اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا اِلَى الْاِسْلَامِ وَبَعَثَ اِلَيْنَا خَيْرَ الْاَنَامِ، وَجَعَلَنَا خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ طَالَمَا نَاْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَنُؤْمِنُ بِالله، نُوصِي اَنْفُسَنَا جَمِيعاً بِتَقْوَى اللهِ الْعَظِيمِ وَطَاعَتِه، وَنُحَذّرُهَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِ اَوَامِرِه، لَهُ الْعُتْبَى حَتَّى يَرْضَى وَلَاحَوْلَ وَلَاقُوَّةَ اِلَّا بِه، وَنَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْر رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَاِلَيْكَ اَنَبْنَا وَاِلَيْكَ الْمَصِير، وَاَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَه، اَلرَّحْمَنُ الرَّحِيم، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، اَلْقَائِل[اَنَا الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاة] اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلّمْ وَبَارِكْ وَتَفَضَّلْ وَتَحَنَّنْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيم وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ثَمَرَاتِ الْقُلُوبِ وَعَلَى الْاَصْحَابِ الَّذِينَ آَزَرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً يَارَبَّ الْعَالَمِين، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام: لَقَدْ مَضَى عَلَيْنَا شَهْرُ جُمَادَى الْاُولَى، وَهَذَا الشَّهْرُ لَهُ تَارِيخٌ عَظِيمٌ فِي الْاِسْلَام، فَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَفِي شَهْرِ جُمَادَى الْاُولَى، حَدَثَتْ غَزْوَةٌ تُسَمَّى غَزْوَةَ مُؤْتَة، وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا كَمَا يَقُولُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ اَنْ تُسَمَّى سَرِيَّةً؟ لِاَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا، نَعَمْ اَخِي: وَفِي التَّارِيخِ الْاِسْلَامِيِّ، اِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ، تُسَمَّى غَزْوَة، وَاِذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، تُسَمَّى سَرِيَّة، اِلَّا هَذِهِ السَّرِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي مُؤْتَة، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةً؟ لِاَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ اهْتَمَّ بِهَا اهْتِمَاماً خَاصّاً، فَعَيَّنَ ثَلَاثَةً مِنَ الْقُوَّادِ وَالْاُمَرَاءِ بِهَذِهِ الْغَزْوَة، زَيْدُ بْنُ حَارِثَة، وَجَعْفَرُ بْنُ اَبِي طَالِب، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَال: اِذَا اسْتُشْهِدَ الْاَوَّلُ، اَخَذَ الرَّايَةَ الثَّانِي، وَاِذَا اسْتُشْهِدَ الثَّانِي، اَخَذَ الرَّايَةَ الثَّالِثَ، وَهُنَا مَاسَبَبُ هَذِهِ الْغَزْوَة؟ هَلْ سِيَاسَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَقُومُ عَلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَى النَّاس؟ مَعَاذَ الله! مَعَاذَ اللهِ اَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ عُدْوَانِيّاً وَهُوَ الَّذِي اَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين! اِذاً مَا هُوَ سَبَبُ هَذِهِ الْغَزْوَة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: كَانَ مِنْ وَاجِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اَنْ يُبَلِّغَ رِسَالَةَ الْاِسْلَامِ اِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ؟ لِاَنَّ رِسَالَتَهُ تَتَمَيَّزُ بِاَنَّهَا عَالَمِيَّة، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَااَرْسَلْنَاكَ اِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} فَمَاذَا حَدَثَ حَتَّى جَهَّزَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ اَوِ السَّرِيَّة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَرْسَلَ بِكُتُبِهِ اِلَى مُلُوكِ وَعُظَمَاءِ الْعَالَمِ، يَدْعُوهُمْ اِلَى الْاِسْلَامِ بِالَّتِي هِيَ اَحْسَن، نَعَمْ اَخِي: وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ بَعَثَ اِلَيْهِمْ، بَعَثَ كِتَاباً اِلَى اَمِيرِ بُصْرَى الشَّامِ، وَكَانَ هَذَا الْاَمِيرُ وَالِياً عَلَى بُصْرَى هَذِهِ مِنْ قِبَلِ هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّوم، فَبَعَثَ اِلَيْهِ كِتَاباً، فَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ اِلَى هَذَا الْوَالِي مَاذَا فَعَلَ الْوَالِي؟ مَزَّقَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِّ! وَاَوْثَقَ رَسُولَهُ! وَضَرَبَ عُنُقَه! نَعَمْ اَخِي: وَدَائِماً نَقُولُ وَنُكَرِّرُ: اَنَّ مِنَ الْعَادَاتِ الدُّبْلُومَاسِيَّةِ: اَنَّ الرُّسُلَ لَايُقْتَلُون، فَاِذَا كَانَ رَسُولٌ مُرْسَلاً مِنْ دَوْلَةٍ اِلَى دَوْلَةٍ اُخْرَى، فَاِذَا سَمَحَتْ لَهُ هَذِهِ الدَّوْلَةُ الْاُخْرَى بِدُخُولِ الْبِلَادِ، فَلَايَجُوزُ لِاَحَدٍ فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ اَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ بِسُوء، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ كَانَ لَابُدَّ لِرَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اَنْ يُؤَدِّبَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَايَرْعَوْنَ ذِمَّةً وَلَا جِوَاراً وَلَاقِيمَةً لِلْاِنْسَانِيَّة، فَجَهَّزَ هَذِهِ الْحَمْلَةَ، وَكَانَ عَدَدُهَا لَايَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ آَلَاف، فَانْظُرُوا اَيُّهَا النَّاسُ! يَاقَادَةَ الْعَالَمِ! وَيَااَيُّهَا الْعَالَمُ الْمُتَصَارِعُ وَالْمُتَفَانِي وَالْمُتَقَاتِلُ! يَااَيُّهَا الْعَالَمُ الَّذِي يَنْشُرُ فِيهِ الْقَوِيُّ الْفَسَادَ فِي الْاَرْضِ فَاِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ اَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاِثْمِ! فَمَاهِي وَصَايَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ اِلَى هَذِهِ الْحَمْلَة؟ نَعَمْ اَخِي: قَالَ لَهُمْ:[عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى الله( وَهَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الْاُولَى لِجُنْدِ الْحَقِّ، اَنْ يَتَّقُوا الله[ثُمَّ اغْزُوا فِي سَبِيلِ الله(نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ اَمْرٌ بِتَقْوَى الله، وَتَقْوَى اللهِ فِيهَا كُلُّ الْمَعَانِي الْاِنْسَانِيَّة، ثُمَّ اَنْ يَغْزُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، لَا مِنْ اَجْلِ سَيْطَرَةٍ، وَلَا مِنْ اَجْلِ اضْطِّهَادٍ، وَاِنَّمَا مِنْ اَجْلِ الْخَيْرِ؟ لِيَرْتَدِعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَى الرُّسُلِ وَعَلَى الْمَبْعُوثِينَ؟ وَلِيَقِفُوا عِنْدَ حَدِّهِمْ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ مَاذَا قَالَ رَسُولُ الله:[اِنَّكُمْ سَتَمُرُّونَ عَلَى رِجَالٍ حَبَسُوا اَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ مُتَرَهِّبِينَ لِلهِ، فَلَا تَعْتَرِضُوهُمْ، وَلَاتُؤْذُوهُمْ اَيَّ اَذَى، نَعَمْ اَخِي: اَلرُّهْبَانُ فِي الصَّوَامِعِ؟ وَلِاَنَّهُمْ لَايُحَارِبُونَ؟ فَلَايَجُوزُ لَكُمْ اَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ اَنْ تَعْتَدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُسَالِمِينَ وَلَوْ كَانُوا عَلَى دِينٍ غَيْرِ صَحِيحٍ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ رَهْبَانِيَّةٌ فِي الْاِسْلَام، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ انْظُرْ اِلَى هَذِهِ الْحَرْبِ الرَّحِيمَة! نَعَمْ اِلَى هَذِهِ الْحَرْبِ الَّتِي تَنْشُرُ مَعَانِيَ الْفَضِيلَةِ وَالْاِنْسَانِيَّةِ فِي الْعَالَمِ كُلِّه! نَعَمْ[وَلَاتَقْتُلُوا امْرَاَةً(لَاتُحَارِبُ[ وَلَاشَيْخاً كَبِيراً وَلَاهَرِماً(لَايُحَارِبَانِ اَيْضاً[ وَلَاتَقْطَعُوا شَجَرَةً، وَلَاتُحْرِقُوا زَرْعاً، وَلَاتَهْدِمُوا بَيْتاً(نَعَمْ اَخِي: هَذَا هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَهَذَا هُوَ دِينُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله، اِنَّهُ رَسُولُ الْاَمْنِ وَالْاَمَان، اِنَّهُ رَسُولُ السَّلَام، اِنَّهُ الْاِسْلَامُ دِينُ الله، دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَام، وَاَمَّا فِي اَيَّامِنَا! فَمَاذَا يَحْدُثُ فِي الْحُرُوب؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَيْسَ هُنَاكَ قِيَمٌ اِنْسَانِيَّةٌ تُحْتَرَمُ اَبَداً! وَلِذَلِكَ الْعَالَمُ الْيَوْمَ بِحَاجَةٍ اِلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ؟ لِيَقُودَ الْعَالَمَ اِلَى الْاَمْنِ وَالْاَمَانِ، وَاِلَى السِّلْمِ وَالسَّلَامِ، وَاِلَى الْمَحَبَّةِ، وَاِلَى الْوِئَام، اِنَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ! زَعِيمُ الْاِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا! ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام! يَامَنْ عِنْدَكُمُ الْاِيمَانُ الْفَائِض، اِرْحَمُوا الْاِنْسَانِيَّة، نَعَمْ اِرْحَمُوهَا، وَارْحَمُوا النُّفُوسَ الْمُعَذَّبَةَ، اِرْحَمُوا الْاَرْضَ الَّتِي ضُرِّجَتْ بِالدِّمَاء، فَهَلْ هُنَاكَ رِسَالَةٌ مِثْلُ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام! وَمَاذَا تُسَمَّى هَذِهِ الْغَزَوَاتُ وَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ اِشْرَافِ رَسُولِ الله! هَلْ هَذِهِ تُسَمَّى حَرْباً! هَلْ هِيَ حَرْبٌ هَذِهِ! وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهَا نَشْرٌ لِلسَّلَام، اِنَّهَا نَشْرٌ لِلْاَمْنِ، وَنَشْرٌ لِلطَّمَاْنِينَةِ بَيْنَ النَّاس، نَعَمْ اِنَّهُ الْاَمْنُ وَالسَّلَامُ الْمُحَمَّدِيُّ الْاِسْلَامِيُّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ كُرْهاً وَلَابُغْضاً لِمَنْ يُخَالِفُهُ فِي الدِّينِ مَادَامَ اَنَّهُ لَايَرْفَعُ عَلَى الْاِسْلَامِ سَيْفاً وَلَايَعْتَدِي عَلَى الْمُسْلِمِين، نَعَمْ اَخِي:{لَااِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ(نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اِنَّهُ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام! وَكَمِ الْعَالَمُ الْيَوْمَ بِحَاجَةٍ اِلَى هَذَا الْاِنْسَانِ الْعَظِيمِ؟ لِيَاْخُذُوا مِنْهُ الدُّرُوسَ فِي الْاِنْسَانِيَّةِ، وَفِي الْقِيَم، نَعَمْ اَخِي: فَمَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِك؟ نَعَمْ اَخِي: سَلَكَ هَؤُلَاءِ وَسَارُوا بِسْمِ الله، فَمَاذَا فَاجَاَهُمْ؟ فُوجِئُوا جَمِيعاً بِثَلَاثَةِ آَلَافِهِمْ بِاَنَّ الرُّومَ قَدْ جَمَعَتْ لَهُمْ مِائَتَيْ اَلْفٍ! نَعَمْ اَخِي: مِائَةُ اَلْفٍ مِنَ الرُّوم! وَمِائَةُ اَلْفٍ اُخْرَى مِنَ الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مُوَالِيَةً لِلرُّوم! وَهُنَا يَقِفُ هَؤُلَاءِ الْقَادَةُ الثَّلَاثَةُ وَيَتَشَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، هَلْ نُرْسِلُ اِلَى رَسُولِ اللهِ وَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ الرُّومِ الْهَائِلِ وَعَدَدِنَا الْقَلِيل؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحْنُ مَاجِئْنَا اِلَّا مِنْ اَجْلِ اَنْ نَبِيعَ اَرْوَاحَنَا رَخِيصَةً فِي سَبِيلِ الله! نَعَمْ هَكَذَا نَحْنُ جِئْنَا، فَلْتَبْدَاِ الْمَعْرَكَة، نَعَمْ اَخِي: بِاللهِ عَلَيْك! ثَلَاثَةُ آَلَافٍ! فِي مُوَاجَهَةِ مِائَتَيْ اَلْفٍ! فَكَيْفَ سَيَظْهَرُ هَؤُلَاءِ وَيَنْتَصِرُونَ بِثَلَاثَةِ آَلَافِهِمْ؟ نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا يَحْمِلُ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَيُسْتَشْهَدُ، نَعَمْ اَخِي: فَيَاْخُذُ الرَّايَةَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ جَعْفَرُ بْنُ اَبِي طَالِبٍ شَقِيقُ عَلِيِّ بْنِ اَبِي طَالِب، نَعَمْ اَخِي: فَاَخَذَ جَعْفَرٌ الرَّايَةَ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَسُوقُ ضِمْنَ الْمَعْرَكَةِ مُقَاتِلاً! وَلَكِنَّ الرُّومَ الْاُورْثُوذُكْسَ، اَحَاطُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَطَعُوا يَمِينَهُ، فَاَخَذَ الرَّايَةَ بِشِمَالِهِ! فَقُطِعَتْ شِمَالُهُ! فَاَخَذَ الرَّايَةَ بِعَضُدَيْهِ! ثُمَّ وَقَعَ شَهِيداً فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، فَلَمَّا وَقَعَ شَهِيداً، اَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَة، فَلَمَّا اَخَذَ الرَّايَةَ بَيْنَ عَضُدَيْهِ، شَعَرَ بِدُنُوِّ اَجَلِهِ، فَغَرَسَ سَارِيَةَ الرَّايَةِ فِي الرِّمَالِ؟ حَتَّى لَاتَسْقُطَ رَايَةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله، نَعَمْ اَخِي: فَاَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَاسْتُشْهِدَ مَعَ صَاحِبَيْهِ جَعْفَرَ وَزَيْداً؟ لِيَكُونُوا مِنْ سُعَدَاءِ اَهْلِ الْقُبُورِ وَالْجِنَانِ وَمَافِيهَا مِنَ الْحُورِ، رَضِيَ اللهُ عَنِ الْجَمِيع، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا كَانَتِ الْقِوَى غَيْرَ مُتَكَافِئَة! فَلَابُدَّ مِنَ الِانْسِحَاب، نَعَمْ اَخِي: وَالِانْسِحَابُ مِنَ الْمَعَارِكِ يَحْتَاجُ اِلَى ذِهْنٍ وَقَّادٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الِانْسِحَابَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ، اَصْعَبُ مِنَ الْقُدُومِ اِلَيْهَا وَالْهُجُومِ عَلَى الْاَعْدَاءِ فِيهَا، وَلِذَلِكَ جَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ اِسْلَامُهُ اِلَّا جَدِيداً حَدِيثاً، فَاسْتَطَاعَ اَنْ يَنْسَحِبَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ بِاَقَلِّ اَنْوَاعِ الْخَسَائِر، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا رَسُولُ اللهِ فِي الْمَدِينَةِ، وَالْمَعْرَكَةُ فِي مُؤْتَةَ قَرِيباً مِنْ مَعَانَ فِي الْاُرْدُنّ، فَمَنِ الَّذِي يَحْمِلُ الْخَبَرَ اِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: حَمَلَ الْخَبَرَ اِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام! فَقَالَ يَامُحَمَّدُ! يَارَسُولَ الله! اِنَّ قُوَّادَكَ الثَّلَاثَةُ قَدِ اسْتُشْهِدُوا! فَبَكَى رَسُولُ اللْه! نَعَمْ اَخِي: بَكَى بُكَاءً مُرّاً! ثُمَّ دَخَلَ عَلَى بَيْتِ ابْنِ عَمِّهِ جَعْفَرَ، فَوَجَدَ اَوْلَادَهُ كَاَنَّهُمُ الْفِرَاخُ فِي اَحْضَانِ اُمِّهِمْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْس! نَعَمْ اَخِي: رَآَهُمْ كَاَنَّهُمْ فِرَاخٌ صِغَارٌ! فَضَمَّهُمْ، وَشَمَّهُمْ، وَقَبَّلَهُمْ، وَمَسَحَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ! فَلَمَّا مَسَحَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ قَالَتْ اُمُّهُمْ: اِسْتُشْهِدَ جَعْفَرُ يَارَسُولَ الله! قَالَ: نَعَمْ، وَمَاالَّذِي اَدْرَاكِ بِهَذَا! قَالَتْ: اِنَّكَ مَسَحْتَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَاَنْتَ لَاتَمْسَحُ غَالِباً اِلَّا عَلَى رُؤُوسِ الْيَتَامَى، نَعَمْ اَخِي: هَؤُلَاءِ الْيَتَامَى الَّذِينَ كَانَ يَرْعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الرِّعَايَةَ التَّامَّة، نَعَمْ اَخِي: وَاِذَا كَانَ الْعَالَمُ فِي اَيَّامِنَا يَحْتَفِلُ بِمَا يُسَمَّى بِيَوْمِ الْيَتِيمِ، فَالِاحْتِفَالُ بِالْيَتِيمِ لَايَكُونُ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَلَافِي زَمَنٍ مُحَدَّدٍ وَلَافِي مَكَانٍ مَا! وَاِنَّمَا الِاحْتِرَامُ لِلْيَتِيمِ وَرِعَايَةُ الْيَتِيمِ يَنْبَغِي اَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَان، وَاَنْتَ يَارَسُولَ اللهِ تَرَبَّيْتَ يَتِيماً{اَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى، وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَاَغْنَى، فَاَمَّا الْيَتِيمَ فَلَاتَقْهَرْ، وَاَمَّا السَّائِلَ فَلَاتَنْهَرْ، وَاَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(فَمَنْ لِلْاَيْتَامِ سِوَى رَبِّكَ ثُمَّ اَنْتَ يَامُحَمَّدُ يَارَسُولَ اللهِ! يَامَنْ جَعَلْتَ كَافِلَ الْيَتِيمِ قَرِيباً مِنْكَ فِي اَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ قُرْبَ السَّبَّابَةِ مِنَ الْوُسْطَى فِي اِصْبَعَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ كَاَنَّهُمَا غُصْنَانِ مُتَفَرِّعَانِ مِنْ مَنْبَتٍ وَاحِدٍ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ اَصَابِعُ اُخْرَى غَيْرُهُمَا اَيْضاً، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَاذَا فَعَل؟ دَعَا بِالْحَلَّاقِ اِلَى اَوْلَادِ جَعْفَرَ؟ لِيَقُصَّ شُعُورَهُمُ الَّتِي طَالَتْ، وَاَخَذَ يُدَاعِبُهُمْ! فَقَالَ: اَمَّا اَنْتَ يَامُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر! اَنْتَ اَشْبَهُ مَاتَكُونُ بِعَمِّنَا اَبُو طَالِب! وَاَمَّا اَنْتَ يَاعَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرَ! فَاَنْتَ شَبِيهٌ بِي فِي خُلُقِي وَفِي خَلْقِي! نَعَمْ اَخِي: اِنَّهَا اَوْسِمَةٌ يُسْدِيهَا رَسُولُ اللهِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ اُمُّهُمْ وَقَالَتْ: يَارَسُولَ الله! مَنْ لَهُمْ بَعْدَ اَبِيهِمْ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ: اَتَخْشَيْنَ عَلَيْهِمُ الْعَيْلَةَ!(اَلْفَقْرَ( فَاَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة، نَعَمْ اَخِي: هَنِيئاً يَارَسُولَ اللهِ لِمَنْ كُنْتَ وَلِيّاً لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة! نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا جَعْفَرُ بْنُ اَبِي طَالِبٍ، فَمَا هِيَ الْاَوْسِمَةُ الَّتِي اُسْدِيَتْ اِلَيْه؟ نَعَمْ اَخِي: لَمْ تُسْدَ لَهُ الْاَوْسِمَةُ فِي الدُّنْيَا! وَاِنَّمَا اُسْدِيَتْ لَهُ الْاَوْسِمَةُ وَهُوَ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخ! فَمَاذَا قَالَ رَسُولُ الله؟ نَعَمْ اَخِي: اُنْظُرْ اِلَى الْاَوْسِمَةِ الَّتِي تَوَشَّحَ بِهَا جَعْفَرُ الطَّيَّارُ! وَلِذَلِكَ سُمِّيَ وَلُقِّبَ بِالطَّيَّارِ؟ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام:[ رَاَيْتُ جَعْفَرَ فِي الْمَنَامِ! يَلْبَسُ ثِيَاباً خَضْرَاءَ! وَلَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِهِمَا! يَرْتَعُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ! ثُمَّ يَاْوِي اِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَة! نَعَمْ اَخِي: اَيْنَ هِيَ مُعَلَّقَة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: فِي عَرْشِ الرَّحْمَنِ مُعَلَّقَةٌ اَرْوَاحُهُمْ! فِي قَنَادِيلَ لَانَعْلَمُ قَدْرَهَا! وَلَانَعْلَمُ قِيمَتَهَا! وَلَاكَيْفِيَّتَهَا! وَاِنَّمَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَصِفُهَا لَنَا بِاَنَّهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ فِي عَرْشِ الرَّحْمَنِ وَكَفَى! نَعَمْ اَخِي: هَلْ هُنَاكَ وِسَامٌ يُسْدَى اَوْ اَوْسِمَةٌ تُسْدَى كَمِثْلِ هَذِهِ الْاَوْسِمَةِ! فَاِذَا كَانَ الشَّهِيدُ قَدْ فَقَدَ يَدَيْهِ فِي الدُّنْيَا، فَاِنَّ اللهَ عَوَّضَهُ عَنْهُمَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا اَوْ فِيهِمَا فِي الْجَنَّة! يَالَهُ مِنْ اِكْرَامٍ لَامَثِيلَ لَهُ اَبَداً؟ تَعْظِيماً لِهَؤُلَاءِ الْاَوْفِيَاءِ وَالْاَصْدِقَاءِ وَالْاَصْحَاب! نَعَمْ لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ تَرَبَّوْا فِي بَيْتِ النُّبُوَّةِ، فَشَرِبُوا مِنْ مَعِينِهَا، وَشَرِبُوا مِنْ اَخْلَاقِهَا، وَشَرِبُوا مِنْ اِنْسَانِيَّتِهَا، فَيَااَيَّتُهَا الْاِنْسَانِيَّةُ الْمُعَذَّبَةُ! لَيْسَ لَكِ اِلَّا هَذَا الْمَنْهَجَ، وَهُوَ مَنْهَجُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي لَايَاْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَامِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَالْآَنَ سَنَكْشِفُ السِّتَارَ، وَنُسَلّطُ الْاَضْوَاءَ! عَلَى لِقَاءٍ مُشَرِّفٍ حَصَلَ بَيْنَ اَوْلَادِ جَعْفَرَ بْنِ اَبِي طَالِبٍ الْيَتَامَى، وَبَيْنَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، نَعَمْ اَخِي: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بَطَلاً مِنْ اَبْطَالِ جُنُودِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ اَوِ السَّرِيَّةِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ اَبِيهِ عُمَرَ سَيِّدِ الْاَبْطَال، فَدَخَلَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْاَبْطَالِ الْيَتَامَى الَّذِينَ شَرَّفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِاسْتِشْهَادِ اَبِيهِمْ، فَمَاذَا فَعَلَ ابْنُ عُمَر؟ ضَمَّ هَؤُلَاءِ وَشَمَّهُمْ! وَمَسَحَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ! وَقَالَ: اَشْهَدُ بِاللهِ! لَقَدْ رَاَيْتُ جَعْفَرَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقَدْ طُعِنَ تِسْعِينَ طَعْنَةً بِسَيْفٍ اَوْ رُمْحٍ! فَاَشْهَدُ بِاللهِ! اَنِّي مَارَاَيْتُ اَتْقَى وَلَااَنْقَى وَلَااَعْظَمَ وَلَااَشْرَفَ وَلَااَشْجَعَ مِنْ اَخِي جَعْفَرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ فِي مُؤْتَة! نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ لَمَّا اسْتُشْهِدَ جَعْفَرُ، بَكَى عَلَيْهِ الْمَسَاكِين؟ لِاَنَّ جَعْفَرَ الطَّيَّارَ، كَانَ يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ مَالِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين! فَيَااُمَّتِي! وَيَاشَعْبِي! وَيَااَهْلَ بَلْدَتِي! وَيَامَنْ كُلُّ مَنْ يَعِيشُ تَحْتَ سَمَائِهَا! اِجْعَلُوا رَايَةَ الْحَقِّ هِيَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ بِرَايَةِ الْمَحَبَّةِ؟ لِاَنَّهَا الرَّايَةُ الَّتِي لَاتَعْرِفُ الْحِقْدَ وَلَاالضَّغَائِنَ، وَلَاتَعْرِفُ اِلَّا الْهِدَايَةَ وَالْاِنْسَانِيَّة، فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ اِلَى رِسَالَاتِ حُبٍّ وَوِئَامٍ وَسَلَامٍ تَجْمَعُ بَيْنَنَا جَمِيعاً، وَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ اَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَنَا بِغَيْرِ حَقٍّ، يَجِبُ اَنْ نَكُونَ يَداً وَاحِدَةً؟ مِنْ اَجْلِ اِسْكَاتِهِ وَاِفْحَامِه{وَاِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اِخْوَةٌ، فَاَصْلِحُوا بَيْنَ اَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله( نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اِنَّهُ مَنْطِقُ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ اَنْ يَسْمَعَهُ النَّاسُ، فَنَحْنُ هُنَا فِي مَسَاجِدِ سُورِيَّا! نَرَى هَذَا الْحَشْدَ! وَيَنْبَغِي اَلَّا تَجْمَعَنَا اِلَّا الْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ، وَلَايَجْمَعُنَا اِلَّا التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَانَعْرِفُ تَفْرِقَةً وَلَاتَمْيِيزاً بِغَيْرِ حَقّ، فَنَحْنُ نَعِيشُ بِكُلِّ اتِّجَاهَاتِنَا وَاَطْيَافِنَا، جِيرَاناً مُتَوَادِّينَ مُتَحَابِّينَ؟ نُزُولاً عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[مَازَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ اَنَّهُ سَيُوَرِّثُه] اَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ. اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِين، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام{وَاَلَّفَ بَيْنَهُمْ! لَوْ اَنْفَقْتَ مَافِي الْاَرْضِ جَمِيعاً مَااَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ! وَلَكِنَّ اللهَ اَلَّفَ بَيْنَهُمْ!( وَلَنَا عَوْدَةٌ حَمِيدَةٌ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ اِلَى هَذِهِ الْآَيَةِ الْكَرِيمَة؟ لَكِنْ قَبْلَ ذَلِكَ نُتَابِعُ حَدِيثَنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاَحْكَامِ الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَاكَ مَايُسَمَّى فِي فِقْهِ الزَّكَاةِ بِزَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَة، فَمَاهِيَ زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَة؟ نَعَمْ اَخِي: هِيَ السِّلَعُ الَّتِي تُعْرَضُ لِلْبَيْع، وَلَابُدَّ اَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَة، وَاَمَّا اِذَا كَانَتْ مِنْ اَجْلِ الْمَؤُونَةِ لِلْاِنْسَانِ كَمَؤُونَةِ الطَّعَامِ الَّذِي هُوَ بِحَاجَةٍ اِلَيْهِ كَالرُّزِّ مَثَلاً وَالْبُرْغُلِ وَالْعَدَسِ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ لَيْسَتْ عَلَيْهَا زَكَاة؟ لِاَنَّ هَذِهِ مِنَ الْاَقْوَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ اِلَيْهَا صَاحِبُهَا، وَاِنَّمَا الزَّكَاةُ عَلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ مِنَ السِّلَعِ الَّتِي تُعْرَضُ لِلْبَيْعِ، فَمَاهِيَ نِسْبَةُ الزَّكَاةِ فِيهَا؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هِيَ بِنِسْبَةِ رُبْعِ الْعُشْرِ، وَهِيَ كَنِسْبَةِ الْاَمْوَالِ النَّقْدِيَّةِ بِمِقْدَارِ اثْنَانِ وَنِصْفٍ بِالْمِائَة، وَهُوَ مَايُسَاوِي خَمْساً وَعِشْرِينَ بِالْاَلْف، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ مِنْ هَذِهِ السِّلَعِ سَوَاءً كَانَتْ تَمْوِينِيَّةً اَمْ كَانَتْ اَلْبِسَةً اَوْ كَانَتْ آَلَاتٍ كَالْجَرَّارَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ وَغَيْرِهَا، فَاِنَّ كُلَّ مَاذَكَرْتُهُ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْاَشْيَاءِ، تُسَمَّى عُرُوضَ تِجَارَةٍ، وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى شَرْط؟ اَنْ تَكُونَ تُتَاجِرُ فِيهَا، فَاِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَاجِراً فِيهَا، فَلَازَكَاةَ عَلَيْهَا، نَعَمْ اَخِي: فَلَوْ اَنَّ عِنْدَكَ عُرُوضَ تِجَارَةٍ قِيمَتُهَا حَوَالِي عَشْرَةُ مَلَايِينِ لَيْرَةٍ سُورِيَّة، وَعَلَيْكَ دَيْنٌ بِمِقْدَارِ خَمْسَةِ مَلَايِينِ لَيْرَةٍ مَثَلاً، فَعَنْ اَيِّ شَيْءٍ تُزَكِّي هُنَا؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: تُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ خَمْسَةِ مَلَايِينَ فَقَطْ، وَلْنَضْرِبْ لِذَلِكَ مِثَالاً آَخَرَ: فَلَوْ اَنَّكَ عِنْدَكَ مِنَ السِّلَعِ التِّجَارِيَّةِ الَّتِي تَعْرِضُهَا لِلْبَيْعِ بِمِقْدَارِ عَشَرَةِ مَلَايِين، وَعَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي اسْتَدَنْتَهُ مِنْ اَجْلِ تَاْمِينِ هَذِهِ السِّلَعِ بِمِقْدَارِ ثَلَاثَةِ مَلَايِين، فَاِنَّكَ هُنَا اَخِي تُزَكِّي عَنْ سَبْعَةِ مَلَايِينَ فَقَطْ ، وَاَمَّا الثَّلَاثَةُ مَلَايِينَ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ، فَلَازَكَاةَ عَلَيْهَا، نَعَمْ اَخِي: وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ، نَعَمْ اَخِي: وَهَذِهِ النِّسْبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ فَرَضَهَا الْاِسْلَامُ لِكُلِّ مَايُعْرَضُ وَيُبَاع، لَكِنْ قَدْ يَقُولُ قَائِل: مَايُعْرَضُ وَيُبَاعُ لَايَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْاَشْيَاءِ؟ لِاَنَّ مِمَّا يُعْرَضُ وَيُبَاعُ اَيْضاً سَيَّارَاتٌ وَدَرَّاجَاتٌ وَبَرَّادَاتٌ وَغَسَّالَاتٌ وَتِلْفِزْيُونَاتٌ وَرَادْيُوهَاتٌ وَمُسَجِّلَاتٌ وَمُوبَايْلَاتٌ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْاَشْيَاء، وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: كُلُّ هَذِهِ الْاَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تُعْتَبَرُ عُرُوضاً مِنْ اَجْلِ التِّجَارَةِ اِذَا كُنْتَ تَبِيعُهَا وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، وَاَمَّا اِذَا كَانَتْ لِمِهْنَتِكَ اَوْ لِاَمْرِكَ الْخَاصِّ، فَمَثَلاً اَنْتَ اَخِي تَبِيعُ مِنَ الْبُوظَةِ وَالْآَيْسِ كْرِيمِ وَ الْمُرَطَّبَاتِ، وَعِنْدَكَ بَرَّادَاتٌ تَسْتَعْمِلُهَا مِنْ اَجْلِ هَذِهِ الْمَوَادِّ الَّتِي تَبِيعُهَا، فَهَلْ هَذِهِ الْبَرَّادَاتِ الَّتِي تَسْتَعْمِلُهَا عَلَيْهَا زَكَاة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَازَكَاةَ عَلَيْهَا، وَاَمَّا اِذَا كَانَ عِنْدَكَ مِنْ هَذِهِ الْبَرَّادَاتِ مِنْ اَجْلِ التِّجَارَةِ بِهَا وَبَيْعِهَا، فَهَذِهِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: عِنْدَكَ مَثَلاً مِنَ الْاَحْوَاضِ الْخَشَبِيَّةِ اَوِ الزُّجَاجِيَّة(اَلْقَطَارْمِيزِ(الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا السِّلَع، فَكُلُّ هَذِهِ لَازَكَاةَ فِيهَا؟ لِاَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَاِنَّمَا هِيَ مُسْتَوْدَعٌ لِلْمَوَادِّ التِّجَارِيَّة، وَلَكِنَّ الْمَوَادَّ الَّتِي فِيهَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؟ لِاَنَّهَا لِلتِّجَارَة، وَاَمَّا مَايَحْفَظُهَا مِنْ هَذِهِ الْاَوَانِي الزَّجَاجِيَّةِ وَالْخَشَبِيَّةِ مِمَّا هُوَ لَيْسَ لِلْبَيْعِ، فَلَازَكَاةَ فِيه، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اِذَا كُنْتَ تَبِيعُ مِنَ الْاَحْوَاضِ الزُّجَاجِيَّةِ بِمَا فِيهَا مِنَ السَّمَكِ اَوْ مِنَ الْاَقْفَاصِ بِمَا فِيهَا مِنَ الطُّيُورِ، فَهَذِهِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَلَايُعْفِيكَ الْاِسْلَامُ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَيْهَا، وَاِنْ كَانَ حَبْسُ السَّمَكِ وَالطُّيُورِ مَكْرُوهاً كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً غَالِباً، نَعَمْ اَخِي: كَذَلِكَ الْمُرَابِي، وَالسَّارِقُ، وَالْمُحْتَكِرُ، وَالرَّاشِي، وَالْمُرْتَشِي، وَالْغَشَّاشُ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ، وَالْمُقَامِرُ، وَالْمُتَعَاطِي لِجَمِيعِ اَنْوَاعِ الْكَبَائِرِ وَالذُّنُوبِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، فَاِنَّ الْاِسْلَامَ لَايُعْفِي اَحَداً مِنْ هَؤُلَاءِ اَبَداً مِنَ الزَّكَاةِ! وَاِنْ كَانَ اللهُ طَيِّباً لَايَقْبَلُ اِلَّا طَيِّبَا، نَعَمْ اَخِي: وَحَتَّى وَلَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ جَمِيعاً مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاِنَّ اللهَ لَايُعْفِيهِمْ اَيْضاً مِنْ اَدَاءِ الزَّكَاةِ! وَلَكِنْ بِمُسَمّىً آَخَرَ وَهُوَ الْجِزْيَة، بَلْ اَمَرَ الْاِسْلَامُ بِقِتَالِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْجِزْيَةِ كَمَا اَمَرَ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اَدَاءِ الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ قِتَالِ هَؤُلَاءِ قَتْلُهُمْ غَالِباً اِلَّا فِي حَالَةِ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ وَاَحْوَالٍ اُخْرَى لَامَجَالَ لِذِكْرِهَا الْآَن، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِهِمْ هُوَ تَاْدِيبُهُمْ، لَكِنْ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمُحَافَظَةِ وَالْاِبْقَاءِ عَلَى حَيَاتِهِمْ عَلَى ضَوْءِ قَوْلِهِ تَعَالَى{ فَخُذُوهُمْ، وَاحْصُرُوهُمْ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَاِنْ تَابُوا، وَاَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآَتَوُا الزَّكَاةَ، فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ( نَعَمْ اَخِي: كَذَلِكَ سَيَّارَتُكَ الَّتِي تَسْتَخْدِمُهَا مِنْ اَجْلِ نَقْلِ الْاَمْتِعَة، فَمَثَلاً اَنْتَ تَمْلِكُ شَرِكَةً مِنَ الشَّرِكَاتِ، وَلَدَيْكَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ سَيَّارَةٌ تَنْقُلُ هَذِهِ الْبِضَاعَة، فَالسَّيَّارَةُ هُنَا لَيْسَ عَلَيْهَا زَكَاة، نَعَمْ اَخِي: كَذَلِكَ سَيَّارَتُكَ الْخَاصَّةُ الَّتِي تَسْتَعْمِلُهَا، لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[لَيْسَ عَلَى الْمُؤْمِنِ زَكَاةٌ فِي دَابَّتِهِ وَعَبْدِهِ(نَعَمْ اَخِي: وَنَاْخُذُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدَّابَّةَ، وَنَقِيسُ عَلَيْهَا السَّيَّارَةَ؟ لِتُصْبِحَ السَّيَّارَةُ اَيْضاً لَازَكَاةَ عَلَيْهَا قِيَاساً عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي لَازَكَاةَ عَلَيْهَا بِاِعْفَاءِ رَسُولِ اللهِ لَهَا مِنَ الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: فَكُلُّ هَذِهِ الْاُمُورِ الَّتِي تَسْتَعْمِلُهَا اَوْ يَسْتَعْمِلُهَا اَيُّ اِنْسَانٍ لِاُمُورِهِ الْخَاصَّةِ وَخَاصِّيَّتِهِ لَازَكَاةَ فِيهَا، وَاَمَّا اِذَا كَانَ لَدَيْكَ اَخِي مَعْرَضٌ مِنْ اَجْلِ بَيْعِ السَّيَّارَاتِ، فَهَذِهِ السَّيَّارَاتُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: مَثَلاً اَنْتَ عِنْدَكَ فِي الْبَيْتِ مَكْتَبَةٌ تُسَاوِي الْمَلَايِينَ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَة، فَهَذِهِ كَذَلِكَ لَاتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، وَاَمَّا اِذَا كُنْتَ تُتَاجِرُ بِالْكُتُبِ، فَهَذِهِ الْكُتُبُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: اَنْتَ مَثَلاً مُتَعَهِّدٌ اَوْ مِعْمَرْجِيٌّ تَبْنِي وَتَبِيع، بِمَعْنَى اَنَّكَ تَاجِرُ بِنَاء، فَهَذِهِ الْاَبْنِيَةُ الَّتِي تَبِيعُهَا، تُعْتَبَرُ مِنَ السِّلَعِ التِّجَارِيَّةِ وَمِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، لَكِنْ لِنَفْرِضْ اَنَّكَ اشْتَرَيْتَ يَوْماً مِنَ الْاَيَّامِ اَرْضاً مِنَ الْاَرَاضِي بِمَبْلَغٍ مُرْتَفَعٍ، ثُمَّ انْخَفَضَ سِعْرُهَا، فَاِذَا اَرَدْتَّ اَنْ تَبِيعَهَا، فَاِنَّكَ مَعَ الْاَسَفِ لَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَبِيعَهَا اِلَّا بِبَخْسٍ مِنَ الثَّمَن، وَهَذِهِ الْاَرْضُ مَعَ الْاَسَفِ اَصْبَحَتْ مُجَمَّدَةً، فَمَا هُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلزَّكَاةِ فِيهَا؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَازَكَاةَ فِيهَا اِلَّا حِينَمَا تَبِيعُهَا، لَكِنْ لِنَفْرِضْ اَنَّكَ لَمْ تَسْتَطِعْ بَيْعَهَا اِلَّا بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ مُضِيِّ سَنَتَيْنِ اَوْ ثَلَاثٍ اَوْ اَرْبَع، فَهَلْ تُزَكِّي عَنْ كُلِّ هَذِهِ السَّنَوَاتِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيْكَ دُونَ اَنْ تَسْتَطِيعَ اِلَى بَيْعِهَا سَبِيلاً اِلَّا بَعْدَ انْتِظَارٍ طَوِيل؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنَ الزَّكَاةِ هُنَا اِلَّا اِخْرَاجُهَا عَنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ ، نَعَمْ اَخِي: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَر، فَمَثَلاً اَخِي عِنْدَكَ مِنْ كُرُومِ الزَّيْتُونِ، وَمِنَ الْاَرَاضِي الَّتِي تَصْلُحُ اَوْ لَاتَصْلُحُ لِلزِّرَاعَة، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ بَدَا لَكَ اَنْ تَبِيعَهَا؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ تَرْتَاحَ مِنْ تَعَبِ الزِّرَاعَةِ وَتَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَوَادَّ مِنْ اَجْلِ الْبِنَاءِ ثُمَّ تَبْنِيَ مِنَ الْعَمَارَاتِ وَالشُّقَقِ السَّكَنِيَّةِ؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ تُؤَجِّرَهَا لِلنَّاسِ، فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هُنَا الْفُقَهَاءُ عِنْدَهُمْ آَرَاء؟ اَلرَّاْيُ الْاَوَّلُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْاَرَاضِي الزِّرَاعِيَّةِ وَكُرُومِ الزَّيْتُونِ الَّتِي بِعْتَهَا ثُمَّ اسْتَبْدَلْتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاَبْنِيَةٍ لِتُؤَجِّرَهَا وَتَاْخُذَ اُجْرَتَهَا مِنَ الْمُسْتَاْجِرِين، فَكَمْ يَجِبُ فِيهَا مِنَ الزَّكَاة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ فِيهَا كَمَا يَقُولُ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَهُوَ الْعُشْرُ اَيْ عَشَرَةٌ بِالْمِائَةِ اِذَا لَمْ تَتَكَلَّفْ فِي زِرَاعَةِ هَذِهِ الْاَرَاضِي، اَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ بِالْمِائَةِ اِذَا كَانَ هُنَاكَ تَكْلِفَةٌ عَلَيْكَ فِي زِرَاعَةِ هَذِهِ الْاَرَاضِي قَبْلَ اَنْ تَبِيعَهَا وَتَسْتَبْدِلَهَا بِهَذِهِ الْاَبْنِيَة، نَعَمْ اَخِي: لَكِنَّ فَرِيقاً آَخَرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِرَاْيٍ ثَانِي اَسْهَلُ وَهُوَ: اَنَّ هَذِهِ الْعِمَارَاتِ الَّتِي تُؤَجِّرُهَا، فَاِنَّ الْاُجْرَةَ الَّتِي تَاْخُذُهَا طَبْعاً سَتُنْفِقُ مِنْهَا، فَاِنْ بَقِيَ مَعَكَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْاُجْرَةِ دُونَ اَنْ تُنْفِقَهُ وَدُونَ اَنْ تَحْتَاجَ اِلَيْهِ، فَاِنَّهَا تُضَمُّ اِلَى جَمِيعِ الْمَالِ الَّذِي مَعَك، بِمَعْنَى اَنَّ عَلَيْكَ اَنْ تَضُمَّهَا اِلَى جَمِيعِ الْمَالِ الَّذِي مَعَكَ ثُمَّ فِي آَخِرِ الْعَامِ اَوِ السَّنَةِ، تُزَكِّي مِنْ جَمِيعِ هَذَا الْمَالِ الَّذِي تَمْلِكُهُ بِنِسْبَةِ رُبْعِ الْعُشْرِ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ بِالْمِائَة، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الزَّكَوَاتُ الَّتِي هِيَ كَمَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ اَنَّهَا اَمْوَال، وَهَذِهِ الْاَمْوَالُ قَدْ تَكُونُ مَنْقُولَةً، وَقَدْ تَكُونُ اَمْوَالاً ثَابِتَة، وَسَوَاءً كَانَتْ اَمْوَالاً مَنْقُولَةً، اَمْ اَمْوَالاً ثَابِتَةً، فَمَا دُمْتَ تُتَاجِرُ فِيهَا يَااَخِي، فَاِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَة، نَعَمْ اَخِي: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالاً آَخَر: فَاِذَا كَانَ عِنْدَكَ مِنَ السِّلَعِ كَالطَّرَابِيشِ مَثَلاً، وَكَانَتْ هَذِهِ الطَّرَابِيشُ مُوضَةً دَارِجَةً قَدِيماً، وَلَكِنَّ النَّاسَ فِي اَيَّامِنَا اَبْطَلُوا اَنْ يَلْبَسُوا مِثْلَ هَذِهِ الْاَشْيَاءِ وَكَفُّوا عَنْهَا وَلَمْ تَعُدْ مُوضَةً دَارِجَةً اَوْ عُرْفاً مُتَّبَعاً، لَكِنَّ الطَّرَابِيشَ مَعَ ذَلِكَ مَازَالَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَكَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ التِّجَارِيِّ الَّذِي تَمْلِكُهُ، فَهَلْ هُنَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَاتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهَا لَمْ تَعُدْ سِلْعَةً تِجَارِيَّةً مُتَدَاوَلَةً بَيْنَ النَّاس، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ بَعَثَ اِلَيَّ اَحَدُ الْاِخْوَةِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: مَاهُوَ نِصَابُ الزَّكَاة؟ بِمَعْنَى مَاهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي اِذَا مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ الْقَمَرِيُّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً دُونَ اَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ نَفقَةً تُنْقِصُ هَذَا الْمِقْدَارَ اَوِ النِّصَابَ فَاِنَّهُ يُوجِبُ اِخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ اَمْوَالِهِ شَرْعاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهُ بِمِقْدَارِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ غْرَاماً مِنَ الذَّهَبِ عِيَار عِشْرِين، وَاَرْجُو مِنْكَ اَخِي اَنْ تَسْاَلَ الصَّائِغَ كَمْ يُسَاوِي غْرَامُ الذَّهَبِ فِي اَيَّامِنَا حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْ حِسَابِ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ اَمْوَالِكَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ اِخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْهَا اِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلَمْ تَكُنْ بِحَاجَةٍ لِاِنْفَاقِهَا اَوْ وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهَا، لِمَاذَا عَلَيْكَ اَخِي اَنْ تَسْاَلَ الصَّائِغ؟ لِاَنِّي لَااَسْتَطِيعُ اَنْ اُجِيبَكَ عَنْ مِقْدَارِ النِّصَابِ الْمَطْلُوبِ مِنْ اَجْلِ اِخْرَاجِ الزَّكَاةِ حَتَّى نَعْلَمَ اَنَا وَاَنْتَ سِعْرَ غْرَامِ الذَّهَبِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَالَ فِيهِ الْحَوْلُ عَلَى اَمْوَالِكَ، فَرُبَّمَا يَحُولُ الْحَوْلُ عَلَى اَمْوَالِكَ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مَثَلاً بِسِعْرٍ رَخِيصٍ هَابِطٍ لِهَذَا الِغْرَامِ مِنَ الذَّهَب، وَرُبَّمَا يَحُولُ الْحَوْلُ عَلَى غَيْرِكَ مِنَ اِخْوَانِكَ الْمُؤْمِنِينَ بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ غَالٍ غَيْرِ رَخِيصٍ لِهَذَا الِغْرَام ِمِنَ الذَّهَبِ الذي عِيَارُهُ عِشْرُون، فَاِذَا حَالَ عَلَيْكَ الْحَوْلُ بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ غَالٍ غَيْرِ رَخِيصٍ لِهَذَا الِغْرَامِ مِنَ الذَّهَب وَرُبَّمَا اَنْتَ اَخِي لَاتَمْلِكُ مِنَ الذَّهَبِ شَيْئاً وَرُبَّمَا لَيْسَ لَدَيْكَ اِلَّا الْاَوْرَاقُ النَّقْدِيَّةُ وَ الْعُمْلَةُ الْمَعْدَنِيَّة( وَهِيَ اَلنِّكِلْ( وَلَاتَمْلِكُ مِنَ الذَّهَبِ مَالَوْ جَمَعْتَهُ مَعَ هَذِهِ الْاَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ مَلَكْتَ بِهِ نِصَابَ الزَّكَاةِ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ غْرَاماً مِنَ الذَّهَبِ عِيَارْ عِشْرِين، فَاِنَّ الْاِسْلَامَ يُعْفِيكَ مِنْ اَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؟ لِاَنَّكَ رُبَّمَا لَاتَمْلِكُ نِصَابَهَا بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ لِغْرَامِ الذَّهَب، وَرُبَّمَا تَمْلِكُهُ بِسِعْرٍ رَخِيصٍ لِهَذَا الِغْرَامِ فَتَجِبُ عَلَيْكَ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالَة، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا كَانَ مَعَكَ مَبْلَغٌ مِنَ الْمَالِ يُسَاوِي خَمْسَةً وَثَمَانِينَ غْرَاماً مِنَ الذَّهَبِ عْيَارْ عِشْرِين(وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْعِيَارُ مِنْ زَمَنٍ اِلَى زَمَنٍ فِي فَتْوَى عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ وَالِاقْتِصَاد( وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ دُونَ اَنْ تَحْتَاجَ اِلَى اِنْفَاقِهِ، فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاة، نَعَمْ اَخِي: بَعْضُ النَّاسِ يُخْطِىءُ وَيَظُنُّ اَنَّهُ لَاتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ اِلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَاب، وَاَقُولُ لِهَؤُلَاء: بَلْ تَجِبُ عَلَيْكُمْ فِي النِّصَابِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَاب، فَاِذَا كَانَ عِنْدَكَ اَخِي مِنَ الْاَمْوَالِ مَاقِيمَتُهُ تِسْعُونَ غْرَاماً مِنَ الذَّهَبِ، فَيَجِبُ عَلَيْكَ اَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَنْ تِسْعِينَ غْرَاماً، وَاِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ اِلَّا مَاقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ غْرَاماً، فَيَجِبُ عَلَيْكَ شَرْعاً اَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ غْرَاماً فَقَطْ ، فَاِذَا نَقَصَ النِّصَابُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ غْرَاماً مِنَ الذَّهَبِ عْيَارْ عِشْرِين، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْكَ لَكِنْ بِشَرْط؟ اَنْ تَضُمَّ الشَّيْءَ اِلَى جِنْسِهِ مِنْ اَمْوَالِكَ، فَاِذَا كَانَ لَدَيْكَ فِي بَيْتِكَ مِنَ اللَّيْرَاتِ الذَّهَبِيَّةِ الَّتِي تُسَاوِي مَاقِيمَتُهُ سَبْعِينَ غْرَاماً، وَمَعَكَ مِنَ الْاَمْوَالِ النَّقْدِيَّةِ الَّتِي لَوْ جَمَعْتَهَا اِلَى بَعْضِهَا مَعَ هَذِهِ اللَّيْرَاتِ الذَّهَبِيَّةِ فَاِنَّهَا تُسَاوِي خَمْسَةً وَثَمَانِينَ غْرَاماً، فَهُنَا اَنْتَ مُلْزَمٌ شَرْعاً بِاِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنِ الْجَمِيعِ مِنْ اَمْوَالِكَ النَّقْدِيَّةِ الْعَادِيَّةِ وَلَيْرَاتِكَ الذَّهَبِيَّة؟ لِاَنَّ الْاَوْرَاقَ النَّقْدِيَّةَ وَالْعُمْلَةَ الْمَعْدَنِيَّةَ هِيَ مِنْ جِنْسِ الذَّهَبِ، وَاَنْتَ اَخِي تَمْلِكُ مِنْ جِنْسِ الذَّهَبِ هَذِهِ اللَّيْرَاتِ الذَّهَبِيَّةَ وَهَذِهِ الْاَوْرَاقَ النَّقْدِيَّةَ وَ الْعُمْلَةَ الْمَعْدَنِيَّةَ الَّتِي اَنْتَ مُلْزَمٌ اَخِي شَرْعاً رَغْماً عَنْكَ اَنْ تَضُمَّهَا اِلَى جِنْسِهَا جَمِيعاً وَهُوَ الذَّهَبُ؟ مِنْ اَجْلِ اِخْرَاجِ زَكَاتِهَا جَمِيعاً بِمَا فِيهَا مِنَ اللَّيْرَاتِ الذَّهَبِيَّةِ وَالْاَوْرَاقِ النَّقْدِيَّة وَالْمَعْدَنِيَّة، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ النِّعَمُ الَّتِي اَغْدَقَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا! اَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا اَنْ نُطِيعَ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِشُكْرِهِ عَلَيْهَا بِالْقِيَامِ بِهَذِهِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي هِيَ فَرِيضَةُ الزَّكَاة؟ بَلَى يَااَخِي، وَاعْتَقِدِ اعْتِقَاداً جَازِماً: اَنَّ الزَّكَاةَ لَاتُنْقِصُ الْمَالَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[مَانَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ اَوْ زَكَاةٍ قَطّ( قَدْ يَقُولُ قَائِل؟ كَانَ مَعِي مِنَ الْمَالِ بِمِقْدَارِ مِلْيُونِ لَيْرَة، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَاَخْرَجْتُ مِنْهَا خَمْسةً وَعِشْرِينَ اَلْفَ لَيْرَةٍ سُورِيَّة، فَنَقَصَتْ اِلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ اَلْفَ لَيْرَةٍ سُورِيَّة، فَكَيْفَ يُصِرُّ رَسُولُ اللهِ عَلَى اَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: نَعَمْ اَنْتَ تَرَى فِي الظَّاهِرِ اَنَّهَا نَقَصَتْ، وَاَزِيدُكَ مِنَ عَجَائِبِ حِكْمَةِ اللهِ فِي هَذَا الْكَوْنِ عَجِيبَةً اُخْرَى: اَنَّكَ رُبَّمَا تَرَى الْمُرَابِيَ اَيْضاً فِي الظَّاهِرِ يُعْطِي النَّاسَ اَلْفَ لَيْرَةٍ قَرْضاً اَوْ دَيْناً عَلَى اَنْ تَعُودَ اِلَيْهِ هَذِهِ الْاَلْفُ لَيْرَةٍ بِمِقْدَارِ اَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ اَيْ بِزِيَادَةِ خَمْسِمِائَةِ لَيْرَةٍ عَلَى كُلِّ اَلْفِ لَيْرَةٍ يُقْرِضُهَا لِلنَّاسِ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الزِّيَادَة، فَكَيْفَ يَكُونُ النَّقْصُ حَاصِلاً فِي الزَّكَاةِ؟ وَكَيْفَ لَاتَحْصَلُ اِلَّا الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْمُرَابِينَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ بِاِصْرَارِهِمْ عَلَى الْمَالِ الْحَرَامِ وَعَدَمِ النَّصُوحِ مِنْ تَوْبَتِهِمْ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هَذَا فِي مَقَايِيسِ التُّجَّارِ الْمَادِّيِّينَ الَّذِينَ لَاهَمَّ لَهُمْ اِلَّا الْمَادَّة، وَاَمَّا فِي مَقَايِيسِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَهْتَمُّونَ بِالْمَادَّةِ وَالرُّوحِ مَعاً وَلَايُسَخِّرُونَهُمَا اِلَّا فِي رِضَا اللهِ، فَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا، وَيُرْبِي الصَّدَقَات(نَعَمْ اَخِي: نَحْنُ نُصَدِّقُ بِالْقُرْآَن، وَلَكِنَّ مِمَّا يَزِيدُنَا يَقِيناً وَاِيمَاناً، اَنَّ الْوَاقِعَ يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي يَقُولُهُ الْقُرْآَن، فَكَمْ مِنْ مُرَابِينَ مُحِقُوا مَحْقاً هُمْ وَذَرَارِيهِمْ! حَتَّى صَارَ ذَرَارِيهِمْ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّاسِ الصَّدَقَات! نَعَمْ اَخِي{يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات(وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الَّذِي يُزَكِّي وَيُطِيعُ اللهَ تَعَالَى فِي مَالِهِ مِنْ حَيْثُ الْكَسْبِ وَالْاِنْفَاقِ، فَهُوَ لَايَكْسَبُ اِلَّا حَلَالاً، وَلَايُنْفِقُ اِلَّا حَلَالاً، وَاِذَا اَنْفَقَ اَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ اِسْرَافٍ وَلَاتَبْذِيرٍ وَ لَارِيَاءٍ وَلَامَخِيلَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، فَاِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُبَارِكُ لَه، نَعَمْ اَخِي: وَاَحْيَاناً يَاْتِينَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي رَسَائِلِهِمْ بِشُبْهَةٍ يَقُولُونَ فِيهَا: اِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ عَنْ اَهْلِ الْكِتَابِ[وَلَوْ اَنَّهُمْ اَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْاِنْجِيلَ وَمَااُنْزِلَ اِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، لَاَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ اَرْجُلِهِمْ(وَفَاضَتْ عَلَيْهِمُ النِّعَمُ، فَهَلْ هُمْ فِي الْغَرْبِ الصَّلِيبِيِّ يُقِيمُونَ التَّوْرَاةَ وَالْاِنْجِيلَ؟ بَلْ لَايُقِيمُونَهُمَا وَمَعَ ذَلِكَ هُمْ اَغْنِيَاءُ فَاحِشُونَ مِنَ الثَّرَاءِ يَاْكُلُونَ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ اَرْجُلِهِمْ؟ فَهَلْ هُنَاكَ طَعَامٌ مِنْ نَوْعٍ آَخَرَ نَجْهَلُهُ وَلَانَدْرِي عَنْهُ شَيْئاً وَعَدَهُمُ اللهُ اَنْ يُطْعِمَهُمْ اِيَّاهُ لَوْ اَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْاِنْجِيل! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: نَعَمْ هُنَاكَ طَعَامٌ مِنْ نَوْعٍ آَخَرَ وَعَدَهُمُ اللهُ اِيَّاهُ! لَايَجْلِبُ لَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْقَلَقِ وَالتَّوَتُّرِ وَالرُّعْبِ! اَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ قَبْلُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ فِي مَكَّةَ! فَكَفَرُوا بِنِعْمَةِ اللهِ! فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى؟ مُذَكِّراً لَهُمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؟ حَتَّى لَايَجْحَدُوهَا؟ وَحَتَّى يَشْكُرُوهَا{لِاِيلَافِ قُرَيْشٍ، اِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي اَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْف( نَعَمْ هُمْ اَغْنِيَاءُ فَاحِشُونَ مِنَ الثَّرَاءِ؟ لِاَنَّ اللهَ يَقُولُ عَنْ اَسْيَادِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ فِي آَيَةٍ اُخْرَى{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ اَيْنَمَا ثُقِفُوا؟ اِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَة(فَهُمْ تَمَسْكَنُوا حَتَّى تَمَكَّنُوا وَوَصَلُوا اِلَى هَذَا الْغِنَى وَالثَّرَاءِ الْفَاحِشِ بِفَضْلِ اَسْيَادِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ الْمُرَابِينَ وَتُجَّارِ الْاَسْلِحَةِ الَّذِينَ يَلْعَنُونَ ابْنَ مَرْيَمَ وَاُمَّهُ وَ يَقُولُونَ عَلَيْهِمَا مَايَقُولُونَ مِنْ بُهْتَانٍ عَظِيمٍ، وَحِذَاؤُهُمَا الَّذِي يَنْتَعِلَانِهِ يُشَرِّفُهُمْ جَمِيعاً، نَعَمْ اَخِي: فَهؤُلاءِ الْيَهُودُ مِنْ اَحْفَادِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ يَجِدُونَ رَوَاجاً كَبِيراً لِلرِّبَا وَتِجَارَةِ الْاَسْلِحَةِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَالْمَمْنُوعَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَاَكْلِ اَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فِي اَسْوَاقِ الْخَنَازِيرِ الصُّلْبَانِ الْخَوَنَةِ؟ لِتَكُونَ مُنْطَلَقاً بَعْدَهَا مِنْ اَجْلِ تَوْسِيعِ تِجَارَتِهِمْ وَبِضَاعَتِهِمُ الْكَاسِدَةِ الْفَاسِدَةِ اِلَى جَمِيعِ اَنْحَاءِ الْعَالَمِ، اِلَّا قَلِيلاً مِنَ الْيَهُودِ الشُّرَفَاءِ، وَاِلَّا كَثِيراً مِنَ النَّصَارَى الشُّرَفَاءِ الَّذِينَ لَايَتَجَاوَبُونَ مَعَهُمْ وَلَا مَعَ سَعْيِهِمْ فَسَاداً فِي الْاَرْضِ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ تَرَاهُمْ فِي الْغَرْبِ الصَّلِيبِيِّ فِي الظَّاهِرِ اَنَّهُمْ يَعِيشُونَ فِي غِنىً وَفِي ثَرَاءٍ فَاحِشٍ، وَلَكِنَّكَ تَرَى فِي اَكْثَرِ الْبِلَادِ تَقَدُّماً وَهِيَ بِلَادُ الْغَرْبِ الصَّلِيبِيِّ الَّتِي كَانَ مِنَ الْمَفْرُوضِ اَلَّا يَكُونَ فِيهَا مِنَ الْاَمْرَاضِ الْفَتَّاكَةِ؟ لِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ وَالْحَضَارَةِ الْمَادِّيَّةِ عِنْدَهُمْ وَالْحَضَارَةِ الصِّنَاعِيَّةِ وَالزِّرَاعِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّة، وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّكَ اَخِي تَرَى مِنْ هَذِهِ الْاَمْرَاضِ الْفَتَّاكَةِ مَالَايُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَاد! وَلِذَلِكَ فَاِنَّهُمْ لَايَاْكُلُونَ اِلَّا مَايَجْلِبُ لَهُمْ مِنْ مَحْقِ اللهِ وَلَعْنَتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْاَمْرَاضِ الْفَتَّاكَةِ الَّتِي جَعَلَهَا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ اَرْجُلِهِمْ، بَلْ جَعَلَهَا مُحِيطَةً بِهِمْ اِحَاطَةَ السُّوَارِ بِالْمِعْصَمِ وَلَايَجِدُونَ اِلَى عِلَاجِهَا سَبِيلاً، وَلِذَلِكَ فَاِنَّهُمْ يَصْرِفُونَ جَمِيعَ هَذِهِ الْاَمْوَالِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَلَى صِحَّتِهِمْ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّهُمْ مَااَعَادُوا انْتِخَابَ اُوبَامَا لِفَتْرَةٍ رِئَاسِيَّةٍ جَدِيدَةٍ اِلَّا بِسَبَبِ عِنَايَتِهِ بِالْقِطَاعِ الصِّحِّي، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ تَرَى فِي بِلَادِ الْغَرْبِ الصَّلِيبِيِّ مَاتَرَاهُ مِنْ قَلَقٍ عَلَى حَيَاةِ الْاِنْسَان، فَفِي بِلَادِ السُّوَيْدِ مَثَلاً، تَرَى دَخْلَ الْفَرْدِ فِيهَا يَصِلُ اِلَى اَعْلَى نِسْبَةٍ فِي الْعَالَمِ مِنَ الْاَمْوَال، وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّكَ اَيْضاً تَرَى اَعْلَى نِسْبَةٍ فِي الْعَالَمِ فِي الِانْتِحَارِ مَوْجُودَةٌ فِي بِلَادِ السُّوَيْدِ؟ بِسَبَبِ وُجُودِ قَلَقٍ نَفْسِيٍّ فَظِيعٍ عِنْدَهُمْ؟ لِاَنَّهُمْ لَايَقْرَؤُونَ الْقُرْآَنَ؟ لِاَنَّ الْقُرْآَنَ هُوَ الْعِلَاجُ الْوَحِيدُ فِي هَذَا الْكَوْنِ لِهَذَا الْقَلَقِ النَّفْسِيِّ بِشَرْط؟ اَنْ يَفْهَمُوا مَعَانِيَهِ وَاَحْكَامَهُ وَيَتَعَلَّمُوهَا مِنَ الْاَلِفِ اِلَى الْيَاء، وَالْاَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ اَنْ يَفْهَمُوا مَايَتَعَلَّقُ بِعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ فِي آَيَاتِهِ؟ لِاَنَّهَا هِيَ الْاَسَاسُ فِي عِلَاجِ هَذَا الْقَلَقِ النَّفْسِيِّ الَّذِي وَصَفَهُ سُبْحَانَهُ بِاَجْمَلِ الْاَوْصَافِ الْبَلِيغَةِ قَائِلاً{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ، فَكَاَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ، فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، اَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق( نَعَمْ اَخِي: فَهُنَاكَ قَلَقٌ عَظِيمٌ مِنْ هَذَا الطَّيْرِ الْمُتَوَحِّشِ فِي اَغْوَارِ نُفُوسِهِمْ وَاَعْمَاقِهَا؟ لِاَنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ اسْتَوْحَشَتْ مِنَ الْاِشْرَاكِ بِاللِه، وَاشْتَاقَتْ اِلَى تَوْحِيدِهِ، فَلَمْ تَجِدْ اِلَى تَوْحِيدِهِ سَبِيلاً؟ لِاَنَّهَا بَعِيدَةٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الْقُرْآَن، فَاَصْبَحَتْ لَاتَسْتَقِرُّ عَلَى حَال، فَخَافَتْ مِنْ وَحْشَةِ نُفُوسِهَا اَنْ تَخْطَفَهَا كَمَا يَخْطَفُ الطَّيْرُ فَرِيسَتَه، وَفِعْلاً مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْقَلَقِ، خَطَفَتْ قَلْبَهَا، وَذَهَبَتْ بِعَقْلِهَا، فَلَمْ تَعُدْ تَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ مِنَ الْاَمْنِ وَالسَّلَامَةِ، فَظَنَّتْ اَنَّهَا سَتَاْتِيهَا رِيحُ التَّغْيِيرِ مِنْ حَالٍ سَيِّءٍ اِلَى حَالٍ حَسَنٍ اِذَا لَجَاَتْ اِلَى الِانْتِحَارِ، فَاِذَا بِهَذِهِ الرِّيحُ تَهْوِي بِهَا فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ لَايَعْلَمُ مَوْعِدَ الْوُصُولِ اِلَى قَعْرِهِ اِلَّا الله، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْغِنَى الَّذِي يَقْصُدُهُ اللهُ تَعَالَى، هُوَ غَيْرُ الْغِنَى فِي مَقَايِيسِ النَّاس، نَعَمْ اَخِي: وَالْغِنَى مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، هُوَ اَنْ يُبَارِكَ لَكَ فِي مَالِكَ الْحَلَالِ، وَاَنْ يَمْحَقَ الْمَالَ الْحَرَام، اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَاْكُلُونَ حَلَالاً، وَيُنْفِقُونَ حَلَالاً، وَيَلْبَسُونَ حَلَالاً، وَيَرْكَبُونَ حَلَالَا، نَعَمْ اَخِي وَنَعُودُ الْآَنَ عَوْدَةً حَمِيدَةً وَعَدْنَا بِهَا اِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى{هُوَ الَّذِي اَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ! لَوْ اَنْفَقْتَ مَافِي الْاَرْضِ جَمِيعاً مَااَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ! وَلَكِنَّ اللهَ اَلَّفَ بَيْنَهُمْ( نَعَمْ اَخِي: فَلَوْ كَانَ هَذَا التَّاْلِيفُ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ الْاِسْلَامِيِّ، مَااَلَّفَ اللهُ بَيْنَنَا اَبَداً، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى يُؤَلِّفُ بَيْنَنَا حِينَمَا نَتَّبِعُ مَنْهَجَه، وَاِنَّ اَعْظَمَ جَرِيمَةٍ تُرْتَكَبُ فِي عَالَمِ الْاِنْسَانِيَّةِ، اَنْ يُهْدَرَ دَمٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مَهْمَا كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ اَيِّ مِلَّةٍ كَانَ وَمِنْ اَيِّ دِينٍ كَانَ وَمِنْ اَيَّةِ طَائِفَةٍ كَان، فَالدِّمَاءُ فِي الْاِسْلَامِ مَصُونَة، وَالدِّمَاءُ مَحْفُوظَة، وَالْاَعْرَاضُ مَحْمِيَّة، وَكَرَامَةُ الْاِنْسَانِ مَضْمُونَة، وَهَذَا هُوَ دِينُنَا! فَيَارَبّ! اَلْهِمْنَا اَنْ نَتَخَلَّقَ بِهَذِهِ الْاَخْلَاق، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ، وَيَااَيُّهَا الْاَبْنَاءُ الْكِرَام، بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ وَفِي حُضُورِكُمْ وَجَمْعِكُمْ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُنْتَدَيَاتِ وَعَلَى صَفَحَاتِ الْاِنْتِرْنِتِّ شِيباً وَشُبَّاناً وَرِجَالاً وَنِسَاءً، وَلَكِنَّ التَّصْفِيقَ فِي الْجَامِعِ مِنْ اَجْلِ ذَمِّ اِنْسَانٍ اَوْ مَدْحِهِ مَهْمَا عَظُمَ شَاْنُهُ لَايَجُوزُ! بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ مُسْتَنْكِراً لِصَلَاتِهِمْ قَائِلاً{وَمَاكَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ اِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَة(نَعَمْ اَخِي: وَالْمُكَاءُ هُوَ الصَّفِير، وَالتَّصْدِيَةُ هِيَ التَّصْفِيق، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ فِي بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ! فَنَهَى اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِك، وَلَكِنْ رُبَّمَا هُنَاكَ بَعْضُ الْمَوَاقِفِ الَّتِي فِيهَا اِثَارَةٌ لِلْمَشَاعِرِ الدِّينِيَّةِ الْاِيمَانِيَّة، كَاَنْ يَقُولَ الْمُؤْمِنُ اَوِ الْمُصَلّي مَثَلاً: آَمِين، اَوْ سُبْحَانَ الله، اَوْ اَللهُ اَكْبَر، حَسْبَمَا يَسْتَدْعِي الْمَقَام، وَلِذَلِكَ اُوَجِّهُ خِطَابِي لِلْمُوَالِينَ لِلنِّظَامِ الْفَاسِدِ الْمُفْسِدِ فِي الْاَرْضِ: اَنَّ كُلَّ مَنْ يَنْزَعِجُ مِنْ كَلِمَةِ اَللهُ اَكْبَرُ، فَهُوَ مُنَافِقٌ جَاهِلٌ، اَخْشَى عَلَيْهِ اَنْ يَخْسَرَ اِسْلَامَهُ فِي نِهَايَةِ الْمَطَاف، وَيَكْفِي الْمُسْلِمِينَ فِي الْعِرَاقِ فَخْراً: اَنَّهُمْ مَازَالُوا اِلَى الْآَنَ يَحْتَفِظُونَ عَلَى عَلَمِهِمْ بِكَلِمَةِ اَللهُ اَكْبَر، فَاِذَا كَانَ الْمُتَطَرِّفُونَ الْخَوَنَةُ يَدْعَمُونَ اِجْرَامَهُمْ بِكَلِمَةِ اَللهُ اَكْبَرُ، فَنَحْنُ اَيْضاً يَجِبُ عَلَيْنَا شَرْعاً اَنْ نُقَاوِمَ اِجْرَامَهُمْ بِكَلِمَةِ اَللهُ اَكْبَرُ؟ لِاَنَّهَا الْكَلِمَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي تُوقِفُهُمْ عِنْدَ حَدِّهِمْ وَاِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَلَكِنَّهَا تُمَيِّزُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَلَقَدْ كَانَ النَّصَارَى فِي حُرُوبِهِمُ الدِّينِيَّةِ لَايَجِدُونَ غَضَاضَةً وَلَايَشْعُرُونَ بِعَارٍ حِينَمَا كَانُوا يُحَارِبُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضاً بِشِعَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْكَاثُولِيكِ وَالْاُورْثُوذُكْسِ وَهُوَ الصَّلِيب، فَلِمَاذَا نَحْنُ نَشْعُرُ بِالْعَارِ مِنْ كَلِمَةِ اَللهُ اَكْبَر؟ نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اِذَا اَرَدْتُّمْ اَنْ تَتَظَاهَرُوا، فَعَلَيْكُمْ بِالتَّظَاهُرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الصَّلَاةِ؟ حَتَّى لَاتَحْصَلَ فَوْضَى فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الْمُصَلّينَ رِجَالاً وَنِسَاءً؟ لِاَنَّ الْمَسْجِدَ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْبَغِي اَنْ يَشْعُرَ فِيهِ الْمُصَلّي بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَالرَّحْمَةِ وَالْاَمَان، فَاِذَا تَظَاهَرْتُمْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، فَلَاذَمَّ وَلَامَدْحَ لِاِنْسَانٍ مِنَ النَّاسِ مَهْمَا عَظُمَ شَاْنُهُ، اِلَّا اِذَا كُنْتُمْ مُضْطَّرِّينَ لِذَلِكَ؟ اسْتِبْيَاناً لِسَبِيلِ الْمُجْرِمِين، فَاِذَا ذَكَرْتُمْ ذَمّاً اَوْ مَدْحاً لِوَضْعٍ مِنَ الْاَوْضَاعِ الْفَاسِدَةِ، فَالْاَفْضَلُ اَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ دُونِ ذِكْرِ اَسْمَاءِ الْمَسْؤُولِينَ عَنْ هَذَا الْفَسَاد، فَاِذَا اَرَدْتُّمْ اَنْ تَذْكُرُوا اَسْمَاءَ هَؤُلَاءِ الْمَسْؤُولِينَ، فَلَايَجُوزُ التَّشْهِيرُ بِهِمْ فِي الْمُظَاهَرَاتِ الصَّفْرَاءِ وَلَا فِي الصِّحَافَةِ الصَّفْرَاءِ اِلَّا بِرُخْصَةٍ مُصَادَقٍ عَلَيْهَا مِنَ الدَّوْلَةِ وَالْاَجْهِزَةِ الْاَمْنِيَّةِ الْمَسْؤُولَة وَعَلَى مَسْؤُولِيَّةِ الدَّوْلَةِ وَفِي رَقَبَتِهَا، وَاَمَّا اَنْتُمْ فَلَاتَضَعُوا سُمْعَةَ النَّاسِ عَلَى الْمَحَكِّ فِي رِقَابِكُمْ مِنْ دُونِ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ تَعْلَمُهُ الدَّوْلَةُ وَالْاَجْهِزَةُ الْاَمْنِيَّةُ الْمَسْؤُولَةُ عِلْمَ الْيَقِين؟ لِاَنَّهَا قَامَتْ بِدِرَاسَةٍ كَافِيَةٍ عَنِ الْفَسَادِ وَمَنْ قَامَ بِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَسْؤُولِين، وَاَمَّا اَنْتُمْ فَمِنْ اَيْنَ جِئْتُمْ بِهَذِهِ الدِّرَاسَةِ اَوِ الْمَعْلُومَاتِ الْاَمْنِيَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى تَوَرُّطِهِمْ؟ هَلْ لَدَيْكُمْ شَجَرَةُ الْعَائِلَةِ الَّتِي تَمْلِكُهَا الْاَجْهِزَةُ الْاَمْنِيَّةُ عَنْ كُلِّ مَسْؤُولٍ مِنْ هَؤُلَاء؟ طَبْعاً لَيْسَ لَدَيْكُمْ، فَكَيْفَ يَحِقُّ لَكُمْ اَنْ تَتَّهِمُوا النَّاسَ وَتَتَظَاهَرُوا ضِدَّهُمْ خَبْطَ عَشْوَاءَ كَيْفَمَا اتَّفَقَ وَمِنْ دُونِ رُخْصَةٍ مِنْ هَذِهِ الْاَجْهِزَةِ الْاَمْنِيَّةِ الْمُصَادِقَةِ عَلَى اتِّهَامِكُمْ لَهُمْ! نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اَوَّلُ مَااَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ اَوَّلاً: بِمَعْنَى امْتِثَالِ الْاَوَامِرِ الْاِلَهِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ، وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، فَعَلَيْنَا اَنْ نَنْتَهِيَ عَنِ الْكَذِبِ، وَعَلَيْنَا اَنْ نَنْتَهِيَ عَنِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللهُ، وَعَلَيْنَا اَنْ نَنْتَهِيَ عَنِ التَّعَامُلِ بِالرِّبَا، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: قَالَ اللهُ تَعَالَى{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَابَقِيَ مِنَ الرِّبَا اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَاِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِه(فَنَحْنُ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ وَلَاؤُنَا لِلهِ وَطَاعَتُنَا لِلهِ هِيَ الَّتِي تُؤَلِّفُ فِيمَا بَيْنَنَا، وَهَذِهِ الْحَلْقَةُ مَعَ الْاَسَفِ مَفْقُودَةٌ كَثِيراً بَيْنَ اَكْثَرِ النَّاس! وَاَمَّا وَلَاؤُنَا لِشَيَاطِينِ الْاِنْسِ وَالْجِنِّ فِيمَا لَايُرْضِي اللهَ، فَهُوَ الَّذِي يُفَرِّقُ فِيمَا بَيْنَنَا، وَيَجْعَلُنَا نَتَخَبَّطُ وَنَتِيهُ وَنَضِيعُ فِي مَتَاهَاتٍ وَظُلُمَاتٍ وَسَرَادِيبَ كَثِيرَةٍ اِنْ لَمْ نَسْتَضِىءْ بِنُورِ اللهِ الْاِسْلَامِي، نَعَمْ اَخِي: لَقَدْ اَصْبَحَتْ تَقْوَى اللهِ عِنْدَ اَكْثَرِ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ! وَاَمَّا مَاحَوَى الْبَاطِنُ مِنْ عَقْلٍ وَقَلْبٍ يَنْبَغِي لِلنَّاسِ اَنْ يَغْسِلُوهُمَا مِنَ الْاَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ، فَهَذَا نَادِرٌ مَعَ الْاَسَفِ اَنْ تَرَى فِيهِ مِنْ هَذِهِ التَّقْوَى وَمَخَافَةِ الله! فَيَارَبّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا، وَيَارَبّ يَسِّرْ اُمُورَنَا، وَيَارَبّ اِشْرَحْ صُدُورَنَا، وَيَارَبّ اَدِمْ عَلَيْنَا عِزَّةَ الْاِيمَانِ وَالْاِسْلَامِ، وَيَارَبّ خَلِّقْنَا بِاَخْلَاقِ نَبِيِّكَ وَاَقْوَالِهِ وَاَفْعَالِهِ، يَارَبّ مَنْ اَرَادَ بِلَادَنَا وَدِينَنَا بِخَيْرٍ فَاجْعَلِ الْخَيْرَ عَلَى يَدَيْهِ، وَمَنْ اَرَادَ بِذَلِكَ سُوءاً فُخْذْهُ اَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِر، اَللَّهُمَّ اَنْتَ وَلِيُّنَا وَاَنْتَ مَوْلَانَا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ، تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَاَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيم، عِبَادَ الله! اِنَّ اللهَ يَاْمُرُ بِثَلَاثٍ! وَيَنْهَى عَنْ ثَلَاثٍ! وَاللهِ! لَوْ طُبِّقَتْ فِي الْعَالَمِ الْاِنْسَانِيِّ كُلِّهِ، لَسَادَ الْخَيْر{اِنَّ اللهَ يَاْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَالْاِحْسَانِ، وَاِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ، وَالْمُنْكَرِ، وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون(عِبَادَ الله{فَهَلْ عَسَيْتُمْ اِنْ تَوَلَّيْتُمْ اَنْ تُفْسِدُوا فِي الْاَرْضِ وَتُقَطِّعُوا اَرْحَامَكُمْ! اُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَاَصَمَّهُمْ وَاَعْمَى اَبْصَارَهُمْ( صَلَاةً وَسَلَاماً عَلَيْكَ يَارَسُولَ اللهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْاَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَاَزْوَاجِكَ وَذُرِّيَّتِكَ وَآَلِكَ وَاَصْحَابِك، وَسَلَامُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ مِنْ اُخْتِكُمْ فِي اللهِ غصون، وَآَخِرُ دَعْوَانَا اَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين