أبو ذر المصرى
06-07-2006, 01:20 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت عزمت على تقديم بحث فى أهمية السنة وتفصيلها للقرآن وبيان أن الشرع لا يكتمل دون سنة
وبالصدفة وجدت بحث عن شيخ نحسبه على خير تكلم فى هذا الموضوع بترتيب أفضل مما كنت سأكتب بكثير
فجزاه الله خيراً
لذلك فضلت نقله إليكم
والبحث فعلاً رائع فإصبروا علي طوله ففيه فائدة عظيمة وجزاكم الله خيراً
الشيخ/ عبدالله الشريف رحمه الله
والأن نبدأ الموضوع:
قال الله سبحانه : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم و يعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) من سورة آل عمران . وفي سورة الجمعة ( هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانو من قبل لفي ضلال مبين . وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
فقد امتنن الله سبحانه على عباده المؤمنين ببعثة هذا النبي الكريم { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). فهدى الناس من الضلالة وبصرهم من الجهالة.
ثم أخبر سبحانه عن هذا الدين الذي فضل الله به الأميين من أصحاب محمد ، أنه ليس مختصا بهم، بل هو لهم ونكل من جاء بعدهم إلي يوم القيامة فقال : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) ممن تبع رسول الله وتمسك بسنته ، كما روى الترمدي من حديث أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال :"مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى أو له خير أم آخره". غير أن للصحابة الميزة السامية والمنزلة العالية بسبقهم إلى النبي – صل الله عليه وسلم – وملازمة صحبته، لا يدانيهم فيها غيرهم كما في الصحيحين من حديث عمران أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال :" خير القرون قرني ثم الدين يلونهم ثم الذين يلونهم ، لا أدري أذكر مرتين أو ثلاثا".
وقال:" دعوا لي أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَ أحدهم ولا نصيفه" .
و الأميون هم العرب ، أطلقت عليهم هذه التسمية لعدم معرفتهم بالقراءة والكتابة نسبة إلى الأم ، وقد سمى الله نبيه محمد أميا من أجل أنه لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، فقال سبحانه : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }.
فأمية الرسول هي معجزة من معجزات نبوته ، كما قيل : " كفاك بالعلم في الأمي معجزة " ، وليس من سنته، فقد حارب الأمية بنشر العلوم والكتابة بين أصحابه ، ولأن أول سورة نزلت من القرآن هي سورة التعليم بالقلم .
وإنما خصه الله بالأمية صيانة للوحي الذي جاء به حتى لا تتطرق إليه الأوهام الكاذبة والظنون الباطلة ، فيقولون : كتبه من كتاب كذا.يقول الله : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون }.
وهذه البعثة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين هي بداية نزول الوحي عليه بغار حراء، حين أنزل الله عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم }.
فهذه البعثة هي أفضل من زمن المولد ، لكونه ولد كما يولد الناس ، وعاش أربعين سنة كسائر قريش ، ولهذا قال في معرض الاحتجاج على قومه : " ولقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون " ، ثم قال : {يتلو عليهم آياته } أي القرآنية ويفسرها لهم ويسألونه عما أشكل عليهم منها.
قال ابن مسعود :" كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نتجاوز هن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن ". فهم يتلقون عنه العلم والعمل .
وكانت عامة مجالس النبي –صلى الله عليه وسلم – إنما هي مجالس علم وتعليم، إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة ، ولهذا سمَاه الله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
ثم قال : {ويزكيهم } ، أي بالمحافظة على الفرائض والفضائل واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل التي أعلاها الشرك فما دونه ، لأن هذه الأعمال هي التي تزكي النفوس وتطهرها وتنشر في العالمين فخر ذكرها { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فكن طالبا للنفس أعلى المراتب
ثم قال :{ ويعلمهم الكتاب والحكمة} ، فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة ، فكان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يعلمهم السنة كما يعلمهم القرآن ، كما قال سبحانه في زوجات نبيه : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } فكان الصحابة يتعلمون من رسول الله القرآن والسنة معا،ويتناوبون ملازمته لئلا يفوتهم شيء من علمه ، وكان يقول :" إنما بعثت معلما فمن حفظ حجة على من لم يحفظ " ، قال تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } من سورة البقرة.
نشأة النبي –صلى الله عليه وسلم – يتيما أميا:
هذا مع ما ثبت بالتواتر أن النبي –صلى الله عليه وسلم – نشأ يتيما في حجر أبي طالب ، كأحد أولاده وليس في مكة مدارس ولا كتب ، حتى فاجأه الحق ونزل عليه الوحي ، والله يعلم حيث يجعل رسالته . فكان ينزل عليه القرآن تدريجيأ شيئا بعد شيء حتى نزلت عليه سورة الأنعام بجملتها وهي جزء كامل، فقام حافظا لها ولسائر القرآن بدون أن ينسى شياً منه ، لأن الله وعده بحفظه ، فقال سبحانه{ سنقرئك فلا تنسى} من سورة الأعلى 0
وفي البخاري عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي يحرك شفتيه بالقراءة خشية أن ينسى شيئأ منه ، فأنزل الله {لا تحرك به لسانك لتعجل به – أي حفظه – إن علينا جمعه و قرآنه – أي علينا أن نجمعه لك في صدرك وتقرأه – فإذا قرأناه –أي أو حيناه – فاتبع قرآنه- أي فاستمع له وأنصت – ثم إن علينا بيانه – أي أن تحفظه ولا تنسى شيئأ منه -} فكان رسول الله بعد ذلك إذا نزل عليه جبريل أنصت وإذا أقلع عنه قرأه.
ثم اخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حقيقة هذا العلم الذي جاء به والذي أو حاه الله إليه ، وأن الناس يتفاوتون في فهمه وحمله والعمل به، فقال فيما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري . قال : " مثل ما بعثي الله به من العلم والهدى كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ و العشب الكثير، وكان منها طائفة أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فسقوا وزرعوا ، وكان منها طائفة أجادب ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في دين الله فنفعه ما جئت به ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي جئت به".
وهذا مثل مطابق للواقع من أحوال الناس مع هذا الوحي والهدى النازل عليهم ، وأن هذا التفاوت في حمل العلم وفهمه واستنباطه هو أمر واقع بين الصحابة فمن بعدهم ، وأن الصحابة يتفاوتون في حمل الحديث وحفظه واستنباطه ، وقد وصفوا ابن عباس بالطائفة الطيبة التي قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فحمل أحاديث كثيرة ثم فرعها واستنبط منها الفقه في الأحكام وأمور الحلال والحرام ، فكان آية في معرفة الاستنباط ، ومثله عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها-.
ومشهور الطائفة الثانية التي أمسكت الماء فنفع الله به الناس فسقوا وزرعوا فشبهوها بأبي هريرة ، فقد حمل علما كثيرا عن النبي- صلى الله عليه وسلم – فصرف جهده إلى التحفظ على ما عنده خشية أن ينساه ، فكان يدرس الحديث وقد أوصاه النبي- صلى الله عليه وسلم – بأن يوتر قبل أن ينام من أجله ، لكنه لم يشتغل في استنباط ما عنده من العلم وله أشباه كأنس وأبي سعيد الخدري.
والمكثرون من الصحابة سبعة ولا يسمى مكثرا إلا إذا حمل عن النبي –صلى الله عليه وسلم – ألف حديث فما فوق وهم : ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبوهريرة وأنس وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ، قال الشاعر:
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا من الحديث عن المختار خير مضر
أبوهريرة سعد جابر أنس صدّيقة وابن عباس كذا ابن عمر
وأن هذه الأوصاف تنطبق على من بعدهم من أهل العلم وحملة الحديث ، وأن منهم العالم العامل بعلمه والذي يدعو إلى دين ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ثم يتوسعون في استنباط المعاني والأحكام بفقه وفهم. ومنهم عليهم اللسان الذي يحمل العلم ولا بعمل به ولا يتوسعون في معرفة فقهه وأحكامه وغاية علمهم هو الجمود على ما يقوله أئمتهم وعلماء مدهبهم ، وقد شبهوه بالمصباح الذي يضيء للناس ويحرق نفسه.
والطائفة الثانية : هي الجاهل الجافي الذي لا علم عنده ولا عمل ، وقد شبهه بالأرض السبخة التي لا يزيدها المطر إلا ضررا.
والحاصل أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلم أصحابه السنة ، كما يعلمهم القرآن ، لكون السنة تفسر القرآن وتبينه ،فأفضل التفاسير هو من يفسر القرآن بالقرآن وبالسنة، كتفسير ابن جرير وابن كثير ، لأن الله سبحانه قال: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } من سورة النحل . وقال: { وما أنزل عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} من سورة النحل ، قال عمر بن الخطاب : إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن ، فخذوهم بالسنة، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. فالسنة هي التي تفسر القرآن كما قيل:
فهو المفسر للقرآن و إنما نطق النبي لنا به عن ربه
فالقرآن وحي مجمل والسنة وحي مفصل ولا غنى لأحدهما عن لآخر ، كما قيل :
وحي بتفصيل ووحي مجمل تفسيره ذاك وحي ثاني
وعن المقدام بن معدي كرب الكندي ، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال :" يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله-عز وجل-فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم –مثل ما حرم الله-" رواه الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه"
ومن حديث العرباض بن سارية أنه قال: وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب . ومنها قوله " عليكم بسني وسنة الخلفاء الراشدين المهدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود والترمذي وصحيحه ابن ماجه.
فصل في تفسير قوله تعالى : { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى}
يقول الله سبحانه :{ما ضل صاحبكم وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحي }.
قال ابن كثير في التفسير على قوله : {ما ضل صاحبكم وما غوى} : هذا هو المقسم عليه وهو الشهادة للرسول- صلى الله عليه وسلم – بأنه راشد تابع للحق ليس بضال وهو الذي يسلك على غير طريق بغير علم،والغاوي هو العالم بالحق العادل عنه قصدا إلى غيره فنزه الله رسوله وشرعه عن مشابهة أهل الضلال كالنصارى وطرائق اليهود وهي علم الشيء وكتمانه والعمل بخلافة ، بل هو صلاة الله وسلامه عليه ، وما بعثه الله به من الشرع العظيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد 0
{ وما ينطق عن الهوى } أي ما يقول قولا عن هوى وغرض { إن هو إلا وحي يوحي} ، أي إنما يقول ما أمر به ، يبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان .
و عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه عن رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله و إنه بشر يتكلم في الغضب ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله –صلى الله عليه وسلم –فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق".
وعن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لاشك فيه " وعنه أيضا قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - :" لا أقول إلا حقا" قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : " إني لا أقول إلا حقا".... انتهى . من تفسير ابن كثير.
ثم إن الله سبحانه توعد نبيه بأنه لو كذب عليه بادعاء شيء نزل عليه ولم ينزل عليه لأذاقه العذاب الأليم ، فقال سبحانه{ولو تقوَل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين }لأنها أشد بطشا، ثم { لقطعنا منه الوتين } وهو نياط القلب { فما منكم من أحد عنه حاجرين } وحشا نبيه أن يكذب على ربه أو يكتم شيئا من وحيه0
وقال تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة} . قال غير واحد من السلف : الحكمة هي السنة ، لأن الذي كان يتلى في بيوت أزواجه-رضي الله عنهن- سوى القرآن هو سنته- صلى الله عليه وسلم - .
وقال حسان بن عطية : كان جبريل – عليه السلام – ينزل على النبي –صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل بالقرآن فيعلمه إياها كما يعلمه القرآن .
ثم إن الله سبحانه اختار لحمل هذا الدين وتبليغه من هم أفضل الخلق على الإطلاق بعد نبيهم . أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، وأصدقهم لهجة وأمانة، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، ثم و هبهم قوة الحفظ والإتقان0
فيبلغون الناس ما سمعوه من نبيهم بدون زيادة ولا نقصان ، كما روى ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول :" نضر الله امرء سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه أبو داود والترمدي وابن حبان وصحيحه .
وعن جبير بن مطعم، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –با لخيف من منى يقول :" يضر الله عبدا سمع مقالي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن : إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم " رواه أحمد وابن ماجة والطبراني .
يتبع ان شاء الله
كنت عزمت على تقديم بحث فى أهمية السنة وتفصيلها للقرآن وبيان أن الشرع لا يكتمل دون سنة
وبالصدفة وجدت بحث عن شيخ نحسبه على خير تكلم فى هذا الموضوع بترتيب أفضل مما كنت سأكتب بكثير
فجزاه الله خيراً
لذلك فضلت نقله إليكم
والبحث فعلاً رائع فإصبروا علي طوله ففيه فائدة عظيمة وجزاكم الله خيراً
الشيخ/ عبدالله الشريف رحمه الله
والأن نبدأ الموضوع:
قال الله سبحانه : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم و يعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) من سورة آل عمران . وفي سورة الجمعة ( هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانو من قبل لفي ضلال مبين . وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
فقد امتنن الله سبحانه على عباده المؤمنين ببعثة هذا النبي الكريم { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). فهدى الناس من الضلالة وبصرهم من الجهالة.
ثم أخبر سبحانه عن هذا الدين الذي فضل الله به الأميين من أصحاب محمد ، أنه ليس مختصا بهم، بل هو لهم ونكل من جاء بعدهم إلي يوم القيامة فقال : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) ممن تبع رسول الله وتمسك بسنته ، كما روى الترمدي من حديث أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال :"مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى أو له خير أم آخره". غير أن للصحابة الميزة السامية والمنزلة العالية بسبقهم إلى النبي – صل الله عليه وسلم – وملازمة صحبته، لا يدانيهم فيها غيرهم كما في الصحيحين من حديث عمران أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال :" خير القرون قرني ثم الدين يلونهم ثم الذين يلونهم ، لا أدري أذكر مرتين أو ثلاثا".
وقال:" دعوا لي أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَ أحدهم ولا نصيفه" .
و الأميون هم العرب ، أطلقت عليهم هذه التسمية لعدم معرفتهم بالقراءة والكتابة نسبة إلى الأم ، وقد سمى الله نبيه محمد أميا من أجل أنه لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، فقال سبحانه : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }.
فأمية الرسول هي معجزة من معجزات نبوته ، كما قيل : " كفاك بالعلم في الأمي معجزة " ، وليس من سنته، فقد حارب الأمية بنشر العلوم والكتابة بين أصحابه ، ولأن أول سورة نزلت من القرآن هي سورة التعليم بالقلم .
وإنما خصه الله بالأمية صيانة للوحي الذي جاء به حتى لا تتطرق إليه الأوهام الكاذبة والظنون الباطلة ، فيقولون : كتبه من كتاب كذا.يقول الله : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون }.
وهذه البعثة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين هي بداية نزول الوحي عليه بغار حراء، حين أنزل الله عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم }.
فهذه البعثة هي أفضل من زمن المولد ، لكونه ولد كما يولد الناس ، وعاش أربعين سنة كسائر قريش ، ولهذا قال في معرض الاحتجاج على قومه : " ولقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون " ، ثم قال : {يتلو عليهم آياته } أي القرآنية ويفسرها لهم ويسألونه عما أشكل عليهم منها.
قال ابن مسعود :" كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نتجاوز هن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن ". فهم يتلقون عنه العلم والعمل .
وكانت عامة مجالس النبي –صلى الله عليه وسلم – إنما هي مجالس علم وتعليم، إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة ، ولهذا سمَاه الله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
ثم قال : {ويزكيهم } ، أي بالمحافظة على الفرائض والفضائل واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل التي أعلاها الشرك فما دونه ، لأن هذه الأعمال هي التي تزكي النفوس وتطهرها وتنشر في العالمين فخر ذكرها { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فكن طالبا للنفس أعلى المراتب
ثم قال :{ ويعلمهم الكتاب والحكمة} ، فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة ، فكان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يعلمهم السنة كما يعلمهم القرآن ، كما قال سبحانه في زوجات نبيه : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } فكان الصحابة يتعلمون من رسول الله القرآن والسنة معا،ويتناوبون ملازمته لئلا يفوتهم شيء من علمه ، وكان يقول :" إنما بعثت معلما فمن حفظ حجة على من لم يحفظ " ، قال تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } من سورة البقرة.
