من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام
روي أنه وفد وفد من بلاد الروم إلى المدينة على عهد أبي بكر و فيهم راهب من رهبان النصارى ، فأتى مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و معه بختي موقر (أي دابتان) ذهباً و فضة، و كان أبوبكر حاضراً و عنده جماعة من المهاجرين و الأنصار.
فدخل عليهم و حياهم و رحب بهم و تصفح وجوههم ثم قال:
أيكم خليفة رسول الله و أمين دينكم؟
فأومي إلى أبي بكر فأقبل إليه بوجهه ثم قال:
أيها الشيخ ما اسمك؟ قال: اسمي عتيق. قال: ثم ماذا؟ قال: صديق. قال: ثم ماذا؟ قال: لا أعرف لنفسي اسماً غيره.
فقال: لست بصاحبي.
فقال له: و ما حاجتك؟ قال: أنا من بلاد الروم جئت منها ببختي موقر ذهباً و فضة لأسأل أمين هذه الأمة نسألة ، إن أجابني عنها أسلمت، و بما أمرني أطعت، و هذا المال بينكم فرقت، و إن عجز عنها رجعت إلى الوراء بما معي و لم أسلم.
فقال له أبوبكر: سل عما بدا لك.
فقال الراهب: و الله لا أفتح الكلام ما لم تؤمني من سطوتك و سطوة أصحابك.
فقال أبوبكر: أنت آمن، و ليس عليك بأس، قل ما شئت.
فقال الراهب: أخبرني عن شيء: ليس لله، و لا من عند الله، والله يعلمه الله.
فارتعش أبوبكر و لم يحر جواباً، فلما كان بعد هنيئة قال- لبعض أصحابه-: ائتني بأبي حفص عمر. فجاء به فجلس عنده ثم قال: أيها الراهب ، اسأله. فأقبل الراهب بوجهه إلى عمر و قال له مثل ما قال لأبي بكر فلم يحر جواباً.
ثم أتي بعثمان، فجرى بين الراهب و بين عثمان مثل ما جرى بينه و بين أبي بكر و عمر فلم يحر جواباً.
فقال الراهب: أشياخ كرام، ذووا فجاج لا سلام، ثم نهض ليخرج.
فقال أبوبكر: يا عدو الله، لولا العهد لخضبت الأرض بدمك.
فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه و أتى علي بن أبي طالب عليه السلام و هو جالس في صحن داره مع الحسن و الحسين عليهما السلام و قص عليه القصة.
فقام علي عليه السلام و خرج و معه الحسن و الحسين عليهما السلام حتى أتى المسجد، فلما رأى القوم علياً عليه السلام كبروا الله ، و حمدوا الله ، و قاموا إليه بأجمعهم، فدخل علي عليه السلام وجلس فقال أبوبكر: أيها الراهب، سائله فإنه صاحبك و بغيتك.
فأقبل الراهب بوجهه إلى علي عليه السلام ثم قال: يا فتى، ما اسمك؟
قال: اسمي عند اليهود (إليا) و عند النصارى (إيليا) و عند والدي (علي) وعند أمي (حيدرة).
قال: ما محلك من نبيكم؟
قال: أخي و صهري و ابن عمي لحاً.
قال الراهب: أنت صاحبي و رب عيسى، أخبرني عن شيء ليس لله، و لا من عند الله، و لا يعلمه الله.
قال عليه السلام: على الخبير سقطت:
أما قولك (ما ليس لله): فإن الله تعالى أحد ليس له صاحبة و لا ولد.
و أما قولك ( ولا من عند الله): فليس من عند الله ظلم لأحد.
و أما قولك ( و لا يعلمه الله): فإن الله لا يعلم له شريكاً في الملك.
فقام الراهب، و قطع زناره، و أخذ رأسه، و قبل ما بين عينيه، و قال: (أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمداً ، و أشهد أنك أنت الخليفة و أمين هذه الأمة ةمعدن الدين و الحكمة، و منبع عين الحجة، لقد قرأت اسمك في التوراة (إليا) و في الإنجيل (إيليا) و في القرآن (علياً) و في الكتب السابقة (حيدرة) و وجدتك بعد النبي وصياً، و للإمارة ولياً، و أنت أحق بهذا المجلس من غيرك، فأخبرني ما شأنك و شأن القوم؟
فأجابه بشيء، فقام الراهب و سلم المال ‘إليه بأجمعه، فما برح علي عليه السلام مكانه حتى فرقه في مساكين أهل المدينة، و محاويجهم، و انصرف الراهب إلى قومه مسلماً.
رواه الصدوق رحمه الله في عيون الأخبار بإسناده عن الحسين بن محمد الأشناني عن علي بن مهرويه عن داود بن سليمان عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام.
و أمالي الشيخ الطوسي رحمه الله ، و رواه ابن شاذان القمي في (الفضائل) و نقله المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار.