المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واجب الأمة الإسلامية



rajaab
25-10-2005, 05:49 PM
واجب الأمة الإسلامية



إن الله سبحانه وتعالى جعل العقل مناط التكليف، ولم يجعله مصدرا للتشريع، فالحسَن هو ما حسَّنه الشرع والقبيح هو ما قبَّحه الشرع، فليس للعقل أن يُحسِّن أو يُقبِّح من أفعال العباد شيئاً، فإن الله سبحانه وتعالى لم يترك البشر عرضة لتناقض العقول واختلافها، قال تعالى ,ضربَ اللهُ مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لايعلمون -، وقال تعالى ,أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمَّن يمشي سوياً على صراط مستقيم- فبعث الله النبيين وأنزل معهم الكتاب بالحق، قال تعالى ,كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه- ثم أرسل الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، قال تعالى ,اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون! يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون!هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون- فكان رسول الله هادياً لجميع البشر، وكان رحمة للعالمين، قال تعالى ,وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين-، وكانت الأمة الإسلامية هي الأمة المسؤولة عن حمل الرسالة للعالم أجمع، لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى , الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناسَ من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد-. فحملت الأمة الإسلامية الرسالة واتصلت بالعالم اتصال رعاية ومسؤولية حتى وصل الإسلام إلى ما وراء الصحارى والبحار، وأخرجت قسماً كبيراً من سكان المعمورة من دياجير الظلم والجهل إلى عدل الإسلام ونوره. وبهذه المسؤولية العالمية التي أُلقيت على عاتق الأمة الإسلامية كانت خير أمة أُخرجت للناس قال تعالى ,كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر-.

وكأية أمة من الأمم تعرضت الأمة إلى انتكاسة، أقعدتها عن متابعة مسؤوليتها عن العالم، لا بل أصبحت مسلوبة الإرادة، مسربلة برداء القهر والذل والاستعباد. فمنذ أواسط القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) والعالم الإسلامي ينحدر عن المستوى اللائق به انحدارا سريعاً، ويهبط إلى هوة الانحطاط هبوطاً فظيعاً، بسبب الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام. حتى إذا كان القرن الثالث عشر الهجري(التاسع عشر الميلادي) تحدى النظام الرأسمالي ـ وهو نظام كفرـ نظام الإسلام في أفكاره ومشاعره. وما هي إلا جولة قصيرة حتى هُزِمَ المسلمون أمامه هزيمة فكرية أعقبتها الهزيمة السياسية المدمرة بزوال سلطان الإسلام من على وجه الأرض. ولكن الإسلام لم يُهزَم ولن يُهزَم لأنه وحده الحق. ولكن أنّى له أن يبقى في حلبة الكفاح وقد هُزِمَ أهلُه، ولم يُدركوا موقعه في الكفاح. وبهزيمة المسلمين أصبحت الأمة الإسلامية ومعها العالم كله، تتخبط، وترزح تحت نير الظلم السياسي والاقتصادي، وتَخضع ومعها العالم كله لعبودية قوة غاشمة، تئِن تحت كابوس الشقاء والاستعباد والإذلال.

غير أن الأمة الإسلامية وهي تعتنق العقيدة الإسلامية ـ فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة ـ عقيدة سياسية تُتَّخَذ أساساً ما بعده أساس للبحث عن رعاية شؤون الدنيا، قاعدة فكرية تُبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها الأنظمة، قيادة فكرية تقود معتَنِقها إلى حملها للناس كافة، وجهة نظر معيّنة في الحياة تُصور الحياة بأنها الحلال والحرام، يجب عليها أن تأخذ على عاتقها مهمة إنقاذ العالم، وإخراجه من ظلمات الضلال والتضليل، إلى نور الهدى، وسعادة الحياة. فإنها وإن كانت رازحة تحت نير القوة الغاشمة، فإنه لم يعد جائزاً لها أن تفكر في نفسها فحسب، فإن الأنانية بعيدة عما تعتنقه من عقائد، وغريبة على ما تحمله في ثنايا نفسها وفي صميم فؤادها من قيم وأفكار. لذلك يجب أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلع بمهمة تحرير العالم لا بنفسها وحدها. فإنها جزء من هذا العالم، وهي وُجِدت من أجل هدى البشر، وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام، صار فرضاً عليها أن تنقذ الإنسانية من الشقاء، وأن تخلِّص البشر من الظلم والتعاسة، ومن الإذلال والاستعباد.

إن الأمة الإسلامية تعتنق فكرة أساسية عن الحياة، فكرة سياسية، وتعتنق طريقة لتنفيذ هذه الفكرة في الحياة. وإذا ملكت أمة الفكرة الصحيحة مع طريقتها، فإنها ولا شك تكون أهلاً لإعطاء الخير وتكون أهلاً لحمل قيادة هذه الفكرة. ولذلك فإن الأمة الإسلامية، ليست قادرة على النهضة الصحيحة فحسب. بل هي قادرة على ذلك، وعلى أن تكون مصدراً للخير لغيرها، وعلى حمل هذه الفكرة للناس. قيادة فكرية ووجهة نظر في الحياة. وبالتالي هي قادرة على حل مشكلة العالم، وعلى إنقاذه مما يتردى فيه من الشقاء والاستعباد والذل. بحمل الدعوة الإسلامية إلى الشعوب والأمم.

والأمة الإسلامية لم تُغلَب في تاريخها من أية أمة، ولن تُغلب مطلقاً في صراعها مع الشعوب والأمم، مهما كانت قوة تلك الشعوب والأمم، ولذلك فهي قادرة على إنقاذ العالم مهما كانت قوة الدول المسيطرة عليه، أما ما حصل في الحروب الصليبية من حرب استمرت أكثر من قرن، فإنه فوق أن النصر النهائي كان للمسلمين، فإن الأمة الإسلامية لم تصارع الغرب بوصفها أمة إسلامية. وإن كانت الشعوب الأوروبية قد استُنفرت كلها لمحاربة الأمة الإسلامية. فإن الواقع هو أن الحرب كانت محصورة في بلاد الشام ومصر، والذين حاربوا هم أهل الشام ومصر، والذين انتصروا هم أهل الشام ومصر، أما الأمة الإسلامية فقد كانت موزعة إلى ولايات تشبه الدول، ولم تكن لخليفة المسلمين السيطرة الكاملة على هذه الولايات، فلم تدخل الأمة الإسلامية في حرب مع الصليبيين، وإنما دخلت بلاد الشام ومصر ليس غير. وكانت باقي الولايات غير مشتركة في هذه الحرب، لأن الولاة الآخرين، فوق كونهم مشغولين بتركيز سلطانهم، فإنهم كانوا يرون أن جهاد الكفار فرض على كفاية، وأن بلاد الشام وبلاد مصر كافية لصد الكفار عن بلاد الإسلام، وكانت كافية بالفعل، ولذلك كان النصر النهائي للمسلمين، وطُرِدَ الصليبيون من مصر وبلاد الشام ورجعت سيطرة الإسلام إلى هذه البلاد.

