أبو القعقــاع
20-12-2004, 10:26 AM
تحريم الأغاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الصباح والمساء ، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى ، وعنا معهم بمنك وكرمك ، يا من يعلم السر والنجوى . . . أما بعد :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن خبير بما تعملون " .
أيها المسلمون : عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً ، والغيرة على الدين غالباً ، ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون ، وعن الدين غافلون ، وفي الذنوب غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ، ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ، والعجب كل العجب عندما ترى سيارة تتراقص بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد الكفر والضلال ، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال ، والاضمحلال ، شباب تائهون ، شباب لاهون ، شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب ، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ، هل أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد على الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم هي الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة ، عندما ترى سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد ، مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا العذاب ، وغفلوا عن العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ، إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات احتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ، قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق عليه ] ، فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما الله وأمام خلق ، تريد عذابك ، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم بمعصية الله عياناً بياناً . فيا عجباً من الناس ، يبكون على من مات جسده ، ولا يبكون على من مات قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم . فللقلب حياة كما أن للجسد حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ، فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان يسير بسيارته ، مترنماً حزيناً مرة ، ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ، ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها ، ولا زال يردد الأغنية ، فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ، فالله تعالى يقول : " ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ، فحانت الوفاة ، وحضر الأجل ، فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها وهو لم يعرفها ، كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ، أما شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات وهو يردد الأغنية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً " ، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " .
عباد الله : لقد أوصى الله تعالى بالجار ، وأمر بحق الجوار ، فقال تعالى : " والجار ذي القربى والجار الجنب " ، وكذلك جاء الاهتمام بالجار وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة فقال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننه أنه سيورثه " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " [ رواه البخاري ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " [ رواه البخاري ] . فكم من جار يشتكي جاره إلى الله تعالى من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء ، كم من جار رفع يديه إلى السماء شاكياً مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره ، ومستعيذاً بالله من شره وكيده ، وكم من الجيران الذين لا يقدرون حق الجوار ، فلا ينبعث من منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات ، ممن تسموا بالفنانين والفنانات ، ومن المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين ، فأين أدب الجوار ، وأين مراعاة حق الجار ، إن احترام الجار واجب ديني ، إن مراعاة شعور الجار وعدم أذيته مما يأمر به الدين ، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق ، وصحة العقيدة ، وإن مما يقدح في الدين ما نراه ونشاهده ممن يذهبون للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في البراري وحول البحار ، ثم لا يحلوا لهم ذلك إلا باستماع ما حرم الله كالغناء وأشباهه ، فيؤذون المصطافين إخوانهم وجيرانهم ، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية ، والأدهى من ذلك والأمر ، أن ولي الأمر يرى ويسمع ، ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ، متساهلاً بحق الجار تارة ، ومارقاً من الأدب تارة ، وضعيفاً دينه تارة أخرى .
يا عباد الله : الأغاني محرمة بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإجماع علماء الأمة العاملين . وإليكموها واضحة جلية ، كما تُرى الشمس في رابعة النهار .
أولاً : من الكتاب الكريم :
لقد جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها وجهلها من جهلها ، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى فهي قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً [ رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ، وقال ابن عباس : نزلت في الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي / المنتقى النفيس 302 ].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى النفيس 302 ]، يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال بعض العلماء : المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية :
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ، وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } [ السلسلة الصحيحة 2922 ].
وقال عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ] قال ابن تيمية رحمه الله : والصوت الذي عند النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام " [ أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه الله ] ، وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال : " إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد هذا البيان من عذر لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى دين الله صريحة .
يتبع .................
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الصباح والمساء ، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى ، وعنا معهم بمنك وكرمك ، يا من يعلم السر والنجوى . . . أما بعد :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن خبير بما تعملون " .
أيها المسلمون : عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً ، والغيرة على الدين غالباً ، ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون ، وعن الدين غافلون ، وفي الذنوب غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ، ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ، والعجب كل العجب عندما ترى سيارة تتراقص بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد الكفر والضلال ، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال ، والاضمحلال ، شباب تائهون ، شباب لاهون ، شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب ، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ، هل أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد على الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم هي الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة ، عندما ترى سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد ، مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا العذاب ، وغفلوا عن العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ، إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات احتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ، قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق عليه ] ، فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما الله وأمام خلق ، تريد عذابك ، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم بمعصية الله عياناً بياناً . فيا عجباً من الناس ، يبكون على من مات جسده ، ولا يبكون على من مات قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم . فللقلب حياة كما أن للجسد حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ، فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان يسير بسيارته ، مترنماً حزيناً مرة ، ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ، ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها ، ولا زال يردد الأغنية ، فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ، فالله تعالى يقول : " ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ، فحانت الوفاة ، وحضر الأجل ، فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها وهو لم يعرفها ، كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ، أما شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات وهو يردد الأغنية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً " ، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " .
عباد الله : لقد أوصى الله تعالى بالجار ، وأمر بحق الجوار ، فقال تعالى : " والجار ذي القربى والجار الجنب " ، وكذلك جاء الاهتمام بالجار وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة فقال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننه أنه سيورثه " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " [ رواه البخاري ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " [ رواه البخاري ] . فكم من جار يشتكي جاره إلى الله تعالى من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء ، كم من جار رفع يديه إلى السماء شاكياً مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره ، ومستعيذاً بالله من شره وكيده ، وكم من الجيران الذين لا يقدرون حق الجوار ، فلا ينبعث من منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات ، ممن تسموا بالفنانين والفنانات ، ومن المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين ، فأين أدب الجوار ، وأين مراعاة حق الجار ، إن احترام الجار واجب ديني ، إن مراعاة شعور الجار وعدم أذيته مما يأمر به الدين ، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق ، وصحة العقيدة ، وإن مما يقدح في الدين ما نراه ونشاهده ممن يذهبون للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في البراري وحول البحار ، ثم لا يحلوا لهم ذلك إلا باستماع ما حرم الله كالغناء وأشباهه ، فيؤذون المصطافين إخوانهم وجيرانهم ، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية ، والأدهى من ذلك والأمر ، أن ولي الأمر يرى ويسمع ، ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ، متساهلاً بحق الجار تارة ، ومارقاً من الأدب تارة ، وضعيفاً دينه تارة أخرى .
يا عباد الله : الأغاني محرمة بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإجماع علماء الأمة العاملين . وإليكموها واضحة جلية ، كما تُرى الشمس في رابعة النهار .
أولاً : من الكتاب الكريم :
لقد جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها وجهلها من جهلها ، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى فهي قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً [ رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ، وقال ابن عباس : نزلت في الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي / المنتقى النفيس 302 ].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى النفيس 302 ]، يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو الغناء .
والآية الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال بعض العلماء : المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية :
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ، وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } [ السلسلة الصحيحة 2922 ].
وقال عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ] قال ابن تيمية رحمه الله : والصوت الذي عند النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام " [ أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه الله ] ، وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال : " إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد هذا البيان من عذر لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى دين الله صريحة .
يتبع .................