البلتاجى
14-09-2005, 01:01 AM
يا شباب !! رفقاً بعلماء السنة
الحمد للهالقائل في محكم التنـزيل : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } ، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بـهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالذي ينظر لحال الأمة , يرى واقعا مريرا خيم على أغلب شباب الصحوة , ويكمن ذلك في تنكرهم للعلم والعلماء , وذلك : إما بسبب جهلهم بالعلم وحقيقته وحال العلماء , أو بسبب غلبة الهوى .. وهذا ما دفعني في هذه الكلمات لبيان فضل العلم والعلماء وواجب الأمة نحوهم .
فقد أشاد سبحانه وتعالى – أيما إشادة ! – بفضل أهل العلم ، ورفع من شأنهم ، وأعلى من قدرهم ، بما يعجز عن بيانه إلا البيان المبين ، من كَلامِ رَبِّ العالمين
فقد جعلهم سبحانه وتعالى شهودٌ ؛ على أجلِّ مَشْهُودٍ , وقرنهم بخير شُهُودٍ فَقَالَ تَعَالَى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ سورة آل عمران : 18 ]
وقد ذكر سبحانه فضله ومنته على أنبيائه ورسله وعباده بما آتاهم من العلم , فذكر سبحانه نعمته على خاتم أنبيائه ورسله فَقَالَ تَعَالَى :{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ من شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)}[سورة النساء : 113]
وقال في يوسف عليه السلام : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}[سورة يوسف : 22]
وقال في كَلِيمِهِ مُوسى :{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)}[سورة القصص : 14]
وقال في حَقِّ الْمَسِيحِ :{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاس فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [سورة المائدة : 110] فجعل تعليمه مما بشر به أمه وأقر عينها به .
وقال في حَقِّ داود : {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}[سورة ص : 20]
وقال في حَقِّ الخضر صاحب موسى وفتاه : {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً من عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ من لَدُنَّا عِلْماً }[سورة الكهف : 65]
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [سورة الأنبياء : 78 - 79]
فذكر النبيين الكريمين وأثنى عليهما بالحكم والعلم , وخص أحدهما بفهم القضية .
وحصر سبحانه الخشية منه على العلماء ,فَقَالَ تَعَالَى :{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }[ سورة فاطر: 28 ]
وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذين يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [ سورة الزمر : 9 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : { يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذين آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[ سورة المجادلة : 11 ] .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ . (1) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(1))
فحملة العلم هم العلماء , وأعني بهم العلماء الربانيين الذين لا يأخذون على علمهم أجرا , ولا ينتظرون ثناء الناس أو مدحهم , ويقومون بتعليم الناس بالكتاب والسنة , على فهم السلف رضي الله عنهم من الصحابة ومن تبعهم بإحسان .
فالعلم دينٌ فانظر ممن تأخذ دينك , فإن وجدت من تأمنه على دينك ؛ فخُطَاك أشرفُ خُطى ؛ فقد سهل الله لها الطَّريق إلى الجنة .
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ :إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ , فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ . (2) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(2))
وعن يحيى بن أكثم قَالَ :قَالَ لي الرَّشِيد : مَا أَنْبَلُ الْمَرَاتِب ؟قلت :ما أنت فيه يا أمير المؤمنين ,قَالَ :فَتَعْرِفُ أَجَلَّ مِنِّي ؟! قلت :لا ,قَالَ :لكني أعرفه , رجل يقول في حلقة : حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , قلت :وَوَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِين ؟! قَالَ :نَعَم ويلك ! هذا خَيْرٌ مِنِّي , لأن اسمه مقترنٌ باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يموت أبدًا , نحن نموت ونفنى , والعُلَمَاءُ باقون ما بقي الدَّهْرُ . (3) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(3))
قَالَ أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي :سمعت الأستاذ بن العميديقول :ما كنت أظن أن في الدُّنيا حلاوةً ألذَّ من الرِّئاسةِ والوزارةِ التي أنا فيها ؛ حتى شهدت مُذاكرة سليمان بن أحمد الطَّبراني , وأبي بكر الجِعَابي بحضرتي , فكان الطَّبرانيُّ يغلبُ الجِعَابي بكثرةِ حفظه , وكان الجِعَابي يغلب الطَّبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد , حتى ارتفعت اصواتهما , ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه ,فقال الجِعَابي :عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلا عندي , فقال :هاته ,فقال :حدثنا أبو خليفة الجمحي , ثنا سليمان بن أيوب , وحدَّث بحديثٍ ,فقال الطَّبراني :أنا سليمان بن أيوب , ومنى سمع أبو خليفة , فاسمع مني حتى يعلو إسنادك , فإنك تروي عن أبي خليفة عني , فخَجِلَ الجِعَابي , وغلبه الطَّبراني , قَالَ ابن العميد : فوددت في مكاني أَنَّ الوزارة والرِّئاسة ليتها لم تكن لي ؛ وكنت أنا الطَّبراني , وفرحت مثل الفرح الذي فرحه لأجل الحديث , أو كما قَالَ . (4) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(4))
قَالَ الجاحظ (5) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(5)) :ولقد دَخَلْتُ على إسحاق بن سليمان في إمْرَته ، فرأيتُ السِّمّاطِين(6) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(6)) والرِّجَالَ مُثُولًا كأنّ على رءوسهم الطير ، ورأيتُ فِرشته وبِزَّته ، ثم دَخَلْتُ عليه وهو مَعْزُول ، وإذا هو في بيتِ كُتبِه، وحواليه الأسفاط(7) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(7)) والرُّقوق(8) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(8)) ، والقَمَاطِر(9) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(9)) والدَّفاتر والمساطِر والمحابِر ، فما رأيته قط أفخمَ ولا أنبلَ ، ولا أهيبَ ولا أجزلَ منه في ذلك اليوم ، لأنه جَمَعَ مع المهابَةِ المحبَّةَ ، ومع الفَخَامةِ الحلاوةَ ، ومع السُّؤددِ الحِكمةَ . اهـ.
ولما كان العلماء ورثة الأنبياء، فقد أوجب الله عليهم بيان الحق للناس، وحرّم عليهم كتمانه،قال تعالى: { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران:187]. وقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة:159].والمعني بـهاتين الآيتين كل من كتم علماً من دين الله يعلمه، وكان الناس بحاجة إليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ . (10) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(10))
وكما أوجب سبحانه وتعالى على العلماء أن يبيّنوا الحق للناس ولا يكتمونه، فقد أوجب على الناس أن يعودوا إلى علمائهم فيستفتوهم ويسألوهم ،قال تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء:7] .
ولابد للسائل أن يختار العالم المتمكن في علمه ، ويحذر من الجهلة الذين يدّعون العلم .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا . (11) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(11))
ولا أظن أحداً يجهل أمر هؤلاء الرؤساء الجهلة الذين أسند إليهم الوظائف الدينية ، فأسرفوا في المتاجرة بدين الله إرضاءً لسادتـهم ، وطمعاً بمزيد من الهبات والعطايا التي تقدم لهم .. كما لا أظن أحداً يجهل فتاوى الغلاة الذين أخطأوا في فهم أقوال أئمة الإسلام التي يستدلون بـها، وأخطأوا في إسقاطها على واقع الأمة ، وأخطأوا مرة ثالثة عندما تصدوا لمهمة ليسوا أهلاً لها.
فالعلماء الدعاة وحدهم هم القادرون على حسم هذه الفوضى ، وتحديد المسار الصحيح لأمة الإسلام .
هذا وإن العلماء الصالحين المصلحين لا يخلو منهم عصر من الأعصار , ولا مصر من الأمصار والحمد لله، ولن يجد الناس صعوبة في الاهتداء إليهم، لأن الله سبحانه وتعالى قد خصهم بكثير من الصفات التي كان يمتاز بـها الهداة المهديون من أئمة هذا الدين.
إن مسؤولية هؤلاء العلماء كبيرة وكبيرة جداً، والأمل فيهم بعد الله يتضاعف، لأن المطلوب منهم إصلاح الناس ، ومطلوب منهم عدم تأخير البيان عند الحاجة .
والعلماء في هذا الزمان كغيرهم من علماء كل زمان يصيبون ويخطئون , الواجب معهم عند الخطأ ؛ النصيحة والبيان لا التشهير والهجران , وقد نبغ في زمننا هذا فئة من الناس , همهم فتح الأعين والآذان على كل خطأ أو زلل لعالم لا يوافق الهوى والوجدان , فإذا سمعوا كلمة طاروا بها في كل مكان , فإلى الله المشتكى من غثاء هذا الزمان .
ولقد كان علماء السلف على ورع عجيب في أمر الجرح والتعديل , وذلك حينما بلغ الأمر فيه الغاية من التشديد لحفظ السنة , فهذا يحى بن معين شيخ المحدثين كيف كان يتعامل مع علماء زمانه ؟!
