كنت اريد ان اجيء اليك يا نوال كي ازيل من نفسك ذلك الغضب الذي عبثا حاولت كبح جماحه في تلك الليلة التعيسة وانا احوال ان ابرئ نفسي امامك لكم كنت عنيفة معي فلم تتركي لي فرصة اوضح لك فيها امر ذلك الخطاب الذي عثرت عليه في جيبي ورحت ترمينني باقسى نعوت الخيانه والخدر وتصرخين في وجهي وتبكين ويداك تخرجان ملابسك وتدفعان بها الى الحقيبة ثم اذا بك تندفعين الى الخاجرج وانا اجري خلفك وتلقين بنفسك باحدى السيارات ولقد تبعتك كالمجنون ولكنني لم اكد اصل الى المحطة حتى كان القطار يطير بك الى الاسكندرية !فوقفت ذاهلا وقد غامت الدنيا في وجهي حتى اذا افقت بعض الشيء عدت اجر جرا الى البيت وهنالك وقفت في الردهة اجيل البصر حولي في الحجرات المظلمة ثم ارتميت على احد المقاعد ورحت ابكي ! نعم كنت اريد ان اجيء اليك لاستعيدك الى بيتك وزوجك الا انني ما لبثت ان اصابني التردد ورحت اقلب الافكار في خاطري في حيرة قائلا لو انني اخفيت الحقيقة عنك فلن تصدقيني ولو انني قلتها لك فلن تصفحي عني
وطال مع كثرة التفكير عذابي فرايت ان اكتب لك يرادوني الامل في ان قلبك الحنون قد يرحمني وضميرك الطاهر قد يصفح عني فاقرئي قصتي يا نوال ابوح لك بها في هذا الخطاب واحكمي علي لا بقلب المرأه التي تحب وتحطم في سبيل حبها كل شيء وانما بقلب الزوجة التي يسع حلمها كل شي
وانت انسانة يا نوال ةلذلك فانني اطمئن الى حكمك !
كان ذلك يا نوال منذ سنوات حين كنت اقيم مع اهلي في حلوان وكنت لا ازال طالبا في كلية الطب ومع اني كنت نحيف البنية اعاني ضعفا مستمرا الا انني كنت طالبا مجتهدا اقصر وقتي كله على الدرس وقد افردت لي حجرة كنت اقضي فيها كل اوقاتي وكانت حياتي تسير على منوال واحد لا تغير فيه حتى كان يوم من ايام ابريل التي تهب فيها انفاس الربيع وقد استيقظت مع الفجر باكرا لابدأ استذكاري فما ان فتحت النافذة المطلة على الشارع حتى فوجئت بشيء جديد اضطربت له نفسي اذ طالعني في النافذة المقابلة لغرفتي وجه فتاه جميلة الصورة غضة العود لا تتجاوز السابعة عشة من عمرها فما لمحتني حتى شاعت حمرة الخجل في محياها الناصع البياض وانطلقت الى الداخل مسرعة ! وما لبثت ان عرفت انها الساطنه الجديدة للمنزل المقابل وانها وفدت مع امها الى حلوان بعد فجيعتها بابيها وكان في وجهها مخايل براءة ودلائل نعمه فلا يحسبها الناظر اليها الا طفلة مدللة
وانت تعلمين يا نوال ما يحدث بين شاب في مقتل العمر وفتاه صغيرة نافذتها تواجه نافذته فقد استيقظ القلبان الصغيران وغرقت انا في تلك النشوة السحرية التي سرت في كياني فجعلتني اهيم في عالم اخر كانه الفردوس ولم اطق ان تكون فاتنتي بعيدة عن عيني لحظة واحدة فجعلت مكتبي تجاه نافذتها ورحت استمد من عينيها البضاحكتين قوة عجيبة اواصل بها دراستي اما هي فقد هزتها هذه التجربة الاولى في حياتها هزا عنيفا فكانما مستها يد عصا سحرية جعلت كيانها يستحيل الىنور وبهاء وكم كان قلبي يختلج في عجب ممتزج بالبهجة حين افتح نافذتي مع اول خيط من خيوط الفجر فاراها واقفة تنتظرني حتى اذا رأتني تهللت عيناها بالفرح وتراقصت على فمها ابتسامة سعادة غامرة كانها كانت تنبثق من ينبوع صدرها الذي يروح ينخفض ويعلو ثم اذا بها تندفع نحو الداخل كانما تذكرت شيئا ثم لا تلبث ان تعود وهكذا تظل اليوم كله لا عمل لها ولاشاغل يشغلها الا ذلك الفتى الذي كان يسعدها النظر اليه وتراه سعيدا بالنظر اليها
وظللنا هكذا يا نوال نتبادل هذا الحب البريء الطاهر الذي يحد اقصى سعادته فيه في نظرة حالمة او بسمة حانية فلا يطمع في مزيد وظلت هكذا حالنا سنة كاملة لم نتبادل فيها كلمة واحدة ولا اتفقنا على لقاء بل اننا كنا احيانا نتقابل عفوا بالطريق فكان يبدو عليها الارتباك وكنت ابادر انا لاعفيها من ارتباكها الى الابتعاد عنها وان راح قلبي يرفرف كالطائر الحبيس يريد ان ينطلق اليها
ولو لم يحدث ما حدث لكان حبي لكوثر دون ان يترك اكثر من ذكرى لطيفة ناعمه كتلك التي يتركها في نفوس الناس ما يمر بهم من عواطف اللبكر في مطلع حياتهم
ولكن تعاسه حظي ابت الا ان تخلق من هذه الذكرى اللطيفة الناعمه ماساة فاجعة ظللت حياتي بسحابة قاتمه من الشقاء ذلك الشقاء الذي حاولت ان اخفية عنك يا نوال وحاولت ان اجعل حببك لي يدفعه عن حياتي كما تدفع نسمات الفجر كتل الضباب