تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما بين الاجتهاد والتقليد ... ماذا نفعل ؟! للألباني



فاي
26-01-2005, 10:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ....

الإخوة والأخوات الكرام ....
كنت أفكر منذ فترة ليست بالطويلة في أن أتحدث في هذا الموضوع ...
وقدر الله أن تأتي الظروف المناسبة لفتح هذا الموضوع ...
فرأيت أنه من الأفضل أولا أن أقوم بنقل كلام الشيخ الالباني في هذا الموضوع من كتاب " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام " .....

ففي المداخلات القادمة إن شاء الله أترك المجال للشيخ ليتحدث هو ..
ثم في النهاية من أراد التعليق فليتفضل ...
وجزاكم الله خيرا ....

فاي
26-01-2005, 11:23 PM
بعد أن بين الشيخ الألباني وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها .. فسرد الأدلة من القرآن ثم من الأحاديث .. وضح تضييع وإهمال السنة النبوية من بعض الخلف وتحكمهم فيها بدلا من التحاكم إليها .. ووضح غربة السنة عند المتأخرين .. بدأ في توضيح الأسباب التي أدت إلى هذا الخطر العظيم .. فقال الشيخ :

* أصول الخلف التي تركت السنة بسببها :
فما هي تلك الأصول والقواعد التي أقامها الخلف ، حتى صرفتهم عن السنة دراسة وإتباعاً ؟ وجواباً عن ذلك أقول :
يمكن حصرها في الأمور الآتية :

الأول : قول بعض علماء الكلام : إن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة ، وصرح بعض الدعاة الإسلاميين اليوم بأنه لا يجوز أخذ العقيدة منه ، بل يحرم .

الثاني : بعض القواعد التي تبنتها بعض المذاهب المتبعة في " أصولها " يحضرني الآن منها ما يلي :
أ- تقديم القياس على خبر الآحاد . ( الإعلام 1/327و300 شرح المنار ص623 ) .
ب- رد خبر الآحاد إذا خالف الأصول . ( الإعلام 1/329 ، شرح المنار ص646 ) .
ج- رد الحديث المتضمن حكماً زائداً على نص القرآن بدعوى أن ذلك نسخ له ، والسنة لا تنسخ القرآن ( شرح المنار ص647 ، الأحكام 2/66 ) .
د- تقديم العام على الخاص عند التعارض ، أو عدم جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد ! ( شرح المنار ص289-294 ، إرشاد الفحول 138-139-143-144 ) .
هـ- تقديم أهل المدينة على الحديث الصحيح .

الثالث : التقليد ، واتخاذه مذهباً وديناً .

وبدأ الشيخ بتفصيل كل سبب من هذه الأسباب في فصل مستقل ..
وبين بطلان كل هذه الأصول ..
وما يهمنا من هذا هو الفصل الأخير والخاص بالتقليد ..
لذا فسنبدأ إن شاء الله من المداخلة التالية تناول كلام الشيخ الألباني في التقليد ..

فاي
26-01-2005, 11:58 PM
الفصل الرابع


التقليد واتخاذه مذهبا ودينا




* حقيقة التقليد والتحذير منه:

- إن التقليد في اللغة مأخوذ من القلادة التي يقلد الإنسان غيره بها ، ومنه تقليد الهدي ، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده .
- واصطلاحا هو العمل بقول الغير من غير حجة ، فيخرج العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بالإجماع ، ورجوع العامي إلى المفتي ، ورجوع القاضي إلى شهادة العدول ، فإنها قد قامت الحجة في ذلك .
وقد أفادنا هذا النص الأصولي أمرين هامين:
الأول: أن التقليد ليس بعلم نافع .
والآخر: أنه وظيفة العامي الجاهل .

ولا بد لبيان حقيقة هذين الأمرين من الوقوف عندهما قليلا ، والنظر إلى كل منهما على ضوء الكتاب والسنة ، مستشهدين على ذلك بأقوال الأئمة ، ثم نتبع ذلك بالنظر في أحوال المتبعين لهم بزعمهم ، ومدى صحة إتباعهم لأقوالهم .

أما أن التقليد ليس بعلم ، فلأن الله تعالى قد ذمه في غير ما آية في القرآن الكريم ، ولذلك تتابعت كلمات الأئمة المتقدمين على النهي عنه ، وقد عقد إمام الأندلس ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه الجليل ( جامع بيان العلم وفضله ) بابا خاصا في تحقيق ذلك ، فقال ما ملخصه:
( 2/109 -114 ) : باب فساد التقليد ونفيه ، والفرق بين التقليد والإتباع: قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال: [اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ]
- وروي عن حذيفة وغيره قالوا: " لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم "
- وقال عدي بن حاتم: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقي صليب ، فقال لي: " يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك ، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة ( براءة ) حتى أتى على هذه الآية: [ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ] قال: قلت: يا رسول الله!إنا لم نتخذهم أربابا ، قال بلى أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله لكم فتحرمونه ؟ فقلت: بلى ، فقال: تلك عبادتهم .
- وقال عز وجل: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها: إنا وجدنا آباءنا على أمة ، وإنا على آثارهم مقتدون . قال: أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} فمنعهم الإقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا: { إنا بما أرسلتم به كافرون} .
- وقال جل وعز عائبا لأهل الكفر وذاما لهم: { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ قالوا: وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } . ومثل هذا في القرآن كثير من ذمه تقليد الآباء والرؤساء .
وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها ، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر ، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين ( في كونهما إتباعا ) بغير حجة للمقلد ، كما لو قلد رجلا فكفر ، وقلد آخر فأذنب ، وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها ، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة ، لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا ، وإن اختلفت الآثام فيه " .
- ثم روي عن ابن مسعود أنه كان يقول: " اغد عالما أو متعلما ، ولا تغد إمعة فيما بين ذلك " .
- ومن طريق أخرى عنه قال: " كنا ندعوا الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره ، وهو فيكم اليوم المحْقِب دينه الرجال " يعني المقلد .
- وعن ابن عباس قال: " ويل للإتباع من عثرات العالم . قيل: كيف ذلك ؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه ، ثم يجد من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه ، فيترك قوله ذلك ، ثم تمضي الإتباع "

- ثم قال ابن عبد البر: " وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " تذهب العلماء ، ثم تتخذ الناس رؤوسا جهالا ، يسألون ، فيفتون بغير علم ، فيضلون ويضلون " وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده . . . . .
ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد ، فأغنى ذلك عن الإكثار ونقله ابن القيم في " الإعلام " ( 2/294-298 ) .
- وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " لا يجوز الفتوى بالتقليد ، لأنه ليس بعلم ، والفتوى بغير علم حرام ، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم ، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم " ( الإعلام 1/51 ) .
- وكذلك قال السيوطي: إن المقلد لا يسمى عالما .
- كما نقله أبو الحسن السندي الحنفي في أول حاشيته على ابن ماجه
- وجزم به الشوكاني في " إرشاد الفحول " فقال: " إن التقليد جهل وليس بعلم "
- وهذا يتفق مع ما جاء في كتب الحنفية أنه لا يجوز تولية الجاهل على القضاء . ففسر العلامة ابن الهمام ( الجاهل ) بالمقلد!

فاي
26-01-2005, 11:59 PM
· نهي الأئمة عن التقليد:

ومن هنا جاءت أقوال الأئمة المجتهدين تتتابع على النهي الأكيد عن التقليد لهم أو لغيرهم .

1-فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " . " وفي رواية: حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا " .

2-وقال مالك رحمه الله تعالى: " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " .

3-وقال الشافعي رحمه الله تعالى: " أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد " . وقال: " كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي ، وبعد موتي " . وقال: " كل ما قلت ، فكان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي أولى ، فلا تقلدوني " .

4-وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: " لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا " .

واشتهر عنهم أنهم قالوا: " إذا صح الحديث فهو مذهبي " . إلى غير ذلك من الأقوال المأثورة عنهم ، وقد ذكرت نخبة طيبة منها في مقدمة كتابي " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم " . وفيما ذكرناه كفاية .

فاي
27-01-2005, 12:02 AM
· العلم هو قول الله ورسوله:

وإذا كان هذا هو شأن التقليد عند العلماء ، فمعنى ذلك أنه لا يجوز لأهل العلم المتمكنين من معرفة الحق بالدليل أن يتكلموا في الفقه إلا بما جاء في الكتاب والسنة ، لأن العلم حق العلم إنما هو فيها ، لا في آراء الرجال .
ولذلك قال الإمام الشافعي في " الرسالة " ( ص 41 رقم 131-132 ) : " فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا ، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله "
وقال في مكان آخر ( ص 39/120 ) : " ليس لأحد أبدا أن يقول في شيء حل ولا حرام إلا من جهة العلم ، وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة ، أو الإجماع أو القياس " .
وقال في مكان آخر ( ص 508/1467-1468 ) : " ولو قال بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من الإثم من الذي قال وهو غير عالم . ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله ، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة ، والإجماع والآثار ، وما وصفت من القياس عليها " .

وإن من أكبر المصائب التي حلت في خاصة المسلمين ، فضلا عن عامتهم ، أن أكثرهم اليوم وقبل اليوم منذ قرون على جهل مطبق بما أفادته هذه النصوص من الكتاب والسنة ، والآثار عن الصحابة وأقوال الأئمة من ذم التقليد وأنه ليس بعلم ، وأن العلم إنما هو قال الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك فإنه لا يكاد يخطر في بال أحدهم أن العلم الممدوح في الكتاب والسنة إنما هو العلم بما جاء فيهما من العقائد والأحكام ، وأن العلماء الذين مدحوا فيها إنما هم أهل العلم بما فيهما ، وليسوا العارفين بأقوال الأئمة واجتهاداتهم ، لذلك تراهم حيارى بينها ، لا يعرفون الموافق للكتاب والسنة منها من المخالف . وكذلك لا يكاد يدور في خلد أحدهم مطلقا ، حين يقرأ في أحاديث أشراط الساعة مثلا:
" يرفع فيها العلم ، ويظهر فيها الجهل " ( متفق عليه ) أنه يدخل فيه علم المقلد ، الذي هو الجهل؛ لأنه لا علم عنده كما تقدم عن الأئمة ، وكذلك لا ينتبه مطلقا إذا سمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء " ( متفق عليه ) أنهم العلماء بكتاب الله وسنة رسوله فقط . بل طالما سمعنا الكثيرين منهم يوردون هذا الحديث بمناسبة موت أحد شيوخ التقليد ، وكذلك يسيئون فهم بقية الحديث: " حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ( ولفظ البخاري: برأيهم ) فضلوا وأضلوا " فيظنون أن المراد بهم العوام الذين لا علم عندهم بالفقه التقليدي ، ولا معرفة لهم بالمذاهب ، والحقيقة أنه يدخل في هذا الوصف المقلدة الذين قنعوا من العلم بمعرفة اجتهادات الأئمة ، وتقليدهم فيها على غير بصيرة ، كما سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في كلام ابن عبد البر الأندلسي .
ويؤيد ما ذكرنا استدلال العلماء بهذا الحديث على جواز خلو الزمان من مجتهد على تفصيل مذكور في " فتح الباري " ( 13/244 ) ، فقد أشاروا بذلك إلى أن المقصود بالعلماء ، فيه المجتهدون ، وبالرؤوس: الجهال المقلدون .

والسر في هذا الجهل المطبق إنما هو جهلهم بحقيقة العلم ، ومن هو العالم الذي تنصرف إليه الآيات والأحاديث كلما ذكر فيها كقوله تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }
وقوله: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " . رواه الترمذي ( إسناده صحيح كما بيناه في تخريج " المشكاة-213 )
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " . رواه مسلم .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه " رواه الحاكم ( إسناده حسن كما هو مبين في " تخريج الترغيب-1/46 ) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة في فضل العلم والعلماء

وقد عقد الحافظ ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم " بابا خاصا لبيان هذه الحقيقة فقال ( 2/23 ) " باب معرفة أصول العلم وحقيقته ، وما الذي يقع عليه اسم الفقه والعلم مطلقا " .
وتبعه عليه العلامة الفلاني في كتابه " إيقاظ همم أولي الأبصار " ( ص 23-26 ) ، ثم ذكرا كلاهما تحته بعض الأحاديث والآثار التي تترجم عنه ، وختم الفلاني ذلك بقوله: " قلت: فهذه الأحاديث والآثار مصرحة بأن اسم العلم إنما يطلق على ما في كتاب الله ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والإجماع ، أو ما قيس على هذه الأصول عند فقد نص على ذلك ، عند من يرى ، لا على ما لهج به أهل التقليد والعصبية من حصرهم العلم على ما 'دوِّن في كتب الرأي المذهبية ، مع مصادفة بعض ذلك لنصوص الأحاديث النبوية " . وجملة القول أن التقليد مذموم ، لأنه جهل وليس علم ، وإنما العلم الحقيقي هو العلم بالكتاب والسنة ، والتفقه بهما .

فاي
27-01-2005, 12:03 AM
* جواز التقليد للعاجز عن معرفة الدليل:

وقد يقول قائل: ليس كل أحد يستطيع أن يكون عالما بهذا المعنى . فنقول: نعم هو كذلك ، ولكن من الذي ينازع في ذلك، والله عز وجل يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }
ويقول: {فاسأل به خبيرا }
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لمن أفتوا بجهل: " ألا سألوا حين جهلوا ، فإنما شفاء العي السؤال " , على أن البحث لم يكن في تحديد من يستطيع ذلك ، ومن لا يستطيع ، بل سياق الكلام يدل أنه مُنْصَبٌ على الخاصة الذين يُظَنُ أنهم من أهل العلم ، ويظن أن في إمكانهم معرفة المسائل ، أو بعضها على الأقل بالدليل ، وهم في الحقيقة علماء بأقوال المذهب ، جهلاء بالكتاب والسنة ، فالسؤال غير وارد أصلا ، لاسيما وقد ذكرت في مطلع هذا الفصل أن النص الأصولي المذكور أفادنا أمرين هامين:
الأول: أن التقليد ليس بعلم نافع ، وقد بينت ذلك بما فيه مقنع إن شاء الله .

والأمر الآخر: أنه وظيفة العامي الجاهل ، فخرج به العالم المتمكن من معرفة الأدلة ، وأنه هو الذي ليس التقليد وظيفة وإنما الاجتهاد ، وهذا مما يوضحه شرح الأمر الآخر ، فأقول: قال ابن عبد البر عقب ما سبق نقله عنه ملخصا: " وهذا كله لغير العامة ، فإن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها ، لأنها لا تتبين موقع الحجة ، ولا تصل لعدم الفهم إلى علم ذلك ، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها ، وهذا هو الحائل بين العامة ، وبين طلب الحجة . والله أعلم .

ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }، وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بمعرفته بالقبلة إذا أشكلت عليه ، فكذلك من لا علم له ، ولا بصر بمعنى ما يدين به ، لا بد له من تقليد عالمه ، وكذلك لم يختلف العلماء أنه لا يجوز للعامة الفتيا ، وذلك-والله أعلم-لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم "

على أنني أرى إطلاق الكلام في العامي ، وأنه لا بد له من تقليد ، لا يخلو من شيء . لأنك إذا تذكرت أن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة ، فمن السهل في كثير من الأحيان على بعض أذكياء العامة أن يعرف الحجة لوضوحها في النص الذي بلغه ، فمن الذي يزعم أن مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين " لا تبين الحجة فيه لهم ، بل ولمن دونهم في الذكاء ؟ ولذلك فالحق أن يقال: إن من عجز عن معرفة الدليل فهو الذي يجب عليه التقليد . ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وسيأتي ما يؤيد هذا من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر هذه الكلمة .

كما أن العالم نفسه قد يضطر أحيانا إلى التقليد في بعض المسائل ، حين لا يظفر فيها بنص عن الله ورسوله ، ولم يجد فيها سوى قول من هو أعلم منه فيقلده اضطرارا، كما صنع الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في بعض المسائل ، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( 2/344 ) : " وهذا فعل أهل العلم ، وهو الواجب ، فإن التقليد إنما يباح للمضطر ، وأما من عدل عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بالدليل ، مع تمكنه منه إلى التقليد ، فهو كمن عدل إلى الميتة مع مقدرته على المذكى ، فإن الأصل أن لا يقبل قول الغير إلا بدليل ، فجعل المقلدة حال الضرورة رأس أموالهم! "

فاي
27-01-2005, 12:23 AM
· محاربة المذهبيين للاجتهاد وإيجابهم التقليد على كل أحد:

إذا تبين هذا فقد بقي علينا البحث فيما وعدنا به فيما سبق من النظر في أحوال المتبعين للأئمة بزعمهم ، ومدى صحة إتباعهم لأقوالهم ، فأقول: إن موقف جماهير المشايخ المقلدين منذ عصور ، موقف غريب جدا ، لأنهم في الوقت الذي يدَّعون أنهم ليسوا أهلا للرجوع إلى الكتاب والسنة في فهم الأحكام ، وأن عليهم أن يقلدوا الأئمة ، تراهم لا يرضون أن يُنسَبوا إلى الجهل ، وهو مقتضى أقوال علمائهم ، بل نراهم قد خرجوا عن تقليدهم في كثير من أصولهم ، وجاؤوا بقواعد من عندهم- وما كان لهم ذلك وهم يدَّعون التقليد-ولاسيما وهي مخالفة لنصوص الكتاب والسنة ، وهم إنما جاؤوا بها ليفرضوا على أنفسهم تقليد الأئمة في فروعهم ، خلافا لأوامرهم السابقة الذكر ، فقد ادعوا " أن المجتهد المطلق قد فقد " ( الدر المختار 1/45-حاشية )
واشتهر عندهم أن باب الاجتهاد قد أغلق بعد القرن الرابع الهجري ، وقد ذكر نحوه ابن عابدين في حاشيته ( 1/551 ) ، وبذلك منعوا المسلمين من التفقه بالكتاب والسنة ، وأوجبوا عليهم التقليد لأحد الأئمة الأربعة ، كما قال في " الجوهرة " :" وواجب تقليد حبر منهم " كذا حكى القوم بلفظ يفهم.
وادعوا أن علم الحديث والفقه نضج واحترق ( الدر المختار 1/45-حاشية ) .
وأكدوا ذلك وأحكموه بقول أبي الحسن الكرخي: " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة ، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ " ( الدر المختار 1/45-حاشية ) .

ولذلك فمهما جئتهم بآية أو حديث استجازوا لأنفسهم رد ذلك فورا ، دون أن يفكروا في دلالتهما وهل هما فعلا مخالفان للمذهب ، وأجابوك بقولهم: " أأنت أعلم أم المذهب ؟ ! "

فاي
27-01-2005, 12:25 AM
· كثرة الخلاف في المقلدين وقلته في أهل الحديث:

ومن عرف هذا السبب في بقاء طوائف المقلدين على تفرقهم المشين طيلة هذه القرون الطويلة ، حتى أفتى جمهورهم ببطلان الصلاة أو كراهتها وراء المخالف في المذهب ، بل منع بعضهم الحنفي أن يتزوج المرأة الشافعية ، وأجاز آخر ذلك لكن دون العكس معللا ذلك بقوله: " تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب " !كأن الله تعالى لم يخاطبهم بقوله: [ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ] ، وقال: [ وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ، كل حزب بما لديهم فرحون ] .

قال ابن القيم رحمه الله ( 1/314 ) : " والزبر الكتب ، أي كل فرقة صنفوا كتبا أخذوا بها وعملوا بها ، ودعوا إليها ، دون كتب الآخرين ، كما هو الواقع سواء " .
أقول: ولعل هذه الكتب هي التي أشار إليها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، فيما رواه عنه عمرو بن قيس السكوني قال: " خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية ، فسمعت رجلا يحدث الناس ، يقول: " إن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار ، وتوضع الأخيار ، وأن يخزن الفعل والعمل ، ويظهر القول ، وأن يقرأ الناس بالمثناة في القوم ، ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها " فقيل: وما المثناة ؟ قال: ما اكتتب سوى كتاب الله عز وجل " ( أخرجه الحاكم ( 4/554-555 ) وقال: صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي وهو وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع . لأنه من الأمور الغيبية التي لا تقال بمجرد الرأي ، لا سيما ، وقد رفعه بعض الرواة عنده ، وصححه أيضا .

وكأنه لذلك كان الإمام أحمد رحمه الله- حرصا منه على إخلاص الإتباع للكتاب والسنة- يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ( قاله ابن الجوزي في " مناقب أحمد " ص 192 ) خشية إيثار الناس لها على الكتاب والسنة ، كما فعل المقلدة تماما ، فإنهم يؤثرون مذهبهم على الكتاب والسنة عند الاختلاف ، ويجعلونه معيارا عليهما كما تقدم كما تقدم عن الكرخي ، وكان الواجب إتباع الكتاب والسنة ، كما تقضي بذلك الأدلة المتقدمة منها ، وكما توجب ذلك عليهم أقوال أئمتهم ، وأن ينضموا إلى من كان الكتاب والسنة معه من المذاهب الأخرى ، ولكنهم مع الأسف الشديد ظلوا مختلفين متنازعين ، ولذلك قال ابن القيم ( 2/333 ) وقد ذكر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي . . . . " :
" وهذا ذم للمختلقين ، وتحذير من سلوك سبيلهم ، وإنما كثر الاختلاف وتفاقم أمره بسبب التقليد وأهله ، الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا ، كل فرقة تنصر متبوعها ، وتدعوا إليه ، وتذم من خالفها ، ولا يرون العمل بقولهم ، حتى كأنهم ملة أخرى سواهم ، ويدأبون ويكدحون في الرد عليهم ، وقولون: " كتبهم " و " كتبنا " و " أئمتهم " و " أئمتنا " و " مذهبهم " و " مذهبنا " !هذا والنبي واحد ، والقرآن واحد ، والرب واحد ، فالواجب على الجميع أن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم ، وأن لا يطيعوا إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجعلوا معه من يكون أقواله كنصوصه ، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله ، فلو اتفقت كلمتهم على ذلك ، وانقاد كل واحد منهم لمن دعاه إلى الله ورسوله ، وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة لقل الاختلاف ، وإن لم يعدم من الأرض ، ولهذا تجد أقل الناس اختلافا أهل السنة والحديث ، فليس على وجه الأرض طائفة أكثر اتفاقا وأقل اختلافا منهم ، لما بنوا على هذا الأصل ، وكلما كانت الفرقة عن الحديث أبعد كان اختلافهم في أنفسهم أشد وأكثر ، فإن من رد الحق مرج عليه أمره واختلط عليه ، والتبس عليه وجه الصواب ، فلم يدر أين ذهب ، كما قال تعالى: [ بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ]

وقال أيضا ابن القيم رحمه الله: " ونحن لا ندعي أن الله فرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله في كل مسألة من مسائل الدين؛ دقه وجله . وإنما أنكرنا ما أنكره الأئمة ومن تقدمهم من الصحابة والتابعين ، وما حدث في الإسلام بعد انقضاء القرون الفاضلة في القرن الرابع المذموم على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ من نَصَّبَ رجل واحد ، وجعل فتاويه بمنزلة نصوص الشارع ، بل تقديمها عليه ، وتقديم قوله على أقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جميع علماء أمته ، والاكتفاء بتقليده عن تلقي الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة ، وأن ينضم إلى ذلك أنه ( يعني الرجل المقلد ) لا يقول إلا بما في كتاب الله وسنة رسوله . وهذا مع تضمنه للشهادة بما لا يعلم الشاهد ، والقول على الله بغير علم ، فيه الإخبار عمن خالفه-وإن كان أعلم منه-أنه غير مصيب للكتاب والسنة . ويقول: متبوعي هو المصيب ، أو يقول: كلاهما مصيب للكتاب والسنة-وقد تعارضت أقوالهما-فيجعل أدلة الكتاب والسنة متعارضة ومتناقضة ، والله ورسوله يحكم بالشيء وضده في وقت واحد؛ ودينه تبع لآراء الرجال؛ وليس له في نفي الأمر حكم معين؛ ولا بد من واحد من الأمرين؛ وهذا من بركة التقليد عليه!
إذا عرف هذا فنحن إنما قلنا ونقول: إن الله تعالى أوجب على العباد أن يتقوه بحسب استطاعتهم . وأصل التقوى معرفة ما يتقي؛ ثم العمل به؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه؛ مما أمره الله به ونهاه عنه؛ ثم يلتزم طاعة الله ورسوله ، وما خفي عليه؛ فهو في أسوة أمثاله ممن عدا الرسول ، فكل أحد سواه قد خفي عليه بعض ما جاء به؛ ولم يخرجه ذلك عن كونه من أهل العلم ، ولم يكلفه الله ما لا يطيق من معرفة الحق وإتباعه " .

فاي
27-01-2005, 12:33 AM
· كثرة الخلاف في المقلدين وقلته في أهل الحديث:

ومن عرف هذا السبب في بقاء طوائف المقلدين على تفرقهم المشين طيلة هذه القرون الطويلة ، حتى أفتى جمهورهم ببطلان الصلاة أو كراهتها وراء المخالف في المذهب ، بل منع بعضهم الحنفي أن يتزوج المرأة الشافعية ، وأجاز آخر ذلك لكن دون العكس معللا ذلك بقوله: " تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب " !كأن الله تعالى لم يخاطبهم بقوله: [ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ] ، وقال: [ وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ، كل حزب بما لديهم فرحون ] .

قال ابن القيم رحمه الله ( 1/314 ) : " والزبر الكتب ، أي كل فرقة صنفوا كتبا أخذوا بها وعملوا بها ، ودعوا إليها ، دون كتب الآخرين ، كما هو الواقع سواء " .

أقول: ولعل هذه الكتب هي التي أشار إليها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، فيما رواه عنه عمرو بن قيس السكوني قال: " خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية ، فسمعت رجلا يحدث الناس ، يقول: " إن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار ، وتوضع الأخيار ، وأن يخزن الفعل والعمل ، ويظهر القول ، وأن يقرأ الناس بالمثناة في القوم ، ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها " فقيل: وما المثناة ؟ قال: ما اكتتب سوى كتاب الله عز وجل " ( أخرجه الحاكم ( 4/554-555 ) وقال: صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي وهو وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع . لأنه من الأمور الغيبية التي لا تقال بمجرد الرأي ، لا سيما ، وقد رفعه بعض الرواة عنده ، وصححه أيضا .

وكأنه لذلك كان الإمام أحمد رحمه الله- حرصا منه على إخلاص الإتباع للكتاب والسنة- يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ( قاله ابن الجوزي في " مناقب أحمد " ص 192 ) خشية إيثار الناس لها على الكتاب والسنة ، كما فعل المقلدة تماما ، فإنهم يؤثرون مذهبهم على الكتاب والسنة عند الاختلاف ، ويجعلونه معيارا عليهما كما تقدم كما تقدم عن الكرخي ، وكان الواجب إتباع الكتاب والسنة ، كما تقضي بذلك الأدلة المتقدمة منها ، وكما توجب ذلك عليهم أقوال أئمتهم ، وأن ينضموا إلى من كان الكتاب والسنة معه من المذاهب الأخرى ، ولكنهم مع الأسف الشديد ظلوا مختلفين متنازعين ، ولذلك قال ابن القيم ( 2/333 ) وقد ذكر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي . . . . " :
" وهذا ذم للمختلقين ، وتحذير من سلوك سبيلهم ، وإنما كثر الاختلاف وتفاقم أمره بسبب التقليد وأهله ، الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا ، كل فرقة تنصر متبوعها ، وتدعوا إليه ، وتذم من خالفها ، ولا يرون العمل بقولهم ، حتى كأنهم ملة أخرى سواهم ، ويدأبون ويكدحون في الرد عليهم ، وقولون: " كتبهم " و " كتبنا " و " أئمتهم " و " أئمتنا " و " مذهبهم " و " مذهبنا " !هذا والنبي واحد ، والقرآن واحد ، والرب واحد ، فالواجب على الجميع أن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم ، وأن لا يطيعوا إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجعلوا معه من يكون أقواله كنصوصه ، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله ، فلو اتفقت كلمتهم على ذلك ، وانقاد كل واحد منهم لمن دعاه إلى الله ورسوله ، وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة لقل الاختلاف ، وإن لم يعدم من الأرض ، ولهذا تجد أقل الناس اختلافا أهل السنة والحديث ، فليس على وجه الأرض طائفة أكثر اتفاقا وأقل اختلافا منهم ، لما بنوا على هذا الأصل ، وكلما كانت الفرقة عن الحديث أبعد كان اختلافهم في أنفسهم أشد وأكثر ، فإن من رد الحق مرج عليه أمره واختلط عليه ، والتبس عليه وجه الصواب ، فلم يدر أين ذهب ، كما قال تعالى: [ بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ]

وقال أيضا ابن القيم رحمه الله: " ونحن لا ندعي أن الله فرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله في كل مسألة من مسائل الدين؛ دقه وجله . وإنما أنكرنا ما أنكره الأئمة ومن تقدمهم من الصحابة والتابعين ، وما حدث في الإسلام بعد انقضاء القرون الفاضلة في القرن الرابع المذموم على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ من نَصَّبَ رجل واحد ، وجعل فتاويه بمنزلة نصوص الشارع ، بل تقديمها عليه ، وتقديم قوله على أقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جميع علماء أمته ، والاكتفاء بتقليده عن تلقي الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة ، وأن ينضم إلى ذلك أنه ( يعني الرجل المقلد ) لا يقول إلا بما في كتاب الله وسنة رسوله . وهذا مع تضمنه للشهادة بما لا يعلم الشاهد ، والقول على الله بغير علم ، فيه الإخبار عمن خالفه-وإن كان أعلم منه-أنه غير مصيب للكتاب والسنة . ويقول: متبوعي هو المصيب ، أو يقول: كلاهما مصيب للكتاب والسنة-وقد تعارضت أقوالهما-فيجعل أدلة الكتاب والسنة متعارضة ومتناقضة ، والله ورسوله يحكم بالشيء وضده في وقت واحد؛ ودينه تبع لآراء الرجال؛ وليس له في نفي الأمر حكم معين؛ ولا بد من واحد من الأمرين؛ وهذا من بركة التقليد عليه!
إذا عرف هذا فنحن إنما قلنا ونقول: إن الله تعالى أوجب على العباد أن يتقوه بحسب استطاعتهم . وأصل التقوى معرفة ما يتقي؛ ثم العمل به؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه؛ مما أمره الله به ونهاه عنه؛ ثم يلتزم طاعة الله ورسوله ، وما خفي عليه؛ فهو في أسوة أمثاله ممن عدا الرسول ، فكل أحد سواه قد خفي عليه بعض ما جاء به؛ ولم يخرجه ذلك عن كونه من أهل العلم ، ولم يكلفه الله ما لا يطيق من معرفة الحق وإتباعه " .

فاي
27-01-2005, 12:35 AM
· أخطار التقليد وآثاره السيئة على المسلمين:

أيها الأخوة الكرام ، إن خطر التقليد وآثاره السيئة في أمتنا لأكبر من أن يمكن لنا بيانه في مثل هذه العجالة ، وهناك كتب خاصة تولت تفصيل القول في ذلك ، فيمكن لمن شاء المزيد من البيان أن يرجع إليها ، وإنما كان الغرض فيها بيان أنه سبب أو لعله السبب الأكبر من الأسباب الكثيرة التي صرفت المسلمين عن إتباع الكتاب والسنة ، والتعصب لهما دون الرجال المقلدين ، فإن طوائف المقلدين جعلوا التقليد أمرا واجبا- كما سمعت- ودينا متبعا لا يجوز لأحد بعد القرن الرابع الخروج عنه ، ومن خرج عنه يُنْبَزُ بشتى الألقاب ، وشُنَّتْ عليه الحروب الشعواء ، ولم يسلم من اتهامه بما ليس فيه ، كما يعلم ذلك كل من اطلع على بعض الرسائل المؤلفة في هذا الصدد من الفريقين .

وإذا كان كثير من الناس اليوم لا دراسة لهم في الفقه المسمى بالفقه المقارن ، تلك الدراسة التي تكشف للباحث فيها المتمكن منها مبلغ ابتعاد المقلدين عن إتباع الكتاب والسنة ، بل وعن تقليد الأئمة أنفسهم ، تعصبا منهم لمذهبهم ، وفيهم بعض الدكاترة الذين يتولون تدريس هذه المادة! إذا كان الأمر كذلك ، فبحسب المرء منهم أن يتذكر تلك الأحاديث التي سبق أن ذكرتها في الفصلين الأولين ، وهي قل من جل من الأحاديث التي تبلغ الألوف ، يجد أن طوائف المقلدين قد أعرضوا عنها تدينا بالتقليد ، وتعصبا لغير المعصوم!

وقد ساق العلامة ابن القيم رحمه الله في ( إعلام الموقعين ) ثلثا وسبعين مثالا من السنن الصحيحة الصريح التي رُدَّتْ من المقلدين ، مع الكلام عليها مفصلا ومناقشتهم فيها مناقشة علمية هادئة ، وفي أولها أمثلة من السنن التي ردوها من العقيدة كمسألة علو الله تعالى على خلقه ، واستوائه على عرشه ، وتأكيدا لذلك أقول: جاء في كتاب ( إيقاظ الهمم ) للشيخ الفلاني رحمه الله تعالى ( ص 99 ) أن العلامة المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى قد جمع المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم ، وذكر في أوله: " أن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام ، وأنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها ، لئلا يعزوها إليهم ، فيكذبوا عليهم " .

فاي
27-01-2005, 12:36 AM
· واجب الشباب المسلم المثقف اليوم:

وختاما أيها الأخوة: لست أريد من كلمتي هذه أن أحملكم على أن تكونوا جميعا أئمة مجتهدين ، وفقهاء محققين- وإن كان ذلك يسرني كما يسركم- إذ أن ذلك غير ممكن عادة لضرورة اختلاف الاختصاصات ، وتعاون المتخصصين بعضهم مع بعض ، وإنما أردت منها أمرين اثنين:

الأول: أن تنتبهوا لأمر خفي على كثير من الشباب المؤمن المثقف اليوم فضلا عن غيرهم ، وهو أنهم في الوقت الذي علموا فيه - بفضل جهود وكتابات بعض الكتاب الإسلاميين ، مثل السيد قطب رحمه الله تعالى والعلامة المودودي حفظه الله وغيرهما ، أن حق التشريع إنما هو لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد من البشر أو الهيئات ، وهو ما عبروا عنه بـ ( الحاكمية لله تعالى ) وذلك صريح تلك النصوص المتقدمة في أول هذه الكلمة من الكتاب والسنة .

أقول: في الوقت هذا نفسه فإن كثيرا من هؤلاء الشباب لم يتنبه بعد أن المشاركة المنافية لمبدأ الحاكمية لله تعالى ، لا فرق فيها بين كون البشر المتسع من دون الله مسلمال أخطأ في حكم من أحكام الله ، أو كافر نصب نفسه مشرعا مع الله ، وبين كونه عالما أو جاهلا ، كل ذلك ينافي المبدأ المذكور الذي آمن به الشباب والحمد لله تعالى .
فهذا الذي أردت لكم أن تتنبهوا له وأذكركم به ، [ فإن الذكرى تنفع المؤمنين ] . فقد سمعت كثيرا منهم يخطب بكل حماسة وغيرة إسلامية محمودة ، ليقرر أن الحاكمية لله وحده ، ويضرب بذلك النظم الحاكمة الكافرة ، وهذا شيء جميل ، وإن كنا الآن لا نستطيع تغييره ، بينما هناك في نفوس الكثيرين منا ما ينافي المبدأ المذكور ، ومن الميسور تغييره ، لا ننبه المسلمين عليه ولا نذكرهم به ، ألا وهو التدين بالتقليد ورد نصوص الكتاب والسنة ، فهذا الخطيب المتحمس نفسه لو نبهته إلى مخالفة منه وقعت لآية أو حديث ، ركن فورا إلى الاحتجاج بالمذهب دون أن ينتبه- مع الأسف الشديد - أنه بعمله هذا ينقض ذلك المبدأ العظيم الذي دعا الناس إليه! والله عز وجل يقول: [ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا ، وأولئك هم المفلحون ] فكان عليه أن يبادر إلى التسليم بما سمع من الكر والدليل ، لأنه هو العلم ، ولا يلجأ إلى التقليد لأنه هو الجهل .

الأمر الآخر: أن تحققوا في نفوسكم مرتبة واجبة ممكنة ميسرة لكل مسلم ولو بقدر ، هي دون مرتبة الاجتهاد والتحقيق التي لا ينهض بها إلا خواص الرجال ، وهي مرتبة إتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإفراده بذلك؛ كل منكم حسب طاقته ، فكما أنكم توحدون الله تعالى في عبادتكم ، فكذلك تفردون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إتباعكم ، فمعبودكم واحد ، ومتبوعكم واحد ، وبذلك تحققون عملا شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

فوطنوا أيها الأخوة الكرام أنفسكم على أن تؤمنوا بكل حديث ثبت لديكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سواء كان في العقيدة أو الأحكام ، وسواء قال به إمامك الذي نشأت على مذهبه بحكم بيئتك ، أو غيره من أئمة المسلمين ، ولا تتبنوا قاعدة من تلك القواعد التي وضعت بآراء بعض الرجال واجتهاداتهم وهم غير مجتهدين فيصدكم ذلك عن الإتباع . ولا تقلدوا بشرا مهما علا أو سما تؤثرون قوله على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن بُلِغْتُمُوه .

واعلموا أنكم بذلك فقط لا بغيره تحققون علما وعملا المبدأ القائل: " الحاكمية لله وحده تبارك وتعالى " وبدون ذلك يستحيل أن نوجد " الجيل القرآني الفريد " الذي - هو وحده - يستطيع أن ينشئ " المجتمع المسلم وخصائصه " وبالتالي الدولة المسلمة المنشودة ، مصداقا للحكمة الصادقة التي قالها أحد الدعاة الإسلاميين الكبار رحمه الله تعالى: " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم لكم على أرضكم " ، وعسى أن يكون ذلك قريبا .

[ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه إليه تحشرون ] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
انتهى بحمده تعالى .


ملحوظة : ما كتب بالأحمر وتحته خط عبارة بها أخطاء في النسخ .. ولم أقف على صوابها .. والله أعلم

عبد الرحمن219
27-01-2005, 04:54 AM
جزاك الله خيرا فاي .......
و عندي سؤال بخصوص مسألة حدثت عند أصحابي:
يقول واحد من أصحابي: الأمام الحنفي رحمه الله قال أنّه يجوز تغيير المذهب لأنّه يثير الفتن إلّا إذا رأى في المنام شيئا يدل على تغيير مذهبه .

و الآن ..... صاحبي هذا لم يأتي بالدليل و كنت أود أن أقول له بأن ذلك كان اجتهادا منه و إذ لا يعقل أن يأخذ من الأمام الحنفي و ينسى كل الأممة و العلماء !
كيف أرد عليه؟ و هل كلامه صحيح أصلا ؟

فقد أثار الموضوع بسبب أنّه سمعني بأنّي سأغييّر مذهبي عمّا قريب لأنني بحثت عن الأدلّة و تبصّرت في كتب السنّة و أنا لا أرضى أبدا أن أجلس سنوات كابتا على نفسي و أقلّد .
فأذن الفجر أذان واحد ؟؟؟ وتركوا الأذان الثاني ! .. بدع على بدع .

الذي يزيدني همّا أن العلماء بعيدين عنّي و ظروف لا تسمح للسفر ‘لى مكان بعيد ..
إنّي أعيش في منطقة لا يعرف أناسها آداب المسجد (أبسط الأشياء: ألتزام الصمت .. و هم يتكلمون و سلّمون و يتهافتون و يسألون عن الأخبار و غيرها) ..... و الكثير الكثير من السنن ضائعة عندهم و يا ليتهم ضيّعوها فقط، بل أبدلوها أيضا بعبادات مستحدثة لم ينصّ عليها الله و رسوله .
يا ليتهم لم يؤذونني و يتركوني أذكر الله بعد صلاتي بل : هاك يدك، سلّم علي . المسكين يفرض عليّ السلام و يعترف بأنّه من السنة و هو لم يلق نظرة حتّى في أحاديث النبي صلى الله عليه و سلّم .

أترجّاكم أن تدعو لي بظهر الغيب فوالله أنّي مشتت بين أشلاء هذا المجتمع الذي صار فيه الأسلام غريبا، لا يقيم أحد صلاته إلّا و سمّوه "مطوّع" و عزلوه عن الناس كفئة غير مرغوب فيها و ليست فيها روح التحضّر و التطور - على زعمهم-. أخوكم ّ~هيثم0 (الله يجعلك ذخرا لنا كاتب البحث الشيّق)

فاي
27-01-2005, 11:15 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
أخي الكريم كوماندر /

بالنسبة لقول الإمام أبو حنيفة فأرجو أن تطلب من صاحبك أن يخبرك بالمصدر الذي جاء منه بهذا الرأي ..
وأنا عندي رأي شخصي في هذه المسألة لن أنشره على الملأ .. وسأبعثه لك إن شاء الله في رسالة خاصة ..

بالمناسبة ... كاتب البحث الشيق هو الشيخ الألباني رحمه الله ... وستبقى كتبه ذخرا للمسلمين إلى ما شاء الله ... رحمه الله وتغمذه برحمته الواسعة ...

فاي
28-01-2005, 09:22 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .............

أخي الكريم :

أترجّاكم أن تدعو لي بظهر الغيب فوالله أنّي مشتت بين أشلاء هذا المجتمع الذي صار فيه الأسلام غريبا، لا يقيم أحد صلاته إلّا و سمّوه "مطوّع" و عزلوه عن الناس كفئة غير مرغوب فيها و ليست فيها روح التحضّر و التطور - على زعمهم-. أخوكم ّ~هيثم0 (الله يجعلك ذخرا لنا كاتب البحث الشيّق)أخي الفاضل ..... إن شاء الله ندعو لك وبظهر الغيب ودون كتابة في المنتدى حتى لا تحزن ....
ولكن ما معنى "مطوع" .؟ ومن يقولها وأين ؟

يا أخي ... يبدو أن مشكلتك عميقة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ....
إن شاء الله أرد عليك قريبا ... فاعذرني الوقت ليس في صالحي ...

فاي
04-02-2005, 10:17 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....

للتذكرة ....
وجزاكم الله خيرا

عبد الرحمن219
08-02-2005, 09:02 PM
أنتظر رسالتك أخي الحبيب فاي ...

فاي
08-02-2005, 11:35 PM
أنتظر رسالتك أخي الحبيب فاي ...

سبحان الواحد الديان ... سبحان من لا يغفل ولا ينام ...
تبارك الله عما يصفون ....

أحبك الذي أحببتني فيه ...
يا أخي ... عذرا .. عذرا ..
يبدو أنه شغلتني المسائل الخلافية عنك أخي الكريم ...
ولكن إن شاء الله أرد عليك ....
ولكن فقط ادعو الله لي أن ييسر لي الوقت ....

جزاك الله خيرا ....