَ لَسْتَ بِحَاجَةٍ اِلَى مَزِيدٍ مِنَ التَّعَلُّم, فَوَاللهِ لَوْ قُلْتَ هَذَا الْكَلَامَ, فَهَذَا اَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى جَهْلِكَ وَحَمَاقَتِكَ, وَدَلِيلٌ عَلَى اَنَّكَ تُحِبُّ اَنْ تَتَعَالَى عَلَى النَّاس, فَرُبَّمَا تَسْتَفِيدُ اَخِي الْعَالِمُ الْمِحْرِيرُ مِنْ مُلَاحَظَةِ صَبِيٍّ صَغِير! وَمَرَّةً مِنَ الْمَرَّاتِ كُنْتُ خَارِجَةً مِنَ الْمَسْجِدِ, فَصَادَفْتُ طِفْلَةً صَغِيرَةً عُمْرُهَا عَشْرُ سَنَوَات, فَقَالَتْ لِي: يَاخَالَة! لِمَاذَا اَسْمَعُكِ دَائِماً تَقُولِينَ بَعْدَ الصَّلَاة اَسْتَغْفِرُ الله؟ هَلِ ارْتَكَبْتِ ذَنْباً عَظِيماً يَسْتَحِقُّ اَنْ تَسْتَغْفِرِي اللهَ عَلَيْه؟ فَقُلْتُ لَهَا: بَارَكَ اللهُ لَكِ يَاابْنَتِي بِهَذَا الذَّكَاءِ وَبِهَذِهِ الْفِطْنَةِ وَبِهَذِهِ الْمُلَاحَظَة, فَاَلْهَمَنِي اللهُ تَعَالَى اَنْ اُجِيبَهَا فَوْراً مِنْ دُونِ مُرَاجَعَةٍ لِكُتُبِ الْفِقْه؟ وَتَذَكَّرْتُ اَنَّ الْاِنْسَانَ مِنَّا مَهْمَا بَلَغَ مِنَ الْخُشُوعِ, فَاِنَّهُ لَايُمْكِنُهُ اَنْ يُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى الْوَجْهِ التَّامّ, فَلَابُدَّ اَنْ يَطْرَاَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ اَشْيَاء, وَدَائِماً نَقُول: لَوْ اَرَادَ اللهُ اَنْ يُحَاسِبَنَا حِسَاباً دَقِيقاً عَلَى الصَّلَاةِ مَثَلاً مَابَقِيَ لَنَا ثَوَابٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْجَائِزِ اَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا: اَنْتَ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيَّ, وَتُفَكِّرُ بِكَذَا وَكَذَا وَكَذَا مِنْ اُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي تُشْغِلُكَ عَنِّي, وَلَوْ اَنَّكَ وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا, فَاِنَّكَ لَاتُفَكِّرُ اِلَّا كَيْفَ تُخَاطِبُهُ؟ وَكَيْفَ تَسْتَمِعُ اِلَيْه؟ فَهَذَا نَقْصٌ اَوْ لَيْسَ بِنَقْصٍ اَخِي؟ بَلْ هُوَ نَقْصٌ كَبِيرٌ جِدّاً جَبَرَهُ اللهُ بِهَذَا الِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَمَا جَبَرَهَا بِسُجُودِ السَّهْوِ اَيْضاً, فَاَنْتَ اَخِي مَثَلاً فِي الصَّلَاةِ اَحْيَاناً تَتَثَاءَبُ وَاَنْتَ تُنَاجِيهِ سُبْحَانَه, فَلَوْ كُنْتَ اَمَامَ اِنْسَانٍ عَادِيٍّ تُكَلِّمُهُ وَيُكَلِّمُكَ, فَاِذَا تَثَاءَبْتَ اَمَامَهُ, فَاِنَّهُ يَلُومُكَ وَيَتَضَايَقُ مِنْكَ وَلَوْ قُلْتَ لَهُ حَدِيثُكَ مَعِي رَائِعٌ وَشَيِّقٌ وَلَايُمَلُّ وَاَنَا مُضْطَّرٌ الْآنَ لِلذَّهَاب, وَلِذَلِكَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ عَلِمَ اَنَّنَا لَانَسْتَطِيعُ اَنْ نُؤَدِّي الْعِبَادَةَ حَقَّهَا كَامِلاً,وَلَنْ نَسْتَطِيعَ اَنْ نُكَافِئَهُ مَهْمَا صَلَّيْنَا وَصُمْنَا وَزَكَّيْنَا وَحَجَجْنَا وَاعْتَمَرْنَا عَلَى نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ كَنِعْمَةِ الْبَصَرِ مَثَلاً فَمَابَالُكَ اَخِي بِبَقِيَّةِ النِّعَمِ الَّتِي لَاتُعَدُّ وَلَاتُحْصَى هَلْ تَسْتَطِيعُ اَنْ تُكَافِئَهُ عَلَيْهَا جَمِيعَهَا؟ وَلِذَلِكَ شَرَعَ لَنَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَانْتِهَاءِ صَلَاتِنَا اَنْ نَقُولَ فَوْراً: اَسْتَغْفِرُ اللهَ ثَلَاثاً عَلَى تَقْصِيرِنَا فِي مُكَافَاَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ حِينَمَا كَانَ يُكَلّمُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ بِقَوْلِهِ يَامُعَاذ اِنِّي لَاُحِبُّكَ! فَاِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ, فَلَاتَدَعْ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ اَنْ تَسْتَغْفِرَ, وَلَاتَقُمْ مِنْ مَجْلِسِكَ حَتَّى تَسْتَغْفِرَ ثَلَاثاً وَتَقُول: اَللَّهُمَّ اَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ, تَبَارَكْتَ يَاذَا الْجَلَالِ وَالْاِكْرَام, اَللَّهُمَّ اَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُنَاكَ مِنَ الْاَذْكَارِ مَايُهْمِلُهُ اَكْثَرُ النَّاسِ مَعَ الْاَسَف وَهُوَ مَايَلِي: لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَه, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير, لَاحَوْلَ وَلَاقُوَّةَ اِلَّا بِالله, لَا اِلَهَ اِلَّا الله, وَلَانَعْبُدُ اِلَّا اِيَّاه, لَهُ النِّعْمَة, وَلَهُ الْفَضْل, وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَن, لَا اِلَهَ اِلَّا الله, مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون, اَللَّهُمَّ لَامَانِعَ لِمَا اَعْطَيْت, وَلَامُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت, وَلَايَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ, فَاِذَا كُنْتَ اَخِي مُضْطَرَّاً لِلْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ, فَاَكْمِلِ الْاَذْكَارَ وَاَنْتَ تَمْشِي فِي حَالِ سَبِيلِكَ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِي, وَسُورَةِ الْاِخْلَاص, وَسُورَتَيِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ, وَالتَّسْبِيحِ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ, وَالتَّحْمِيدِ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ, وَالتَّكْبِيرِ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ, ثُمَّ الْخِتَامِ بِقَوْلِكَ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَه, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير, وَبِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الدُّعَاءِ, وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ ثَرْثَرَةٍ لَافَائِدَةَ مِنْهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيق, وَكَمْ مِنَ النَّاسِ يُثَرْثِرُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ, وَيَحْرِمُونَ اَنْفُسَهُمْ مِنْ فَضْلٍ عَظِيمٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَقَبْلَ الْغُرُوب{وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَاِدْبَارَ النُّجُوم{وَاَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى(وَكَيْفَ سَيَجْلِبُ اللهُ الرِّزْقَ لِهَؤُلَاءِ وَلَايَذْكُرُونَ اللهَ كَالْمُنَافِقِينَ اِلَّا قَلِيلَا, وَلَايَقْرَؤُونَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ قَبْلَ الذَّهَابِ اِلَى اَعْمَالِهِمْ اَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي بِدَايَةِ يَوْمِهِمْ, فَهَنِيئاً لَكَ يَامُعَاذُ بِمَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ لَكَ وَاِنْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحِبُّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِين, وَفِي هَذَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْكَ اَخِي اَنْ تُصَارِحَ اَخَاكَ بِاَنَّكَ تُحِبُّهُ لِوَجْهِ اللهِ, وَلَيْسَ حُبّاً شَيْطَانِيّاً كَحُبِّ الشَّاذّينَ جِنْسِيّاً وَالْعَيَاذُ بِالله, لَكِنْ حِينَمَا يُخَصِّصُ رَسُولُ اللهِ اِنْسَاناً مَا كَمُعَاذٍ بِالذّكْرِ, فَاِنَّ هَذَا الْاِنْسَانَ تَرْتَفِعُ قِيمَتُهُ, فَالْمُدَرِّسُ مَثَلاً فِي الْمَدْرَسَةِ وَالَّذِي لَدَيْهِ طُلَّابُ عِلْمٍ وَلَيْسَ طُلَّابَ فَوْضَى, لَوْ قَالَ لِطُلَّابِهِ مَثَلاً: اَنَا اُقَدِّرُكُمْ جَمِيعاً وَاَنَا اُثْنِي عَلَيْكُمْ جَمِيعاً وَلَاسِيَّمَا عَلَى هَذَا الطَّالِب, نَعَمْ اَخِي, فَحِينَمَا قَالَ اَنَا اُثْنِي عَلَيْكُمْ جَمِيعاً, فَاِنَّهُ اَدْخَلَ الْكُلَّ فِي ثَنَائِهِ وَمَدْحِهِ وَمَحَبَّتِهِ, لَكِنْ حِينَمَا خَصَّصَ هَذَا الطَّالِبَ, فَاِنَّهُ جَعَلَ لَهُ سِمَةً وَعَلَامَةً وَمَيِّزَةً وَمَزِيَّةً يُعْرَفُ بِهَا بَيْنَ الطُّلَّابِ فِي اَنَّهُ الْمُفَضَّلُ عِنْدَ اُسْتَاذِه, نَعَمْ اَخِي, وَمَازِلْنَا فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلَى الْفِئَةِ الضَّالَّةِ الْمُضِلَّةِ مِنَ الْقُرْآنِيِّينَ, وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَمُحَمَّدٍ وَاِبْرَاهِيمَ لَهِيَ اَخْطَرُ عَلَى الْاِسْلَامِ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْبُوذِيِّين, وَنَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ اِلَى مَزِيدٍ مِنَ التَّوْضِيحِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى اَنَّ السُّنَّةَ تُخَصِّصُ عُمُومَ الْقُرْآن, نعم اخي, فَسُنَّةُ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام لَهَا وَظِيفَة, وَمِنْ وَظَائِفِهَا اَنَّهَا تُخَصِّصُ عُمُومَ الْقُرْآن, وَطَبْعاً بِالْمِثَالِ يَتَّضِحُ الْمَقَالُ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَة, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالاً؟ نَعَمْ اَخِي, فَحِينَمَا يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ(فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَرَّمَتْ عَلَيْنَا اَنْ نَاْكُلَ الْمَيْتَةَ, وَاَنْ نَشْرَبَ الدَّمَ, اِلَى اَنْ قَالَ تَعَالَى{اِلَّا مَاذَكَّيْتُمْ(اَيْ ذَبَحْتُمْ, وَطَبْعاً فَاِنَّ الْمَيْتَةَ لَوْ ذَبَحْتَهَا اَخِي اَوْ ذَكَّيْتَهَا بَعْدَ طُلُوعِ رُوحِهَا, فَاِنَّ اَكْلَهَا مَعَ ذَلِكَ يَبْقَى حَرَاماً اِلَّا لِلْمُضْطَّرِّ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ, وَاِلَّا اِذَا اَدْرَكْتَهَا ذَبْحاً قَبْلَ طُلُوعِ رُوحِهَا وَهَذَا شَيْءٌ مَعْرُوف, وَقَدْ اَفْرَدْنَا لِذَلِكَ مُشَارَكَةً خَاصَّةً مَعَ اُخْتِي رَحِمَهَا الله بِعُنْوَان(فَمَنِ اضْطُّرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِاِثْمٍ فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم( نعم اخي, لَكِنْ نَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: وَانْتَبِهْ اَخِي لِمَا سَاَقُولُهُ جَيِّداً, لَوْ اَخَذْنَا بِالْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَاَنْكَرْنَا السُّنَّة, لَوَجَبَ عَلَيْنَا اَنْ نَذْبَحَ السَّمَكَ قَبْلَ اَنْ يَمُوتَ وَلَوِ اصْطَدْنَاهُ بِاَعْدَادٍ هَائِلَةٍ قَبْلَ اَنْ نَاْكُلَهُ وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ الشَّدِيدِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَافِيه{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ اَبِيكُمْ اِبْرَاهِيم(نعم اخي, وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّينَ اَيْضاً: فَحِينَمَا يَقُولُ الْقُرْآنُ{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة(فَلَوْ اَخَذْنَا اَحْكَامَنَا الشَّرْعِيَّةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ, لَقُلْنَا اَنَّ اَكْلَ السَّمَكِ الْمَيِّت حَرَام, وَلَوْ اَنْكَرْنَا السُّنَّةَ وَاَخَذْنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اِلَّا مَاذَكَّيْتُمْ( لَمَاتَتْ اَعْدَادٌ هَائِلَةٌ جِدّاً مِنَ السَّمَكِ قَبْلَ اَنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهَا وَاَصْبَحَ اَكْلُ السَّمَكِ الْمَيِّتِ عَلَيْنَا حَرَاماً شَرْعاً؟ لِاَنَّنَا لَمْ نُسْرِعْ فِي ذَبْحِهِ قَبْلَ اَنْ يَمُوت, فَهَلْ نَرْمِيهِ لِلْكِلَابِ وَالْقِطَطِ الْجَائِعَةِ وَنَتْرُكُ النَّاسَ يَمُوتُونَ مِنَ الْجُوع؟ نعم اخي, فَجَاءَتْ السُّنَّةُ مَعَ صَاحِبِهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام رَحْمَةً لِلْعَالَمِين وَخَصَّصَتْ هَذَا الْعُمُومَ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَفِي تَحْرِيمِ الدَّمِ اَيْضاً كَمَا سَيَاْتِي؟ حَتَّى لَانَقَعَ فِي هَذَا الْحَرَجِ الشَّدِيد, وَلِذَلِكَ قَالَ عليه الصلاة والسلام[اُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان, اَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطَّحَال, وَاَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالْحُوت, وَفِي رِوَايَة وَالسَّمَك(قَدْ يَقُولُ قَائِل؟ مَاهَذَا الْقَرَف؟ مَاهَذَا الِاشْمِئْزَاز؟ مَاهَذَا الْغَثَيَان؟ هَلْ اَكْلُ الْجَرَادِ حَلَالٌ فِي شَرِيعَتِكُمْ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي, اَنْتَ لَسْتَ مُتَعَوِّداً عَلَيْهِ, وَلَكِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْتَبِرُونَهُ طَعَاماً لَذِيذاً فَاخِراً, وَفِي اَيَّامِنَا اَيْضاً هُنَاكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَاْكُلُ الْفِئْرَانَ وَالْجِرْذَانَ وَالصَّرَاصِيرَ وَالضَّفَادِعَ وَيَعْتَبِرُهَا طَعَاماً لَذِيذاً فَاخِراً اَيْضاً بَلْ يَعْبُدُهَا مِنْ دُونِ اللهِ اَيْضاً! وَاِنِّي لَاَتَحَدَّى الْحُكُومَةَ الْهِنْدِيَّةَ! اَنْ تَتَجَرَّاَ عَلَى قَتْلِ جَرْبُوعٍ وَاحِدٍ اَوْ جِرْذٍ اَوْ فَاْرَةٍ اَوْ شَتْمِ بَقَرَة, وَاَمَّا الْخَنَازِيرُ الْاَوْسَاخُ الْاَنْجَاسُ الزُّبَالَةُ الْقُمَامَةُ الْخَرَوَاتُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ اَنَّهُمْ مُسْلِمُون, فَلَا يَجِدُونَ غَضَاضَةً وَلَاحَرَجاً اَبَداً فِي شَتْمِ اللهِ وَالْعَيَاذُ بِالله, وَلِذَلِكَ لَايَحِقُّ لَكَ اَخِي اَنْ تَذُمَّ اَيَّ طَعَامٍ لَايَرُوقُ لَكَ وَلَايَخْطُرُ بِبَالِكَ مُطْلَقاً اَنْ تَاْكُلَهُ اِلَّا مَاحَرَّمهُ اللهُ مَثَلاً مِنْ{دَماً مَسْفُوحاً اَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَاِنَّهُ رِجْسٌ اَوْ فِسْقاً اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ(اَوِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ, اَوِ الْاِسْرَافَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ حَلَالاً, وَهُنَا وَقْفَةٌ لَابُدَّ مِنْهَا مَعَ الَّذِينَ مَازَالُوا اِلَى الْآنَ يَعْتَقِدُونَ اَنَّ التَّدْخِينَ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَالْخَمْرَ حَلَالٌ وَالْعَيَاذُ بِالله! وَنَقُولُ لَهَؤُلَاء: حَتَّى وَلَوْ كَانَ التَّدْخِينُ وَالْمُخَدِّرَاتُ وَالْخَمْرُ حَلَالاً كَمَا