||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
سأضع بين يدي القارئ الكريم مجموعة من القصائد التي تتحدث عن الامثال والحكم والمواعظ وجميعها للشاعر أحمد شوقي وجميعها على طريقة الحكاية ، وهذا ما يميزها على غيرها ، ويجعل القارئ لا يمل من القراءة
كما سترونها في الاسطر القادمه ...
حـــكـــايــــات أحـــمـــد شــــوقـــي
يحكـون أن رجـلاً كـرديـا= ضخماً عظيم الجسم همشريـا
وكان يلقي الرعب في القلوبِ = بكثرة السلاح فـي الجيـوبِ
ويرعـب الصغـار والكبـارا =ويُفزع اليهـود والنصـارى
وكلمـا مـر هنـاك أو هنـا = يصيح بالناس أنـا أنـا أنـا
نمـى حديثـه إلـى صبـيِّ =صغيـر جسـمٍ بطـل قـويِّ
لا يعرف الناس لـه الفتـوة =وليس ممن يدَّعـون القـوة
فقال للنـاس سأدريكـم بـه =فتعرفون صدقـه مـن كذبـه
وراح نحو الهمشري في عجل =والناس مما سيكون في وجل
ومـدّ نحـوه يمينـاً قاسيـة =بضربة كادت تكون القاضيـة
فلم يحرك ساكنـاً ولا ارتبـك= ولا انتهى عن زعمه ولا ترك
بل قـال للغالـب قـولاً لينـا= الآن صرنا اثنين أنـت وأنـا
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
البلابل التي رباها البوم
أنبئت أن سليمان الزمان ومن = أصبى الطيور، فناجته، وناجاها
أعطى بلابله يوماً –يؤدبها = لحرمة عنده- للبوم يرعاها
واشتاق يوماً من الأيام رؤيتها = فأقبلت وهي أعصى الطير أفواها
أصابها العي، حتى لا اقتدار لها = بأن تثبت نبي الله شكواها
فنال سيدها من دائها غضب = وود لو أنه بالذبح داواها
فجاءه الهدهد المعهود معتذراً = عنها، يقول لمولاه ومولاها:
بلابل الله لم تخرس، ولا ولدت = خرساً، ولكن بوم الشئوم رباها
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
الديك الهندي والدجاج البلدي
بينا ضعاف من دجاج الريف = تخطر في بيت لها طريف
إذ جاءها هندي كبير العرف = فقام في الباب قيام الضيف
يقول: حيا الله ذي الوجوها = ولا أراها أبداً مكروها
أتيتكم أنشر فيكم فضلي = يوماً، وأقضي بينكم بالعدل
وكل ما عندكم حرام = علي، إلا الماء، والمنام
فعاود الدجاج داء الطيش = وفتحت للعلج باب العش
فجال فيه جولة المليك = يدعو لكل فرخة وديك
وبات تلك الليلة السعيده = ممتعاً بداره الجديده
وباتت الدجاج في أمان = تحلم بالذلة والهوان
حتى إذا تهلل الصباح = واقتبست من نوره الأشباح
صاح بها صاحبها الفصيح = يقول: دام منزلي المليح!
فانتبهت من نومها المشئوم = مذعورة من صيحة الغشوم
تقول: ما تلك الشروط بيننا = غدرتنا والله غدراً بينا!
فضحك الهندي حتى استلقى = وقال: ما هذا العمى يا حمقى؟!
متى ملكتم ألسن الأرباب؟ = قد كان هذا قبل فتح الباب!