نشأة النبي –صلى الله عليه وسلم – يتيما أميا:
هذا مع ما ثبت بالتواتر أن النبي –صلى الله عليه وسلم – نشأ يتيما في حجر أبي طالب ، كأحد أولاده وليس في مكة مدارس ولا كتب ، حتى فاجأه الحق ونزل عليه الوحي ، والله يعلم حيث يجعل رسالته . فكان ينزل عليه القرآن تدريجيأ شيئا بعد شيء حتى نزلت عليه سورة الأنعام بجملتها وهي جزء كامل، فقام حافظا لها ولسائر القرآن بدون أن ينسى شياً منه ، لأن الله وعده بحفظه ، فقال سبحانه{ سنقرئك فلا تنسى} من سورة الأعلى 0
وفي البخاري عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي يحرك شفتيه بالقراءة خشية أن ينسى شيئأ منه ، فأنزل الله {لا تحرك به لسانك لتعجل به – أي حفظه – إن علينا جمعه و قرآنه – أي علينا أن نجمعه لك في صدرك وتقرأه – فإذا قرأناه –أي أو حيناه – فاتبع قرآنه- أي فاستمع له وأنصت – ثم إن علينا بيانه – أي أن تحفظه ولا تنسى شيئأ منه -} فكان رسول الله بعد ذلك إذا نزل عليه جبريل أنصت وإذا أقلع عنه قرأه.
ثم اخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حقيقة هذا العلم الذي جاء به والذي أو حاه الله إليه ، وأن الناس يتفاوتون في فهمه وحمله والعمل به، فقال فيما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري . قال : " مثل ما بعثي الله به من العلم والهدى كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ و العشب الكثير، وكان منها طائفة أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فسقوا وزرعوا ، وكان منها طائفة أجادب ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في دين الله فنفعه ما جئت به ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي جئت به".
وهذا مثل مطابق للواقع من أحوال الناس مع هذا الوحي والهدى النازل عليهم ، وأن هذا التفاوت في حمل العلم وفهمه واستنباطه هو أمر واقع بين الصحابة فمن بعدهم ، وأن الصحابة يتفاوتون في حمل الحديث وحفظه واستنباطه ، وقد وصفوا ابن عباس بالطائفة الطيبة التي قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فحمل أحاديث كثيرة ثم فرعها واستنبط منها الفقه في الأحكام وأمور الحلال والحرام ، فكان آية في معرفة الاستنباط ، ومثله عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها-.
ومشهور الطائفة الثانية التي أمسكت الماء فنفع الله به الناس فسقوا وزرعوا فشبهوها بأبي هريرة ، فقد حمل علما كثيرا عن النبي- صلى الله عليه وسلم – فصرف جهده إلى التحفظ على ما عنده خشية أن ينساه ، فكان يدرس الحديث وقد أوصاه النبي- صلى الله عليه وسلم – بأن يوتر قبل أن ينام من أجله ، لكنه لم يشتغل في استنباط ما عنده من العلم وله أشباه كأنس وأبي سعيد الخدري.
والمكثرون من الصحابة سبعة ولا يسمى مكثرا إلا إذا حمل عن النبي –صلى الله عليه وسلم – ألف حديث فما فوق وهم : ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبوهريرة وأنس وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ، قال الشاعر:
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا من الحديث عن المختار خير مضر
أبوهريرة سعد جابر أنس صدّيقة وابن عباس كذا ابن عمر
وأن هذه الأوصاف تنطبق على من بعدهم من أهل العلم وحملة الحديث ، وأن منهم العالم العامل بعلمه والذي يدعو إلى دين ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ثم يتوسعون في استنباط المعاني والأحكام بفقه وفهم. ومنهم عليهم اللسان الذي يحمل العلم ولا بعمل به ولا يتوسعون في معرفة فقهه وأحكامه وغاية علمهم هو الجمود على ما يقوله أئمتهم وعلماء مدهبهم ، وقد شبهوه بالمصباح الذي يضيء للناس ويحرق نفسه.