تَزْعُمُونَ, فَلَاحُجَّةَ لَكُمْ؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُول{كُلُوا وَاشْرَبُوا(التَّدْخِينَ وَالْمُخَدِّراتِ وَالْخَمْرَ مِنَ الْحَلَالِ الَّذِي زَعَمْتُمْ وَالْعَيَاذُ بِالله{وَلَاتُسْرِفُوا اِنَّهُ لَايُحِبُّ الْمُسْرِفِين( فَعَلَيْكَ اَخِي اَنْ تُرَاقِبَ كَمِّيَّةً السُّمُومِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى كُلِّ عُلْبَةٍ مِنْ عُلَبِ السَّجَائِرِ وَالْمُعَسَّلِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَالْخَمْرِ, وَلَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تُسْرِفَ فِي تَعَاطِي هَذِهِ السُّمُومِ, وَاِلَّا فَاِنَّكَ سَتَدْخُلُ فِي مَحْظُورٍ خَطِيرٍ جِدّاً مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام[وَمَنْ تَحَسَّى سُمّاً, فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا(فَاِذَا كُنْتَ اَخِي لَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَتْرُكَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ, فَاِنَّ اَضْعَفَ الْاِيمَانِ اَنْ تَقْتَصِرَ فِي تَعَاطِي مَادَّةِ الْقَطِرَانِ وَالنِّيكُوتِينِ وَاَوَّلِ اُوكْسِيدِ الْكَرْبُونِ مَثَلاً عَلَى صِفْر فَاصِلَة 3 مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ اَنْوَاعِ هَذِهِ السُّمُومِ, وَاِلَّا فَاِنَّ اللهَ سَيُحَاسِبُكَ حِسَاباً شَدِيداً وَيُعَذّبُكَ عَذَاباً شَدِيداً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام[اَلْاِنْسَانُ بُنْيَانُ الله, لَعَنَ اللهُ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَه(اَيْ لَعَنَ اللهُ مَنْ هَدَمَ صِحَّتَهُ بِتَعَاطِي هَذِهِ الْمُحَرَّمَات, وَاِيَّاكَ اَخِي اَنْ تُكَذّبَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْعُلَمَاءَ وَرَثَةَ الْاَنْبِيَاءِ فِي تَحْرِيمِهَا, وَاِلَّا فَاِنَّكَ تَخْرُجُ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ, فَعَلَيْكَ اَخِي اَلَّا تَتَعَاطَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ اِلَّا بَعْدَ تَحْدِيدِ نِسْبَةِ السُّمُومِ الْكُحُولِيَّةِ فِي الْخَمْرِ مَثَلاً, وَتَحْدِيدِ نِسْبَةِ السُّمُومِ فِي الْمُخَدِّرَاتِ بِكَمِّيَّاتٍ قَلِيلَةٍ جِدّاً اِذَا كُنْتَ لَاتَسْتَطِيعُ اِلَى تَرْكِهَا سَبِيلاً, فَحُكْمُكَ الشَّرْعِيُّ هُنَا هُوَ حُكْمُ الْمُضْطَّرِّ لَكِنْ عَلَى شَرْط؟ اَنْ تَسْتَعِينَ بِاَقْرَبِ الْمَرَاكِزِ التَّخَصُّصِيَّةِ مِنْ اَجْلِ عِلَاجِ الْاِدْمَانِ مَهْمَا كَلَّفَكَ ذَلِكَ مِنْ اَمْوَال؟ لِاَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُدْمِن, وَعَلَى هَذِهِ الْمَرَاكِزِ اَنْ تَنْشَطَ وَاَنْ تَبْحَثَ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي كُلِّ مَكَان, لَا اَنْ تَنْتَظِرَ قُدُومَهُمْ اِلَيْهَا, وَعَلَى السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ اَنْ يَجْمَعُوا لَهَا مِنَ التَّبَرُّعَاتِ الْهَائِلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْحُسَيْنِيَّاتِ وَالْكَنَائِسِ؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ تَقُومَ بِوَاجِبِهَا عَلَى اَكْمَلِ وَجْهٍ, وَخَاصَّةً لِهَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ مِنْ مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُعَسَّلِ وَالشِّيشَةِ وَالتَّدْخِين, نَعَمْ اَخِي, فَاِذَا كُنْتَ تَشْمَئِزُّ اِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنْ اَكْلِ الْجَرَادِ, فَاِنَّ هَذَا الِاشْمِئْزَازَ مُخَالِفٌ لِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ, فَقَدْ كَانَ عليه الصلاة والسلام, لَايَعِيبُ طَعَاماً, فَاِنْ قَبِلَهُ اَكَلَهُ, وَاِنْ عَافَتْهُ نَفْسُهُ تَرَكَهُ, وَاَمَّا شُو هَالْاَكْلِي صِفْتَا وْنِعْتَا وَلَااُحِبُّهَا وَلَا اَرْغَبُهَا وَهُنَاكَ مِنَ الْبَطِرِينَ بِنِعْمَةِ اللهِ مَنْ يَبْصُقُ عَلَيْهَا وَالْعَيَاذُ بِالله, فَهَذَا مِنْ بَطَرِ النِّعْمَةِ وَكُفْرَانِهَا, نَعَمْ اَخِي, ثُمَّ مَااَدْرَاكَ اَنَّ ذَوْقَكَ فِي تَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ ذَوْقٌ سَلِيم, فَاِذَا كَانَ لَدَيْكَ مِنَ الذَّوْقِ الْحَسَّاسِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي تَكْرَهُه, فَمَنْ قَالَ لَكَ اَخِي اَنَّهُ يَحِقَّ لَكَ اَنْ تُقَبِّحَ اَذْوَاقَ الْآخَرِينَ فِي تَنَاوُلِ الطَّعَامِ الَّذِي تَكْرَهُهُ وَلَكِنَّهُمْ يَرْغَبُونَه, فَاِذَا كُنْتَ لَاتُحِبُّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الطَّعَامِ, فَلَا تَاْكُلْهُ, وَلَا اَحْسَبُ اَنَّ اَحَداً مَا قَامَ بِاِجْبَارِكَ عَلَى تَنَاوُلِه, وَاَمَّا اَنْ تَاْتِيَ لِتَذُمَّ هَذَا الطَّعَامَ مِنَ الْجَرَادِ اَوْ غَيْرِهِ اَوْ تُقَبِّحَهُ اَوْ تَلُومَ مَنْ يَاْكُلُهُ, فَهَذَا مِنْ بَطَرِ النِّعْمَةِ, وَعَلَيْكَ اَنْ تَحْذَرَ مِنْ غَضَبٍ شَدِيدٍ جِدّاً وَلَعْنَةٍ مِنَ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلَى اَمْثَالِك, نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ جَاءَتْنِي شَكَاوَى كَثِيرَةٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْآبَاءِ الَّذِينَ يَشْتَكُونَ مِنْ اَوْلَادِهِمْ! اَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ لَهُمْ اَفْخَرَ اَنْوَاعِ الطَّعَامِ ثُمَّ يَتَكَبَّرُونَ وَيَتَدَلَّعُونَ وَيَتَغَنَّجُونَ اَمَامَ آَبَائِهِمْ قَائِلِينَ: لَانُحِبُّ الْبَاذِنْجَان! لَانُحِبُّ الْكُوسَا! لَانُحِبُّ الْمَلْفُوف! لَانُحِبُّ كَذَا وَكَذَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الطَّعَام! وَاَقُولُ لَكَ اَخِي الْاَب: اَنْتَ الَّذِي عَوَّدْتَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَالِباً؟ لِاَنَّكَ حِينَمَا تَقُولُ اَمَامَ اَوْلَادِكَ اَنَّ هَذِهِ الْاَكْلَةَ لَيْسَتْ طَيِّبَةً وَلَااُحِبُّهَا وَلَااَرْغَبُهَا, فَاِنَّ وَلَدَكَ يَنْطَبِعُ فِي ذِهْنِهِ اَيْضاً اَنَّهَا لَيْسَتْ طَيِّبَة وَاَنَّهَا خَبِيثَةٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ يَتَعَامَلُ مَعَكَ عَلَى اَنَّكَ مَثَلُهُ الْاَعْلَى وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: اَبِي يَفْهَمُ اَكْثَرَ مِنِّي, وَلَدَيْهِ خِبْرَةٌ فِي الطَّعَامِ الصِّحِّيِّ الطَّيِّبِ اَكْثَرَ مِنِّي, وَلِذَلِكَ اَقُولُ لَكَ اَخِي اَنْتَ السَّبَب, وَمَعَ الْاَسَفِ, فَاِنَّ اَوْلَادَكَ بِسَبَبِكَ يَحْرِمُونَ اَنْفُسَهُمْ مِنْ اَنْوَاعٍ مِنَ الطَّعَامِ فِيهَا شِفَاءٌ لِاَمْرَاضٍ خَطِيرَةٍ يَسْتَعْصِي شِفَاؤُهَا عَلَى اَمْهَرِ الْاَطِبَّاءِ وَاَنْتَ لَاتَدْرِي وَهُمْ لَايَدْرُونَ اَيْضاً وَاللهُ تَعَالَى يَقُول{وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً(مِنْ هَذِهِ الْاَطْعِمَةِ الصِّحِّيَّةِ الَّتِي يَنْفِرُونَ مِنْهَا{وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(وَعَسَى اَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ(وَهُوَ هَذِهِ الْاَطْعِمَةُ الْمَكْشُوفَةُ غَيْرُ الصِّحِّيَّةِ وَالْوَجَبَاتُ السَّرِيعَةِ وَالْمُقَبِّلَات{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَااَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَاتَعْتَدُوا اِنَّ اللهَ لَايُحِبُّ الْمُعْتَدِين{يَااَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَااَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ اَزْوَاجِك(نَعَمْ اَخِي, نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِسَبَبِ عَسَلٍ زَعَمَتْ نِسَاءُ النَّبِيِّ اَنَّ لَهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً؟ بِسَبَبِ صِمْغٍ لَهُ رَائِحَة كَرِيهَة اَيْضاً يَسِيلُ مِنَ الشَّجَرِ وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ مَغَافِير؟ فَيَرْعَى عَلَيْهِ النَّحْلُ, فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا النَّحْلِ عَسَلٌ كَرِيهُ الرَّائِحَةِ, وَكَانَ رَسُولُ اللهِ يَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ اَنْ تَخْرُجَ مِنْ جَسَدِهِ اَوْ مِنْ فَمِهِ, فَحَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ عَلَى نَفْسِهِ, وَمَعَ ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُعَاتِبُهُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَسَلِ الْكَرِيهِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْعَسَلُ الْكَرِيهُ مِنْ كَيْدِ نِسَاءِ النَّبِيِّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَقَتْهُ مِنْ عَسَلٍ صَافِي لَارَائِحَةَ لَهُ فَاَصَابَتْهُنَّ الْغَيْرَةُ الشَّدِيدَةُ فَزَعَمْنَ اَنَّهُ عَسَلٌ كَرِيهٌ تَخْرُجُ رَائِحَتُهُ مِنْ فَمِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَاتَّفَقْنَ مُتَوَاطِئَاتٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ اَجْلِ كَيْدِ زَوْجَتِهِ الْاَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ مَارِيَّا الْقِبْطِيَّة كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَات. نَعَمْ اَخِي عَلَيْكَ بِالتَّرْبِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْاِسْلَامِيَّةِ السَّلِيمَةِ, وَاِيَّاكَ اَنْ تُقَبِّحَ طَعَاماً اَمَامَ اَوْلَادِك, وَرُبَّمَا هَذِهِ التَّرْبِيَةُ الشَّرْعِيّةُ السَّلِيمَةُ بِعَدَمِ التَّقْبِيحِ, تَجْعَلُهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ يُحِبُّونَ كُلَّ اَنْوَاعِ الْاَطْعِمَةِ الَّتِي اَبَاحَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ كُنَّا وَنَحْنُ صِغَارٌ, نَكْرَهُ بَعْضَ الْاَطْعِمَةِ وَنَجِدُهَا كَرِيهَةَ الطَّعْمِ, لَكِنْ بَعْدَ اَنْ كَبِرْنَا, وَجَدْنَاهَا طَيِّبَةً وَمَذَاقُهَا وَلَا اَلَذّ, نَعَمْ اَخِي, فَالْجَرَادُ كَانَ الْعَرَبُ يَاْكُلُونَهُ, بَلْ كَانُوا يَعْتَبِرُونَهُ مِنَ الطَّعَامِ الزَّكِيِّ الطَّاهِرِ الطَّيِّب. نَعَمْ اَخِي, وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: هَلْ يُشْتَرَطُ شَرْعاً ذَبْحُ الْجَرَادِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَحِلَّ لَنَا اَنْ نَاْكُلَه؟ وَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ لَا, وَنَتَحَدَّاهُمْ اَنْ يَقُولُوا نَعَمْ, وَكَذَلِكَ السَّمَكُ الْمَيِّتُ لَايُشْتَرَطُ شَرْعاً ذَبْحُهُ لِيَكُونَ لَنَا حَلَالاً اَكْلُهُ, وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: فَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَنَا رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام[اُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَان وَهُمَا الْجَرَادُ وَالسَّمَك(لَوَجَبَ عَلَيْنَا شَرْعاً اَنْ نَذْبَحَ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ قَبْلَ اَنْ يَمُوتَ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمَا مَاتَا قَبْلَ اَنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِمَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ الَّذِي تُرِيدُونَ اَنْ تَقْتَصِرُوا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ{اِلَّا مَاذَكَّيْتُمْ(اَيْ ذَبَحْتُمْ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ اَوِ الْحَشَرَةِ وَهُوَ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ قَبْلَ اَنْ تَخْرُجَ رُوحُهُ فَهَذَا حَلَالٌ اَكْلُهُ وَاَنْتُمْ تَتَّفِقُونَ مَعَنَا فِي اَنَّهُ حَلَالٌ اَكْلُهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنَ الذَّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ رُوحِهِ, لَكِنْ هَلْ تُرِيدُونَ اَنْ تَجْعَلُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَالْاِسْلَامِ اُضْحُوكَةً لِلنَّاسِ جَمِيعاً بِذَبْحِكُمْ لِلسَّمَكِ وَالْجَرَادِ قَبْلَ مَوْتِهِمَا اَيُّهَا الدَّجَّالُون؟ وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: مَنِ الَّذِي اَفْهَمَنَا اَنَّ السَّمَكَ لَايَحْتَاجُ اِلَى الذَّبْحِ قَبْلَ اَنْ يَمُوتُ وَاِنْ كَانَ يَحْتَاجُ اِلَيْهِ مِنْ اَجْلِ تَنْظِيفِهِ بَعْدَ اَنْ يَمُوت هَلْ هُوَ الْقُرْآنُ اَمْ هِيَ السُّنَّةُ اَيَّهَا الْاَفَّاكُون؟ نَعَمْ اَخِي, لَايَسْتَطِيعُ الْقُرْآنُ مَهْمَا عَلَا شَاْنُهُ اَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنِ السُّنَّةِ اَبَداً؟ لِاَنَّ السُّنَّةَ هِيَ وَحْيٌ مِنْ وَحْيِ اللهِ كَالْقُرْآن. نَعَمْ اَخِي ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[وَاُحِلَّ لَنَا دَمَان( نَعَمْ اَخِي قَالَ اللهُ تَعَالَى{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ(فَلَوْ اَخَذْنَا الْاَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَاَنْكَرْنَا السُّنَّة, لَقُلْنَا بِحُرْمَةِ جَمِيعِ الدِّمَاءِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا سَيَاْتِي, نَعَمْ اَخِي, لَكِنْ هُنَاكَ آيَةٌ اَيْضاً فِي سُورَةِ الْاَنْعَامِ تَقُول{قُلْ لَااَجِدُ فِيمَا اُوحِيَ اِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ اِلَّا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَماً مَسْفُوحاً(نَعَمْ اَخِي وَكَلِمَةُ مَسْفُوحاً فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الدَّمِ الَّذِي يَسِيلُ عِنْدَ الذَّبْحِ, نَعَمْ اَخِي, وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَايُسَمَّى بِالْكَبِدِ اَوِ السَّوْدَةِ بِاللَّهْجَةِ الشَّامِيَّةِ اَوِ الْكِبْدَةِ بِاللَّهْجَةِ الْمِصْرِيَّة, نَعَمْ اَخِي, هُنَاكَ مَايُسَمَّى بِالْكَبِدِ, وَهُنَاكَ اَيْضاً مَايُسَمِّى بِالطَّحَال, نَعَمْ اَخِي, وَاَصْلُ الْكَبِدِ مِنْ خُلَاصَةِ الدَّمِ الْمَوْجُودِ فِي جِسْمِ الْحَيَوَان, ثُمَّ تَجَمَّدَ هَذَا الدَّمُ فَصَارَ لَحْماً, وَمَعَ ذَلِكَ يَظُنُّ النَّاسُ بِاَنَّهُ دَمٌ مُحَرَّمٌ مَسْفُوحٌ؟ لِاَنَّهُمْ فِعْلاً حِينَمَا يَقْطَعُونَ الْكَبِدَ بِالسَّكَاكِينِ مِنْ اَجْلِ طَهْيِهَا وَطَبْخِهَا يَسِيلُ مِنْهَا دَمٌ مَسْفُوح, نَعَمْ اَخِي, وَكَذَلِكَ الطِّحَالُ فِيهِ دَمٌ مَسْفُوحٌ يَسِيلُ مِنْهُ وَلَايَخْلُو هَذَا الطَّحَالُ مِنْ دِمَاءِ الْحَيَوَانِ وَلَوْ بَعْدَ ذَبْحِهِ, وَرُبَّمَا شَكَّ النَّاسُ فِي الْكَبِدِ وَالطَّحَالِ وَقَالُوا بِتحْرِيمِهِمَا بِسَبَبِ وُجُودِ دَمٍ مَسْفُوحٍ يَسِيلُ مِنْهُمَا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ مَعَنَا{اَوْ دَماً مَسْفُوحاً(فَيَاْتِي رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام لِيَقْطَعَ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ فِي قَوْلِهِ[وَاُحِلَّ لَنَا دَمَانِ(مَاهُمَا يَارَسُولَ الله[اَلْكَبِدُ وَالطَّحَال(وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: هَلْ تُرِيدُونَ اَنْ تَحْرِمُونَا لَذَّةَ الْاَكْلِ لِلْكَبِدِ وَالطَّحَالِ بِسَبَبِ حَمَاقَتِكُمْ وَغَبَائِكُمْ فِي اِنْكَارِ السُّنَّة؟ فَمِنْ اَيْنَ سَنَجِدُ فِي الْقُرْآنِ اِبَاحَةَ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ الْغَنِيَّيْنِ بِمَادَّةِ الْحَدِيدِ مِنْ اَجْلِ اَنْ نَاْكُلَهُمَا هَنِيئاً مَرِيئاً لَنَا وَمَحَلّ مَايِسْرِي يِمْرِي لَنَا وَمَحَلّ مَايِسْرِي يِهْرِي لَكُمْ اِذَا اَصْرَرْتُمْ عَلَى عَنَادِكُمْ فِي اِنْكَارِ السُّنَّة, فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة؟ اَلَسْنَا بِحَاجَةٍ اِلَى السُّنَّة؟ بَلَى وَاللهِ, بَلَى وَرَبِّ الْكَعْبَةِ, بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّد, بَلَى وَرَبِّ اِبْرَاهِيم, بَلَى وَرَبِّ مُوسَى, بَلَى وَرَبِّ عِيسَى عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمِيعاً وَعَلَى بَقِيَّةِ الْاَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِين, نَعَمْ اَخِي فَدَعْوَةُ هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى الْاَغْبِيَاءِ اِلَى عَدَمِ الْاَخْذِ بِالسُّنَّةِ فِيهَا مَافِيهَا مِنْ اِلْحَاقِ الْحَرَجِ وَاِلْحَاقِ الْعَنَتِ وَالْمَشَقَّةِ بِالنَّاسِ جَمِيعاً وَفِيهَا هَدْمٌ لِلدِّين. نَعَمْ اَخِي, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالاً آخَرَ وَاَخِيراً فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَة: قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة, وَلَاتَاْخُذْكُمْ بِهِمَا رَاْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ اِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْم ِالْآخِرِ, وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِين(نَعَمْ اَخِي, وَنَقُولُ رَدّاً عَلَى الْقُرْآنِيِّين: هَذِهِ الْآيَةُ عَامَّة, فَلَوْ اَخَذْنَا بِهَا دُونَ اَنْ نَنْظُرَ اِلَى السُّنَّةِ, لَقُلْنَا: كُلُّ مَنْ زَنَى سَوَاءٌ كَانَ مُحْصَناً سَبَقَ لَهُ الزَّوَاج اَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ الزَّوَاج, فَاِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ؟ لِاَنَّ اللهَ يَقُول{اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَة(اِيَّاكَ اَخِي اَنْ تَقُولَ مَائَة كَمَا يَقُولُهَا بَعْضُ الْمُذِيعِينَ لِنَشَرَاتِ الْاَخْبَارِ مِمَّنْ يَحْمِلُونَ دُكْتُورَاه فَخْرِيَّة, عَفْواً اَخِي اَقْصِد دُكْتُورَاه مُخْزِيَة فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْاَسَف لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الصَّحِيحَ اَنْ تَقُولَ مِائَة وَلَيْسَ مَائَة لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْاَلِفَ فِي كَلِمَةِ مِائَة تُكْتَبُ وَلَاتُلْفَظ, نَعَمْ اَخِي, فَلَوْ كَانَتْ مَائَة كَمَا يَنْطِقُونَهَا, لَوَجَبَ عَلَيْنَا اَنْ نَكْتُبَ الْهَمْزَةَ عَلَى السَّطْرِ عَلَى الشَّكْلِ الْخَاطِىءِ التَّالِي: مَاءَة, وَلَمَا جَازَ لَنَا اَنْ نَكْتُبَ الْهَمْزَةَ عَلَى نَبْرَة بِهَذَا الشَّكْلِ الصَّحِيحِ التَّالِي: مِائَة, نَعَمْ اَخِي {مِائَةَ جَلْدَة(وَكَلِمَةُ جَلْدَة لَهَا مَعْنَى وَهُوَ الضَّرْبُ, لَكِنَّهُ ضَرْبٌ لَايَجُوزُ شَرْعاً اَنْ يُؤَثّرَ اِلَّا عَلَى الْجِلْدِ وَلَيْسَ عَلَى الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَالرَّاْسِ وَالْخُصْيَتَيْن, فَلَايَجُوزُ لِلْجَالِدِ اَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْباً يُؤَدِّي بِهِ اِلَى كَسْرِ رَاْسِهِ, اَوْ كَسْرِ اِحْدَى يَدَيْهِ, اَوْ رِجْلَيْهِ, اَوْ كِلَيْهِمَا مَعاً, لَا يَااَخِي فَهَذَا الْعُنْفُ حَرَامٌ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْمَقْصُودَ الشَّرْعِيَّ مِنَ الْجَلْدِ هُوَ التَّاْدِيب, وَالتَّادِيبُ لَايَحْصَلُ شَرْعاً بِالتَّمْوِيتِ وَالْقَتْلِ, وَاِنَّمَا بِشُعُورٍ بِالْاَلَمِ, حَتَّى اَنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا: لَايَجُوزُ شَرْعاً لِلْجَالِدِ اَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ كَثِيراً, وَلَايَخْفِضَهَا كَثِيراً اَيْضاً, وَاِنَّمَا يَاْخُذُ حَدّاً وَسَطاً بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ اِذَا رَفَعَ يَدَهُ كَثِيراً, فَاِنَّهُ يُؤْلِمُهُ كَثِيراً اَلَماً قَدْ يُؤَدِّي بِهِ اِلَى الْمَوْتِ, وَاِذَا اَخْفَضَهَا كَثِيراً, فَاِنَّ الْمَجْلُودَ لَايَشْعُرُ بِالْاَلَم, وَلِذَلِكَ {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا(ذَكَراً اَوْ اُنْثَى{مِائَةَ جَلْدَة( نَعَمْ اَخِي, وَاِنَّ مَايَفْعَلُهُ الدَّوَاعِشُ الْخَوَنَةُ فِي اَيَّامِنَا, لَيْسَ مِنَ الْاِسْلَامِ فِي شَيْءٍ, فَاِنَّهُمْ يُوكِلُونَ التَّنْفِيذَ لِاَحْكَامِ الْاِعْدَامِ بِدَمٍ بَارِدٍ اِلَى اَطْفَالٍ صِغَارٍ رُبَّمَا لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم, وَحَتَّى وَلَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الرَّهَائِنُ يَسْتَحِقُّونَ الْاِعْدَامَ بِزَعْمِ الدَّوَاعِشِ الْخَوَنَةِ, فَهَلْ تَجِدُونَ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ فِي اِسْلَامِ الدَّوَاعِشِ الزَّائِفِ مَا قَدْ وَجَدْنَاهُ فِي تَارِيخِنَا الْاِسْلَامِيِّ الْمُشْرِقِ الْمُضِيء؟ فَقَدْ كَانَ السَّيَّافُ الَّذِي يَقُومُ بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الْاِعْدَامِ, يُشَاوِرُ خَلِيفَةَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَائِلاً: يَااَمِيرَ الْمُؤْمِنِين! اَاَقْتُلُهُ وَاَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَمِهِ؟ فَيَقُولُ لَهُ الْخَلِيفَةُ نَعَمْ, ثُمَّ يُعِيدُ عَلَيْهِ الْكَرَّة: هَلْ اَقْتُلُهُ وَاَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَمِهِ؟ فَيَقُولُ الْخَلِيفَةُ نَعَمْ, ثُمَّ يَقُولُ لَهُ فِي الثَّالِثَة: اُنَاشِدُكَ الله! اَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ! اِذَا قَتَلْتُهُ فَهَلْ اَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَمِهِ؟ فَيَقُولُ الْخَلِيفَةُ: وَاللهِ وَبِاللهِ وَتَااللهِ اَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ دَمِهِ, فَهَلْ نَجِدُ اَمْثَالَ هَذَا السَّيَّافِ عِنْدَ الدَّوَاعِشِ الْخَوَنَةِ الْمُجْرِمِين؟ وَاللهِ الَّذِي لَا اِلَهَ اِلَّا هُوَ اَيُّهَا الْاِخْوَة, لَقَدْ طَابَ عِنْدِي الْمَوْتُ مِنْ اَجْلِ مُقَاوَمَةِ هَؤُلَاءِ الْخَوَنَةِ عُمَلَاءِ الْيَهُودِ وَالصَّلِيبِيَّةِ وَالصَّفَوِيَّة, وَاَرْجُو مِنَ اللهِ اَلَّا اَمُوتَ حَتَّى اُلَقّنَ اَكْبَرَ عَدَدٍ مِنْهُمْ دَرْساً لَنْ يَنْسَوْهُ فِي حَيَاتِهِمْ؟ لِاَنَّهُمْ اَسَاؤُوا لِلْاِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ كَثِيراً. نَعَمْ اَخِي, وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: فَلَوْ نَظَرْنَا اِلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ نَنْظُرْ اِلَى السُّنَّةِ الَّتِي تُخَصِّصُهَا, فَسَوَاءٌ كَانَ الزَّانِي مُحْصَناً سَبَقَ لَهُ الزَّوَاج اَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَناً وَمَاسَبَقَ لَهُ الزَّوَاج, فَاِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَة, وَهَذَا يُؤَدِّي بِنَا اِلَى اِنْكَارِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ الرَّجْمُ الَّذِي لَايَجُوزُ لِلْيَهُودِ اَنْ يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللهِ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله( لِمَاذَا لَايَجُوزُ لَهُمْ اَنْ يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللهِ فِيهِ؟ لِاَنَّ رَسُولَ اللهِ جَاءَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا سَلِمَ مِنَ التَّحْرِيفِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْاِنْجِيل, فَاِذَا كَانَ هَذَا التَّشْدِيدُ الرَّبَّانِيُّ حَاصِلاً عَلَى مُسْتَوَى مَا سَلِمَ مِنَ التَّحْرِيفِ مِنْهُمَا, فَمَابَالُكَ اَخِي بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ الَّذِي لَايَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى اِنْ هُوَ اِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(وَاَعْنِي بِهَذِهِ السُّنَّةِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى الَّذِي نَسَخَهُ تِلَاوَةً لِاَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي التَّوْرَاةِ الصَّحِيحَةِ وَلَاحَاجَةَ اِلَى تَكْرِيرِهِ وَالتَّاْكِيدِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ, بَلْ تَرَكَهُ سُبْحَانَهُ لِمُلْحَقَاتِ الْقُرْآنِ وَهِيَ السُّنَّة, بَلْ لَمْ يَرْضَ سُبْحَانَهُ اَنْ يُلْزِمَهُمْ بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ, وَاِنَّمَا اَلْزَمَهُمْ بِالتَّوْرَاةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَخُصُّهُمْ قَبْلَ اَنْ تَخُصَّنَا؟ لِاَنَّهُ لَااِكْرَاهَ فِي دِينِنَا عَلَيْهِمْ فِي قَضِيَّةِ الرَّجْمِ وَلَا فِي غَيْرِهَا, وَاِنَّمَا جَاءَ هَذَا الْاِكْرَاهُ حَاصِلاً عَلَيْهِمْ لِمَا فِي دِينِهِمْ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَمَافِيهَا مِنْ حُكْمِ اللهِ وَهُوَ الرَّجْمُ, وَاَمَّا فِي دِينِنَا, فَبَقِيَ حُكْمُهُ مَعْمُولاً بِهِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ, بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ مُلْحَقاً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{اَلشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ اِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللُهُ عَزِيزٌ حَكِيم( نَعَمْ اَخِي, وَالْمَعْنَى فِي كَلِمَةِ مُحْصَن: هُوَ اَنْ يَكُونَ الزَّانِي الْمَرْجُومُ حَتَّى الْمَوْتِ مُتَزَوِّجاً حُرّاً وَلَيْسَ عَبْداً مَمْلُوكاً اَوْ اَمَةُ مَمْلُوكَةً لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ فِي شَرْعِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كُلَّمَا كَانَ الْاِنْسَانُ ضَعِيفاً وَلَاظَهْرَ لَهُ وَلَاسَنَدَ كَهَذَا الْعَبْدِ اَوِ الْاَمَةِ الْمَمْلُوكَيْنِ, فَاِنَّ عُقُوبَتَهُ تَكُونُ اَقَلَّ وَهِيَ الْجَلْدُ خَمْسِينَ جَلْدَة, وَكُلَّمَا كَانَ ذَا ظَهْرٍ وَقُوَّةٍ, فَاِنَّ عُقُوبَتَهُ تَكُونُ اَشَدَّ وَهِيَ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْت, وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْعَبِيدَ الْمَمْلُوكِينَ الضُّعَفَاءَ ذُكُوراً كَانُوا اَوْ اِنَاثاً اِمَاءً, فَاِنَّ عُقُوبَتَهُمْ فِي الزِّنَى هِيَ نِصْفُ عُقُوبَةِ الْاَحْرَارِ غَيْرِ الْمُحْصَنِينَ اَوِ الْحَرَائِرِ غَيْرِ الْمُحْصَنَات(وَكَلِمَةُ الْاَحْرَارِ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ حُرّ, وَكَلِمَةُ الْحَرَائِر جَمْعٌ مُفْرَدُهُ حُرَّة(لِمَاذَا؟ لِاَّنَّ عُقُوبَةَ الْاَحْرَارِ الْمُحْصَنِينَ وَهِيَ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْتِ, لَانِصْفَ لَهَا, فَلَايُمْكِنُ اَنْ نُعَاقِبَ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءَ بِنِصْفِ مَوْتَةٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ نِصْفَ الْمَوْتَةِ لَابُدَّ اَنْ تَاْتِيَ غَالِباً بِمَوْتٍ كَامِل, وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ عَنْ عُقُوبَةِ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاء{فَاِنْ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ, فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَاعَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب(وَالْمُحْصَنَاتُ هُنَا هُنَّ الْحَرَائِرُ الْعَازِبَاتُ اللَّائِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُنَّ الزَّوَاجُ(لِمَاذَا؟ لِاَنَّنَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يَجُوزُ لَنَا اَنْ نُطْلِقَ كَلِمَةَ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى مَنْ سَبَقَ لَهَا الزَّوَاج وَعَلَى مَنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا الزَّوَاجُ اَيْضاً! بِمَعْنَى اَنَّنَا يَجُوزُ لَنَا اَنْ نُطْلِقَ كَلِمَةَ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى الْمَعْنَى وَعَلَى ضِدِّهِ اَيْضاً! بِدَلِيلِ اَنَّنَا يَجُوزُ لَنَا اَنْ نُطْلِقَ كَلِمَةَ التَّبْشِيرِ عَلَى الْمَعْنَى وَعَلَى ضِدِّهِ اَوْ عَكْسِهِ اَيْضاً بِدَلِيل{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا اَنَّ لَهُمْ جَنَّات{وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ اَلِيم{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِاَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء(وَهُنْا اَيْضاً يَجُوزُ لَنَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ اَنْ نُطْلِقَ الْقُرُوءَ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْحَيْضُ, وَعَلَى