وأما ما حصل في الحرب العالمية الأولى، فإنها لم تكن حرباً صليبية ضد الأمة الإسلامية، وإن كانت في دوافعها الخفية تجاه بلاد الإسلام أشد من الحرب الصليبية الأولى وأكثر عمقاً وأشد تأثيراً. ذلك أن إنجلترا وحلفاءها دخلت الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا، والدولة العثمانية دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا، فهي حرب بين دول أوروبا اشتركت فيها الدولة العثمانية. ولذلك لم تعتبرها الأمة الإسلامية أنها حرب ضدها، ولم تشترك فيها الأمة الإسلامية. لذلك اشترك فيها المسلمون الهنود مع الجيش البريطاني، واشترطوا أن لا يحاربوا المسلمين، واشترك فيها إلى جانب الإنجليز الكثير من بلاد العرب ومن رجال العرب مع أنهم في جمهرتهم مسلمون، وإن كانوا قد اشتركوا تحت عامل التضليل، ولكن الذي سهّل هذا التضليل هو عدم ظهور أنها حرب ضد الأمة الإسلامية.

فالأمة الإسلامية لم تُغلب في تاريخها مطلقاً بوصفها أمة إسلامية، وكانت تُعقد لها راية النصر المؤزر في جميع الأحقاب التي حاربت فيها بوصفها أمة إسلامية، وفَتحت أكثر بلاد العالم القديم الذي كان معروفاً حينئذ، وأوجدت هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف. ولذلك فإن الأمة الإسلامية إذا وقفت أمة إسلامية، فإنها قادرة على إنقاذ العالم من هذه القوى الشريرة التي تتحكم فيه وتتسلط عليه وتذيقه ألوان الشقاء والذل والاستعباد.

قد يتساءل الكثيرون قائلين: إن الأمة الإسلامية خاضعة كسائر العالم لسيطرة الدول الكافرة وتتجرع ما يتجرعه سائر الناس من السيطرة والشقاء والذل والاستعباد، وتُفرض عليها ما يُفرض على سائر الناس من السيطرة بجميع أنواعها، السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى العسكرية في بعض الأحيان، فأحرى أن يُطلب منها تحرير نفسِها من السيطرة والنفوذ لا أن يُطلب منها تحرير غيرها، وهي أحوج الناس للتحرير! على أنها وقد تحررت فعلا أو سارت في طريق التحرير فإن مقارعة الدول الكافرة أكبر من قدرتها فكيف يكون في قدرتها أن تصارع هذه القوى؟.

قد يتساءل الكثيرون هذا التساؤل، وقد يسأل الكثيرون هذا السؤال، ولكن ذلك إذا حصل إنما هو نتيجة جهل لطبيعة المسلمين، وعدم إدراك لمدى قوة الإسلام في الصراع، فوق كونه مغالطة أو تضليلاً. أما كونه مغالطة أو تضليلاً فإن الغرب الكافر، العدو اللدود، من جملة أساليبه التضليلية أن يشغل الأمة بتحرير نفسها حتى منه لصرفها عن حمل رسالتها للعالم، ويوقعها في حِبال دوامة من الأفكار والأعمال للتحرير تؤدي إلى زيادة قيودها لا إلى حلها، وإلى تثبيت سيطرته عليها لا إلى تحريرها من سيطرته ونفوذه، لذلك فإن انشغال الأمة بنفسها عن حمل الدعوة إلى العالم لإنقاذه، هو وسيلة من وسائل صرفها عن دعوتها ووسيلة من وسائل تثبيت هذه السيطرة، وتطويل أمد بقائها فوق بلاد الإسلام. ومن هنا كان من الخطأ والخطر على الأمة أن تنشغل بنفسها عن دعوتها وأن يلهيها شأنها عن العمل لإنقاذ بني الإنسان.

وأما كونه جهلاً بطبيعة المسلمين وعدم إدراك لمدى قوة الإسلام فإن العقيدة الإسلامية؛ عقيدة التوحيد هي التي أنشأت العرب نشأة جديدة، وبثّت فيهم روحا أحالتهم خلقاً جديداً، حين اقتحمت على نفوسهم مناطق عقائدها، واتصلت بوجدانهم في صميمه، فإنَّ بذرة التوحيد إذا أُلقيت في نفوس أي شعب صافية الجوهر، نقية من كل شائبة، بسيطة كل البساطة، دفعت إلى نفوس ذلك الشعب قوة روحية هائلة لا قدرة لأحد على تقدير مداها، فإن هذه القوة تجعل صاحبها يستهين بالحياة في سبيل هذه العقيدة، فكيف لا يستهين بالصعاب مهما بلغت، وهي دون الاستهانة بالحياة، لذلك لم يكن عجيباً أنْ قَدِرَ العرب بعد إسلامهم على الفرس والروم، لأن بذرة التوحيد أحالتهم خلقاً جديداً وليس بعجيب أن يَقدر المسلمون اليوم على الأمريكان والإنجليز والفرنسيين إذا ما أُحييت في نفوسهم بذرة التوحيد.

rajaab
25-10-2005, 05:50 PM
نعم إن الإسلام إذا حلَّ من الإنسان في مركز العقيدة ووُجِدت بذرته في النفس البشرية، حوّلت الإنسان إلى شخص أقوى من القوة، وأسمى من السمو، وأعلى كعباً من الفرسان والحكماء والمفكرين، ولا أدلَّ على ذلك من نقل العقيدة الإسلامية للعرب والعجم من شعوب وقبائل إلى أمة عظيمة تقتعد الذرى وتتبوأ القمة في الوجود. ثم إن تجربة الحروب الصليبية كشفت عما في طبيعة المسلمين من قوة خارقة تنزل على المسلم فجأة، تنقله من عبد إلى سيد، ومن مهزوم إلى منتصر، ومن أسفل درك الانحطاط إلى أعلى درجات العُلى والمجد، وما نور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، إلا مثل خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، على ما يفصل بين صدر الإسلام والحروب الصليبية من فواصل الزمن ومُختلَف الأحداث، فأصالة المسلمين أصالة أعمق من الزمن، وأثبت من الثبات أمام الحدثين، فطبيعتهم طبيعة الأصيل، والأصيل يظل أصيلاً مهما لحقه من جوع، ومهما ناله من عسف واضطهاد، فهذا الإسلام الذي يفعل في النفسية هذا الفعل، والذي يوجِد الأصالة في الجيل الذي يعتنقه ويحمله، ويعمقها في الأجيال مهما طال الزمن، مهما حصل من ركود. فإن مدى تأثيره يتجاوز رؤيا الرؤى والأحلام ولذلك لا يُطلَب من الأمة الإسلامية أن تحرر نفسها، وإنما يُطلب منها أن تحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم لنشر الهدى فيه، وإنقاذه مما يحيق به من سيطرة وذلّ واستعباد، وظلم وكفر وضلال، ومن هنا كان لزاماً أن يُطلَب من الأمة إنقاذ الناس، لا أن تحرِّر نفسها فقط، فإنها مسؤولة عن الناس ومسؤولة عن نشر الهدى بين بني الإنسان.

