المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بنته الصغيرة



Batistuta
16-02-2005, 04:58 PM
يُحكى أن رجلا شرطياًّ في عهد الإمام الحسن البصري رضي الله عنه ،، في ريعان شبابه كان يتفانى ويتشطَّر .

وكان قوياًّ معصوباً
في مثل جبلة الجبل من غلظ وشدة .

وكان قاسي القلب ومدمناً للخمر ،، فالخمر روحانية من عجز أن تكون فيه روحانية ، يزورها الشيطان لعنه الله فيخلق بها للنفس ماتحب مما تكره ، ويثيبها ثواب ساعة ليست في الزمن بل في خيال شاربها .
وكأن جهل العقل نفسه في بعض ساعات الحياة ، هو _ في علم الشيطان وتعليمه _ معرفة العقل نفسه في الحياة !

في أحد الأيام كان الشرطي يتجول في السوق ، والناس يفورون في بيعهم وشرائهم ، والشرطي يراقب الناس ويتهيأ للقبض على السارق ويعدُّ للجاني ويتهيأ للنزاع .

وإذا به يرى إثنان يتخاصمان فاقترب منهما فسمع المظلوم يقول للظالم : لقد سلبتني فرح بُنَيَّاتي ، فسيدعون الله عليك فلا تصيب من بعدها خيرا ، فإني ماخرجت إلا تباعاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( من خرج إلى سوق من أسواق المسلمين ، فاشترى شيئاً فحمله إلى بيته ، فخص به الإناث دون الذكور ، نظر الله إليه )) .

كان الشرطي عازبا لا زوجة له ولكن الإنسانية انتبهت وطمعت في دعوة صالحة من البنيات المسكينات ، ودخلت في نفسه فجأة رقة شديدة .

فأخذ الشرطي للرجل من غريمه حتى رضِي الرجل بل وأرغم الظالم ( البائع ) أن يكون سخيا مع الرجل ( المشتري ) لأن الشرطي أراد من أن يزيد فرح البنات .

قال الشرطي للرجل ( المشتري ) قبل أن ينصرف : عهد يحاسبك الله عليه ، ويستوفيه لي منك ، أن تجعل بناتك يدعون لي إذا رأيت فرحهن بما تحمل إليهن ، وقل لهن : مالك بن دينار .

بات مالك ابن دينار تلك الليلة وهو يفكر في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ومعانيه الكثيرة ، وحثه على إكرام البنات ، وأن من أكرم بناته كرُم على الله ، وحرصه على أن ينشأن كريمات فرحات .
وفكَّر مالك ابن دينار حينها بالزواج ، وعلم أن الناس لن بزوجوه من بناتهم لأنه كان معروفا عندهم بالغلظةوالشدة ومدمنين الخمر .

فلما أصبح ذهب إلى السوق واشترى جارية وولدت له بنتاً .

وسبحان الله مالك ابن دينار ذلك القلب القاسي يُشغف قلبه بحب ابنته وظهرت فيه الإنسانية الكبيرة التي ليست فيه .
لقد أحب مالك ابن دينار بنيته الصغبرة حبا شديدا ، وكان يحملها ويدللها كثيرا لقد امتلكت الطفلة الصغيره قلبه تماما .

لدرجة أنه نسي الخمر وكلما حاول في شربها ويمسك كانت الطفلة الصغيرة تأتي بدلالها ورقتها وتسحب الكأس وتسكب الخمر على الأرض ، ومالك يراقبها دون غضب ويبتسم لأن ذلك كان يسرُّ طفلته الحبيبة .
ودام هذا الحال على مالك في ترك الخمر وكان لا يشرب الخمر إلا نادرا جدا ، فقد كانت سعادته بابنته أكبر من سعادته من شرب الخمر .

حتى حدث ما حدث !!!!!
8
8
8
8
8
8
لقد ماتت ابنته الصغيرة و عمرها سنتان :(

فأصابه الحزن الشديد .

وضعف بصره وخارت قواه .

ولم يكن لدى مالك ذلك القوة من الروح والإيمان ما يتأسى به .

فضاعف الجهل أحزانه .

وجعلت مصيبته مصائب .

وذهب بجهله إلى شر ماكان عليه .
وكانت أحزانه أفراح للشيطان .

لقد عاد مالك للإدمان على الخمر أكثر من السابق فأصبح للأسوأ عما كان عليه .

وفي يوم من الأيام وفي ليلة الجمعة سوَّل الشيطان في نفس مالك أن يسكر سكرة في هذه الليلة مامثلها سكرة .
فبات مالك كالميت من كثرة شربه للخمر في تلك الليلة .

وكان ثملا جدا .

وقذفت به أحلامه إلى أحلام .

ثم .

8
8
8

رأى القيامة !!
رأى الحشر !!

وقد ولدت القبور من فيها .

وسيق الناس وهو معهم .

وليس وراءه من الكرب غاية .

وسمع مالك خلفه زفيرا .

فالتفت .
8
8
8

فإذا بتنين عظيم مايكون أعظم منه طويل كالنخلة السحوق .

أسود أزرق .

يرسل الموت من عينيه الحمراوين كالدم .

وفي فمه مثل الرماح من أنيابه .

ولجوفه حر شديد لو زفر به على الأرض مانبتت في الأرض خضراء .

وقد فتح التنين فاه ولفخ جوفه وجاء مسرعا يريد أن يلتقم مالك ابن دينار .

فركض مالك هاربا من التنين فزعاً .

فرأى شيخ هرم يكاد يموت ضعفا .

فقال له مالك يستجيره : أجرني وأغثني .

فقال الشيخ العجوز : أنا ضعيف كما ترى ، وما أقدر على هذا التنين القوي ، ولكن تابع واركض هربا فلعل الله أن يسبب لك أسباب النجاة .
فولَّى مالك هارباً وأشرف على النار وهو الهول الأكبر .

فرجع واشتد هربا ، هربا ، هربا من التنين والتنين يلاحقه .

ولقى مالك ذلك الشيخ العجوز مرة أخرى وبكى مالك وتوسل إليه أن يساعده فالتنين يلاحقه بالذات .

فبكى العجوز شفقة من الشفقة على مالك وقال له : أنا ضعيف كما ترى ، وما أقدر على هذا التنين الذي يلاحقك ، ولكن أهرب إلى هذا الجبل ، فلعل الله يحدث لك أمرا .
فنظر مالك إلى الجبل كالدار العظيمة .
له كوى عليه ستور .

والجبل يبرق كشعاع الجوهر .

فأسرع مالك إلى الجبل والتنين ورائه .

فلما شارف مالك على الجبل فُتحت الكوى .

ورفعت الستور .

وأشرف مالك على وجوه أطفال كالأقمار .

وقرُب التنين من مالك .

وصار مالك في هواء جوفه والتنين يتضرم عليه .

ولم يبق إلا أن يأخذه التنين .

فتصايح الأطفال : يا فاطمة يافاطمة ( ابنة مالك ) .

فإذا بإبنة مالك التي ماتت قد أشرفت عليه .

فلما رأت مالك بما هو فيه صاحت وبكت ، ثم وثبت كرمية السهم ، فجاءت بين يديه ، ومدّت لمالك يدها الشمال فتعلّق مالك بها .
ومدّت يمينها إلى التنين فولّى هاربا .

أخذت فاطمة والدها مالك وأجلسته وهو كالمين من الخوف والفزع .

وقعدت في حجره كما كانت تفعل في الدنيا :)
وضربت بيدها إلى لحية والدها وقالت :
(يا أبت .... ( ألم يأن للذين آمنو أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق ) ....)

فبكى مالك .

وسأل فاطمة : أخبريني عن هذا التنين الذي أراد هلاكي .

قالت فاطمة :

ذاك عملك السوء الخبيث ، أنت قويته حتى بلغ هذا الهول الهائل ، والأعمال ترجع أجساما كما رأيت .

سأل مالك : وذلك الشيخ الضعيف الذي استجرت به ولم يجرني ؟

قالت فاطمة :

يا أبت ذلك عملك الصالح ، وأنت أضعفته فضعف حتى لم يكن له طاقة أن يغيثك من عملك السيء ، ولو لم تكن اتبعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن فرّح بناته المسكينات الضعيفات لما كانت هناك شمال تتعلق بها ، ويمين تطرد التنين عنك .

إستيقظ مالك ابم دينار من نومه فزعا .

يتذكر مارآه في منامه .

وقال في نفسه : إن يوماً باقيا من العمر هو للمؤمن عمر ما ينبغي أن يُستهان به ، وصحح نيته للتوبة ليرجع الشباب إلى الشيخ الضعيف ، ويسمن عظامه ، حتى إذا استجار به أجاره ولم يقل إني ضعيف كما ترى ! .

وذهب مالك ابن دينار إلى الحسن البصري وحكى له قصته ومارآه في منامه .
فاستدمعت عينا الحسن البصري وقال :

إن البنت الطاهرة هي جهاد أبيها وأمها في هذه الدنيا ، كالجهاد في سبيل الله ، وإنها لفوز لهما في معركة من الحياة ، يكونان هما والصبر والإيمان في ناحية منها قبيلا ، ويكون الشيطان والهم والحزن في الجهة المناوحة قبيلا آخر .

إن البنت هي أم ودار ، وأبواها فيما يكابدان من إحسان تربيتها وتأديبها وحياطتها والصبر عليها واليقظة لها كأنما يحملان الأحجار على ظهريهما حجرا حجرا ، ليبتنيا تلك الدار في يوم يوم إلى عشرين سنة أو أكثر ، ما صحبته وما بقيت في بيته .

فليس ينبغي للأب أن ينظر إلى بنته إلا على أنها ابنته ، ثم أم أولادها ، ثم أم أحفاده ، فهي بذلك أكبر من نفسها ، وحقها عليه أكبر من الحق ، فيه حرمتها وحرمة الإنسانية معا ، والأب في ذلك يقرض الله إحسانا وحنانا ورحمة ، فحق على الله أن يوفيه مثلها ، وأن يضعف له .

والبنت ترى نفسها في بيت أهلها ضعيفة كالمتقطعة و العالة ، وليس لها إلا الله ورحمة أبويها ، فإن رحماها ، وأكرماها فوق الرحمة ، وسرّاها فوق الكرامة ، وقاما بحق تأديبها وتعليمها وتفقيهها في الدين وحفظا نفسها طاهرة كريمة مسرورة مؤدبة

فقد وضعا بين يدي الله عملاً كاملاً من أعمالها الصالحة وكما وضعاه بين يدي الإنسانية .

فإذا صارا إلى الله كان حقا لهما أن يجدا في الآخرة يمينا وشمالا يذهبان بينهما إلى عفو الله وكرمه ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له إبنة فأدّبها فأحسن تأديبها ، وغذاها فأحسن غذاءها ، وأسبغ عليها من النعمة التي أسبغ الله عليه كانت له ميمنة وميسرة من النار إلى الجنة ) .


فهذه ثلاثة لابد منها معاً ، ولا تجزيء واحدة عن الأخرى في ثواب البنت :

1- تربية عقلها تربية إحسان .
2- وتربية جسمها تربية إحسان وإلطاف .
3- وتربية روحها تربية إكرام وإلطاف وإحسان .


هذه قصة أبو يحي مالك ابن دينار :)

وهو زاهد البصرة وعالمها ، ومن كتاب المصحف ، وكان يكتب المصاحف للناس ، ويعيش مما يأخذ من أجرة كتابته ، تعففا أن يطعم إلا ماكسب يده .

السلام عليكم :)

B!7
16-02-2005, 05:14 PM
الســـــــــــــــلام عليكم


جزاك الله خير اخووي على القصة المؤثرة :biggthump :biggthump

لما فيها من عظة وعبرة واتباع ان شاء الله


اللهم اجعلها في ميزان حسناتك


مع تحياتي لك

اخوك:
B!7

ONE_-_LOVE
16-02-2005, 06:28 PM
مشكور أخوي على القصة


تحــــــــــــ ZOOM_12 ــــــــــــــياتي

Batistuta
17-02-2005, 12:45 AM
B!7
مشكور على مرورك حبيبي
وأتمنى إن القصه أعجبتك وإنك إستفدت منها

zoom_12
العفو أخي الحبيب ومشكور على المرور

السلام عليكم :)

رحيل الروح
17-02-2005, 09:35 AM
يسلمووووو على القصة:biggthump
يسلموووو

Batistuta
18-02-2005, 12:56 AM
يسلمووووو على القصة:biggthump
يسلموووو
مشكوره على مرورك أختي
وتسلمي على ردك

السلام عليكم :)