مشاهدة النسخة كاملة : //// أفـراح الفـقـراء لا تـكتــمـل \\\\
VlAd_744
30-11-2005, 08:33 PM
في يوم من أيام العمر الموعودة التي نادراً ما تتكرر في حياة الإنسان، تصل دعوة مجانية إلى موظف صغير بسيط
يعمل في إحدى الدوائر الحكومية لكي يشاهد مسرحية في دار الأوبرا، وقد كان أقصى حلم راود ذلك الموظف
البسيط إذا فكر في قضاء سهرة ترفيهية أن يذهب إلى أحد المقاهي الشعبية يحتسي الشاي فقط، ثم يعود إلى
منزله وهو في قمة السعادة، ولم يتخيل أبداً أن تواتيه الفرصة لكي يلج دار الأوبرا ويجلس في مقاعدها الوثيرة بين
أبناء الطبقة الراقية وكأنه أحد أفرادها .
ولقد فرح كثيراً هذا الموظف البسيط بهذه الدعوة الرائعة، وشعر بأن الحياة تبتسم له من بعد طول العناء والفقر
والعجز عن الاستمتاع بأبسط حقوقه كأنسان … وهي أن يعيش كما تعيش بقية الناس، وأن يرتاد المطاعم والمسارح
والأوبرات ويجد الفرصة ليروح عن نفسه وألا يتركها حتى آخر العمر فريسة لروتين الحياة اليومية الطاحن.
وقبل يوم من موعد ذهابه إلى دار الأوبرا، طفق هذا الموظف البسيط ساهرا ولم ينم ليلتها، وقضى الليل كله
يغسل أفضل ما لديه من ثياب ويكويها، ويعد كيها ويزيل ما قد شابها من البقع، حتى يكون مظهره لائقا بالمكان الذي
سيجلس في ليلة الغد وسط كبار القوم وصفوه أبناء المجتمع المخملي.
وعندما أزف موعد الحفل توجه الموظف إلى دار الأوبرا حاملا بيده تذكرة الدعوة، وفي أساريره كل مشاعر الغبطة
والحبور والسرور … وتخيل أنه قد أمسك بيده سر السعادة أو سر الحياة نفسها، وانتظم في صفوف الداخلين ولم
يلبث أن وجد نفسه جاسا على مقعد وثير في الصفوف الأمامية … وشعر حينها وكأن الدنيا قد ابتسمت له من جديد
بعد طول عبوس وقنوط، ولأول مره يشعر في حياته بأنه إنسان بمعنى الكلمة له قيمته وخصوصيته في المجتمع.
لا أحد يرد
VlAd_744
30-11-2005, 08:35 PM
وقبل أن ينفرج ستار المسرح بلحظات قليلة شعر الموظف البسيط بأنه يريد أن يعطس … وحاول أن يكتم تلك العطسة
وألا يخرجها كي لا يزعج أحد في هذا المكان الراقي لأنهم كانوا جميعاً كما يبدو عليهم من علية القوم وصفوة
المجتمع، ولكنه لم يفلح في ذلك … وعطس عطسة قوية خرجت من أعماقه وصدر عنها دوي غريب وكأنه صوت قنبلة
صغيرة قد انفجرت، فاستدار لصوته جميع الناس من حوله، وكان الشيء المخجل بالنسبة إليه أن رذاذ تلك العطسة
القوية التي خرجت من دون إرادته كان على قذال الشخص الجالس أمامه تماماً، وكان الموظف قد لاحظ من قبل أن
يعطس أنه شخص مهيب الطلعة منتفخ الأوداج ويرتدي فاخر الثياب ويبدو عليه من جلسته الواثقة على الكرسي أنه
من ذوي السطوة والنفوذ.
وعلى الفور التفت ذلك الشخص الذي أصابه رذاذ العطسة في قذالة رأسه، ونظر إلى الموظف البسيط شذراً
والشرر كان يتطاير من عينيه الغاضبتين، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها الموظف بأن الشخص الجالس أمامه مباشرة
هو الرئيس الأعلى للدائرة الحكومية التي يعمل بها الموظف البسيط … أي أنه الرئيس الذي لا يحلم أحد أن يراه أو
يجلس معه في مكان واحد، أو حتى تقوده المصادفة البحتة لأن يحتل خلفه مباشرة مكاناً في دار الأوبرا !
لا أحد يرد
VlAd_744
30-11-2005, 08:37 PM
فارتبك هذا الموظف البسيط ارتباكاً شديداً بسبب تلك العطسة … وشعر باضطراب وضنك شديدين وكادت الدنيا تميد
من تحت قدميه، وكانت مجرد لحظات حتى انفرج ستار الأوبرا وبدأ العرض وعلت أصوات المغنين والمغنيات على
نغمات الموسيقى الحالمة … وكانت أضواء المسرح وألوانه تبهر العيون وتخلب الألباب … ولكن الموظف البسيط لم
يرى شيئاً من هذا كله أو يلتفت، لأنه كان مضطربا وغارقاً في التفكير بمصيره بعد أن عطس على قذال الرئيس
الأعلى للدائرة التي يعمل بها، وظن في دخيلة نفسه أن الرئيس الأعلى قد غضب منه غضباً شديداً بسبب تلك
العطسة التي لوث رذاذها جزءاً من رأسه ولهذا الأمر فإنه سيفصله من عمله في اليوم التالي مباشرةً … وعندئذ من
أين له أن يأتي بالنقود لينفق على أسرته وكيف السبيل ليوفر لقمة العيش المريرة في هذا الزمن الصعب !
فحاول هذا الموظف البسيط أن يعتذر بأدب شديد ممزوج بذعر داخلي كبير للرئيس الأعلى الذي كان قد اندمج
بالفعل في مشاهدة الرواية المعروضة على خشبة المسرح، حيث ربت الموظف على ظهره برقة شديدة ولما التفت
إليه الرئيس فإذا بالموظف يبادره معتذراً :
- سيدي إنني في أشد الأسف .
فابتسم الرئيس ابتسامة خفيفة وقال : - لا عليك
فقال الموظف ثانية : - سيدي لم أكن أقصد إطلاقاً أن أفعل ما فعلت، أنت تعرف أن العطس شئ لا إرادي والمسألة
كلها سوء حظ !
استاء الرئيس الأعلى من هذا الحديث وارتسمت على قسمات وجهه علامات الضيق والتبرم من الموظف البسيط،
ثم أومأ إليه أن يصمت حتى يتمكن من متابعة أحداث الرواية والاستمتاع بما يجري على خشبة المسرح … وانتهت
تلك الليلة والموظف البسيط لا يعلم كيف قضاها فقد سهر ليلته خائفاً مذعوراً من غضب الرئيس الأعلى … وقد حكى
لزوجته القصة فأشارت إليه أن يذهب إلى مكتب الرئيس الأعلى في صباح اليوم التالي ويعتذر له مرة أخرى .
لا أحد يرد
VlAd_744
30-11-2005, 08:38 PM
وعمل الموظف البسيط بما نصحته به زوجته وذهب في الصباح إلى مكتب الرئيس الأعلى … ودلف إلى الداخل بعد
ساعات طويلة من الانتظار … فبادره الرئيس الأعلى باسماً :
- ماذا أستطيع أن أفعل من أجلك ؟
قال الموظف : - أريد أن اعتذر لكم !
فقال الرئيس مقاطعاً ضائقاً : - لقد قبلت الاعتذار فلا تضيع وقتك ووقتي …
وانصرف الموظف البسيط حزين النفس محطم الآمال خائر القوى وقد اسودت الدنيا في عينيه وتصور أن الرئيس
الأعلى قد غضب منه غضباً شديداً … وهو لا يعلم أن الرئيس الأعلى لا يذكره ولا يعرفه بين ألوف الموظفين الصغار
الذين يعملون في دائرته … فيشعر الموظف بضيق كبير ينتابه ويرى أن العالم كله مظلما من بعد مقابلة الرئيس
الأعلى، وتظل تلك الصورة التي ارتسمت في ذهنه بأن الرئيس الأعلى لم يزل غاضباً منه أشد الغضب لا تفارقه
بسبب تلك العطسة … ويسير في عباب الشوارع على غير هدى وقد غامت الدنيا في عينيه، وعندما يتعب من
السير يجلس الموظف على أريكة في إحدى الحدائق العامة ثم يغمض عينيه ويموت !
لا أحد يرد
VlAd_744
30-11-2005, 08:41 PM
وبهذه المفارقة الحزينة ينهي الكاتب الروسي المبدع أنطون تشيخوف قصته الرائعة ( موت موظف ) التي قرأتها
لمرات عديدة، وكنت في كل مرة أعود لقراءتها أشعر بنفس اللذة والمتعة التي شعرت بها أول مرة … ورغم أني قد
قرأت كتباً كثيرة من السياسة والاقتصاد والتاريخ وعلم النفس والإدارة والنجاح وتطوير الذات إلى الأدب والفن والشعر
وغيرها من القصص والروايات، ولكني لم أتأثر بها بقدر ما تأثرت بهذه القصة الجميلة حتى اخترت لها عنواناً جديداً من
عندي وهو " أفراح الفقراء لا تكتمل " … وربما يعبر هذا الاسم بصورة أكثر وضوحاً عن الحدث الأليم الذي تعرض له
هذا الموظف البائس في أول مناسبة سعيدة له في حياته .
وقد وجدت نفسي أتعاطف لا إرداياً مع هذا الموظف البسيط عندما قضى الليل كله يغسل أفضل ما لديه من ثياب
استعداداً لحضور المسرحية لكي يحضر بشكل لائق أمام كبار الشخصيات وصفوة المجتمع … ويبلغ تأثري قمته في
اللحظة التي ينفرج فيها ستار الأوبرا وبدأ عرض المسرحية، في حين أن الموظف البسيط كان مضطربا أشد الاضطراب
ولم يشاهد المسرحية بل كان مشغولا بالتفكير بمصيره التعيس بعد أن عطس على قذال الرئيس الأعلى واعتقد أن
هذا الرئيس الخطير لن يغفر له هذه الزلة التي لم يكن له فيها أي ذنب … وعلى أثرها عاش هاجس الفصل من العمل
والضياع والتشرد والعجز عن توفير لقمة العيش المريرة لزوجته وأولاده، وبهذه الحالة المزرية ضاعت عليه هذه الدعوة
الوحيدة في حياته … ويزداد إشفاقي على هذا الموظف البسيط أثناء محاولاته العديدة للاعتذار من الرئيس الأعلى
من هذه العطسة … ولكنه لم يأبه بها ولم يقدر مشاعر هذا الموظف مثله مثل الكثير من الناس الذين ينتمون إلى
الطبقات العليا من المجتمع والذين لا يكترثون بمشاعر الفقراء والبسطاء، حيث ترك هذا الموظف البسيط حزيناً حائراً
ولا يعلم أن كان اعتذاره مقبولا وأنه لا يزال غاضباً منه !
ولكن السؤال الذي ما زال يحيرني ويحير كل من نصحتهم بقراءة هذه القصة الحزينة … هو ما سر تعلقي الشديد
بأحداثها وتعاطفي الكبير مع هذا الموظف البسيط ؟ رغم أنني شخصية في غاية المرح ومن يعرفنني عن قرب يعتقد
أني لا أحزن في حياتي إطلاقاً لأي شيء، ولكن هذه القصة بالذات وجدتها مختلفة كثيراً عن كل ما قرأته، وشعرت
أنها تلامس شيئا ما بداخلي لا أعرف ما هو … وإذا كانت لديك إجابةً عن هذا السؤال أرجوك أن تسعفني بها في أقرب
وقت ممكن !
انتهت
*Mkoshar*
30-11-2005, 08:49 PM
السلام عليكم
****************
اهلا اخي هاري كيف الحال الصحة ان شاءالله بخير ^^
اراك انتقلت الي منتديات القصة القصيرة وقد ابدعت في هذه القصة
مشكور اخي العزيز علي القصة المؤثرة والتي تحمل معاني كثيرة وتوضح مأساة الفقراء
مشكور
==================================
*Mkoshar*
VlAd_744
30-11-2005, 08:55 PM
اهلين ماكو شر ^^
وانت انتقلت للقياده ^^
شكرا اخوي للمرورك الجميل والسعيد الي ابهجني ^^
المواطن كين
30-11-2005, 10:24 PM
مشكور على نقل القصة
طبعا تشيكوف غنى عن التعريف.
تحياتى..
VlAd_744
02-12-2005, 12:56 PM
اهلا المواطن كين ...
العفو اخوي وشكرا لمرروك
Muroga Hyouma
02-12-2005, 03:33 PM
هــــــااااااي هاري مانسون
وااااااااااااو
قصــه مؤثــره جداً
و اشكرك على نقلك لهذه القصــه الرائعــه
بالفعــل انا تأثــرت بها كثيراً
و تعاطفت مع ذلك الموظــف المسكين
أشكرك مرةً اخرى اخــي
و اتمنى ان أرى كل ماهو جديد و رائــع منك
Regards
VlAd_744
02-12-2005, 06:55 PM
العفو اخوي وهاذي قصه نصفها منقوله والأشياء الي آخر شي من كتابتي ( يعني مشاعري وكذا وكذا وكذا )
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .