في يوم من أيام العمر الموعودة التي نادراً ما تتكرر في حياة الإنسان، تصل دعوة مجانية إلى موظف صغير بسيط
يعمل في إحدى الدوائر الحكومية لكي يشاهد مسرحية في دار الأوبرا، وقد كان أقصى حلم راود ذلك الموظف
البسيط إذا فكر في قضاء سهرة ترفيهية أن يذهب إلى أحد المقاهي الشعبية يحتسي الشاي فقط، ثم يعود إلى
منزله وهو في قمة السعادة، ولم يتخيل أبداً أن تواتيه الفرصة لكي يلج دار الأوبرا ويجلس في مقاعدها الوثيرة بين
أبناء الطبقة الراقية وكأنه أحد أفرادها .
ولقد فرح كثيراً هذا الموظف البسيط بهذه الدعوة الرائعة، وشعر بأن الحياة تبتسم له من بعد طول العناء والفقر
والعجز عن الاستمتاع بأبسط حقوقه كأنسان … وهي أن يعيش كما تعيش بقية الناس، وأن يرتاد المطاعم والمسارح
والأوبرات ويجد الفرصة ليروح عن نفسه وألا يتركها حتى آخر العمر فريسة لروتين الحياة اليومية الطاحن.
وقبل يوم من موعد ذهابه إلى دار الأوبرا، طفق هذا الموظف البسيط ساهرا ولم ينم ليلتها، وقضى الليل كله
يغسل أفضل ما لديه من ثياب ويكويها، ويعد كيها ويزيل ما قد شابها من البقع، حتى يكون مظهره لائقا بالمكان الذي
سيجلس في ليلة الغد وسط كبار القوم وصفوه أبناء المجتمع المخملي.
وعندما أزف موعد الحفل توجه الموظف إلى دار الأوبرا حاملا بيده تذكرة الدعوة، وفي أساريره كل مشاعر الغبطة
والحبور والسرور … وتخيل أنه قد أمسك بيده سر السعادة أو سر الحياة نفسها، وانتظم في صفوف الداخلين ولم
يلبث أن وجد نفسه جاسا على مقعد وثير في الصفوف الأمامية … وشعر حينها وكأن الدنيا قد ابتسمت له من جديد
بعد طول عبوس وقنوط، ولأول مره يشعر في حياته بأنه إنسان بمعنى الكلمة له قيمته وخصوصيته في المجتمع.
لا أحد يرد