والطائفة الثانية : هي الجاهل الجافي الذي لا علم عنده ولا عمل ، وقد شبهه بالأرض السبخة التي لا يزيدها المطر إلا ضررا.
والحاصل أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلم أصحابه السنة ، كما يعلمهم القرآن ، لكون السنة تفسر القرآن وتبينه ،فأفضل التفاسير هو من يفسر القرآن بالقرآن وبالسنة، كتفسير ابن جرير وابن كثير ، لأن الله سبحانه قال: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } من سورة النحل . وقال: { وما أنزل عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} من سورة النحل ، قال عمر بن الخطاب : إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن ، فخذوهم بالسنة، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. فالسنة هي التي تفسر القرآن كما قيل:
فهو المفسر للقرآن و إنما نطق النبي لنا به عن ربه
فالقرآن وحي مجمل والسنة وحي مفصل ولا غنى لأحدهما عن لآخر ، كما قيل :
وحي بتفصيل ووحي مجمل تفسيره ذاك وحي ثاني
وعن المقدام بن معدي كرب الكندي ، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال :" يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله-عز وجل-فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم –مثل ما حرم الله-" رواه الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه"
ومن حديث العرباض بن سارية أنه قال: وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب . ومنها قوله " عليكم بسني وسنة الخلفاء الراشدين المهدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود والترمذي وصحيحه ابن ماجه.
فصل في تفسير قوله تعالى : { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى}
يقول الله سبحانه :{ما ضل صاحبكم وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحي }.
قال ابن كثير في التفسير على قوله : {ما ضل صاحبكم وما غوى} : هذا هو المقسم عليه وهو الشهادة للرسول- صلى الله عليه وسلم – بأنه راشد تابع للحق ليس بضال وهو الذي يسلك على غير طريق بغير علم،والغاوي هو العالم بالحق العادل عنه قصدا إلى غيره فنزه الله رسوله وشرعه عن مشابهة أهل الضلال كالنصارى وطرائق اليهود وهي علم الشيء وكتمانه والعمل بخلافة ، بل هو صلاة الله وسلامه عليه ، وما بعثه الله به من الشرع العظيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد 0
{ وما ينطق عن الهوى } أي ما يقول قولا عن هوى وغرض { إن هو إلا وحي يوحي} ، أي إنما يقول ما أمر به ، يبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان .
و عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه عن رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله و إنه بشر يتكلم في الغضب ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله –صلى الله عليه وسلم –فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق".
وعن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لاشك فيه " وعنه أيضا قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - :" لا أقول إلا حقا" قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : " إني لا أقول إلا حقا".... انتهى . من تفسير ابن كثير.
ثم إن الله سبحانه توعد نبيه بأنه لو كذب عليه بادعاء شيء نزل عليه ولم ينزل عليه لأذاقه العذاب الأليم ، فقال سبحانه{ولو تقوَل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين }لأنها أشد بطشا، ثم { لقطعنا منه الوتين } وهو نياط القلب { فما منكم من أحد عنه حاجرين } وحشا نبيه أن يكذب على ربه أو يكتم شيئا من وحيه0
وقال تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة} . قال غير واحد من السلف : الحكمة هي السنة ، لأن الذي كان يتلى في بيوت أزواجه-رضي الله عنهن- سوى القرآن هو سنته- صلى الله عليه وسلم - .
وقال حسان بن عطية : كان جبريل – عليه السلام – ينزل على النبي –صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل بالقرآن فيعلمه إياها كما يعلمه القرآن .
ثم إن الله سبحانه اختار لحمل هذا الدين وتبليغه من هم أفضل الخلق على الإطلاق بعد نبيهم . أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، وأصدقهم لهجة وأمانة، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، ثم و هبهم قوة الحفظ والإتقان0
فيبلغون الناس ما سمعوه من نبيهم بدون زيادة ولا نقصان ، كما روى ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول :" نضر الله امرء سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه أبو داود والترمدي وابن حبان وصحيحه .
وعن جبير بن مطعم، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –با لخيف من منى يقول :" يضر الله عبدا سمع مقالي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن : إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم " رواه أحمد وابن ماجة والطبراني .
يتبع ان شاء الله