Para Noir
17-03-2009, 10:40 PM
السلام عليكم
القصة بدأتها من مدة و هي بلسان شاب مغربي .. هيا اقرب لليوميات منها للرواية
*
*
*
في شمال المغرب , بمدينة تاوريرت بالتحديد , أنجبت ثريا طفلة جميلة أسمتها فرح .. وربما لو علمت ما يخبئ لها القدر , لترددت كثيرا قبل أن تمنحها هذا الاسم. كنت أتردد على بيت جارتنا ثريا كثيرا .. ألعب مع فرح التي تصغرني بسبع سنوات , و أتسلى بمراقبتها أثناء انتظاري أخاها يوسف , زميلي بالمدرسة حينها .
في مدينتنا الصغيرة آنذاك .. الكبيرة الآن .. كان كل شيء بسيطا , كانت عائلات الحي الواحد تعيش كأنها عائلة واحدة , حتى إن المحجبات من نساء الحي لم يكن يرين حرجا في كشف وجوههن أمام جيرانهم من الذكور لاسيما الشباب و الصغار منهم . تاوريرت وقتها كانت تعتبر مدينة صغيرة لا تكاد تذكر .. حتى إن أغلب سكان المغرب البعيدين عن الشمال لم يكونوا يعرفونها , ولا عجب في ذلك .. فقد كانت اقرب إلى البادية منها إلى المدينة بشوارعها المتربة , و بيوتها الحجرية الكبيرة و بساتينها المنتشرة في كل مكان.
كنت أنا و يوسف زملاء دراسة و أصدقاء لا نكاد نفترق , كان اقرب أولاد حينا لي سنا و طبعا .. فقد كان هادئا و جادا بالنسبة إلى باقي الأطفال عندنا . كان فتى أمردا بني الشعر ذا عينين زرقاوين عميقتين أخذهما عن جدته المتوفاة .. و أخذتهما عنه فرح بدورها , كثير الشرود قليل الكلام , يمضي وقته في قراءة الشعر و القصص .. و كأن الدنيا بالنسبة له لم تكن سوى قصة هو بطلها , ولا يد له في كتابتها . و عكسه كانت فرح .. فقد كانت فتاة مرحة لا تكاد تراها سوى لاهية باسمة , تلاعب هذا و تمازح ذاك دون أن تزن وزنا لسن أو وقار , في سن الرابعة عشر ..كانت فرح قد أصبحت أجمل فتيات الحي .. و ربما أجمل فتيات تاوريرت بأسرها , كانت ألسن النساء و العجائز لا تكاد تفتر عن ذكر ابنة ثريا الصغرى .. فقد كانت الوحيدة التي حباها الله بشعر أسود طويل و عينين زرقاوين , ما كان نادرا بين فتيات الشمال حينها اللواتي تميزن بالسمرة و الملامح المغربية الحقة .
كبُرتُ و كبرَت فرح أمام ناظري , كانت دائما بعيني الطفلة المشاغبة التي تعبث بأوراقي و تسخر من اهتماماتي و تعلقي بالدراسة .. إلى أن جاء اليوم الذي عدت فيه إلى البيت فلم أجدها تعيث فسادا في كتبي عمدا كي أطردها من غرفتي .. وبدل شعوري بالارتياح أحسست غضبا و استياءا , تعودت أن أعود أنا و يوسف من العاصمة ليلا فنجدها قلبت الغرفة رأسا على عقب لتعيد ترتيبها صباحا , تعودت أن أنهرها و أشد أذنيها إلى أن تعدني أنها لن تكرر ذلك , تعودت أن تسخر مني مباشرة بعد ذلك حاذفة إحدى الأوراق في وجهي .. تعودت على شغب فرح !
بحثت عنها في المطبخ و مع أخواتي فلم أجدها , فلم أجد بدا من الذهاب إلى بيت يوسف .. و هناك وجدتها , هادئة على غير طبعها ترتب خصلاتها السوداء بقلق , و أمها تهمس بأذنيها كلاما لم أفهمه . فجأة انتبهت إلى وجودي فابتسمت محرجة و أشارت إلى غرفة الضيوف .. كانت بضع نساء و الشيخ أبو شعيب صاحب المقهى جالسين و شاب فرنسي الهندام يتوسطهم , كان شعيب أحد شباب المدينة الكثيرين الذين نزحوا إلى فرنسا بعد عودة المحميين إليها .. و يقول والده انه ضابط صغير بكتيبة فرنسية , لكن الأرجح أنه حارس أو خادم بإحدى الثكنات المهملة . أدركت من الجو الغريب السائد ببيت جيراننا أن القادمين جاؤوا لخطبة فرح , لم أدري حينها لم انقبض قلبي , و رغم ذلك ذهبت إليها و باركت لها ثم انسحبت .. لكني و للمرة الأولى , رأيت بعيني فرح حزنا .. حزنا كان يكبر باقتراب موعد خطبتها الرسمية لشعيب ابن صاحب المقهى , كانت تتردد على بيتنا من حين لأخر , لكن دون أن تمر على غرفتي ,أو تشاغبني كما اعتادت, و اختفت ضحكاتها أو كادت من بيتنا الكبير , دون أن يعلم احد السبب حقا .
تزوجت فرح .. و حضرت عرسها دون أن أعلم , إن كنا نرسل أغلى ما أنجبت نساء حينا إلى حياة جديدة , أم إلى تعاسة أزلية. و لم تمهلنا الأيام القادمة كثيرا كي تجيب على تساؤلاتنا , فما كاد أسبوع أن يمر قبل أن تعود فرح إلى بيتنا , هذه المرة بلقب المطلقة , و بعينين فقدا البريق و الرغبة في الحياة .
لم يسألها أحد لما عادت , ولا الأسباب تمهلت كثيرا قبل أن تصل إلى بيتنا , إن لم يكن إلى بيوت تاوريرت كلها . فقد كان شعيب لا يملك من الرجولة إلا اسمها ..هذا ما قالته العجائز همسا في مجالسهن مساءا خفية عن أذني ثريا و ابنتها التعيسة , فمنذ الليلة الأولى اكتشفت فرح أن زواجها من فتاة مثلها كان ليكون أفضل من زواجها هذا .
كان السبب غريبا بالنسبة إلى أهل تاوريرت الذين لم يتعودوا ذلك , حتى إن البعض و أنا كنت منهم لم يصدقوا ما قيل , بل قالوا أن فرح عملت سحرا لزوجها حتى ينبذها و يعيدها إلى بيتها و لهوها الذي اعتادته . لكنها حين انفصالها تناهى إلى مسمعي صوت الفقيه و هو يسميها بكرا لا مطلقة ..و هكذا عادت فرح , بوجه جديد , ربما كان أكثر نضجا , لكنه أكثر حزنا .
عادت إلى زيارتي بالبيت .. لكنها اصبحت تقرا أوراقي بدل العبث بها , و تطل خفية على خواطري المخبأة بين صفحات الكتب في درج مكتبي , لم تعد فرح الطفلة المشاغبة التي نتذمر منها أنا و يوسف , بل أصبحت الوحيدة بين فتيات المدينة التي تشاركنا كتبنا الشعرية و شرودنا الدائم ..
***
طلقت فرح اللهو مع ابن أبي شعيب , ولا زلت اجهل إن كنت سعيدا لمصابها أم حزينا . فكما راقت لي فرح الصبية العابثة و أضفت على حياتي لونا بهيجا قلما ألقاه , أسرتني فرح الناضجة بعمق محنتها و قوة عزمها , فقبلا لم أدرك أن بمقدور هذا الجسد النحيل أن ينهض بعبء التجربة المرة و الفشل الذريع , و أن يكتسب وقارا و حكمة عقب نكسة كان جديرا بها أن تثبط عزيمة أية شابة أخرى لم تكد ترى من حلو الدنيا شيئا .
أصبحت فرح طرفا جديدا في جلساتنا بالمكتبة , تقرأ مما نقرأ , و تبدي رأيها من حين لآخر على استحياء . كانت لها موهبة فريدة في القراءة بين السطور و فهم الأحاسيس وراء الكلمات , كأنها ترى منها ما نعجز عن رؤيته ." لست قارئة جيدة , لكني إنسانة جيدة" هكذا كانت تجيب حين نسأل , بابتسامة لا تخلو من مرارة.
أعادني التخرج و سنوات التأهيل مدرسا إلى بلدتي الأم و أرسل يوسف إلى وجدة , فكانت المرة الأولى التي تفترق بنا السبل فيها . لم يكن هينا على قلبي سلوى شريك صباي و صديق عمري , و ذهب ألم الفراق و لوعته بالكثير من بهجة التخرج و الوظيفة . أودعته المحطة و الدموع تتخلل كلمات الوداع و وعودنا بالبقاء على اتصال دائم , وعدت إلى البيت شخصا آخر , فقد كنت أنا مع يوسف غيري أنا بعد يوسف . و الحياة في تاوريرت بعد يوسف مجهول صار علي أن أسبر غوره وحيدا .