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
العصفور والغدير المهجور
ألم عصفور بمجرى صاف = قد غاب تحت الغاب في الألفاف
يسقي الثرى من حيث لا يدري الثرى = خشية أن يسمع عنه، أو يرى
فاغترف العصفور من إحسانه = وحرك الصنيع من لسانه
فقال: يا نور عيون الأرض = ومخجل الكوثر يوم العرض
هل لك في أن أرشد الإنسانا = ليعرف المكان والإمكانا؟
فينظر الخير الذي نظرت = ويشكر الفضل كما شكرت؟
لعل أن تشتهر بالجميل = وتنسى الناس حديث النيل؟
فالتفت الغدير للعصفور = وقال يهدي مهجة المغرور
يأيها الشاكر دون العالم = أمنك الله يد ابن آدم
النيل –فاسمع، وافهم الحديثا- = يعطي، ولكن يأخذ الخبيثا
من طول ما أبصره الناس نسى = وصار كل الذكر للمهندس
وهكذا العهد بود الناسي = وقيمة المحسن عند الناس
وقد عرفت حالتي، وضدها = فقل لمن يسأل عني بعدها
إن خفى النافع فالنفع ظهر = يا سعد من صافى، وصوفي، واستنر
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
الأفعى النيلية والعقربة الهندية
وهذه واقعة مستغربه = في هوس الأفعى وخبث العقربه
رأيت أفعى من بنات النيل = معجبة بقدها الجميل
تحتقر النصح، وتجفو الناصحا = وتدعي العقل الكبير الراجحا
عنت لها ربيبة السباخ = تحمل وزنيها من الأوساخ
فحسبتها –والحساب يجدي- = ساحرة من ساحرات الهند
فانخرطت مثل الحسام الوالج = واندفعت تلك كسهم زالج
حتى إذا ما أبلغتها جحرها = دارت عليه كالسوار دورها
تقول: يا أم العمى والطيش = أين الفرار يا عدو العيش؟
إن تلجي فالموت في الولوج = أو تخرجي فالهلك في الخروج
فسكتت طريدة البيوت = واغترت الأفعى بذا السكوت
وهجعت على الطريق هجعه = فخرجت ضرتها بسرعه
ونهضت في ذروة الدماغ = واسترسلت في مؤلم التلداغ
فانتبهت كالحالم المذعور = تصيح بالويل، وبالثبور
حتى وهت من الفتاة القوه = فنزلت عن رأسها العدوه
تقول: صبراً للبلاء، صبرا = وإن وجدت قسوة فعذرا
فرأسك الداء، وذا الدواء = وهكذا فلتركب الأعداء
من ملك الخصم ونام عنه = يصبح يلقى ما لقيت منه
لولا الذي أبصر أهل التجربه = مني لما سموا الخبيث عقربه
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
السلوقي والجواد
قال السلوقي مرة للجواد = وهو إلى الصيد مسوق القياد
بالله قل لي يا رفيق الهنا = فأنت تدري لي الوفا في الوداد
ألست أهل البيد، أهل الفلا = أهل السرى والسير، أهل الجهاد؟
ألم تكن رب الصفات التي = هام بها الشاعر في كل واد؟
قال: بلى، كل الذي قلته = أنا به المشهور بين العباد
قال: فما بالك يا صاحبي = إذا دعا الصيد، وجد الطراد
تشكو، فتشكيك عصا سيدي = إن العصا ما خلقت للجواد
وتنثني في عرق سائل = منكس الرأس، ضئيل الفؤاد
وذا السلوقي أبداً صابر = ينقاد للمالك أي انقياد؟
فقال: مهلاً يا كبير النهى = ما هكذا أنظار أهل الرشاد
السر في الطير وفي الوحوش لا = في عظم سيقانك يا ذا السداد
ما الرجل إلا حيث كان الهوى = إن البطون قادرات شداد
أما ترى الطير على ضعفها = تطوي إلى الحب مئات البلاد؟
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
فأر الغيط وفأر البيت
يقال: كانت فأرة الغيطان = تتيه بابنيها على الفيران!
قد سمت الأكبر نور الغيط = وعلمته المشي فوق الخيط
فعرف الغياض والمروجا = وأتقن الدخول والخروجا
وصار في الحرفة كالآباء = وعاش كالفلاح في هناء
وأتعب الصغير قلب الأم = بالكبر، فاختارت بما تسمى
فقال سميني بنور القصر = لأنني –يا أم- فأر العصر
إني أرى ما لم ير الشقيق = فلي طريق، وله طريق
لأدخلن الدار بعد الدار = وثباً من الرف إلى الكرار
لعلني إن ثبتت أقدامي = ونلت –يا كل المنى- مرامي
آتيكما بما أرى في البيت = من عسل، أو جبنة، أو زيت
فعطفت على الصغير أمه = وأقبلت من وجدها تضمه
تقول: إني –يا قتيل القوت- = أخشى عليك ظلمة البيوت
كان أبوك قد رأى الفلاحا = في أن تكون مثله فلاحا
فاعمل بما أوصي ترح جناني = أو لا، فسر في ذمة الرحمن
فاستضحك الفأر، وهز الكتفا = وقال: من قال بذا قد خرفا
ثم مضى لما عليه صمما = وعاهد الأم على أن تكتما
فكان يأتي كل يوم جمعه = وجبنة في فمه، أو شمعه
حتى مضى الشهر، وجاء الشهر = وعرف اللص، وشاع الأمر
فجاء يوماً أمه مضطربا = فسألته: أين خلي الذنبا؟
فقال: ليس بالفقيد من عجب = في الشهد قد غاص، وفي الشهد ذهب
وجاءها ثانية في خجل = منها يدارى فقد إحدى الأرجل
فقال: رف لم أصبه عالي = صيرني أعرج في المعالي
وكان في الثالثه ابن الفاره = قد أخلف العادة في الزياره
فاشتغل القلب عليه، واشتعل = وسارت الأم له على عجل
فصادفته في الطريق ملقى = قد سحقت منه العظام سحقا
فناحت الأم، وصاحت: واها! = إن المعالي قتلت فتاها
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
ملك الغربان وندور الخادم
كان للغربان في العصر مليك = وله في النخلة الكبرى أريك
فيه كرسي، وخدر، ومهود = لصغار الملك أصحاب العهود
جاءه يوماً ندور الخادم = وهو في الباب الأمين الحازم
قال: يا فرع الملوك الصالحين = أنت مازلت تحب الناصحين
سوسة كانت على القصر تدور = جازت القصر، ودبت في الجدور
فابعث الغربان في إهلاكها = قبل أن نهلك في أشراكها
ضحك السلطان من هذا المقال = ثم أدنى خادم الخير، وقال:
أنا رب الشوكة الضافي الجناح = أنا ذو المنقار، غلاب الرياح
"أنا لا أنظر في هذي الأمور" = أنا لا أبصر تحتي باندور!
ثم لما كان عام بعد عام = قام بين الريح والنخل خصام
وإذا النخلة أقوى جذعها = فبدا للريح سهلاً قلعها
فهوت للأرض كالتل الكبير = وهوى الديوان، وانقض السرير
فدها السلطان ذا الخطب المهول = ودعا خادمه الغالي يقول:
يا ندور الخير، أسعف بالصياح = ما ترى ما فعلت فينا الرياح؟
قال: يا مولاي، لا تسأل ندور = "أنا لا أنظر في هذي الأمور"
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
الظبي والعقد والخنزير
ظبي رأى صورته في الماء = فرفع الرأس إلى السماء
وقال يا خالق هذا الجيد = زنه بعقد اللؤلؤ النضيد
فسمع الماء يقول مفصحا = طلبت يا ذا الظبي ما لن تمنحا
إن الذي أعطاء هذا الجيدا = لم يبق في الحسن له مزيدا
لو أن حسنه على النحور = لم يخرج الدر من البحور
فافتتن الظبي بذي المقال = وزاده شوقاً إلى اللآلي
ولم ينله فمه السقيم = فعاش دهراً في الفلا يهيم
حتى تقضى العمر في الهيام = وهجر طيب النوم والطعام
فسار نحو الماء ذات مره = يشكو إليه نفعه وضره
وبينما الجاران في الكلام = أقبل راعي الدير في الظلام
يتبعه حيث مشى خنزير = في جيده قلادة تنير
فاندفع الظبي لذاك يبكي = وقال من بعد انجلاء الشك
ما آفة السعي سوى الضلال = ما آفة العمر سوى الآمال
لولا قضاء الملك القدير = لما سعى العقد إلى الخنزير
فالتفت الماء إلى الغزال = وقال: حال الشيخ شر حال
لا عجب؛ إن السنين موقظه = حفظت عمراً لو حفظت موعظه
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
ولي عهد الأسد وخطبة الحمار
لما دعا داعي أبـى الأشبـال=مبـشـراً بــأول الأنـجـال
سعت سباع الأرض والسمـاء=وانعقـد المجلـس للهنــاء
وصـدر المرسـوم بـالأمـان=في الأرض للقاصي بها والداني
فضاق بالذيول صحـن الـدار=من كل ذي صوف وذي منقـار
حتى إذا استكملـت الجمعيـه=نادى منادي الليث في المعيـه
هل من خطيب محسـن خبيـر=يدعو بطـول العمـر للأميـر؟
فنهض الفيل المشير السامـي=وقـال مـا يليـق بالمـقـام
ثـم تـلاه الثعلـب السفـيـر=ينشد، حتـى قيـل: ذا جريـر
واندفع القـرد مديـر الكـاس=فقيل: أحسنـت أبـا نـواس!
وأومـأ الحـمـار بالعقـيـره=يريـد أن يشـرف العشـيـره
فقال: باسـم خالـق الشعيـر=وباعث العصا إلى الحميـر!..
فأزعج الصـوت ولـي العهـد=فمات من رعدته فـي المهـد
فحمل القـوم علـى الحمـار=بجملـة الأنيـاب والأظـفـار
وانتـدب الثعلـب للتأبـيـن=فقال في التعريض بالمسكيـن:
لا جـعـل الله لــه قــرارا=عاش حماراً ومضـى حمـارا!
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
الأسد والثعلب والعجل
نظـر الليـث إلـى عجـل سميـن=كان بالقـرب علـى غيـط أميـن
فاشتهت من لحمه نفـس الرئيـس=وكـذا الأنفـس يصيبهـا النفيـس
قـال للثعلـب: يـا ذا الاحتـيـال=رأسك المحبـوب، أو ذاك الغـزال!
فدعـا بالسعـد والعمـر الطويـل=ومضى في الحـال للأمـر الجليـل
وأتـى الغيـط وقـد جـن الظـلام=فـرأى العجـل فأهـداه الـسـلام
قائلاً: يـا أيهـا المولـى الوزيـر=أنـت أهـل العفـو والبـر الغزيـر
حمل الذئـب علـى قتلـي الحسـد=فوشى بـي عنـد مولانـا الأسـد
فتراميـت علـى الجـاه الرفـيـع=وهو فينا لم يـزل نعـم الشفيـع!
فبكى المغرور مـن حـال الخبيـث=ودنا يسـأل عـن شـرح الحديـث
قال: هل تجهل يـا حلـو الصفـات=أن مولانـا أبـا الأفيـال مــات؟
فرأى السلطان في الـرأس الكبيـر=موطـن الحكمـة والحـذق الكثيـر
ورآكـم خيـر مــن يسـتـوزر=ولأمـر المـلـك ركـنـاً يـذخـر
ولقـد عـدوا لكـم بيـن الجـدود=مثـل آبيـس ومعبـود اليـهـود
فأقـامـوا لمعاليـكـم سـريــر=عن يمين الملك السامـي الخطيـر
واستعد الطيـر والوحـوش لـذاك=في انتظـار السيـد العالـي هنـاك
فـإذا قمـتـم بأعـبـاء الأمــور=وانتهى الأنـس إليكـم والسـرور
برئونـي عنـد سلطـان الـزمـان=واطلبوا لي العفـو منـه والأمـان
وكافكـم أننـي العـبـد المطـيـع=أخـدم المنعـم جهـد المستطـيـع
فأحـد العجـل قرنـيـه، وقــال:=أنت منذ اليـوم جـاري، لا تنـال!
