مشاهدة النسخة كاملة : --//** شـريـط الـــــفيـديـو المـشـؤوم **\\--
VlAd_744
14-12-2005, 08:33 PM
كانت تلك الظهيرة غائمة باردة في شهر ديسمبر، وكان الأولاد الثلاثة يتسكعون في
السوق منذ الصباح، وعند الظهر تناولوا شيئا من شرائح البطاطا، واختلسوا إصبعين من
الشوكولا من كشك بائع الصحف، وبذلك سدوا شيئا من جوعهم ولم يشعروا بالبرد أيضا حتى
طردوا من بيت صديقهم " محمد ". وما أن أدنت الساعة من الثالثة والنصف حتى أحسوا
بالبرد. تملكهم الغيظ. تمنوا لو ذهبوا إلى المدرسة.
قال " فهد " وهو الولد الأصغر لـ " خالد ": كم علينا أن ننتظر ؟
كان خالد في الرابعة عشر من العمر، وهو صبي نحيف أسمر أذكى من الصبيين الآخرين
بكثير. ونظر خالد إلى ساعته قائلاً: أوه، هيا بنا نذهب ونرى فيم إذا كان الطعام جاهزاً.
ارتدى سترته وقادهم خارج السوق حتى دخلوا أحد الشوارع القديمة التي تؤدي إلى نفق،
وأخذت الريح الباردة تجرف معها ظروف البطاطا الفارغة والصحف القديمة، حتى أنها كانت
تصطدم بكواحلهم. وبدأ الأولاد يحومون حول زاويتين، خارج كشك صغير لبيع الصحف،
وكانت إحدى نوافذ العرض فيه مليئة بأشرطة الفيديو. وفتح " سيف " باب الكشك الذي أصدر
صريراً، وكان الشارع فارغاً إلا من سيارات ( الداتسون ) الخالية من العجلات، والتي تناثر
زجاجها نصفه في السيارة ونصفه في الرصيف. وبعد مضي بضع ثوان خرج " سيف " من
الكشك وقال : حسناً، إن كل شيء على ما يرام.
ودخل الولدان الآخران الكشك، وكان المكان يعج برائحة الصحف الممزوجة قليلاً من
رائحة الشوكولا والدخان وبعض الأشياء المسلية. لم يكن فيه شيء ملفت للنظر، وشعر فهد
بمعدته تقرصه من شدة الجوع. وتظاهر بعدم الاهتمام، وتناول كتاباً ذا غلاف ورقي كتب
عليه عنوان " برج الدلو " وقرأ عليه أيضاً: لم يعلم فيم إذا كان برجه الدلو أم لا، ولكن كان
عليه أن يبدو رابط الجأش.
خرج رجل عجوز من الخلف، وكان يحمل كوباً من الشاي، ورشف منه رشفةً قبل أن
يتفوه بكلمة واحدة.
وقال: نعم يا أولاد؟
وصعد خالد نحو طاولة البيع وقال: هل أحضرت شريط الفيديو الذي أخبرتني عنه في
الأسبوع الماضي. وأخذ العجوز رشفةً أخرى من كوب الشاي، ثم قطب عينيه قائلاً: وما ذاك
الشريط؟ إني لا أذكرك .
لقد قلت لي إنك ستحضره في هذا اليوم. الشريط يحمل اسم "منتزه سناف " ولقد حدثتني
عنه _ وبدأ الرجل يتذكر ذلك، وبدا ذلك في عينيه، ثم ابتسم في حذر وقال: بالطبع إني أتذكر.
عليكم أن تكونوا حذرين. وذاك هو كل شيء. ثم قال لهم: انتظروني هناك. ووضع كوبه على
الرف وخرج. وبدأت عينا سيف تنظران إلى السكاكر، وهما مقطبتان، أما " خالد " فقد وضع
يده على ذراعه الأخرى وهز رأسه، وخيم الصمت على الجميع. وبعد دقيقة عاد العجوز
ومعه شريط فيديو، ووضع هذا الشريط في كيس ورقي بني اللون، ودفع مارتين أجرة
الشريط، وأعاد فهد الكتاب مكانه وفتح الباب ذا الصرير.
وقال العجوز: وداعاً يا أولاد، أتمنى لكم أن تستمتعوا بهذا الفيلم، قال سيف حالما خرجوا
من الكشك: دعونا نلقي نظرةً.
وأخرج خالد شريط الفيديو من الكيس الورقي، ولكن لم يكن هناك عليه أية صورة، وإنما
كان عليه ملصقةً بيضاء مستويةً كتب عليها " منتزه سناف "، وقرأ عليها أيضاً ( 112 د )
طبعت بالآلة الكاتبة.
واستفسر سيف قائلاً: ما معنى ( 112 د ) ؟
أجاب مارتين: إنها 112 دقيقة. وهي مدة الفيلم. وأعاد مارتين الشريط إلى الكيس وقال:
هيا بنا، دعنا نتناول كوبا من الشاي إنني منهك.
VlAd_744
14-12-2005, 08:34 PM
قال أحدهم للآخر: ألا تستطيع رؤيته عندكم ؟
أجابه: لقد أخبرتك أنه ليس بعد، فأهلي لن يخرجوا إلا بعد الساعة السادسة. لذلك علينا أن
نتسكع إلى أن يحين الموعد.
وعندما سار الأولاد إلى ما بعد سيارة " الداتسون " فتح أحد أبوابها مصدراً صوت صرير
حاد، فابتعد فهد قفزاً للوراء مبتعداً عن الطريق.
كان هناك ولد نحيل من سنه تقريباً ويرتدي بنطال جينز مهترئاً، وحذاءً رياضياً وسترةً
متسخةً، ويجلس في كرسي السائق وقدماه على الرصيف . لقد تفوه بشيء ما بهدوء، فتوقف "
خالد " وقال: ماذا؟
قال الصبي: ما هو الشريط الذي أحضرته؟ وكان صوته مثل صوت الدهس على أوراق
جافة.
وسأله خالد قائلاً: وما الدافع وراء سؤال هذا؟
وهز الصبي كتفيه متأيباً، ووضع سيف يده على باب السيارة.
وبعد لحظة قال خالد: إنه شريط " منتزه سناف " هل رأيته؟ هز الصبي كتفيه مرة أخرى
وقال : أجل لقد رأيته، ولم يكن ينظر إلى أي منهم، وإنما كان ينظر إلى الرصيف، ويمسح
الزجاج المتكسر على الرصيف بإحدى قدميه. خيمت بعد ذلك برهة من الصمت، فالتفت
مارتين ومشى، وقال الولدان الآخران باللحاق به، وعاد فهد بنظره نحو الصبي الجاثم في
السيارة، لكنه لم يحرك ساكناً، وقبل أن يلتفوا بقليل عند الزاوية، أغلق الصبي باب السيارة.
وفي المقصف دفع خالد ثمن ثلاث فناجين من الشاي، وأحضرها إلى المنضدة قرب النافذة،
حيث وجد سيف وفهد مكاناً للجلوس. ولم يعلم فهد من أين حصل خالد على المال، وظن بأن
والديه قد أعطياه إياه. كان يبدو أن معه الكثير من المال دوماً، ولكنه لم يكن يتبجج أبداً
بسرقته كما كان يفعل سيف.
وبدا بعد ذلك يحرك السكر في الشاي، ويراقب ظله في الزجاج، لقد أوشك أن يحل
الظلام.
وقال سيف متسائلاً: وعم يتحدث فيلم " منتزه سناف " ؟ يبدو أنه سخيف.
أجاب خالد: حسناً إنه ليس كذلك، إنه فيلم سينمائي حقيقي. لكن أعطني فكرة مشهد واحد
منه! تنهد خالد وقال: أخبره يا فهد، وداخلت الكبرياء نفس فهد عندما كان يناديه باسمه، ثم
قال: إنه المكان الذي قتلوا في شخصا ما. أليس كذلك يا خالد ؟
هز خالد برأسه ورشف رشفةً من الشاي الساخن.
قال سيف: ماذا تقصد ؟ لقد رأيت الكثير من هذه الأفلام.
قال خالد: لا، إنك لم تفعل ذلك قط فقد أوقفوه قبل سنوات، ولم تعد تستطيع أن تحصل
عليها أكثر من ذلك، إلا إذا كنت تعرف كيفية ذلك.
قال سيف: لقد شاهدت الأنواع كلها على سبيل المثال، شاهدت فيلم " غابة الدم " و "
المنشرة " فهل شاهدت أنت فيلم " المنشرة " ؟
إن ذاك ليس هو فيلم " سناف " أيها الأحمق، إنه فيلم واقعي. إن فيه شخصاً ما قتل حقاً،
ألم ترى كيف فعلوا ذلك؟ إنك لم تر ذلك أبداً .
وقرص " فهد " مرة ثانية معدته من شدة الجوع، لكنه تمنى يائساً ألا يظهر بمظهر
الضعف أمام خالد عندما حان وقت الطعام، أو حتى التفكير به …
قال سيف بعد ذلك : هاهو ذا الصبي الغريب مرةً ثانيةً.
وأشار إلى الممر المضاء بضوء متلألئ وذي اللافتة الكهربائية أمامهم.
كان هناك صانعوا الشطائر، وأفران على الأمواج الميكروية، ومواقد على الغاز،
وسخانات، وجمادات وكان هناك شخص جاثم في سيارة يحدق النظر في الممر. وعندما
نظروا إليه بدأ يتجول هناك، ويحدق من خلال نافذة المحل المجاور، نظر خالد من بعيد وقال:
إذا كنت خائفاً فليس هناك حاجةً أن تراه.
قال سيف: أنا بالطبع لست خائفاً لقد شاهدت فيلم المنشرة ولم أخف منه.
قال خالد: لكن هذا الفيلم مختلف. ونظر فهد من خلال النافذة نحو الخارج أيضاً، لكن ذاك
الصبي قد مضى.
VlAd_744
14-12-2005, 08:36 PM
وأدار خالد المفتاح وفتح الباب، كان البت مظلماً تماماً تعج فيه رائح شرائح البطاطا
والدخان. وشعر فهد بالدفء في وجنتيه لأنه لم يأت إلى بيت مارتين من قبل أبداً. وبدأ ينظر
من حوله بفضول عندما أشعل مارتين ضوء القاعة، فرأى سجادة فخمة ومرآة محاطة بالذهب
وهاتفاً تلفزيونياً، وعند ذلك أحس فهد بالاطمئنان، لقد كانت الغرفة مذهلة، حتى أنك لا تتخيل
أن يحدث فيها أي شيء مخيف، لكن ربما يكون فيلم ( سناف ) إلى تلك الدرجة من السوء .
قال سيف: إنك تريد أن تضعه في جهاز الفيديو إذاً، فأين جهاز الرائي ( التلفاز ) ؟
لا تتسرع. إنني أريد أن أتناول شيئاً من الطعام أولاً. ألست جائعاً ؟
ماذا يوجد عندك من الطعام ؟
لا أعرف، سآكل شيئاً من السك وشرائح البطاطا، ومن الأفضل لك أن تأكل الآن لأنك لن
تستطيع أن تأكل بعد الفيلم .
قال فهد: لا، الآن نأكل وليس بعد الفيلم.
قال خالد مخاطباً فهد، معطياً إياه ورقة من فئة عشر دولارات: اذهب واشتر سمكاً
وشرائح من البطاطا لثلاث أشخاص مفهوم ؟
قال فهد: ولكن يا خالد لا تبدأ بمشاهدة الفيلم من دوني.
وكان محل بيع شرائح البطاطا بالقرب من زاوية الشارع. توقف فهد فجأة في طريق
عودته وهو يحمل صرراً من الطعام الساخن أمام صدره، إذ شاهد الصبي الذي كان في
السيارة يقف خارج باب بيت خالد.
قال له فهد قبل أن يتوقف عن السير: ماذا تريد أيها الصبي؟
أجاب الصبي: هل ستشاهدون شريط الفيديو؟
واستطاع فهد أن سمع ما قاله الصبي بشق الأنفس، مما جعله يعتقد بأن الصبي مصاب
بالزكام أو بنوبة " ربو " مثل شقيقته.
أجابه فهد: أجل قال الصبي: هل أستطيع أن أراه معكم؟
قال فهد : لا أدري، فإنه ليس لي، إنه لصديقي؟
ووقف الولدان من دون حراك، ومن دون أن ينظرا إلى بعضهما بعضاً.
قال فهد أخيراً: إني سأسأله. ثم رن جرس المنزل.
وعندما فتح خالد الباب قال له فهد: لقد أحضرت ثلاث سمكات مع شرائح البطاطا. وكان
الولد يقف خارج البيت، وهو يقول إنه يريد مشاهدة فيلم الفيديو.
أشاح خالد بوجهه،فأردف سيف من خلفه: أنه لن يأخذه أبدا، و لن يلح أبدا. قال خالد
:حسنا ،دعه يدخل.
و دخل الولد الغريب بعد فهد ،ووقف في غرفة الجلوس التي كانوا يتناولون فيها السمك و
البطاطا، وقدم فهد له شيئا من الطعام، لكنه اكتفى بالقول: لا ،لا أريد أي شيء من ذلك، ثم
جلس بعد مضى دقيقة أو اثنتين، و لم يتفوه الآخر و بكلمة واحدة، و إنما أكلوا بسرعة ثم
رموا أوراقهم في المصطلى.
وبدأ فهد يشم الولد الغريب مرة ثانية. ولما كانت الغرفة حارة، خلع فهد سترته ورماها
على السجادة الحمراء السميكة، أما الصبي الغريب فقد بقي يرتديها، وجلس ويداه في جيبه من
دون حراك.
قال خالد: هل أنتم مستعدون الآن ؟ إنني سأضع الشريط في الفيديو. ووضع الشريط في
الآلة وارتمى في أريكته الجلدية، وبيده جهاز التحكم عن بعد. وكان فهد وسيف يجلسان على
الأريكة الطويلة، أما الصبي الغريب فكان يجلس على كرسي السفرة قرب المنضدة. ثم شغل
خالد جهاز الفيديو.
قال سيف: إنه جهاز تلفزيوني رائع.
وكان التلفاز من قياس (48) بوصة، أما شاشته فكانت ناتئة خارج خزانة التلفاز، مفعمة
بالألوان.
قال خالد مخاطباً الصبي الغريب: هل سبق أن شاهدت فيلم ( سناف ) من قبل ؟ أجاب
الصبي الغريب: أجل، لقد شاهدت هذا الفيلم، وتوتر الجميع فور سماعهم هذا الكلام. كان من
الواضح أن خالد لم يصدقه ثم قال: هل شاهدت هذا الفيلم ؟ هل تعلم ما يجري فيه من أحداث؟
أجاب الصبي الغريب: أجل لقد شاهدته مئات المرات.
قال خالد: مئات المرات ؟
قال سيف: دعونا نشاهده والضوء منطفئ.
VlAd_744
14-12-2005, 08:37 PM
قال خالد: ابقوا هناك. وشاهدوا هذا الفيلم. ضغط على زر التشغيل في جهاز التحكم عن
بعد، وذوى ضوء المصباح الكبير في وسط الغرفة حتى غدت معتمة، ولم يعد الضوء يأتي إلا
من شاشة الرائي " التلفزيون " فقط.
قال سيف: رائع، وذلك عندما وجدوا أنفسهم يشاهدون شارعاً ريفياً من خلال نافذة سيارة
متحركة. لقد كان ذاك اليوم صحواً، وكانت الأشجار مكسوة بالأوراق الخضراء، وبدت
البيوت كبيرة جميلة تباعد بينها المسافات الكبيرة.
ثم بدأ التعليق من خلال صوت رجل يقول: إنه شارع عادي من شوارع مدينه إنكليزية
عادية. كان الصوت دافئاً عميقاً مثيراً للانتباه، وتابع تعليقه: إنه يوم صيفي عادي ولكنه
بالنسبة للنساء لن يبقى الشيء عادياً مرةً ثانيةً، إذ لن يكون لهن يوم صيفي آخر.
ونظر فهد إلى الصبي الغريب. ولكن عيني هذا الصبي ما تزال متجهتين نحو شاشة الرائي
" التلفزيون " عن عمد وشفتاه تتحركان من دون وعي بكلمات معينة. واستغرب فهد الأمر. لقد
صار على يقين الآن أنه لم يعد يرغب بمشاهدة الفيلم إطلاقاً، وسمح لعينيه بإعادة النظر نحو
الشاشة، وهو يحاول تثبيت نظره عليها حتى لا يرى بوضوح.
ومرت بضع دقائق، ولم يعد هناك أي تعليق صادر من الفيلم، فجأة تفوه الصبي الغريب
بشيء ما، سأله مارتين مخاطباً إياه: ماذا تقول؟ قال الصبي: إنني أقول أنه بيت رائع، أليس
كذلك؟
وكان سيف مقطباً عيناه مستغرقاً في متابعة الفيلم: حتى أنه لم ينتبه لذلك. وقبع خالد في
مكانه، ولكن فهد أخذ ينظر إلى الصبي الغريب مرة أخرى، ولم يحصل أي شيء بعد يمكن أن
يبعد نظر الصبي الغريب عن شاشة الرائي " التلفزيون " ثم تابع قائلا وهو يحملق: لابد من أن
يكون العيش هنا رائعاً، ولكن هذا التعبير كان غريباً، حتى أن فهد لم يستطع أن يفهمه .
قال فهد مخاطباً الولد: أجل وظهرت هناك امرأة على الشاشة، وهي تقوم بأعمال المنزل
العادية كالجلي والكي، وهي تتحدث إلى الكاميرا عن عمل المنزل أو عن شيء ما.
داخل فهد خوف شديد فكأنه صار مريضاً، فكل شيء كان عادياً جداً، وهو يعلم أنها قصة
واقعية حدثت لامرأة في الواقع، وهو يعلم بأنها ستقتل.
قال سيف: هذا الفيلم ممل.
قال خالد: اخرس. فلقد دخلوا ليكسبوا ثقتها.
قال سيف: ولكن ليس هناك شيء يحدث سوى أنها تتحدث وهي ملطخة بالدماء قال
الصبي الغريب: إنها حسناء أليس كذلك؟ إنها حقاً فاتنة .
وخيم الصمت على الولدين الآخرين اللذين التفتا نحوه لحظة، مستغربين كلام الصبي،
حتى فهد.
وقال خالد : ماذا؟
أجابه الصبي الغريب: أقول أنها فتاة جميلة، أليس كذلك؟ إنها حقاً فاتنة سأله سيف: وماذا
تقصد بكلامك ؟ فعقب الصبي الغريب على كلامه قائلاً: إنها أمي.
وخيم الصمت بعد ذلك على الجميع. وتغير كل شيء فجأة وشعر فهد بهذا التغير، ولكنه لا
يعرف كيف حصل ذلك ولماذا.
سأله خالد: ماذا تقول ؟
أجابه الصبي الغريب : أقول إنها أمي، وهي تحبني، وأنا أحبها.
انتقل الأولاد من أماكنهم وتغيرت الصورة على الشاشة.
كان ذلك الوقت أثناء الليل، وكانت الكاميرا خارج المنزل تصور المطبخ من خلال النافذة،
وكانت الغرفة مضاءة بدفء، المرأة تتجول في المنزل وحدها، وتقوم بسقاية النباتات
الخضراء الضخمة. ثم انحنت وأمسكت بطفل صغير من مكان يفترض أنه مهد له ثم عانقته،
ولكن لم يستوعب أي من هؤلاء الأولاد شيئاً من ذلك، لقد شلوا بما قاله الولد الغريب، إذ لم
يقل أحد لك النوع من الكلام.
قال سيف بصعوبة: إنه ولد أحمق.
قال خالد: هيه أيها الصبي، ما أسمك؟
ولم تلق أسئلتهم أي جواب.
وبدلاً من ذلك بدأ التعليق من الرائي " التلفزيون " مرةً ثانيةً: إنها بمفردها، ولم تكن عندها
من أحد يساعدها. لقد علمت أن يداً خفية قطعت سلك الهاتف. والآن… بدأ الخوف.