عَكْسِ الْمَعْنَى وَضِدِّهِ اَيْضاً وَهُوَ الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْض, نَعَمْ اَخِي, كَذَلِكَ يَجُوزُ لَنَا اَنْ نُطْلِقَ كَلِمَةَ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى الْاِمَاءِ, وَعَلَى عَكْسِهِنَّ اَوْ ضِدِّهِنَّ اَيْضاً مِنَ الْحَرَائِر بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْآيَةِ نَفْسِهَا عَنِ الْاِمَاءِ الْفَتَيَاتِ الْمُحْصَنَاتِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِاِذْنِ اَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ اَخْدَان(وَمَعَ ذَلِكَ نَقُولُ لْلْقُرْآنِيِّين: لَايُمْكِنُنَا بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَنْ نَاْخُذَ اَحْكَامَنَا الشَّرْعِيَّةَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَافِيهَا مِنَ الْمَعْنَى وَضِدِّهِ فِي كَلِمَة وَاحِدَة مُشْتَرَكَة لِكِلَيْهِمَا هِيَ الْكَلِمَة نَفْسُهَا, وَاِنّمَا نَاْخُذُهَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ اِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ لَهَا بَيَانٌ شَافِي, فَمِنْ اَيْنَ سَنَدْرِي؟ وَمَا اَدْرَانَا اَنَّ عُقُوبَةَ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ هِيَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرِ اللَّوَاتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُنَّ الزَّوَاج؟ وَمِنْ اَيْنَ سَنَدْرِي اَنَّ عُقُوبَةَ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء لَيْسَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُحْصَنَاتِ اللَّوَاتِي سَبَقَ لَهُنَّ الزَّوَاجُ وَهِيَ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْتِ بِنِصْفِ مَوْتَةٍ لَوْ لَمْ تُبَيِّنْ لَنَا السُّنَّةُ الشَّرِيفَةُ اَنَّهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَلَيْسَتْ نِصْفَ مَوْتَةٍ اَوْ نِصْفَ رَجْمَة؟ فَهَلْ تُرِيدُونَ هُنَا اَيْضاً اَنْ تَجْعَلُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَالْاِسْلَامِ اُضْحُوكَةً لِلنَّاسِ جَمِيعاً بِنِصْفِ الْمَوْتَةِ رَجْماً بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مُنْتَصَفِ الْمَوْتِ؟ اَمْ اَنَّكُمْ رُبَّمَا تُرِيدُونَ مِنَ الْاِسْلَامِ اَنْ يَجْعَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ يَعِيشُونَ بِمَوْتٍ سَرِيرِيٍّ عَاشَهُ شَارُونُ مِنْ قَبْلُ وَفِيهِ مِنَ الْمُعَانَاةِ مَا لَاتَتَحَمَّلُهُ الْجِبَالُ الرَّاسِيَات؟ فَهَلْ هَذِهِ هِيَ رَحْمَةُ اِسْلَامِكُمُ الزَّائِفِ الْوَحْشِيِّ؟ وَ هَلْ هَذِهِ هِيَ رَحْمَةُ قُرْآنِكُمُ الَّذِي تُرِيدُونَ اَنْ تَقْتَصِرُوا عَلَيْه؟ فَلَايُمْكِنُكُمْ اَنْ تُنْكِرُوا السُّنَّةَ بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَبَداً وَلَا حَاجَةَ الْقُرْآنِ اِلَيْهَا مِنْ اَجْلِ بَيَانِ اَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّة. نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ ثَبَتَ اَنَّ رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام رَجَمَ الزَّانِي الْمُحْصَنَ الَّذِي سَبَقَ لَهُ الزَّوَاجُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى الْمَوْتِ وَهَذَا مَايُسَمِّيهِ عُلَمَاءُ الْاُصُولِ نَصّاً عَمَلِيّاً, نَعَمْ اَخِي, هُنَاكَ مَايُسَمَّى اَيْضاً بِالنَّصِّ الْقَوْلِيّ, وَهَذَا النَّصُّ الْقَوْلِيُّ يُمْكِنُ اَنْ يُؤَوَّلَ؟ فَمَثَلاً لَوْ قَالَ رَسُولُ اللهِ لِلنَّاسِ ارْجُمُوهُمَا بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُنَفّذْ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ, فَرُبَّمَا تَوَهَّمَ النَّاسُ اَنَّ كَلِمَةَ ارْجُمُوهُمَا بِمَعْنَى انْبُذُوهُمَا اَوْ حَقِّرُوهُمَا اَوْ اَسْقِطُوا حُقُوقَهُمَا الْمَدَنِيَّة وَاحْتَمَلَ هَذَا اللَّفْظُ النَّبَوِيّ(وَهُوَ قَوْلُهُ ارْجُمُوهُمَا( مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَمَعْنَى الْمَجَاز, فَمَثَلاً حِينَمَا نَقُولُ فُلَانٌ يَدُهُ طَوِيلَة, فَمِنَ الْجَائِزِ اَنْ تَكُونَ طَوِيلَةً فِعْلاً وَحَقِيقَة, لَكِنْ مِنَ الْجَائِزِ اَيْضاً اَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ(فُلَانٌ يَدُهُ طَوِيلَة( تَحْتَمِلُ مَعْنَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْكِنَايَةُ عَنِ السَّرِقَة, بِمَعْنَى اَنَّهُ تَمْتَدُّ يَدُهُ اِلَى اَمْوَالِ غَيْرِهِ وَحُقُوقِهِمْ, وَاَمَّا حِينَمَا يَقُومُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام وَيَرْجُمُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ, فَهَذَا نَصٌّ عَمَلِيٌّ لَايَحْتَمِلُ التَّاْوِيلَ بِالْمَجَازِ بِقَوْلِهِ انْبُذُوهُمَا وَلَابِقَوْلِهِ حَقِّرُوهُمَا وَلَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْاَقْوَال, وَاِنَّمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَطْ, وَلِذَلِكَ فَاِنَّ رَسُولَ اللِه رَجَمَهُمَا حَتَّى الْمَوْتِ وَاَعْنِي بِهِمَا مَاعِزاً وَالْغَامِدِيَّة, وَكَذَلِكَ يَهُودِيّاً وَيَهُودِيَّةً زَنَيَا وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ مُتَزَوِّجَيْنِ وَحُرَّيْنِ, فَاَقَامَ عَلَيْهِمَا حَدَّ الرَّجْمِ بِشَرِيعَةِ دِينِهِمَا وَتَوْرَاتِهِمَا الصَّحِيحَة. نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِي مَايَلِي[كَانَ فِيمَا يُقْرَاُ مِنَ الْقُرْآن{اَلشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ اِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةً نَكَالاً مِنَ الله( نَعَمْ اَخِي, وَهُنَا وَقْفَةٌ لَابُدَّ مِنْهَا مَعَ الْحَاقِدِينَ عَلَى الْاِسْلَامِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَاهَذَا الدِّينُ الْاِسْلَامِيُّ الْوَحْشِيُّ الْفَظِيع؟ وَمَاهَذَا الْقُرْآنُ الْقَاسِي؟ وَمَابَالُ هَذِهِ الْحُدُودِ الْوَحْشِيَّة؟ وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: اَوّلاً نُطَمْئِنُكُمْ اَنَّ الزِّنَى مَاثَبَتَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ عَلَى اَحَدٍ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ الشُّهُودُ الْاَرْبَعَةُ اَبَداً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ شُرُوطَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ مِنَ الْحُدُودِ مِنْ اَجْلِ تَفْعِيلِهَا وَتَطْبِيقِهَا فِي الدَّوْلَةِ الْاِسْلَامِيَّةِ, صَعْبَةٌ جِدّاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْبَيِّنَةَ تَقْتَضِي شَرْعاً اَنْ يَاْتِيَ اَرْبَعَةٌ مِنَ الشُّهُودِ لِيَشْهَدُوا قَائِلِينَ: رَاَيْنَا بِاُمِّ اَعْيُنِنَا فُلَاناً يَزْنِي بِفُلَانَةٍ كَالْمِيلِ فِي الْمِكْحَلَة, بِمَعْنَى اَنَّهُمْ رَاَوْا عُضْوَ الزَّانِي الذَّكَرِيَّ يَدْخُلُ فِي عُضْوِ الزَّانِيَةِ التَّنَاسُلِيِّ الْمَعْرُوف, بِمَعْنَى اَنَّهُمْ لَوْ رَاَوْا زَانِياً يَزْنِي بِزَانِيَةٍ مِنْ تَحْتِ الْاَغْطِيَةِ اَوِ اللّحَافِ وَلَمْ يَرَوْا اَعْضَاءَهُمَا الذَّكَرِيَّةَ وَالْاُنْثَوِيَّةَ مَعاً, فَاِنَّ شَهَادَتَهُمْ تَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَاطِلَةً يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهَا اَنْ يُجْلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَة, نَعَمْ اَخِي وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالاً آخَر: فَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ فَقَطْ اَنَّهُمْ فِعْلاً رَاَوْا اَعْضَاءَهُمَا التَّنَاسُلِيَّةَ تُولِجُ بِبَعْضِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمِكْحَلَة, ثُمَّ اكْتَشَفَ الْقَاضِي بَعْدَ التَّحْقِيقِ اَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِعْلاً فِيمَا رَاَوْا مِنَ الْعَمَلِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ الزَّانِيَةِ الْمُحَرَّمَة, فَاِنَّهُ يَجِبُ شَرْعاً عَلَى الْقَاضِي هُنَا اَيْضاً اَنْ يَجْلِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا رَاَوْا لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي مَحْظُورِ قَوْلِهِ تَعَالَى{لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِاَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ, فَاِذْ لَمْ يَاْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَاُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُون(نَعَمْ اُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ النَّاسِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمْ لَمْ يُكْمِلُوا نِصَابَ الْبَيِّنَةِ وَالشَّهَادَةِ بِاَرْبَعَةِ شُهَدَاء, نَعَمْ اَخِي, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالاً آخَرَ وَنَقُول: حَتَّى وَلَوِ اكْتَمَلَ نِصَابُ الشُّهَدَاءِ بِاَرْبَعَةٍ, وَحَتَّى وَلَوْ شَهِدَ الْاَرْبَعَةُ جَمِيعاً عَلَى وَاقِعَةِ الزِّنَى, وَحَتَّى وَلَوِ اكْتَشَفَ الْقَاضِي اَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِعْلاً, لَكِنْ وَفَجْاَةً تَرَاجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَطْ عَنْ شَهَادَتِهِ وَغَيَّرَ اَقْوَالَهُ, فَعَلَى الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اَنْ يَجْلِدَ الْاَرْبَعَةَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ اَجْلِ تَطْبِيقِ حَدِّ الْقَذْفِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً, فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي, حِينَمَا يَرْتَكِبُ النَّاسُ هَذِهِ الْجَرِيمَةَ وَهِيَ الزِّنَى عَلَناً وَبِكُلِّ وَقَاحَةٍ وَاَمَامَ اَرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهُودِ, فَهَؤُلَاءِ بَلَغُوا دَرَجَةً مِنَ الْهَمَجِيَّةِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ, يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهَا الرَّجْمَ اَوِ الْجَلْدَ بِشُرُوطِهِمَا الْمَعْرُوفَة, وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّ اللهَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيم, جَعَلَ لَهُمَا مَخْرَجاً مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ, حِينَمَا وَضَعَ الْعَرَاقِيلَ وَالْعَقَبَاتِ اَمَامَ الْقَاضِي مِنْ اَجْلِ نَجَاتِهِمَا مِنْهَا وَلَوْ بِشُبْهَةٍ صَغِيرَةٍ وَهِيَ تَرَاجُعُ اَحَدِ الشُّهُودِ الْاَرْبَعَةِ عَنْ شَهَادَتِهِ اَوْ تَغْيِيرُ اَقْوَالِهِ, نَعَمْ اَخِي, اَلزَّانِي وَالزَّانِيَةُ يَنْجُوَانِ غَالِباً مِنَ الْعُقُوبَةِ وَلَوْ كَانَا كَاذِبَيْنِ فِي دِفَاعِهِمَا عَنْ نَفْسَيْهِمَا وَاِنْكَارِهِمَا لِلتُّهْمَةِ اَمَامَ الْقَضَاء ( بَلْ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَة مُلَاعِنَة لِزَوْجِهَا وَكَاذِبَة) وَلَايَنْجُو غَالِباً اَحَدٌ مِنَ الشُّهُودِ الْاَرْبَعَةِ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ* (اِلَّا الزَّوْجُ الْمُلَاعِنُ لِزَوْجَتِهِ) *فِي حَالِ تَرَاجَعَ اَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ اَقْوَالِهِ اَوْ كَانَتْ اَقْوَالُهُمْ غَيْرَ مُتَطَابِقَة وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ جَمِيعاً! فَمِنْ اَيْنَ سَنَاْتِي بِشُهُودٍ اَرْبَعَةٍ اَقْوَالُهُمْ مُتَطَابِقَةٌ لَاشُبْهَةَ فِيهَا؟ وَمَاالَّذِي سَيَضْمَنُ لِهَؤُلَاءِ الشُّهُودِ الْاَرْبَعَةِ اَنَّ اَحَدَهُمْ لَنْ يَتَرَاجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ اَوْ اَقْوَالِهِ مِنْ اَجْلِ نَجَاتِهِمْ جَمِيعاً مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ الْجَلْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ وَمَنْ هُوَ اَبُو عَنْتَر مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّهُود وَعَلَى اسْتِعْدَادٍ لِاَنْ يُخَاطِرَ بِجَسَدِهِ وَيَتَحَمَّلَ مِنَ الْاَلَمِ وَالْوَجَعِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً بِسَبَبِ اَحْمَقَ مِنْهُمْ تَرَاجَعَ عَنْ اَقْوَالِهِ؟ فَانْظُرْ اَخِي اِلَى قِيمَةِ الْعِرْضِ عِنْدَ اللهِ وَقَدَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ حَتَّى وَلَوْ نَجَّسَ نَفْسَه بِالزِّنَى, وَانْظُرْ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ اِلَى قِيمَتِكَ عِنْدَ اللهِ فِي دِينِهِ الْاِسْلَامِيِّ حَتَّى وَلَوْ دَنَّسْتَ نَفْسَكَ بِالْخَطِيئَة[عَلِم عَبْدِي اَنَّ لَهُ رَبّاً وَاحِداً يَغْفِرُ الذُّنُوبَ لَاشَرِيكَ لَهُ(وَلَمْ يَلْتَفِتْ اِلَى مَايُسَمَّى بِصُكُوكِ الْغُفْرَانِ, وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى مَايُسَمَّى كَرْسِيَّ الِاعْتِرَافِ, وَلَمْ يَفْدِ خَطِيئَتَهُ بِصَلِيبٍ زَعَمَ اَعْدَاءُ اللهُ الصُّلْبَانُ الْخَنَازِيرُ اَنَّهُ فَدَى خَطِيئَةَ آدَمَ ثُمَّ فَدَى خَطَايَا الْبَشَرِ, وَلَمْ يَتَمَرَّغْ بِتُرْبَةِ{اَمْوَاتٍ غَيْرِ اَحْيَاءٍ وَمَايَشْعُرُونَ اَيَّانَ يُبْعَثُونَ( فَعِنْدَ ذَلِكَ[اُشْهِدُكُمْ يَامَلَائِكَتِي اَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ(وَاِلَّا فَاِنَّكَ اَخِي تُوَجِّهُ اِلَى رَبِّكَ طَعْنَةً نَجْلَاءَ اِذَا طَلَبْتَ الْغُفْرَانَ مِنْ غَيْرِهِ؟ لِاَنَّهُ لاَيَقْدِرُ عَلَى هَذَا الْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ اِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ جَلَّ جَلَالُهُ؟ وَلِاَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَايُحِبُّ اَنْ تَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ اِلَّا مِنْهُ تَعَالَى وَجَلَّ وَعَلَا؟ وَلَايُحِبُّ اَنْ تَطْلُبَ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ جَمِيعاً مِنْ غَيْرِهِ؟ لِاَنَّ هُنَاكَ مِنَ الذُّنُوبِ مَالَايَقْدِرُ عَلَى مَغْفِرَتِهَا اِلَّا هُوَ سُبْحَانَه.