المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثمن العبث



labedabdelhamid
16-04-2007, 08:10 PM
هذه قصة فتاة قد تكون أي فتاة ,,,,,,,,,,,



http://www.madeira-camping.com/assets/images/Mother_Earth.jpg



انتظرته كعادتها قرب ذلك المنزل البعيد أسفل الثلة تنظر إلى ساعتها بين الفينة و الأخرى تروح و تجيء و الأفكار تتصارع في ذهنها و تتشابك كأنها ألياف عنكبوت خرافي ضخم, كلما احتكت ببعضها أشعلت بركانا مستعرا من الهواجس. تراه هل يفي بوعده معها و يشرعن علاقته بها؟ أم انه سيجعل منها مجرد سحابة صيف عابرة سرعان ما يلتهمها شفق الأفق عند الغروب ,نظرت مجددا إلى ساعتها بعينين يملأهما التوتر و عدم الاطمئنان و هي ترقب ناصية الطريق بقلب خافق يتسمع خشخشة خطواته,تناجيه في تبتل و خشوع و عين مهراقة من الدمع الساخن,جثت على ركبتيها مستعطفة الشمس بتوسل تستبطئ رحلتها السرمدية عسى حبيبها يراجع نفسه و يعود إلى أحضانها كما يعود المذنب إلى الراهب يبكي بين يديه متمسحا معترفا بذنوبه,لكن هيهات أن تخلف الشمس موعدها مع حبيبها القمر الذي ينتظر وصالها بفارغ الصبر و الشوق يملأ قلبه إلى قصائدها الغزلية التي تحملها إليه أشعتها الدافئة,أخيرا تسرب إليها اليأس و الإحباط فخارت قواها فاقتعدت الأرض و أودعت رأسها ركبتيها بعدما أحست بثقله فقبصت عليه بكلتي يديها تندب حظها العاثر متسائلة مع نفسها تراها بمن كانت متعلقة ؟مستحيل أن يكون إنسانا؟ أ ويكون ذئبا في صفة إنسان غادر فقد إنسانيته؟ أم تراه مصاص دماء يقتات علىدماء العذارى؟هل تكون هي الضحية الأولى التي افتتح به تاريخ إجرامه الدموي أم تكون هي التي لم تعد هي مجرد حلقة أفسحت المجال لبدء حلقة مفرغة أخرى من حمم الدماء. لكن نظراته و توسلاته, كلماته المتدفقة عواطفا جياشة التي تحطم أشد قلاع التمنع و الدلال, من أين كانت تنبع ؟أكانت تنبع من شاطئ بحري خدعها بمسحته المنعشة فانطلقت إلى مياهه الزرقاء الصافية عارية و كأنها ولدت من جديد تغوص في أعماقه باحثة عن درره فقذفها بقسوة و دون رحمة إلى هوة سحيقة لا قرار لها, حتى أصبحت كزهرة بنفسج كانت تنتظر قطرات الوفاء ليشتد عودها, إلا أن حذاء الغدر سبق الندى إليها و داسها بقسوة, و هل لزهرة مسحوقة أن تعاود انتصابها من جديد؟أ تكون قد أذنبت عندما حلمت ببيت دافئ و زوج حنون يلتقطها من براثن البؤس الذي تعيشه متقلبة بين أوجاع أم مريضة على فراش الموت و صراخ أب عاطل سكير و أخ يبتزها من يوم لآخر, أي آلهة هذه من آلهة اليونان التي قد حكمت عليها بالألم و أي نصب من تماثيلها ستذبح عنده قرابينها, هل يكون نصب أفروديت الحسناء التي غرها حسنها أم تمثال سزيف المعذب أم تذبحه على نصب أب الآلهة زيوس الناقم على البشر.
نهضت بتثاقل و كأنها أعراش نخلة محملة بأسئلة و هموم يزن كل واحد منها ضعف ما يزنه فج جبلي بأكمله, فعادت أدراجها من ذلك الممر الضيق الذي تتفرع منه سبل كثيرة فبدت لها أضواء المدينة باهتة باردة, شاحبة مصابيحها و كأنها رؤوس بشرية تضحك منها بسخرية فظنت ذلك الندى المتساقط من زجاجها أنها تبصق عليها بشماتة,دخلت إلى مخدع هاتفي فرفعت سماعة أحد هواتفه فركبت عليه رقما بيد مرتعشة يبدو من سرعتها في تركيبه أنها ألفت تركيبه مرارا, تحسست حرارته بقلب خافق و العرق يتصبب من إبطيها فلم يجبها إلا صوت المجيب الآلي الذي أعلمها أن الرقم الذي ألحت في طلبه خارج التغطية ,فأعادت المحاولة مرات متعددة و المجيب لا يمل من التكرار, وضعت السماعة بعنف أثار صوته حنق صاحبه فأتبعها سيلا من الشتائم و السباب البذيء الذي آلمها لكنها لم ترد عليه لأنه لم يكن ينعتها إلا بما أصبحت متصفة به, نعم لقد أصبحت مجرد مومس تشق طريقها نحو الاحتراف.
اقتربت حادة من مشارف الكاريان فأثار انتباهها شيء قطع عليها تفكيرها متسائلة مع نفسها أين تلك الرائحة التي كانت تشتمها على مشارفه, أليست هذه هي الزبالة التي لطالما تأففت من رائحتها النتنة كلما مرت بقربها؟ إذن فلماذا لم تزكم أنفها اليوم ؟أيمكن أن تكون قذارة فعلها أنتن من قذارة المز بلة نفسها؟ أم أنها باتت هي عينها مزبلة يمكن لأي واحد, أيا كان, أن يسكب بها قذارته .نظرت إلى الوجوه البائسة من جيرانها وهم ينظرون إليها بنوع من الشك والريبة.أوحت إليهاأن تكون رائحة الفضيحة المنبعثة من طريقة خطوها هي التي أفشت لهم سرها و كشفت لهم مكنونات نفسها المتلاطمة بين جوانحها,أم هي تجربتهم البالية في تتبع فضائح الناس هي التي كونت لديهم سليقة الإستقراء. حنت رأسها خجلا و ألما من نظراتهم,خصوصا نظرات صويحباتها اللواتي لطالما حسدنها على جمالها الذي فاق جمالهن, ابتسمت في نفسها ابتسامة المرارة مأنبة نفسها, ارتحن الآن فقد دفعت ضريبة ذلك,عفيفة الحي أمست عاهرة مثلكن. دخلت المنزل فخلعت جلبابها الأصفر المنمق بخطوط بيضاء من العرق,فنظرت بعيني ضمير معذب إلى أمها الممددة مخاطبة وجدانها, لم أستطع يا أمي أن أكون شريفة مثلك,فأنت أحببت سكيرا فتزوجته رغما عن أبويك خوفا من جنون الحب و هاهي ذي ابنتك تسقط صريعة عند أول تجربة خرجت منها ملوثة بدماء العار و الفضيحة. ثم تنهدت تنهيدة عميقة تند عن تعب شديد, و ما إن تهالكت على كنبة مهترئة حتى مد إليها والدها يده مطالبا إياها بجزء من راتبها اليومي الذي تتقاضاه عن عملها كما أوهمته أو ربما ما أوهم هو به نفسه المرتابة أو ما يحاول إيهام نفسه به مرارا.تلعثمت الفتاة في الكلام متفاجئة بهذا الذي لم تضرب له حسابا, فأخبرته بشفاه مرتعشة أن الكلام أخذها مع صاحبتها "أمينة" حتى أدركهما الغروب على حين غرة. نزلت عليه كلماتها كالصاعقة فغدا كثور هائج مسعور يكسر كل شيء بالمنزل لم تسلم منه حتى الجماجم البشرية الصغيرة و الكبيرة , ناعتا ابنته بأحط الأوصاف و أحقرها فلطم خذها و مزق قميصها حتى كشف عن تنورتها الرخيصة, لا لشيء إلا أنها حرمته فقط من علبة التبغ و قارورة خمر يعاقرها بشكل بطولي عند رأس الزقاق, فتوعدها مقطبا جبينه مقسما ببركة الولي سيدي عبد الرحمان إن لم تعوضه في الغد ليذبحنها بسكين من الوريد حتى الوريد ,أخذت الفتاة المرتعدة فرقا تهديداته على محمل الجد خصوصا و أنه أقسم لها بأعز الأولياء عنده, فلم تعد تفكر بغدر ذلك الماكر بل أمسى شغلها الشاغل هو كيف ستحصل على النقود التي كانت تنالها بمجرد كلمات رقيقة من خليلها الهارب, فأمضت ليلتها تفكر في طريقة تعفي رقبتها من الذبح وتعفي رقبة والدها من حبل المشنقة لأنها. رغم ذلك هي ما زالت تحبه.
استيقظت باكرا فلبست جلبابها الرث و رمت على شعرها خمارا أسودا داكنا, لكن ذلك كله لم يكن ليمنع جمالها الباهر من الظهور ولفت الانتباه, حملت حقيبتها و هي تمشي على أصابعها حتى لا توقظ أخاها المخمور الذي يسمع دوي شخيره من رأس الدرب, مرت من نفس المسلك الذي ألفت سلوكه فربما قد تصادفه هناك أسفل الثلة فتعفي نفسها رحلة البحث عن الرغيف الحار بقدر حرارة قرص الشمس , نظرت ناحية البيت المهجور فتذكرت كيف استسلمت لمداعباته وكيف فقدت السيطرة على نفسها من حرارة قبلاته, شعرت بندم شديد يأكل قلبها. فعادت صورة والدها و هو يتجه إليها مسعورا بسكينته اللامعة تراود خيالاتها و تلح عليها إلحاحا,ازدردت ريقها من الخوف فأسرعت الخطى نحو المعامل التي وجدتها غاصة بالنساء و الرجال ينتظرون ساعة الفرج الموعودة, فانضمت إلى تلك الطوابير وضاعت بين الأجساد المتدافعة المتلاصقة, و بعد برهة خرج موظف ضخم البنية أسمر السحنة شاربه يلامس شفتيه الغليظتين, خرج من باب صغير يحتضنه باب كبير يزدريهم بنظرات شرزاء متعالية , ينتقي منهم و يصطفي و كأنه أمام بائع الخضار و الفواكه يشير بإصبعه إلى ذاك الذي ينطلق كالسهم من الفرحة لكن المسؤول يغتالها وهي في أوجها آسرا ابتسامة أطفاله الجيع في خيالاته بوقوفه حائلا بينه و بين المدخل وهو يضحك من السخرية بملء شدقيه بدعوى أنه لم يكن المقصود بإشارته, فيعود المسكين إلى مكانه و كله أمل في معاودة الكرة, و على هذا المنوال أمضى المتعجرف ساعتين ينادي على هذا و يصد ذاك, ويتلاعب بهم كما يعبث طفل صغير بعرائس أصغر منه حجما لا تملك ردا على سخريته لأنهم لم يكونوا يملكون غير السكوت خيارا .
لم يحالف الحظ المسكينة"حادة" ثانية فظلت واقفة كغيرها من المئات تنظر بوجوم إلى ذلك الباب الذي أغلق بإحكام فخالت صوت صريره رمحا حادا أصاب أملها في مقتل فكان بذلك أول باب للكسب الحلال يوصد أمامها, انسلت من بين الأجسام الجاثمة بأعينها على الباب تستفتحه و كأنها أعداد نحل هائلة تحوم حول مرج من الزهور اليانعة,تمكنت أخيرا من الانسلال تمشي على غير هدى وفكرها مشتت بين مطرقة الأب العاطل و سنديان الفضيحة, فكل شيء ملقى على عاتقها فاتورة الكهرباء, التبغ, الزيت و السكر ووو.... فجأة مرت أمامها دراجة نارية انتشلت من يدها محفظتها اليدوية فاختفت سريعا كما يختفي ذلك الدخان المتصاعد في السماء.استسلمت بعينين طافحتين بالحزن لإرادة القدر متيقنة أن الرزايا بدأت تخبط فيها خبط عشواء, حينها أدركت أنها أضحت كسفينة تمخر عباب البحر بدون ربان, تتقاذفها الأمواج هنا و هناك لتتساقط دسرها دسرا تلو الآخر بعد أن نخرها سوس الخيانة و الفقر.