هاجر حسني
القصة بدأتها من مدة و هي بلسان شاب مغربي .. هيا اقرب لليوميات منها للرواية
*
*
*
في شمال المغرب , بمدينة تاوريرت بالتحديد , أنجبت ثريا طفلة جميلة أسمتها فرح .. وربما لو علمت ما يخبئ لها القدر , لترددت كثيرا قبل أن تمنحها هذا الاسم. كنت أتردد على بيت جارتنا ثريا كثيرا .. ألعب مع فرح التي تصغرني بسبع سنوات , و أتسلى بمراقبتها أثناء انتظاري أخاها يوسف , زميلي بالمدرسة حينها .
في مدينتنا الصغيرة آنذاك .. الكبيرة الآن .. كان كل شيء بسيطا , كانت عائلات الحي الواحد تعيش كأنها عائلة واحدة , حتى إن المحجبات من نساء الحي لم يكن يرين حرجا في كشف وجوههن أمام جيرانهم من الذكور لاسيما الشباب و الصغار منهم . تاوريرت وقتها كانت تعتبر مدينة صغيرة لا تكاد تذكر .. حتى إن أغلب سكان المغرب البعيدين عن الشمال لم يكونوا يعرفونها , ولا عجب في ذلك .. فقد كانت اقرب إلى البادية منها إلى المدينة بشوارعها المتربة , و بيوتها الحجرية الكبيرة و بساتينها المنتشرة في كل مكان.
كنت أنا و يوسف زملاء دراسة و أصدقاء لا نكاد نفترق , كان اقرب أولاد حينا لي سنا و طبعا .. فقد كان هادئا و جادا بالنسبة إلى باقي الأطفال عندنا . كان فتى أمردا بني الشعر ذا عينين زرقاوين عميقتين أخذهما عن جدته المتوفاة .. و أخذتهما عنه فرح بدورها , كثير الشرود قليل الكلام , يمضي وقته في قراءة الشعر و القصص .. و كأن الدنيا بالنسبة له لم تكن سوى قصة هو بطلها , ولا يد له في كتابتها . و عكسه كانت فرح .. فقد كانت فتاة مرحة لا تكاد تراها سوى لاهية باسمة , تلاعب هذا و تمازح ذاك دون أن تزن وزنا لسن أو وقار , في سن الرابعة عشر ..كانت فرح قد أصبحت أجمل فتيات الحي .. و ربما أجمل فتيات تاوريرت بأسرها , كانت ألسن النساء و العجائز لا تكاد تفتر عن ذكر ابنة ثريا الصغرى .. فقد كانت الوحيدة التي حباها الله بشعر أسود طويل و عينين زرقاوين , ما كان نادرا بين فتيات الشمال حينها اللواتي تميزن بالسمرة و الملامح المغربية الحقة .
كبُرتُ و كبرَت فرح أمام ناظري , كانت دائما بعيني الطفلة المشاغبة التي تعبث بأوراقي و تسخر من اهتماماتي و تعلقي بالدراسة .. إلى أن جاء اليوم الذي عدت فيه إلى البيت فلم أجدها تعيث فسادا في كتبي عمدا كي أطردها من غرفتي .. وبدل شعوري بالارتياح أحسست غضبا و استياءا , تعودت أن أعود أنا و يوسف من العاصمة ليلا فنجدها قلبت الغرفة رأسا على عقب لتعيد ترتيبها صباحا , تعودت أن أنهرها و أشد أذنيها إلى أن تعدني أنها لن تكرر ذلك , تعودت أن تسخر مني مباشرة بعد ذلك حاذفة إحدى الأوراق في وجهي .. تعودت على شغب فرح !
بحثت عنها في المطبخ و مع أخواتي فلم أجدها , فلم أجد بدا من الذهاب إلى بيت يوسف .. و هناك وجدتها , هادئة على غير طبعها ترتب خصلاتها السوداء بقلق , و أمها تهمس بأذنيها كلاما لم أفهمه . فجأة انتبهت إلى وجودي فابتسمت محرجة و أشارت إلى غرفة الضيوف .. كانت بضع نساء و الشيخ أبو شعيب صاحب المقهى جالسين و شاب فرنسي الهندام يتوسطهم , كان شعيب أحد شباب المدينة الكثيرين الذين نزحوا إلى فرنسا بعد عودة المحميين إليها .. و يقول والده انه ضابط صغير بكتيبة فرنسية , لكن الأرجح أنه حارس أو خادم بإحدى الثكنات المهملة . أدركت من الجو الغريب السائد ببيت جيراننا أن القادمين جاؤوا لخطبة فرح , لم أدري حينها لم انقبض قلبي , و رغم ذلك ذهبت إليها و باركت لها ثم انسحبت .. لكني و للمرة الأولى , رأيت بعيني فرح حزنا .. حزنا كان يكبر باقتراب موعد خطبتها الرسمية لشعيب ابن صاحب المقهى , كانت تتردد على بيتنا من حين لأخر , لكن دون أن تمر على غرفتي ,أو تشاغبني كما اعتادت, و اختفت ضحكاتها أو كادت من بيتنا الكبير , دون أن يعلم احد السبب حقا .