قال يحيى بن معين "إمام الجرح والتعديل" : ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته , وأحببت أن أزين أمره , وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه , ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه , فإن قبل ذلك وإلا تركته . (12) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(12))
بل ننظر لحالهم في من تلبس ببدعة , ووضحت وشانت
الحمد للهالقائل في محكم التنـزيل : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } ، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بـهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالذي ينظر لحال الأمة , يرى واقعا مريرا خيم على أغلب شباب الصحوة , ويكمن ذلك في تنكرهم للعلم والعلماء , وذلك : إما بسبب جهلهم بالعلم وحقيقته وحال العلماء , أو بسبب غلبة الهوى .. وهذا ما دفعني في هذه الكلمات لبيان فضل العلم والعلماء وواجب الأمة نحوهم .
فقد أشاد سبحانه وتعالى – أيما إشادة ! – بفضل أهل العلم ، ورفع من شأنهم ، وأعلى من قدرهم ، بما يعجز عن بيانه إلا البيان المبين ، من كَلامِ رَبِّ العالمين
فقد جعلهم سبحانه وتعالى شهودٌ ؛ على أجلِّ مَشْهُودٍ , وقرنهم بخير شُهُودٍ فَقَالَ تَعَالَى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ سورة آل عمران : 18 ]
وقد ذكر سبحانه فضله ومنته على أنبيائه ورسله وعباده بما آتاهم من العلم , فذكر سبحانه نعمته على خاتم أنبيائه ورسله فَقَالَ تَعَالَى :{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ من شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)}[سورة النساء : 113]
وقال في يوسف عليه السلام : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}[سورة يوسف : 22]
وقال في كَلِيمِهِ مُوسى :{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)}[سورة القصص : 14]
وقال في حَقِّ الْمَسِيحِ :{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاس فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [سورة المائدة : 110] فجعل تعليمه مما بشر به أمه وأقر عينها به .
وقال في حَقِّ داود : {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}[سورة ص : 20]
وقال في حَقِّ الخضر صاحب موسى وفتاه : {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً من عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ من لَدُنَّا عِلْماً }[سورة الكهف : 65]
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [سورة الأنبياء : 78 - 79]
فذكر النبيين الكريمين وأثنى عليهما بالحكم والعلم , وخص أحدهما بفهم القضية .
وحصر سبحانه الخشية منه على العلماء ,فَقَالَ تَعَالَى :{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }[ سورة فاطر: 28 ]
وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذين يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [ سورة الزمر : 9 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : { يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذين آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[ سورة المجادلة : 11 ] .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ . (1) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(1))
فحملة العلم هم العلماء , وأعني بهم العلماء الربانيين الذين لا يأخذون على علمهم أجرا , ولا ينتظرون ثناء الناس أو مدحهم , ويقومون بتعليم الناس بالكتاب والسنة , على فهم السلف رضي الله عنهم من الصحابة ومن تبعهم بإحسان .
فالعلم دينٌ فانظر ممن تأخذ دينك , فإن وجدت من تأمنه على دينك ؛ فخُطَاك أشرفُ خُطى ؛ فقد سهل الله لها الطَّريق إلى الجنة .
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ :إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ , فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ . (2) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(2))
وعن يحيى بن أكثم قَالَ :قَالَ لي الرَّشِيد : مَا أَنْبَلُ الْمَرَاتِب ؟قلت :ما أنت فيه يا أمير المؤمنين ,قَالَ :فَتَعْرِفُ أَجَلَّ مِنِّي ؟! قلت :لا ,قَالَ :لكني أعرفه , رجل يقول في حلقة : حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , قلت :وَوَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِين ؟! قَالَ :نَعَم ويلك ! هذا خَيْرٌ مِنِّي , لأن اسمه مقترنٌ باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يموت أبدًا , نحن نموت ونفنى , والعُلَمَاءُ باقون ما بقي الدَّهْرُ . (3) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(3))
قَالَ أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي :سمعت الأستاذ بن العميديقول :ما كنت أظن أن في الدُّنيا حلاوةً ألذَّ من الرِّئاسةِ والوزارةِ التي أنا فيها ؛ حتى شهدت مُذاكرة سليمان بن أحمد الطَّبراني , وأبي بكر الجِعَابي بحضرتي , فكان الطَّبرانيُّ يغلبُ الجِعَابي بكثرةِ حفظه , وكان الجِعَابي يغلب الطَّبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد , حتى ارتفعت اصواتهما , ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه ,فقال الجِعَابي :عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلا عندي , فقال :هاته ,فقال :حدثنا أبو خليفة الجمحي , ثنا سليمان بن أيوب , وحدَّث بحديثٍ ,فقال الطَّبراني :أنا سليمان بن أيوب , ومنى سمع أبو خليفة , فاسمع مني حتى يعلو إسنادك , فإنك تروي عن أبي خليفة عني , فخَجِلَ الجِعَابي , وغلبه الطَّبراني , قَالَ ابن العميد : فوددت في مكاني أَنَّ الوزارة والرِّئاسة ليتها لم تكن لي ؛ وكنت أنا الطَّبراني , وفرحت مثل الفرح الذي فرحه لأجل الحديث , أو كما قَالَ . (4) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(4))
قَالَ الجاحظ (5) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(5)) :ولقد دَخَلْتُ على إسحاق بن سليمان في إمْرَته ، فرأيتُ السِّمّاطِين(6) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(6)) والرِّجَالَ مُثُولًا كأنّ على رءوسهم الطير ، ورأيتُ فِرشته وبِزَّته ، ثم دَخَلْتُ عليه وهو مَعْزُول ، وإذا هو في بيتِ كُتبِه، وحواليه الأسفاط(7) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(7)) والرُّقوق(8) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(8)) ، والقَمَاطِر(9) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(9)) والدَّفاتر والمساطِر والمحابِر ، فما رأيته قط أفخمَ ولا أنبلَ ، ولا أهيبَ ولا أجزلَ منه في ذلك اليوم ، لأنه جَمَعَ مع المهابَةِ المحبَّةَ ، ومع الفَخَامةِ الحلاوةَ ، ومع السُّؤددِ الحِكمةَ . اهـ.
ولما كان العلماء ورثة الأنبياء، فقد أوجب الله عليهم بيان الحق للناس، وحرّم عليهم كتمانه،قال تعالى: { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران:187]. وقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة:159].والمعني بـهاتين الآيتين كل من كتم علماً من دين الله يعلمه، وكان الناس بحاجة إليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ . (10) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(10))
وكما أوجب سبحانه وتعالى على العلماء أن يبيّنوا الحق للناس ولا يكتمونه، فقد أوجب على الناس أن يعودوا إلى علمائهم فيستفتوهم ويسألوهم ،قال تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء:7] .
ولابد للسائل أن يختار العالم المتمكن في علمه ، ويحذر من الجهلة الذين يدّعون العلم .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا . (11) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(11))
ولا أظن أحداً يجهل أمر هؤلاء الرؤساء الجهلة الذين أسند إليهم الوظائف الدينية ، فأسرفوا في المتاجرة بدين الله إرضاءً لسادتـهم ، وطمعاً بمزيد من الهبات والعطايا التي تقدم لهم .. كما لا أظن أحداً يجهل فتاوى الغلاة الذين أخطأوا في فهم أقوال أئمة الإسلام التي يستدلون بـها، وأخطأوا في إسقاطها على واقع الأمة ، وأخطأوا مرة ثالثة عندما تصدوا لمهمة ليسوا أهلاً لها.
فالعلماء الدعاة وحدهم هم القادرون على حسم هذه الفوضى ، وتحديد المسار الصحيح لأمة الإسلام .
هذا وإن العلماء الصالحين المصلحين لا يخلو منهم عصر من الأعصار , ولا مصر من الأمصار والحمد لله، ولن يجد الناس صعوبة في الاهتداء إليهم، لأن الله سبحانه وتعالى قد خصهم بكثير من الصفات التي كان يمتاز بـها الهداة المهديون من أئمة هذا الدين.
إن مسؤولية هؤلاء العلماء كبيرة وكبيرة جداً، والأمل فيهم بعد الله يتضاعف، لأن المطلوب منهم إصلاح الناس ، ومطلوب منهم عدم تأخير البيان عند الحاجة .
والعلماء في هذا الزمان كغيرهم من علماء كل زمان يصيبون ويخطئون , الواجب معهم عند الخطأ ؛ النصيحة والبيان لا التشهير والهجران , وقد نبغ في زمننا هذا فئة من الناس , همهم فتح الأعين والآذان على كل خطأ أو زلل لعالم لا يوافق الهوى والوجدان , فإذا سمعوا كلمة طاروا بها في كل مكان , فإلى الله المشتكى من غثاء هذا الزمان .
ولقد كان علماء السلف على ورع عجيب في أمر الجرح والتعديل , وذلك حينما بلغ الأمر فيه الغاية من التشديد لحفظ السنة , فهذا يحى بن معين شيخ المحدثين كيف كان يتعامل مع علماء زمانه ؟!
قال يحيى بن معين "إمام الجرح والتعديل" : ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته , وأحببت أن أزين أمره , وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه , ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه , فإن قبل ذلك وإلا تركته . (12) (http://salahmera.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21#(12))
بل ننظر لحالهم في من تلبس ببدعة , ووضحت وشانت