فامض واكشف لي إلى الليث الطريق=أنـا لا يشقـى لديـه بـي رفيـق
فمضـى الخـلان تــواً للـفـلاه=ذا إلـى المـوت، وهـذا للحـيـاه
وهنـاك ابتلـع اللـيـث الـوزيـر=وحبـا الثلعـب مـنـه باليسـيـر
فانثنى يضحك من طيـش العجـول=وجرى فـي حلبـة الفخـر يقـول:
سلـم الثعلـب بالـرأس الصغيـر=فـفـداه كــل ذي رأس كبـيـر!
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
القرد والفيل
قرد رأى الفيل علـى الطريـق=مهرولاً خوفـاً مـن التعويـق
وكان ذاك القرد نصف أعمـى=يريد يحصي كل شـيء علمـا
فقـال: أهـلاً بأبـي الأهـوال=ومرحبـاً بمخجـل الجـبـال
تدفي الرءوس رأسك العظيمـا=فقف أشاهد حسنـك الوسيمـا
لله مـا أظـرف هـذا الـقـدا=وألطف العظم وأبهـى الجلـدا!
وأملـح الأذن فـالاسترسـال=كأنـهـا دائــرة الغـربـال!
وأحسن الخرطوم حيـن تاهـا=كأنـه النخلـة فـي صباهـا!
وظهرك العالـي هـو البسـاط=للنفس فـي ركوبـه انبسـاط
فعدهـا الفيـل مـن السعـود=وأمـر الشاعـر بالصـعـود
فجال في الظهـر بـلا تـوان=حتى إذا لم يبـق مـن مكـان
أوفى على الشيء الذي لا يذكر=وأدخـل الأصبـع فيـه يخبـر
فاتهم الفيل البعوض، واضطرب=وضيق الثقب، وصال بالذنـب
فوقع الضرب علـى السليمـه=فلحقـت بأختهـا الكريـمـه
ونـزل البصيـر ذا اكتـئـاب=يشكو إلى الفيل من المصـاب
فقـال: لا موجـب للنـدامـه=الحمـد لله علـى السـلامـه
من كان في عينيه هـذا الـداء=ففـي العمـى لنفسـه وقـاء
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
الشاة والغراب
مـر الغـراب بشـاة=قد غاب عنها الفطيـم
تقول والدمـع جـار=والقلب منهـا كليـم:
يا ليت شعري يا ابني=وواحدي، هل تـدوم؟
وهل تكـون بجنبـي=غداً علـى مـا أروم؟
فقـال: يـا أم سعـد=هـذا عـذاب ألـيـم
فكرت في الغد، والفكـ=ـر مقعـد ومقـيـم
لكـل يـوم خطـوب=تكفي، وشغل عظيـم
وبينمـا هـو يهـذي=أتـى النعـي الذميـم
يقول: خلفـت سعـداً=والعظم منـه هشيـم
رأى من الذئب ما قـد=رأى أبـوه الكـريـم
فقال ذو البيـت لـلأم=حيـن ولـت تهيـم:
إن الحكـيـم نـبـي=لسـانـه معـصـوم
ألـم أقـل لـك تـواً=لكـل يـوم همـوم؟
قالت: صدقت، ولكـن=هـذا الكـلام قـديـم
فـإن قومـي قالـوا:=وجه الغـراب مشـوم
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
أمة الأرانب والفيل
يحكـون أن أمـة الأرانــب=قد أخذت من الثـرى بجانـب
وابتهجـت بالوطـن الكريـم=وموئـل العيـال والحـريـم
فاختـاره الفيـل لـه طريقـا=ممزقـاً أصحابنـا تمزيـقـا
وكـان فيهـم أرنـب لبيـب=أذهب جل صوفـه التجريـب
نادى بهم: يا معشر الأرانـب=من عالم، وشاعـر، وكاتـب
اتحدوا ضـد العـدو الجافـي=فالاتحـاد قــوة الضـعـاف
فأقبلـوا مستصوبيـن رايـه=وعقـدوا للاجتمـاع رايــه
وانتخبوا مـن بينهـم ثلاثـه=لا هرماً راعـوا، ولا حداثـه
بل نظروا إلى كمـال العقـال=واعتبروا في ذاك سن الفضـل
فنـهـض الأول للـخـطـاب=فقال: إن الـرأي ذا الصـواب
أن تترك الأرض لذى الخرطوم=كي نستريح من أذى الغشـوم
فصاحـت الأرانـب الغوالـي:=هذا أضر مـن أبـي الأهـوال
ووثـب الثانـي فقـال: إنـي=أعهد في الثعلب شيـخ الفـن
فلندعـه يمـدنـا بحكمـتـه=ويأخذ اثنيـن جـزاء خدمتـه
فقيل: لا يا صاحـب السمـو=لا يدفـع الـعـدو بالـعـدو
وانتـدب الثـالـث للـكـلام=فقـال: يـا معشـر الأقـوام
اجتمعـوا؛ فالاجتمـاع قـوه=ثم احفروا على الطريق هـوه
يهوي إليها الفيل في مـروره=فنستريح الدهر مـن شـروره
ثم يقول الجيـل بعـد الجيـل=قد أكل الأرنـب عقـل الفيـل
فاستصوبوا مقاله، واستحسنوا=وعملوا من فورهم، فأحسنـوا
وهلك الفيـل الرفيـع الشـان=فأمسـت الأمـة فـي أمـان
وأقبلـت لصاحـب التدبـيـر=ساعيـة بالتـاج والسـريـر
فقال: مهلاً يا بنـي الأوطـان=إن محلـي للمحـل الثـانـي
فصاحب الصوت القوي الغالب=من قد دعا: يا معشر الأرانـب
رد: ||" حـــكـــايـــات" __أحـــمـــد شـــوقـــي ||
حكاية الخفاش ومليكة الفراش
مـرت علـى الخفـاشملـيـكـة الـفــراش
تطـيـر بالـجـمـوعسعيـاً إلـى الشـمـوع
فعطـفـت ومـالــتواستضحكـت فقالـت:
أزريــت بـالـغـراميـا عاشـق الـظـلام
صف لي الصديق الأسوداالخـامـل الـمـجـردا
قـال: سـألـت فـيـهأصــدق واصـفـيـه
هـو الصديـق الوافـيالكـامـل الأوصــاف
جـــواره أمــــانوســـره كـتـمـان
وطـرفــه كـلـيــلإذا هـفــا الخـلـيـل
يحنـو علـى العشـاقيسـمـع للمـشـتـاق
وجـمـلـة الـمـقـالهـو الحبيـب الغالـي
***
فقـالـت الحمـقـاءوقولهـا استـهـزاء
أين أبو المسك الخصيذو الثمن المسترخص
من صاحبـي الأميـرالظـاهـر المنـيـر؟
إن عد فيمـن أعـرفأسمـو بـه وأشـرف
وإن سئلـت عـنـهوعـن مكانـي منـه
أفـاخـر الأتـرابــاوأنثـنـي إعجـابـا
***
فقـال: يـا مليكـهوربـة الأريـكـه
إن مـن الـغـرورملامـة المغـرور
فأعطنـي قـفـاكوامضي إلى الهلاك
***
فتركتـه سـاخـرهوذهبـت مفاخـره
وبعد ساعة مضـتمن الزمان فانقضت
مرت على الخفاشمليكـة الـفـراش
ناقصـة الأعضـاءتشكو مـن الفنـاء
فجاءهـا منهمكـايضحكه منها البكـا
قال: ألم أقـل لـكهلكت أو لم تهلكي
رب صديـق عبـدأبيض وجـه الـود
يفديـك كالرئيـسبالنفس والنفيـس
وصاحـب كالنـورفي الحسن والظهور
معتـكـر الـفـؤادمضيـع الــوداد
حبالـه أشــراكوقربـه هــلاك؟