كان الصبي الغريب يتمشدق بكلمات وكأنه يعرفها غيباً. وفجأة ومن حمأة الظلام أتى
حجر وكسر النافذة إرباً إرباً . والتفتت المرأة بصورة هوجاء وهي تلهث وتضم الرضيع
نحوها، وأخذت عيناها الجاحظتان تحدقان النظر إليهم.
ومن ثم لاحظ الجميع بأنها حقاً أمه.
وانحنت بعد ذلك لتضع الرضيع برفق، ثم تحطم زجاج آخر، فارتعدت وصرخت بصوت
عال.
وأخذ قلب فهد يخفق مثل قلب عصفور وقع في الأسر وقال : خالد، ولكن خالد كان
يتحدث في الوقت نفسه بصوت عال، وقد اعتراه التوتر والاضطراب، ويلتفت نحو الصبي
الغريب.
وصاح خالد قائلاً: ماذا تريد يا فهد؟ لماذا أتيت إلى هنا؟.
وكان سيف يحرك نفسه مقترباً من فهد، محاولاً بذلك أن يتوارى عن الأنظار، مثلما كان
يفعل في الصف في المدرسة، في الوقت الذي كان فيه وجه خالد ملتوياً تنقط منه الكراهية
والحقد .
وبدأ الصبي الغريب كلامه قائلاً: إنني فقط أردت أن أرى …. ولكن صوته غاب بسبب
صراخ صادر عن الفيديو، وانتفض فهد جانباً وهو ينظر إلى الشاشة عندما رأى رجلاً مقنعاً
بقناع جوربي قد أندفع إلى المطبخ. وكان ثمة غموض في الصوت وكأن جزأي الفيلم قد ضما
إلى بعضهما بإجمال، ومن ثم دخلت الكاميرا فجأة معهم إلى المطبخ .
صاح فهد: يا خالد!
أجاب خالد بصوت عال: ما الأمر يا فهد ؟
كان فهد ينظر مرتعداً إلى الشاشة وبيده جهاز التحكم عن بعد .
وقال له خالد : هل أنت خائف يا فهد؟ هل شاهدت ما يكفيك من الفيلم؟ وضغط على زر
الصوت، فعجت في الغرفة أصوات مخيفة، فوضع فهد يديه على أذنيه. وكان سيف لا يزال
ينظر إلى الشاشة، ولكنه تقوقع على نفسه ووضع قبضتيه أمام فمه من الخوف.
وكان الولد الغريب ما يزال ينظر إلى شاشة الرائي " التلفزيون " محملقاً، وكانت الأم على
الشاشة تتكلم وتغمغم يائسة. وكانت عينا الولد الغريب تتبعها شفتاه تتحركان بكلمات أمه.
صاح خالد: اخرس! اخرس! وقفز ورمى جهاز التحكم عن بعد، وذوت الصورة فور
ذلك، وكان آخر ما رآه فهد وجه خالد وقد تصبب منه العرق.
غدا الجميع بعد ذلك في ظلام دامس، ولم يتحرك أحد من مكانه.
وسمع " فهد " "خالد " يشهق ويتنفس بصعوبة، وشعر بالمرض ممزوجاً بالخوف والخجل.
قال الولد الغريب: لم ينته الفيلم بعد.
قال خالد بحدة: اخرس! اخرج من هنا، إنني لا أستطيع أن أخرج حتى ينتهي الفيلم، إنني
دائماً أحب أن أرى نهاية الفيلم.
ولماذا تحب أن تراها ؟
أجاب الصبي الغريب: إنني دائما أراها، إنها المرة الوحيدة التي رأيت أمي فيها، وأحب
أن أرى أمي.
وبدأ صوته في الظلام وكأنه آت من بعيد، وكان بارداً وغريباً، وأخذت القشعريرة تدب
بـ( فهد ) . بعد أن بدا كل شيء مخيفاً، بعد أن لف الخرف اليوم كله، فكأنه أسوأ من أي يوم
آخر.
غلب على الصبي الغريب حنينه على أمه، وكاد ينشج من البكاء، لولا أنه كبت بكاءه، في
الوقت المناسب.
وقال الصبي مرة أخرى، إن الطفل الذي معها طفل رائع أليس كذلك؟ إنه يبدو جميلا يجب
أن يكون كذلك لكونه حمل من مهده، وبتلك الطريقة التي فعلتها أمهن أتمنى لو أنني أستطيع
أن أتذكر.
قال خالد وفي صوته بحة: ماذا تقصد؟
وأصبح صوت الصبي الغريب أكثر هدوءاً الآن، حتى أكثر من صوت سقوط الأوراق
وقال: لقد قتلوها ثم أضرموا النار في البيت لقد أحترق البيت كلياً بما فيه الطفل والأثاث وكل
شيء.
ذاك الطفل هو أنا، لقد احترقت مع أمي، و لكني توقفت عن النمو، لقد رأيت الفلم مئات
المرات و لكن أفضل مشهد فيه هو المشهد الذي حملتني فيه أمي، إنني واثق من أنها تحبني
كثيرا . و إن كل ما أفعله الآن هو مشاهدة شريط الفيديو هذا ، و ليس لي أي عمل آخر …
و توقف الصبي عن الكلام ، و مشى خالد متعثرا و هو يتحسس زر الضوء كي يشعله، و
بدت الغرفة جلية من حولهم. كان كل شي فيها يتلألأ، و لكن الصبي الغريب لم يعد له أي
أثر، و لم يبقى سوى رائحة حادة و ما هي إلا لحظات حتى تلاشت تلك الرائحة تماما و كأنها
لم تكن لقد انتهى الصبي الغريب.
VlAd_744
16-12-2005, 11:59 AM
آنا تعبت في كتابة القصه ولا واحد رد ؟؟؟؟ شكراً
*Mkoshar*
16-12-2005, 04:16 PM
السلام عليكم
*********************
اهلا هاري قصة رائعة حقيقتا ومؤثرة
ولا تخاف رح يردو الاعضاء ربما ما شافها احد
المهم لا تفقد الامل ^^
موفق
=============================
*Mkoshar*
Muroga Hyouma
17-12-2005, 04:57 PM
Hello Harry
Good evening dude
Wo0oW
It's one hell of a story
I really liked it
و الله قصتك هذي عجبتني كثير و أنا اندمجت في احداثها
و عجبني ترتيبك للقصه و تعبيــرك الجميـل
الله يعطيك العافيــه يا صديقي Harry Manson
و اتمنى ان أرى جديدك في أقرب وقت
و قد تم الترشيــح ^_^
Regards
R.P.D_629
17-12-2005, 09:25 PM
مشكور ياخوي الغالي هاري على القصة المميزة والرائعة :)
KANE THE DEAD
23-12-2005, 08:29 AM
مشكوووور أخوي على القصة الجميلة
ويعطيك العافية
VlAd_744
23-12-2005, 07:42 PM
*Mkoshar*
اهلين اخوي ماكو شر :D :D
:jap005: ما توقعت أحد يرد على موضوعي وانت ابهجتني :biggthump
Professor Moryarty
:ciao:
hi
how are you ?
thankes dude !!!!!!!!!!
لا تظن ان دود بالمعنى الحقيقي دود
شكرا اخوي للتصويت :05:
R.P.D_692
اهلين اخوي فهد
العفو وشكرا لمرورك
الخيالي
اهلا اخوي ...
العفو وشكرا لمرورك
B.L.U.E
06-01-2006, 07:32 PM
يعطيك ألف عافية على القصة الروعة
و ترى الصبر جميل يالطيب
وشكرا
uae killer
06-02-2006, 01:41 PM
و الله قصتك هذي عجبتني كثير و أنا اندمجت في احداثها
و عجبني ترتيبك للقصه و تعبيــرك الجميـل
و اتمنى ان أرى جديدك في أقرب وقت
و قد تم الترشيــح ^_^
خالد الساهر
03-03-2006, 02:33 PM
تسلم عيوني عالقصة المثيرة
واتمنى انك تكملها
سلامي لعيونك
جميع حقوق برمجة vBulletin محفوظة ©2025 ,لدى مؤسسة Jelsoft المحدودة.
جميع المواضيع و المشاركات المطروحة من الاعضاء لا تعبر بالضرورة عن رأي أصحاب شبكة المنتدى .