طرقت أول منزل في طريق عودتها طرقات خجولة مترددة, فتحت ربة البيت بابها و عندما صدتها بلطف و لباقة طرقت المنزل المجاور بنفس الإيقاع الذي طرقت به الأول فخرج إليها هذه المرة رجل متوسط القامة تبدو من ملامحه أنه في عقده الرابع سألته بأدب رفيع متهيب و هي ترمقه بنظرات الاستعطاف و الرجاء : أ أنتم في حاجة إلى خادمة سيدي تنفض الغبار عن أثاثكم و تغسل ما اتسخ من ملابسكم و تنهي ما تبقي من طبيخكم, نظر إليها الرجل نظرات الريبة والإغواء قائلا: بل أنا في حاجة إلى جسدك البض المكتنز وإن شئت أغرقتك برزم من النقود تفضلي لتخلعي عنك هذه الأسمال البالية التي لا تليق بحسناء رائعة الجمال مثلك, نظرت إليه باحتقار و بصقت على وجهه وانصرفت في هدوء غير معهود فيها و هي تساءل نفسها لماذا بصقت عليه؟ ألم تنم مع فؤاد قبله متمرغة فوق صدره بجنون؟ ألم تفقد ما يبرر بصاقها ذاك؟ لماذا لم تنم معه و تحصل على ما تريد دون أن تكلف نفسها هذا العناء؟, لكن كلا فلم يصل بها الأمر بعد إلى درجة اليأس فربما تضحك لها الدنيا بعد أن نهشت في عرضها بأنيابها الطويلة أو ربما تبدي لها ذلك الوجه الوديع الهين الذي تبديه لأولئك الذين يعبثون بأجساد النساء المحتاجات لأولئك الذين ينتهكون أعراض الناس بنقودهم المتكدسة و سياراتهم الفارهة لأولئك الذين يمدون اللقمات المسمومة للأفواه الجائعة المتعطشة للعيش الكريم على حساب عرق فروجهم.
اقتربت الشمس من المغيب فأحست أن الأبواب كلها سكرت في وجهها ما عدا باب واحد يلوح لها بابتسامة ساخرة شامتة يخاطب و جدانها مرددا أنت الآن من عليه استعطافي و التمسح ببابي بعد أن سدت الأبواب كلها أمامك. في الماضي كنت بالنسبة إليك شبحا ظلاما هلاميا لا شكل له و أنا اليوم يا عزيزتي حقيقة مرة عليك معانقتها ثانية كما عانقتها أسفل الثلة, أنا حقيقة يجب أن تقبليها إن أردت الاستمرار في الحياة فلن ينفعك الهرب ما دام الموت هو بديلي المحتمل فلست الأولى و الأخيرة التي هوت من صومعة الفضيلة إلى براثين الرذيلة.
و بينما هي تتقلب بين أمواج اليأس و الرجاء تنتظر لوحا خشبيا تعيدها إلى سكة أمها التي ضربت سيرة أسرتها مثلا للشرف و العفة.وبينما هي كذلك توقفت سيارة سوداء طويلة من نوع المرسيديس أشار إليها سائقها بالصعود فخفق قلبها خفقان المشرف على الهلاك و ازدادت حدقتا عينيها اتساعا فالتصقت بالرصيف التصاقا و كأنها تشعر أنه ينتزعها منه انتزاعا بنظراته فغدت كشجرة تحاول الرسوخ بجذورها عميقا لكن حجارة الرصيف تمنع انسلالها إلى أعماق التربة الندية فظلت حائرة مرة تنظر إلى ساعتها و مرة أخرى تنظر إلى السيارة التي تلح عليها و صورة السكين ما زالت ترعد فرائصها.





أخوكم عبد الحميد

The Riotous
16-04-2007, 10:44 PM
تم نقلها لقسمها الصحيح
في حفظ الله

رابعة العدوية
18-04-2007, 05:48 PM
مرحبا

أجهدتني قرائتها نظرا لبعض الأخطاء الاملائية

ولكنها جميلة بحق

تحيتي