تزوجت فرح .. و حضرت عرسها دون أن أعلم , إن كنا نرسل أغلى ما أنجبت نساء حينا إلى حياة جديدة , أم إلى تعاسة أزلية. و لم تمهلنا الأيام القادمة كثيرا كي تجيب على تساؤلاتنا , فما كاد أسبوع أن يمر قبل أن تعود فرح إلى بيتنا , هذه المرة بلقب المطلقة , و بعينين فقدا البريق و الرغبة في الحياة .
لم يسألها أحد لما عادت , ولا الأسباب تمهلت كثيرا قبل أن تصل إلى بيتنا , إن لم يكن إلى بيوت تاوريرت كلها . فقد كان شعيب لا يملك من الرجولة إلا اسمها ..هذا ما قالته العجائز همسا في مجالسهن مساءا خفية عن أذني ثريا و ابنتها التعيسة , فمنذ الليلة الأولى اكتشفت فرح أن زواجها من فتاة مثلها كان ليكون أفضل من زواجها هذا .
كان السبب غريبا بالنسبة إلى أهل تاوريرت الذين لم يتعودوا ذلك , حتى إن البعض و أنا كنت منهم لم يصدقوا ما قيل , بل قالوا أن فرح عملت سحرا لزوجها حتى ينبذها و يعيدها إلى بيتها و لهوها الذي اعتادته . لكنها حين انفصالها تناهى إلى مسمعي صوت الفقيه و هو يسميها بكرا لا مطلقة ..و هكذا عادت فرح , بوجه جديد , ربما كان أكثر نضجا , لكنه أكثر حزنا .
عادت إلى زيارتي بالبيت .. لكنها اصبحت تقرا أوراقي بدل العبث بها , و تطل خفية على خواطري المخبأة بين صفحات الكتب في درج مكتبي , لم تعد فرح الطفلة المشاغبة التي نتذمر منها أنا و يوسف , بل أصبحت الوحيدة بين فتيات المدينة التي تشاركنا كتبنا الشعرية و شرودنا الدائم ..
***
طلقت فرح اللهو مع ابن أبي شعيب , ولا زلت اجهل إن كنت سعيدا لمصابها أم حزينا . فكما راقت لي فرح الصبية العابثة و أضفت على حياتي لونا بهيجا قلما ألقاه , أسرتني فرح الناضجة بعمق محنتها و قوة عزمها , فقبلا لم أدرك أن بمقدور هذا الجسد النحيل أن ينهض بعبء التجربة المرة و الفشل الذريع , و أن يكتسب وقارا و حكمة عقب نكسة كان جديرا بها أن تثبط عزيمة أية شابة أخرى لم تكد ترى من حلو الدنيا شيئا .
أصبحت فرح طرفا جديدا في جلساتنا بالمكتبة , تقرأ مما نقرأ , و تبدي رأيها من حين لآخر على استحياء . كانت لها موهبة فريدة في القراءة بين السطور و فهم الأحاسيس وراء الكلمات , كأنها ترى منها ما نعجز عن رؤيته ." لست قارئة جيدة , لكني إنسانة جيدة" هكذا كانت تجيب حين نسأل , بابتسامة لا تخلو من مرارة.
أعادني التخرج و سنوات التأهيل مدرسا إلى بلدتي الأم و أرسل يوسف إلى وجدة , فكانت المرة الأولى التي تفترق بنا السبل فيها . لم يكن هينا على قلبي سلوى شريك صباي و صديق عمري , و ذهب ألم الفراق و لوعته بالكثير من بهجة التخرج و الوظيفة . أودعته المحطة و الدموع تتخلل كلمات الوداع و وعودنا بالبقاء على اتصال دائم , وعدت إلى البيت شخصا آخر , فقد كنت أنا مع يوسف غيري أنا بعد يوسف . و الحياة في تاوريرت بعد يوسف مجهول صار علي أن أسبر غوره وحيدا .
هاجر حسني