أما كيف تحرر نفسها وتنقذ الناس، فإن ذلك يجب أن تحكيه الأفعال الفعالة، لا الأقوال المكتوبة والأعمال العظيمة، لا الأفكار المسطَّرة. يجب أن يراه الناس كائناً، لا أن يُقال لهم كيف يكون. وأن يفهموه من لغة الإسلام التي تُسطَّر فِعالاً، ومن هدى الإسلام الذي يشع على الناس نوراً وضياءاً، فالسؤال ليس عن الكيف، وإنما السؤال عن الرؤية، عن الإبصار والرؤية، وعن مشاهدة الواقع الذي سيكون أكبر من الخيال.

إن مما يجب على الناس ولا سيما المسلمين أن يدركوه أن الأمة الإسلامية أقوى من قوى الشر مهما اجتمعت، وذلك لسببين اثنين:

أحدهما: أنها تملك فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة لا يملكها أحد غيرها، وهي فكرة دينامية جبارة، وهي في نفس الوقت تعطي الصورة الحقيقية عن العالم، وعن الناس وعن الدول، وعن المجتمعات، وتعطي في نفس الوقت الطريقة الصحيحة للتغلب على دول الكفر مهما كانت، ولذلك ليس غريبا على من يملك هذه الفكرة الكلية أن تكون قواه قوى لا تُغلب.

ثانيهما: إن الأمة الإسلامية تملك من القوى المادية ما لا يملك سواها، وهي قوى جبارة هائلة لا تصل أية قوة إلى مستواها، وهي ملكها وتحت تصرفها ولذلك فإن النصر مكفول لها مهما كان وضع الصراع الذي تدخل فيه، ومهما كانت القوى التي تصارعها.

إن الموضوع هو موضوع واحد ليس غير، ألا وهو الأمة الإسلامية، فالأمة الإسلامية متى تحركت كان التحرير، ومتى اندفعت يكن الإنقاذ، ومتى زمجرت خرَّ الجبابرة ساجدين. فالمسألة كلها أن تتحرك، ثم تندفع، ثم تزمجر، فتكون السعادة والهناء، وتكون الطمأنينة والاستقرار، ويعم الناس التقدم والازدهار فالأمر كله أن تتحرك الأمة الإسلامية في هذا الوجود.

إن الأمة الإسلامية وهي تؤمن عن تصديق جازم مطابق للواقع عن دليل، إيماناً جازماً بوجود الله، وأنه حقيقة ملموس وجودها فإنها تفهم معنى الحياة، وتدرك واجب الحياة. وهي تعتقد بأن محمداً نبي الله ورسوله وأنه رسول الله إلى الناس كافة، تدرك واجبها نحو نفسها، ومهمتها تجاه بني الإنسان. وهي وقد آمنت بكتاب الله وعرفته، واعتقدت بسنة محمد وسيرته وعرفتها، فإنها تفهم معنى السياسة والحرب، وتعرف كيف تصارع قوى الكفر، وكيف تزلزل عروش الطغيان. فهي تعرف موقعة بدر، وتدرك معركتها وتحييها في قلبها. فلا غَرْوَ أن تترك التجارة والمال، وتصارع قوى البطر والكفر ولو كانت أضعاف أضعافها وهي تقرأ قوله تعالى ,الآن خفّف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مِائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين- فتعرف أنه فُرض عليها أن تقاتل عدوها إذا كانت قوته ضعفي قوتها، وأن هذا أخف ما فُرض عليها، فلا تتردد في مهاجمة قوى الشر ودول الكفر متى كانت لا تزيد عنها ضعفين.

وهي تعرف غزوة الأحزاب، وكيف تجمعت قوى الكفر على المسلمين من قبائل شتى لتمحو الإسلام من الوجود، فليس عجيباً أن تقف وحدها في وجه العالم كله، وأن تسلك السياسة إلى جانب الحرب، والدهاء والحيلة إلى جانب الإعداد والقوة.

وهي تقرأ قوله تعالى مخاطبا الرسول عليه السلام ,فقاتِل في سبيل الله لا تُكلِّف إلا نفسك-، تدرك أنها في حالة الدفاع يجب أن تقاتل عدوها مهما بلغت قواه من القوة، ومهما بلغت هي من الضعف، حتى تدفعه عن نفسها أو تفنى عن بكرة أبيها.

وهي تقرأ عمرة الحديبية، وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغه مفاوضات خيبر مع قريش لإيجاد حلف بينهما يهاجمان به محمداً في المدينة فيمحواها من الوجود. وأنه حين بلغه ذلك، صمَّم على العمرة لمصالحة قريش ومعاهدتها، وكيف أنه بعد أن عاهدها وأمِنَ شرها رجع إلى يهود خيبر فحاربهم ومحاهم ككيان من الوجود. إنها وهي تقرأ ذلك، تعرف كيف تصنع إذا تكتلت الدول ضدها لتمحوها، وكيف تضرب أعداءها لتحول بين تكتلهم وتتقي شرهم وتقضي عليهم، وهي حين تقرأ قوله تعالى: ,وإما تخافن من قومٍ خيانة فانبذ إليهم على سواء - تدرك أنها لا تكون أسيرة المعاهدات والاتفاقات، وأنها مع كونها مأمورة بالوفاء بالمعاهدات، فإنها إذا أحست بالشر تُسارع بنبذ هذه المعاهدات.

إنها وهي تدرك أن مكة قد فُتحت بالحرب والصلح معاً، وتعرف ما فعله الرسول عليه السلام بعد دخوله مكة حين قال: اهتفوا لي بالأنصار، ثم لما حضروا قال لهم: إن قريشاً وبَّشت أوباشها فاحصدوهم حصداً وسحق إحدى كفيه بالأخرى، تدرك أن الجيوش الإسلامية إذا دخلت بلداً وسلَّمَ أهلها، ثم أحست أن ذلك البلد يفكر بالحرب، فإنها يجب أن تسحق ذلك البلد سحقا، وأن تمضي حتى تقضي على القوة القضاء الأخير.

والأمة الإسلامية حين تقرأ ,فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم - تعرف أن استقامة العدو شرط لاستقامة المسلمين، وأن المؤمن كَيِّس فَطِن، وأنه لا يغفل عن تحرك عدوه ولو استسلم له، ولو عاهده.

والأمة الإسلامية وهي تعرف أن مكة فُتحت في السنة الثامنة، وأن الرسول سمح للمشركين أن يحجوا، وسمح لهم أن يطوفوا بالبيت عرايا، واضطر لعقد المعاهدات معهم، وتعرف أن ذلك صار أذىً في نفوس المسلمين، وصدر عن مراعاة لضعف قوته عن قوة المشركين، وعن وهن كان لدى المحاربين. وكيف أنه في السنة التاسعة نزلت عليه سورة الحرب، فأمر بوضعها بلا بسملة، وأمَر علياً أن يلحق بأبي بكر أمير الحج ليبلِّغ سورة التوبة للناس، وليعلن الأوامر الثلاثة المشهورة: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومَنْ كان معاهدا إلى أجل فهو إلى أجله. وأنه بعد أربعة أشهر يجب أن يُسْلِمَ المشركون أو يُقاتَلوا حتى يُفنوا: فالإسلام أو الحرب.

إن الأمة الإسلامية وهي تعرف ذلك كله، تدرك أنها إن أعطت تنازلات من جرّاء عوامل اضطرارية، فإنه لا يصح أن تسكت عليها، بل يجب أن تنقضها في أقصر وقت ممكن بعد تحضير القوة الماحقة لمن يقف في وجهها. كما تدرك أنه لا يصح أن يكون بينها كيان، ولا يبقى في داخلها أو في داخل أي بلد منها قوة حرة في أي مفهوم من مفاهيم الحياة، وأنه لا يرتفع صوت في الأمة سوى صوت الإسلام. وهي حين تقرأ قوله تعالى ,ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين - تعرف أن لا عزة لغير الإسلام في بلاد الإسلام.

إن الأمة الإسلامية حين تقرأ ذلك وغيره من الكتاب والسنة والسيرة النبوية، لا شك أن السياسة والحرب لا تكون من معارفها فحسب، ولا تكون من دراستها واختباراتها ولا تنبع من حاجاتها فقط، وإنما تكون أفكاراً من عقائدها، وأحكاماً من شريعتها، ومتغلغلة في حنايا نفسها ومتأصلة في دمها وتكوينها، فهي إذا درست سياسة الدول الكبرى فإنما تدرسها كواقع لتعالجه بأفكار الشرع وأحكامه، وتقاومه بما يتطلبه من سياسة وحرب، وتدرك كيف تسير وتعرف أين الدرب.

وهي حين ترى كيف أنها ما أن تخلصت من الاستعمار العسكري القديم الذي كانت تقوده فرنسا وبريطانيا، وما كادت تنتهي من عصور الانتداب والوصاية، حتى حلَّ مكان ذلك كله سيطرة أمريكا على العالم الإسلامي بأساليب أكثر دهاءاً وخداعاً، وكيف أن أمريكا لم تكتف بما حققته من هيمنة سياسية وسيطرة اقتصادية، ولم تقف عند حدّ نهب ثروات الشعوب الإسلامية ومصّ دمائها، بل هي تحاول الدخول إلى عقل كل واحدٍ من المسلمين، فلا يعود المسلمون يرون المعالجات لواقع المشاكل في مجتمعهم إلا من زاوية حقوق الإنسان، والتعددية، والديمقراطية، والحريات، وسياسات السوق، والعولمة وما إلى ذلك من المفاهيم الرأسمالية، إلى جانب ما يجري من تحريف لمفاهيم الإسلام وأحكامه تحت شعارات الوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذ التشدد والتطرف والتعصب، وما يصحب ذلك من تطبيق لأنظمة الكفر وسنّ التشريعات والقوانين اللازمة لهذا التطبيق، بالإضافة إلى ربط الدول القائمة في العالم الإسلامي بمعاهدات واتفاقات وقيود متنوعة لإبقائها تحت نفوذ الكفار وسيطرتهم.

وأن أمريكا لا تكتفي بالوصول إلى هذه الأهداف بما لها من وزن دولي ونفوذ في العالم الإسلامي، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية، وما تمخضت عنه من ترسيخ نفوذ أمريكا في العالم الإسلامي بأسره، بل تسخّر معها في ذلك دول الغرب الكافر قاطبةً كما تسخّر لذلك الأمم المتحدة وميثاقها والمؤسسات والمنظمات التابعة لها، وتسخّر من أجل ذلك أيضاً وسائل الإعلام العالمية لتشويه صورة الإسلام، واستعداء العالم على المتمسكين به بوصمهم بالتشدد والتطرف والعنف والإرهاب، كما تسخّر لذلك عملاءها ومَنْ حولهم من المرتزقة المنافقين، والإنتهازيين النفعيين، ومَن يؤازرهم من المضبوعين بثقافة الغرب الكافر، والمفتونين بطريقته في العيش، بل وحتى مَن يتظاهرون بالحرص على الإسلام، سواء كانوا من علماء السلاطين، أو مَن يُقَدَّمون للناس على أنهم مفكرون إسلاميون، أو من رجال بعض الحركات الإسلامية.

حين ترى كل ذلك وتدركه، تدرك أنها هي بوصفها أمة هي الهدف من ذلك الاستعمار والغزو والسيطرة عليها وبسط النفوذ فوق ربوعها لا يتم إلا بتجزئة بلادها إلى دول، وبتفرقة صفوفها إلى شعوب، وسحب سرّ قوتها بإقصاء دينها عن الحياة، بل وانتزاعه من صدور أبنائها.

فاستعمار الأمة الإسلامية وغزوها والسيطرة عليها وبسط النفوذ فوق ربوعها، ليس المقصود منه الوجه المادي، وإن كان هو الحاصل، ولا نهب خيرات البلاد الإسلامية وإن كان هو الجاري. بل المقصود الأساسي، والدافع الأصلي ـ بعد أن تمّت هزيمتها في ميادين الحرب والفكرـ هو الحيلولة دون أن تعود مرة أخرى لحمل رسالتها إلى العالم، والخوف منها من أن تحطم قوى الشر وتدك صروح الطغيان، هذا هو الأساس، وهذا هو الأصل، وهذا هو وجه القضية كلها. فالموضوع إذن ليس الاستعمار فحسب، بل الموضوع هو تحطيم هذه الأمة تحطيماً تاماً، ومحوها من الوجود بوصفها أمة إسلامية، حتى لا تعود مرة أخرى لحمل رسالتها إلى العالم.

لقد مرَّت سيطرة الغرب الكافر على الأمة الإسلامية وبسط النفوذ فوق ربوعها، في أدوار نحن في آخرها، ووصلت الرصاصة التي انطلقت لقتلها مداها الذي تفقد فيه حرارتها واندفاعها، والعدو يظن أن الضحية وصلت دور النزع الأخير، والواقع أنها لا تزال حية وازدادت معرفة وقوة، ولذلك فإن تحركها صار أسهل من قبل، وأقرب للنجاح من أي وقت مضى، وحاجة العالم إليها وإلى دعوتها وصلت إلى حدِّ الجوع المُلح، ولذلك فإنه آن الأوان لأن تتحرك الأمة الإسلامية وتندفع وتزمجر لإنقاذ هذا العالم التعيس.

لقد بدأت غزوة أعداء الأمة الإسلامية لها منذ القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) وهي في أوج قوتها، وفي عنفوان مجدها، حيث كان من المسلَّمات أن الجيش الإسلامي لا يُغلَب، ولكنها بدأت غزوة فكرية لأفراد الأمة الإسلامية ومجتمعها، ثم لما حصل الانقلاب الصناعي في أوروبا اغتنمه الأعداء فرصة ذهبية، فاتخذوه وسيلة للغزو الفكري، وأداة للغزو السياسي، واستعملوه قوة للغزو العسكري، ولما أحسوا عجزهم عن القضاء على الخلافة التي تجمعها، اتخذوا أسلوب تقطيع أطرافها منها، فبدأوا باقتطاع البلاد الإسلامية بلداً بلداً حتى يُجهزوا على خليفة المسلمين.
حدَّث التاريخ عن نابليون انه حين غزا مصر واحتلها، جمع ضباط وأركان جيشه في غرفة واسعة وضع فيها سجادة كبيرة، ووضع في وسط السجادة قبعة، وقال لضباطه: من منكم يأتيني بالقبعة؟ فمشى ضابط لإحضارها، فقال له: لا تدس على السجادة. فحاول آخر أن يأخذ القبعة بعصا طويلة. فقال له: هاتها بيدك، وهكذا حول عدة ضباط إحضار القبّعة فلم يفلح أحد بإحضارها وفق الطريقة التي يريدها نابليون. فقال لهم: نطوي السجادة ونتناول القبعة. ثم التفت إليهم وقال: هذه القبّعة مثل الخلافة؛ وهذه السجادة مثل البلاد الإسلامية، فلا يمكن أخذ القبعة باليد إلا بطي السجادة، ولا يمكن إزالة الخلافة إلا بأخذها بلداً بلداً كطي السجادة، ثم يمكن إزالة الخلافة بكل يسر، وها نحن أخذنا مصر، ثم نأخذ بلاد الشام، وهكذا نزيل الخلافة.

وهكذا صارت دول الغرب تقتطع بلاد الإسلام بلداً بلداً حتى كانت الحرب العالمية الأولى، فتمكنوا بعد انتصارهم في تلك الحرب من إزالة الخلافة، وتقطيع الأمة الإسلامية بتجزئة بلاد الإسلام إلى مستعمرات ثم إلى دول، وتفريق صفوف المسلمين إلى شعوب وقوميات، فاستطاعوا الاستيلاء على الأمة الإسلامية وتحطيمها وهم يحاولون الإجهاز عليها لتلفظ النفس الأخير.

فهذه المراحل التي مرت على الأمة الإسلامية قد وصلت آخرها، فالعدو قد خرج بقواه العسكرية التي لم تكن لنا طاقة مادية قِبَلها، وظهر عواره الفكري وفساد وجهة نظره للناس جميعاً، وهزل عملاؤه وفُضحوا حتى لم يعد دجلُهم وتضليلُهم ينطلي حتى على أتباعهم والمنتفعين منهم، وأصبح نفوذه مخفياً بالأثواب الرقيقة المهلهلة التي لا تكاد تخفيه، لذلك صارت الفرصة مواتية لا لخلعه من بلاد الإسلام ورفع كابوسه عن الأمة الإسلامية فحسب، بل صارت مواتية لذلك وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهي فرصة طويلة، لا تنقضي بشهور وسنوات، بل إنها تمتد إلى عدة سنين، وهي في كل يوم تكون مواتية أكثر من اليوم الذي قبله، لأن الأعداء يزداد انكشافهم ويزداد انهيار تدجيلهم، ويَطَّرد رفع قبضتهم اطراداً ظاهراً.

rajaab
25-10-2005, 05:52 PM
لذلك فإن الأمة الإسلامية لا شك أنها ستتحرك، ولا شك أنها ستندفع، ولا شك أنها ستزمجر، فإنها تشاهِد كل ما مرَّ ويمرُّ بها من كيد أعدائها وبطشهم، وهذا ما يجعلنا على مثل اليقين بالنصر العزيز.

إن دول العالم كلها عدوة للأمة الإسلامية، لأنها دول كافرة، وهي تتربص بشكل دائم بالإسلام والمسلمين، لتوقع بهم الأذى والفرقة والشتات، والإسلام علَّمنا أن العالم كله داران لا ثالث لهما: دار إسلام ودار كفر. وأن المسلمين يعتبرون أن أهل دار الكفر هم أهل حرب، فهم في حالة حرب معهم، إما حُكْمِيَةً، أي حُكْمُهم أنهم أهل حرب، وإما في حالة حرب فعلية، حين تكون حالة الحرب معلنة بينهم وبين الأمة الإسلامية. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: §أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها¦، وكلمة الناس، إسم جنس محلى بالألف واللام فتشمل جميع الناس الكفار في جميع العصور. إلا أن عمله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقاتِل حتى تتحول دار الكفر إلى دار إسلام، فإن تحولت يوقف القتال ولا يُكره الناس على اعتناق الإسلام، لأن الله تعالى يقول ,لا إكراه في الدين- ولأنه عليه السلام يقول:§لا يُفتن أحد عن دينه¦ ولأننا أُمرنا أن نترك الناس وما يعتقدون وما يعبدون. فالدول الكافرة كلها دول مُحارِبة ما دامت دار كفر.

إلا أن الدول الكبرى التي فرضت وتفرض سيطرتها على بلاد الإسلام، هي أشد الدول عداوة، وأكثرها خطراً على بلاد الإسلام، وأمريكا هي التي تتحكم في العالم اليوم وتذيقه من ألوان الظلم والشقاء. ولذلك فإن الأمة الإسلامية مكلَّفة بإنقاذ العالم من هذه الدول، وبالوقوف في وجه هذه الدول، والدخول معها في صراعٍ سياسي كحالة لتبليغ الإسلام ونشر دعوته، ومكلَّفة بإعداد القوة الكافية للدخول مع أي منها في حرب فعلية إذا اقتضى ذلك حمل الدعوة أو تحرير البلاد الإسلامية والدفاع عنها. ومن هنا كان المسلمون في حالة جهاد دائم وكان الجهاد باقياً ومستمراً إلى قيام الساعة، وكان فرضاً كفرض الصلاة لا يسقط عن أي مسلم حتى تحصل الكفاية برد العدو، أو تحرير البلاد، أو نشر الدعوة حيث يجب نشرها.

ومن هنا كان الجهاد هو الصفة التي يجب أن تتحول إلى سجيّة من سجايا الأمة الإسلامية، لأنه الطريقة لحمل الدعوة إلى العالم.

والسؤال الذي يرد الآن هو: هل يكون الصراع مع هذه الدول مجتمعة، وهذا ليس بالسياسة الحكيمة، أم يكون الصراع مع بعضها ويُعاهَد البعض الآخر، حتى لا تتكتل القوى ضدنا؟

والجواب على ذلك أن الصراع مع الكفار يأخذ ناحيتين اثنتين: إحداهما الصراع الفكري وهو ما يُطلق عليه الصراع السياسي، والثاني: الصراع الدموي، وهو الحرب الفعلية التي هي الجهاد. أما الصراع الفكري، أي الصراع السياسي فإنه يجب أن يكون مع جميع هذه الدول مرة واحدة، ولا تُهادَن أية دولة في هذا الصراع، لأن طبيعة التناقض بين مبدأ الإسلام والمبدأ الرأسمالي تقتضي المواجهة بينهما، ولأن هذه الدول تجعل الأعمال السياسية طريقة للسيطرة وبسط النفوذ، ولذلك فإن طبيعة الواقع الدولي تقتضي دوام الصراع السياسي مع الجميع.

أما الصراع الدموي، وهو الحرب الفعلية، فإن الظروف والأحوال هي التي تقرره، وهو الحالة الأخيرة التي يُلجأ إليها إذا تعذَّرت أو تعسّرت سائر الحالات، والرسول صلى الله عليه وسلم هادن بعض الدول من أجل أن يُحارب بعضها الآخر، كما فعل في الحديبية وفي موقعة خيبر، وهادن القبائل من أجل أن يتفرغ إلى حرب قريش، ولما أَمِنَ شرّ قريش دخل في حرب فعلية مع دولة الروم، فمهادنة دولة والدخول في حرب مع دولة أخرى جائز، ويمكن أن يُسلك هذا الطريق، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فعل، ولأن الظروف وحجم القوى، قد يضطر الأمة الإسلامية إلى المهادنة، سواء أكان ذلك في بدء الحرب، أو في مهاجمة دولتين أو أكثر لبلاد الإسلام فإنه عليه الصلاة والسلام، حين هاجمته قبائل العرب في موقعة الأحزاب، وحاصرته في المدينة هبّ لمحاربتها جميعها، ولكنه حين طال الحصار، وخشي من أن تفنيهم قوى القبائل المجتمعة والمتكتلة لحربه والقضاء عليه وعلى دولته، همَّ بعقد الصلح مع بعض القبائل المهاجِمة على أن يدفع لها مالاً مقابل انصرافها عنه، لولا أن السعدين: سعد بن عبادة وسعد بن معاذ قالا له: إنّا لا نعطي الدنيّة أبداً، فإنّا لم نعطيها ونحن كفار، فهل نعطيها وقد كرّمنا الله بالإسلام؟ حينئذ عَدَلَ الرسول عن المعاهدة، وقال لمن كان سيوقع المعاهدة معهم: اذهبوا فليس لكم إلا السيف.

واستمر بالحرب ضد القبائل كلها حتى نصره الله ذلك النصر المؤزر، فمحاربة دولة ومهادنة دولة أخرى جائز كما أن محاربة الدول المتكتلة مهما بلغت قوتها جائز كذلك. والذي يقرر هذا إنما هو الظرف والأحوال. وما يسمى بالحرب الباردة حكمها حكم الحرب الفعلية في هذا المجال، لأنها تؤدي إلى الحرب الفعلية، ولأنها لا تُخاض إلا إذا كانت القوى المادية كافية للنصر فيما لو دخلت الدولة التي نشتبك معها في حرب باردة، في حرب فعلية معنا. فالحرب الفعلية وما يسمى بالحرب الباردة، لا ندخل فيها إلا إذا كانت قوانا نصف قوى عدونا، ويجوز لنا أن نقف ضد الدول جميعاً إذا تكتلت في حلف واحد، أو أن نعاهد بعضها ونقف في وجه البعض الآخر، لا فرق في ذلك بين أن يكون تكتلها للحماية أو التهديد، كما كانت الحال بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية حتى أوائل الستينات، وبين أن تدخل متكتلة في حرب فعلية، ضدنا، كما كانت حال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، ولذلك فإن موقفنا اتجاه هذه الدول إنما تقرره الظروف والأحوال.

والقضية التي فرضت نفسها على الأمة الإسلامية اليوم هي تحرير الأمة الإسلامية كلها من سيطرة الدول الكبرى، ومن نفوذها، ولكنا لا يصح أن نخوض العراك بشأنها للتحرير، بل يجب أن نخوضه لحمل الدعوة إلى العالم وإنقاذه مما هو فيه، والتحرير يكون وسيلة لا غاية، وأداة وليس قصداً، لأن مهمتنا هي حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. والتحرير أمر بديهي من البديهيات، إذ الأصل أن نكون أمة تحمل الدعوة لا أمة تقع تحت السيطرة. ولأن القتال حتى يكون جهاداً لابد أن يكون لإعلاء كلمة الله. وكلمة الله هي حمل دعوة الإسلام، فحتى جهاد التحرير يجب أن يكون لإعلاء كلمة الله، فنحن حين نقاتل لتحرير فلسطين، لا نقاتل من أجل برتقال يافا، ولا نقاتل من أجل أن نُرجِع أوطاننا إلينا، وإنما نقاتل لإعلاء كلمة الله، ولا يتأتى ذلك إلا بالتحرير، فكان القتال من أجل إعلاء كلمة الله لا من أجل التحرير، على أن واقع الحال يقضي بذلك ويستوجبه. فنحن حين نقاتل لتحرير السنغال ونيجيريا والسودان، وتحويلها من دار كفر إلى دار إسلام، لا نتوقف عند حدود زامبيا حتى نحرر الجزائر ولا عند حدود الكونغو حتى نحرر أندونيسيا، بل نسير في الجهاد لحمل الدعوة حسب مقتضيات الظروف والأحوال وفق ما لدينا من القوة، فنحن نقاتل لتحويل كل دار كفر إلى دار إسلام، سواء أكان أهلها من المسلمين كباكستان، أو كانوا من الكفار كالهند، ومن أجل ذلك يجب أن يكون الصراع مع هذه الدول من أجل حمل الدعوة الإسلامية لا من أجل التحرير، ولكن الصراع يجب أن يكون من أجل حمل الدعوة الإسلامية، وإن كان لا يتأتى ذلك بالنسبة للبلاد الإسلامية إلا بالتحرير، وحتى العمل للتحرير نفسه لا يصح أن يكون إلا لإعلاء كلمة الله.

وقد يقول قائل، كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تمتلك القوة الكافية للخلاص من سيطرة الكفار وهم في أوج قوتهم، والجواب على ذلك أن الصراع مع العدو تكفي فيه الأعمال السياسية، والاستعداد للاستشهاد وإعداد القوة لتشكيل الخطر على العدو إذا فكر باللجوء للقوى العسكرية. هذان الأمران، وهما: الأعمال السياسية، والاستعداد للاستشهاد، وإعداد القوة الكافية لتشكيل الخطر على العدو، كافيان للتحرير أي كافيان لحمل الدعوة والنجاح في التحرير. ولذلك ما على الأمة الإسلامية إلا أن تُحذِق الأعمال السياسية، وتُعِدّ العدة للجهاد، ولذلك صار الأمر أسهل مما كان، فلا تحتاج لقوة مادية تَعدِل قوى العدو المادية، فلا تحتاج لقوة تُعادل قوى الدول الكبرى مجتمعة حتى ولا قوة تُعادل قوة أضعفها، لأن التحرير صار تكفيه الأعمال السياسية، والاحتياط لما قد يُحتمل من التدخل العسكري المحدود، ولهذا فإنه لا عذر لأحد عن النهوض للاضطلاع بأعباء التحرير وحمل الدعوة، ولم يبق أي مجال ولا أي مبرر للالتصاق بالأرض والقعود عن العمل.

ولهذا فإن الصراع ضد الدول العدوة لتحرير بلاد الإسلام لابد أن يكون صراعاً معها جميعاً، وأن لا تكون أية مهادنة مع أية دولة من هذه الدول، ولا أية مساعدة من إحداها ولو ضد الأخرى، لأن هذا لا يتأتى، بل هو عمل لتركيز سيطرة الكفر لا لتحرير البلاد من الأعداء، ومن هنا كان لزاماً على الأمة الإسلامية أن تصارع الدول العدوة في وقت واحد، دون أية مهادنة، ودون أية استعانة، بل دون أية مغازلة أو استمالة، فالموضوع هو إخراج الدول الكافرة من بلاد الإسلام، وليس هو عداء دولة ما، والاستعانة بمنافِسَتها ضدها. فالعدو لا يستعان عليه بعدو، والمستعمِر لا يستعان عليه بمستعمِر آخر، والتفاضل بينهما كالتفاضل بين العمى بالمياه الزرقاء أو العمى بالمياه السوداء، بل كله عمى ولا تفاضل في العمى.

والأعمال السياسية هي الأعمال التي يقام بها من أجل رعاية شؤون الناس، سواء أقام بها أفراد، أم قامت بها أحزاب وتكتلات، أو قامت بها دولة أو دول، والأعمال السياسية موجودة منذ نشأة الجماعات على الأرض، فالقبائل كانت تقوم بأعمال سياسية، والزعماء كانوا يقومون بالأعمال السياسية، وسيظل الناس يقومون بالأعمال السياسية ما دام هناك جماعات ترعى شؤونها. وعلى ذلك فإن القيام بالأعمال السياسية لا يستوجب مهارة في السياسية، ولا حذقاً بفن الحكم بل بإمكان كل فرد وكل جماعة وكل دولة أن تقوم بالأعمال السياسية، إلا أن الأعمال السياسية التي يجب أن توجَّه إليها العناية الفائقة من قِبَل أي شعب يريد التحرر، ومن قِبَل أية أمة تحمل رسالة للناس، إنما هي الأعمال المتعلقة بالدول الأجنبية، ولا سيما الأعمال المتعلقة بكفاح الدول الاستعمارية، وباتقاء خطر الدول الطامعة، ومن هنا كان لزاماً على الأمة الإسلامية، وهي تريد التحرر، وتحمل الدعوة الإسلامية، أن تعطي الأعمال السياسية المتعلقة بالدول الأجنبية أهمية فائقة، وأفضلية في سائر الأعمال، وأن توضع في رأس القائمة من أولويات الأعمال.

وإذا استعرضنا الأعمال السياسية في الماضي والحاضر نجدها تملأ صفحات التاريخ، والتاريخ كله أعمال سياسية وتَشغَل الدنيا كلها في الحاضر، ونجدها أنها هي التي كفلت النصر للدول، ورفعت منزلة الشعوب والأمم، وكانت في كثير من الأحيان تغني عن الجيوش الجرارة في الفتوحات، فالرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يعرض نفسه على القبائل وحين أرسل عبد الله بن جحش يتنطس أخبار مكة، وحين نهد لأخذ تجارة قريش فكانت هي سبب موقعة بدر، وحين أرسل نعيماً يثبط القبائل ويثير فيها الشكوك والتحسبات في موقعة الخندق، وحين ذهب لأداء العمرة وأقام بالحديبية، وحين حكَّم سعداً في بني قريظة، وحين أرسل الدعاة إلى القبائل، وحين أرسل الكتب إلى الملوك، وحين جاء العباس بأبي سفيان وهو ذاهب إلى مكة، وحين عقد المعاهدات، واستقبل الوفود من جزيرة العرب، وحين باهل النصارى الذين جاءوه، وحين أمر بإجلاء بني النضير، وحين عيّن حاكم اليمن من قِبَل فارس حاكماً عليها بعد أن أسلم، كل ذلك وأمثاله أعمال سياسية وقُل مثل ذلك في الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء، فإن ما يغلب على أعمالهم بالنسبة للدول الأجنبية إنما هو الأعمال السياسية، ولذلك كان يأمر أمير الجيش حين يوليه أن يطلب من القوم أن يدخلوا في الإسلام، فإن أَبَوا عرض عليهم الجزية، فإن أَبَوا استخار الله وآذنهم بالحرب. فالحرب هي آخر عمل يُلجأ إليه، والسياسية هي من أهم واجبات الأمة، ومن ألزم ما يَلزَم أن تقوم به، ومن هنا لم يكن غريباً أن تكون الأعمال السياسية من أهم أعمال التحرير، ومن أهم أعمال حمل الدعوة الإسلامية، ولولا الأعمال السياسية لما تحقق نشر الإسلام، ولا أمكن حمل دعوته في هذا العصر، إلا أن القيام بالأعمال السياسية في هذا العصر يقضي بأن تعرف الأمة أحوال العلاقات بين الدول، وأن تتتبع هذه العلاقات، وأن تدرك خفاياها ومراميها، وأن تميز بين المناورة وغير المناورة وأن تفرق بين العمل وأهدافه، وأن تكون واقفة على آخر وضع تكون عليه العلاقات، وهذا يقضي بدوام تثقيف الأمة تثقيفاً سياسياً، وجعلها تتتبع وتدرك السياسية الخارجية تتبعاً دائماً وإدراكاً واقعياً، وأن يكون حمل الدعوة الإسلامية هو الحَكَم على هذه السياسية وهو المسيِّر لها.

فمثلا لا يكفي أن تَعرِف الأمة أن الموقف الدولي قد تغير، وأن العلاقات الدولية صار يشرف عليها دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كان يشرف عليها ويسيرها دولتان اثنتان هما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، بل لا بد أن تعرف أن أمريكا التي تهيمن ـ في الوقت الحالي ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي ـ على العالم بشكل ظاهر وبارز، هي المبادِرة لمعالجة القضايا الدولية، وهي التي تحدد إطار هذه المعالجة ومكان المعالجة سواء داخل أروقة الأمم المتحدة ( أو جهازها التنفيذي مجلس الأمن) أو خارجها، ولا تجرؤ أي دولة من الدول ذات النفوذ كبريطانيا وفرنسا على تحديها جدياً، وأن أمريكا حين تُشرك معها بعض الدول التي تسمى بالكبرى، وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، في معالجة بعض القضايا والمسائل والمشاكل الدولية، فإنها شراكة شكلية، ومن أجل إضفاء الشرعية على سياساتها المصمَّمة لخدمة أهدافها ومصالحها.

ومثلاً لا يكفي أن يعرف الناس أن إنجلترا قد نزلت عن مستوى الدولة الكبرى، ولم يعد لها وجود في النظر في الشؤون الدولية، ولم تعد قادرة على التأثير في الموقف الدولي، لا يكفي أن يُعرف ذلك، بل يجب أن يُعرف أيضاً أنها قد خسرت معظم ما كان لها من نفوذ في دول العالم ومناطقه، وأهنا تركض وراء أمريكا، وتسير معها في رأيها في القضايا الدولية حتى لو لم تكن راغبة بذلك، بل وتلجأ إليها في معالجة مشاكلها الداخلية، مثلما هو حاصل في معالجة مشكلة إرلندا الشمالية.

فالمعرفة الإجمالية للقضايا الأساسية لا تكفي بل لابد من الوقوف على كثير من الخفايا والتفاصيل. من ذلك إدراك أن الولايات المتحدة في أسلوب تعاملها مع القضايا والمسائل والمشاكل الدولية، صارت تحصر العداء والتفاوض بينها وبين عملائها، بعد أن كانت تلجأ لبحث كل ذلك مع الاتحاد السوفياتي قبل انهياره. لابد أن يُعرف ذلك حتى يكون الحكم على كيفية تسيير العلاقات الدولية حكماً صحيحاً، وحتى يكون موقف الأمة الإسلامية تجاه الموقف الدولي موقفاً سليماً.

ثم إنها لابد أن تعرف القضايا على حقيقتها، فتعرف أن ما يسمى حرباً في البلقان لتصفية المسلمين هناك، إنْ هو إلا أعمال سياسية تتخذ الأعمال العسكرية أداة من أدوات العمل السياسي من أجل عرقلة التوجه الأوروبي نحو الوحدة، وما المسلمون إلا أداة العمل السياسي هذا ومحرقته.

ومن ذلك ما ترفعه أمريكا في الخليج من شعار الاحتواء المزدوج ضد إيران والعراق، بينما الاحتواء في الحقيقة ليس لإيران ولا للعراق، وإنما هو لدول الخليج من جهة، وللضغط على “إسرائيل” من جهة أخرى.

وأن ما قامت به أمريكا من الإبقاء على الحلف الأطلسي تحت شعار(المشاركة من أجل السلام) بعد زوال مُسوِغ وجود هذا الحلف بانهيار الاتحاد السوفياتي هو في الحقيقة تكبيل لأوروبا، وتقييد لحركتها، وذريعة تتدخل بواسطته في شؤون أوروبا الداخلية خاصة وأن قيادته لها، وبالتالي ربط الأمن الأوروبي بالحماية الأمريكية، مُغلِّفة كل ذلك (بالمشاركة من أجل السلام)، ومرهقة لدول أوروبا بابتعاث هذا الشعار، إلى جانب أنها جعلت من أهداف هذا الحلف مكافحة الإرهاب أو أي ذريعة أخرى كمنع انتشار الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل بوجه عام، وذلك حرصاً من أمريكا على إخفاء أهدافها الحقيقية وتغليف أعمالها بأهداف تنسجم مع الأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة من جهة أخرى.

وأن تدرك أن ما يلاحظ أحياناً من نشاط أوروبي ـ بريطاني أو فرنسي بوجه خاص ـ تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط، لا يعني أن دول أوروبا تنهج سياسة تتعارض مع سياسة أمريكا، وأن لها خطة غير الخطة الأمريكية، بل هي تسير في ذلك ضمن مخطط أمريكا لترضي تطلعها السياسي، وبسبب ما لها من مصالح في المنطقة، فهي إنما تحاول اللحاق بأمريكا لتقتنص لنفسها شيئاً من المغانم.

ومن ذلك أيضا إدراك أن التعاون العسكري الإسرائيلي ـ التركي ليس محوراً معادياً لسياسات أمريكا في المنطقة، فهي التي قد اقترحت على الطرفين الشروع في هذا التعاون أيام حكومة حزب العمل، حين كانت “إسرائيل” تسير في عملية مدريد كما تشتهي واشنطن كجائزة لها على هذا السير. وأن شعار «تصدير الثورة» الذي رفعه الخميني كان من أجل تخويف أمراء الخليج، ودفعهم للارتماء الكامل بأحضان أمريكا بحجة حمايتهم من خطر الثورة الإيرانية. وكذلك كان الهدف من دفع العراق لضم الكويت دون المسّ بالعائلة الحاكمة، حتى تكون إعادة هذه العائلة إلى سلطانها درساً لغيرها من دويلات الخليج، فترتمي كلها في حضن واشنطن كما حصل بالفعل. وأن ما قام به صدام حسين من قصف تل أبيب بالصواريخ كان رسالة أمريكية "لإسرائيل” هدفها إفهام الشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية أن المراهنة على التفوق العسكري وهمٌ وأن الحدود الآمنة لا تقوم على أسس جغرافية.

وكذلك لا يكفي أن تُعرف القضايا المحلية على ظاهرها بل لابد أن تدرِك ما وراءها. فلا يكفي أن نعرف أن المحافظين هم حكام بريطانيا الفعليين، وأنهم كانوا يلجأون إلى الإتيان بحزب العمال للحكم حين يلزم ذلك ويخرجونهم من الحكم وقتما يشاؤون، بل يجب أن يُدرَك أن نجاح حزب العمال في الوصول للحكم في ولايته الحالية هو نجاح حقيقي، وليس تلبية لرغبة حزب المحافظين، وأن للاختراق الأمريكي داخل صفوف حزب العمال ـ الذي مارس زعيمه العملية الانتخابية بالأسلوب الأمريكي ـ دوراً في هذا النجاح.

وكذلك فإنه لابد من أن تميّز القضايا الفرعية عن القضايا الأصلية، وأن تفرّق بين القضايا الاقتصادية البحتة والقضايا النقدية البحتة، وبين القضايا الاقتصادية السياسية، والقضايا النقدية السياسية، سواء من حيث الدافع أو من حيث الهدف، أو من حيث نفس الأعمال الاقتصادية والأعمال المالية. فيجب أن تدرِك الأمة مثلاً أن الهزات التي تعرضت لها أسواق دول شرق آسيا وتراجع مقدراتها المالية، وتدني عملاتها واهتزاز ميزانياتها، والقلاقل السياسية التي تعصف بها، ثم التدني الحاد الذي طرأ على أسعار النفط في نهاية هذا العام 1998، كل ذلك لا يعتبر من قبيل القضايا الاقتصادية البحتة، وإنما هو جزء من عملية ترتيب أوضاع العالم على أساس النظام العالمي الجديد الذي تريد الولايات المتحدة أن تجسد من خلالها انفرادها في قيادة العالم حتى يكون القرن القادم قرناً أمريكياً فقط لا غير.

وجملة القول: لا بد أن تُثقَّف الأمة تثقيفاً سياسياً، وأن تُزوَّد بالمعرفة الصحيحة في حمل الدعوة الإسلامية. وهذا يحتم عليها إدراك كُنْه وخفايا وخطط وأساليب ووسائل الدول الكبرى، ويتطلب منها دوام اليقظة والحذر بإدراك حقيقة ما يدبره ويحيكه الغرب الكافر لهذه الأمة من أجل القضاء عليها قضاءً مبرماً، والحيلولة دون عودتها مرة أخرى لحمل رسالتها إلى العالم.

وإنّ ما جرى ويجري في العالم الإسلامي اليوم ليست قضايا ومسائل منفصلاً بعضها عن بعض وإن بدت كذلك في أهدافها القريبة أو الآنية، ولكنها ـ في أهدافها البعيدة ـ حملة شرسة تستهدف الأمة الإسلامية بوصفها أمة، ونتائجها وبالٌ على المسلمين في كل مكان، وهي معركة تعني كل مسلم، ويتقرر فيها مصير المسلمين جميعاً أينما كانوا، ولا مجال في هذه المعركة المصيرية للوقوف على الحياد، ولا خيار لأي مسلم كان إلا الانحياز لدينه وعقيدته وإلا فإن خطر الفناء سيظل يتهدد هذه الأمة عن بكرة أبيها.

والمسلمون قادرون على الخلاص مما هم فيه من ذل وشقاء، والكفار وأشياعهم من دعاة الضلال يدركون هذه الحقيقة، ولذلك فإنهم يشيعون بين المسلمين أجواء الخوف والرعب والإرهاب.



قال تعالى }فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين{

7رمضان 1418ﻫ

الموافق25/12/1998م

اســــــــلام
25-10-2005, 07:32 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

جزاك الله خيرا وبارك فيك ..

اسأل الله ان لا يضيع لك جهد وان يمن عليك من فضله ..

دمت بحفظ المولى ..

aboood3
28-10-2005, 12:26 PM
[ جزاك الله خيرا ]

وهناك الكثير من الطرق لنشر الاسلام غير حمل السيف...............