مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
الحقيقة
وصلت عربة الشيخ الى مدخل المدينة الشمالية .. بعد رحلة شاقة وطويلة من المدينة الوسطى ..
فإستوقفه احد حراس البوابة وقال :
ماذا تحمل داخل العربة أيها الشيخ ؟
أخرج الشيخ وثيقة عليها ختم ملكي .. فتراجع الحارس وضرب قدمه بالأرض .. وضم قبضته نحو صدره
وأذن للشيخ بالدخول .
أكملت العربة طريقها نحو القلعة القديمة .. والشيخ يترقب تلك الشرفة التي توشحت بعلم كبير .. بعين قلقة ..
وعندما توقفت العربة أمام القلعة .. لمح الشيخ شبح رجل ينسحب من الشرفة ..
ترجّل الشيخ من العربة .. وأمر الحراس بحماية العربة ريثما يعود ..
ومن ثم أمضى الى الداخل بخطواته البطيئة المعتادة ..
" الملك عماد الدين في إنتظارك..تفضل من هنا يا سيدي "
تبع الشيخ الخادم الى غرفة في الدور العلوي ..إنصرف الخادم بعد أن دلف الشيخ إلى الغرفة ..
التي كانت مظلمة بعض الشيء .. وفي نهايتها وقف ذلك الرجل أمام الشرفة التي أسدل عليها ستار داكن ..
وبعد أن أغلق الشيخ الباب ..خيّم الصمت على المكان لعدة ثواني ..ومن ثم توجه الملك عماد الدين نحو الشيخ مرحباً به :
" مرحباً بالشيخ ياسين ..كيف حالك بعد رحلتك المضنية إلى هنا .. ؟ "
لم يجب الشيخ ياسين .. بل ظل صامتاً ..محدقاً في الملك عماد الدين بنظرة ذات مغزى ..وبدا القلق واضحاً على وجه الملك الشاحب
فقال :
" ..لقد شعرت بإن خطباً ما أصابه ..أخبرني هل مات في ساحة القتال ..أم في فراشه .. ؟ "
أجاب الشيخ بغضب :
" هل هذا ما كنت تتمناه منذ البداية ..؟! "
ومن ثم إستطرد الشيخ كلامه بحسرة :
" هل هذا الثمن الذي حددته ليظفر بإعترافك به .. ؟ أن يموت بطريقة ترضي كبريائك لتفتخر به ؟! "
إنقلبت سحنة الملك .. وكأنما تلبسه شيطان يشتعل غضباً وأجاب بعنف :
" لقد كان منهم ...وأنت تعلم ذلك ..وتعلم أيضاً أني لو أبقيته هنا وكشف أمره .. ستكون نهايتنا جميعاً ..
و ...
" .. لقد رفع عنه القلم .. "
قالها الشيخ ياسين .. وأطرق برأسه .. وإنتفض الرجل غير مصدقاً لما سمعه وقال :
" .. ماذا ؟ ..هل هذا يعني بإنه لم يمت !؟ .. هل أتيت لتخبرني بإن إبني قد فقد عقله ؟ "
رفع الشيخ ياسين رأسه وقال بنبرة غاضبة حادة :
" .. لا ! .. قدمت لأخبرك بإنه .. لم يتحمل الألم بعد أن تذكر كل شيء ..منذ تلك الليلة .. التي نبذته فيها ..
وتبرأت منه ونسبته إلى الشيطان .. "
تراجع الملك الى الخلف .. وهوى على مقعده .. وهو يتمتم .. بذهول :
" .. تذكر كل شيء .."
أكمل الشيخ ياسين حديثه .. :
" .. لقد عاش وحيداً .. إلى أن دخلت سارة في حياته .. لم أرى شخصاً أكثر سعادة منه .. آنذاك ..ولكن .. بعد وفاة سارة ..تغير كل شيء .."
لقد كانت آخر ليلة في علاجه .. لم يكن من المفترض أن تراه سارة في هذه الحالة ..
لكن منذ أن حملت بطفلهم الأول .. إزداد قلقها تجاه غياب زوجها بعد منتصف كل ليلة لمدة ساعة أو أكثر ..
ظنت بإنها رأت مسخاً .. جن جنونها .. وهربت إلى السطح ..لحق بها سيف الدين .. حاولت إيقافه ولكن..
إرادة الله أقوى من كل شيء .. "
ونظر الشيخ ياسين الى الرجل .. نظرة باردة وأكمل :
" دفع ثمن ذنباً لم يقترفه .. نزوة ملك جبان "
وهم الشيخ ياسين بالخروج بخطواته البطيئة ..وإستوقفه الملك عماد الدين بصوت مختنق :
" مهلاً .. هل ستأخذه إليها ..؟ "
لم يجب الشيخ ياسين .. وغادر الغرفة .
قلب فارس
عاد فارس الى مفترق الطرق .. وإنتظر عودة سيف الدين ..
اذا لم أجدك فهذا يعني بإنك وجدت احدهم .. وسألحق بك .. وكذلك ستفعل انت
تذكر فارس كلمات سيف الدين وأسرع الى الطريق الأوسط على الفور ..
عندما وصل الى نهاية الطريق .. لم يجد شيئاً .. سوى بقعة كبيرة من الدماء ..
وقال محدثاً نفسه : " يا ترى مالذي حدث هنا " ..!
عاد فارس الى مفترق الطرق مرة أخرى ..وسلك الطريق الأيمن ..وبينما هو يقطع الطريق جرياً .. لفت إنتباهه
ألسنة من النار .. تخرج من المدينة .. توقف قليلاً ..وفكر بالأمر .. " مالذي يحصل في المدينة ..
هل داهمها جيش الظلام .. وماذا حدث للحاكم سيف الدين ..هل عثروا عليه الجنود .." قرر فارس أن يكمل طريقه ..
لم يأخذ وصول فارس إلى المغارة وقتاً كثيراً .. وكانت الرؤية شبه منعدمة ..بسبب الظلام الحالك ..
إتجه فارس الى المدخل بسرعة .. وأرتطمت قدمه اليسرى بشيء ما على الأرض ..فتعثر وكاد أن يسقط ..
خيل لفارس بإنه سمع صوت أنة .. لكنه واصل نحو المدخل .. وسمع من خلفه صوت أنثوي خافت :
" ..س .. ساعد .. ني .."
تعرف فارس على الصوت فوراً .. إنه صوت أوثولينا ..فعاد الى مصدر الصوت بسرعة وأمسك بها وإذا هي غارقة في دمائها الباردة
فقال فارس بهلع : " أوثولينا مالذي حدث .. من فعل بك هذا .. "
كانت أوثولينا تعلم بإنه لم يتبقى لها وقت كثير فقالت بصوت متقطع :
" أنا آسفة .. لم يكن بيدي أي خيار .. كل ما أردته لنا أن نعيش جميعاً بسلام.."
صمتت أوثولينا قليلاً .. وإستجمعت ماتبقى من قواها ثم قالت بنبرة دافئة وهي تتحسس وجه فارس :
" ..كنت أحسد أمك يا فارس ..كيف كانت بالقرب منك طوال الوقت ..وكيف كانت تفاخر بك أمام نساء المدينة..
لم أتصور يوماً .. بإنك ستلتفت إلى فتاة مهجّنة مثلي .. لكن .. أن أفارق هذه الدنيا وأنا بين يديك ..هو شيء يفوق كل ما تمنيته ...
فارس ..أرجوك..سامحني ..."
تراخت أصابع أوثولينا ..وهي تودع فارس بإبتسامة دافئة .. وتهمس له : " ..الود............." .
وأطبقت أوثولينا شفتيها .. إلى الأبد ..
لم يتمالك فارس نفسه ..وبدأت الدموع تنهمر من عينيه .. وقال متوسلاً :
" لا .. أرجوك لا ترحلي .. لا أريد أن أخسرك مرتين ..".
أخذ فارس يهز جسدها بلا جدوى .. ومن ثم إحتضنها .. وبكى جرحه الغائر .
بلا أثر ...
تتبع مالك الضوء الخافت في آخر المغارة فوصل الى نهاية الطريق .. وكان مصدر الضوء .. باب عليه نقوش غامضة ..
حاول مالك أن يفتح الباب الموصد بإحكام .. بدون فائدة .. ومن ثم ..تراءى لمالك بإن النقوش تشتعل بشدة .. وصوت همسات من حوله تتصاعد ..
وإذا بالباب ينزاح ببطئ ..إلى اليسار ..ومن خلف الباب ظهرت قاعة مستديرة ضخمة تنيرها شعلة هائلة في منتصفها ..
تردد مالك في الدخول إلى القاعة .. ولكن عندما رأى الباب يغلق مجدداً .. أسرع الى الداخل ..وبدأت الشعلة تخبو .. وكأنما هناك شيء يهيم فوقها ..
فإنطفأت النيران فوراً .. مما أثار خوف مالك .. الذي قال بتوتر واضح :
" .. من هناك ..؟؟ "
ولم يسمع مالك سوى صدى صوته يتردد في القاعة ..وأعاد سؤاله مرة أخرى .. وكانت الإجابة مجدداً .. صدى صوته فقط .. ولا شيء غيره ..
فأعاد مالك السؤال مرات عديدة .. ولم تكن هناك إجابة ..
تعالى من جديد .. صوت الهمسات التي سمعها مالك خارج القاعة ..فإزداد شعور مالك بالرهبة والفزع ..
فأخذ يضرب الجدران بيديه ..صارخاً .. يطلب الخروج ..
توقف صوت الهمسات ..وإرتفع صوت عزف للناي ..لمدة ليست بالقصيرة ..
عزفاً .. مبهماً ..مريباً ..لم يسمع شيء مثله من قبل ..وبعد إنتهاء المعزوفة ..
عصفت رياح قوية في القاعة .. تلاها صوت غليظ .. قادم من مكان سحيق ..
" .. أتخشى الظلام يا هذا ..ام أنك جبلت على ملاحقة الضوء كالفراشة البائسة التي تستجير بالضوء من الظلام حتى لو كانت نارً لأحرقتها .."
تراجع مالك إلى الخلف .. إلى أن إلتصق ظهره بالباب البارد ..فقال مرتعشاً :
" .. من .. من .. أنت .. "
إزداد عصف الرياح .. وقال صاحب الصوت الغليظ :
" .. أنا الحارس الأبدي .. لقرية السلام ..من أنت .. وماذا تريد ؟ .. "
لم يسمع مالك بقرية السلام هذه من قبل ..لكن موقفه لا يساعده على تقصي حقيقتها ..
فأجاب مالك بنبرة مترددة :
" ..إسمي مالك ..وجئت بحثاً .. عن زوجتي ..بسمة .. "
هدأت الرياح قليلاً .. وقال الحارس :
" ..أسرع يا مالك قبل فوات الآوان ..أدخل من الباب الأيسر ..هيا بسرعة .."
توقفت الرياح بشكل كلي ..وإضطرمت النيران من جديد في الشعلة الكبيرة ..فتوجه مالك الى الباب الأيسر ..
غادر مالك القاعة التي إهتزت بضربات عنيفة على الباب الأمامي ..وكانت الجهة الأخرى قد زينت بالشموع التي تقود الى المخرج ..
خرج مالك من الجهة الأخرى للمغارة ..الى طريق محاط بالأشجار الكثيفة ..يقود إلى قرية السلام ..
وصل مالك الى مدخل القرية المحاطة بسور أبيض يقف عند بوابتها .. حارس غطى نفسه برداء أبيض ..
إقترب مالك من الحارس .. وقبل أن يقول شيئاً .. أشار له الحارس بالدخول قائلاً :
" .. السيدة فلورا في إنتظارك .. تفضل "
صمت مالك قليلاً ..وبدت الحيرة على وجهه وهو يحاول أن يتذكر أين سمع هذا الإسم من قبل .. فإتسعت عيناه من الدهشة ..
مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
حينما تذكر .. صاحبة ذلك الصوت .. العجوز الغامضة وهي تقول :
لقد كتب هذا الرجل نهايته .. واول فصل لنهايتنا جميعاً
..
حينما .. إرتكب الخطيئة .. وهرب بالثمرة ..
قطع نصف الأرض وأبتعد .. ظن انه نجى .. ولكن .. لا احد ينجو
..
.. من انتِ .. ؟ وعن من تتحدثين .. ؟
وقالت : .. أنا .. من ترى القبح خلف قناع الجمال
..
أرى النور خلف الظلام .. اعلم بالعقارب .. تحت الرمال
ماذا تقصدين بالمنبوذون ؟
عاشوا في مملكة بعيدة ..يحكمها رجل يدعى
..
.. أليتوس .. غريب الأطوار ..
تم نفيه .. هو وعائلته .. إلى احدى الجزر القريبة من هنا
..
والبعيدة عن مملكته .. وأقسم اليتوس بإنه سينتقم يوماً
وعاد بعد سنة واحدة من نفيه .. وتسلل الى القلعة
من إحدى الممرات السرية
ونجح في شق طريقه نحو غرفة الملك الجديد
وفتك به .. هو وزوجته
وتم حصار أليتوس .. في منزل احد الوزراء
وقاتل الحراس بشراسة .. وطعن في قلبه .. وإستمر في القتال
..
وأخذ يضحك بشكل جنوني .. وهو يقول : أنا لا أقهر .. لن يستطيع احد قتلي
..
أصيب بسهم في رقبته .. وتفجرت الدماء بشكل مخيف
..
هوى على الأرض.. وقال كلمته الأخيرة .. بصوت مختنق:
.. فلورا ..
شعر مالك فور تذكره تلك المحادثة .. برعشة باردة تسري في جسده ..أكمل مالك طريقه الى داخل القرية ..
ولكن الحارس إستوقفه طالباً منه أن يترك فأسه خارج القرية ..إستجاب مالك رغبته وأمضى الى داخل القرية ..
توشحت القرية .. بسكون عجيب .. وكأنها .. تخشى شيئاً .. إتسم كل شيء فيها بالبياض .. البيوت .. الملابس ..
كذلك كانت الطيور المترامية فوق بيوتها ..وفي طرف منزوي .. كانت تلك الفتاة تروي عطش خصلات شعرها .. في ذلك الينبوع ..
وحينما رفعت الفتاة رأسها ..تطايرت قطرات الماء النقية من حولها ..وبدت متلألأةً تحت ضوء القمر ..فإلتفتت نحو ذلك القلب اليافع ..
فتضرج وجهها بحمرة دافئة .. وعلت همسات الخوف ولذّة اللقاء مخترقة ذلك السكون المطبق ..وتلاشت القلوب اليانعة ..بعيداً عن ضوء القمر ..
قطع صوت طفلة صغيرة حبل أفكار مالك الغارق في صمت هذه القرية .. " ..هل أنت غريب .. ؟ "
إلتفت مالك الى الطفلة الصغيرة .. وعلى وجهه إرتسمت إبتسامة حائرة :
" .. نعم .. وقد جئت أبحث عن السيدة فلورا هل تعلمين أين اجدها .. " ؟
أشارت الطفلة بيدها نحو إحدى البيوت الصغيرة ..وقالت مبتسمة لمالك : " منزل عمتي فلورا "
ربت مالك على رأس الطفلة الصغيرة بلطف وشكرها .. وتوجه نحو بيت فلورا ..
وعندما وصل ..مد يده ليطرق الباب..قاطعه صوت من خلفه ..
" .. لا داعي لطرق الباب .. أنا هنا يا مالك .."
إلتفت مالك الى الخلف بسرعة ..وفوجئ بمظهر فلورا .. حيث كان يعتقد بإنها عجوز طاعنة في السن ..
ولكن ما يراه أمامه ليس سوى فتاة .. لا تتجاوز العشرين ربيعاً ..إنسدل شعرها الأسود الفاحم على كتفيها ..
ومما زاد من حيرة مالك .. وجهها ..تشبه لحد كبير ..زوجته بسمة ..
رسمت فلورا .. إبتسامة دافئة على محياها .. مدركة سر حيرة مالك وقالت :
" .. لماذا لا نتحدث في الداخل .. سأحكي لك عن كل شيء .. "
دخل مالك .. الى البيت .. برفقة فلورا .. وتوقف قليلاً وكأنه نسي شيئاً مهماً ..وسأل فلورا
" .. مهلاً .. أين بسمة .. أريد رؤيتها .."
أجابته بهدوء :
" .. لا تقلق يا مالك .. زوجتك في أحسن حال .. سأقودك الآن إليها .."
توجهت فلورا .. إلى احدى الغرف وفتحت الباب .. ودعت مالك إلى الدخول ..
وكانت بسمة نائمة .. مستلقية على فراش بسيط ..
نظرت فلورا إليها قائلة :
" .. المسكينة .. لقد مرت بفترات عصيبة في الأسابيع الماضية .. "
إقترب مالك منها وبداخله شعور متضارب بين السعادة والحزن ..
ولكن فلورا طلبت منه أن يدع بسمة ترتاح لفترة أطول..وخرجا سوية من الغرفة..
دعت فلورا مالك الى غرفتها الواسعة ..التي زينت بانواع متعددة من الزهور ..
ومن ثم توقفت امام مرآة ذات إطار ذهبي .. وهي تتحسس وجهها متحدثة الى مالك :
" .. امر غريب اليس كذلك يا مالك .. ؟ "
لم يفهم مالك بالضبط مالذي تشير اليه فلورا .. فقال :
" .. عماذا تتحدثين يا سيدتي .. ؟ "
إبتسمت فلورا قائلة :
" .. اتريد ان تخبرني بأن ما رأيته على وجهك من امارات الدهشة والتعجب.. لم تكن بسبب مظهري اليافع .. ؟ "
ادرك مالك ماترمي اليه فلورا بكلمة ال"يافع" .. فهز رأسه غير مقتنعاً حينما قال :
" ..أمر لا يصدق..كيف لمثل هذا الأمر ان يحدث ..! "
تنهدت فلورا بحزن ..متأملة المرآة..قائلة :
"..الجميع يخشى الفناء.. مامن مخلوق على هذه الأرض لا يخشى الموت..كذلك كان زوجي العزيز اليتوس..
مهووساً بالحياة.. امضى جزءاً كبيراً من حياته محاولاً تحديد متى ستحدث النبؤة .. وكان يمني نفسه بإنه سيشهد هذا اليوم ..
الذي سيولد فيه قائد جيش الظلام الموعود .. والمنقذ .. وحينما تمكن بعد محاولات عديدة من البحث المضني في الكتاب القديم ..
من إكتشاف الزمن الذي ستتحقق فيه النبؤة .. والذي كان في زمن متقدم وبعيد جداً .. اصابته الخيبة الشديدة..وتغير بشكل جذري ..
أصبح شاحباً .. لا يهتم لشيء .. ولايأمل لشيء آخر .. وذات ليلة ..عاد اوستريل .. الى القصر .. وهو سعيد جداً ..
حينها .. أخبرني بإنه اكتشف طريقة تمكنه من العيش اجلاً طويلاً.. لم أصدقه في البداية .. كان الأمر ضرب من الجنون نفسه ..
مضت الأيام ..كان زوجي وقتها يقضي أغلب اوقاته في القبو وبرفقته غرباء ..
وفي احدى الليالي .. سمعت صراخاً شديداً ينبعث من القبو ..فزعت لذلك .. خشيت على زوجي فهرعت الى هناك ..
ولكن ما رأيته كان أبشع وأفظع مما توقعت .. كانت هناك العديد من الجثث المعلقة من أقدامها وقد قطعت رؤوسها ..
وتحت كل جثة منها..إناء ملطخ بالدماء .. لم أتمالك نفسي فصرخت بشدة .. وكل ما اذكره قبل فقداني للوعي
صوت زوجي وهو يوبخ احد العاملين بالقبو " .. ايها المغفل الم أنبهك بأن تخدره جيداً ؟.. "
كانت الصدمة اقوى من أن افيق في صباح اليوم التالي وكأن شيئاً لم يكن ..
إنفجرت في بكاء شديد ..وحاول زوجي اليتوس تهدئتي وقال بإن مارأيته في القبو .. جثث للمساجين الذين تمت محاكمتهم
ويتم تطهيرهم في القبو بعناية خشية الأوبئة المتفشية آنذاك ..
ولكن ماسمعته قبل فقداني للوعي ينافي ما قاله وبشدة ..ولكني تجاهلت ذلك ..
لإعتقادي بإن مايفعله كان الشيء الوحيد الذي اعاد بريق الحياة الى عينيه ..
لا أعرف هل تمكن من وقتها من اكتشاف سر الخلود أم لا .. فلم تمضي فترة طويلة قبل ان تنتشر الإشاعات حول نشاطاته في القبو ..
وتم نفينا الى احدى الجزر المجاورة من هنا .. ولكن اليتوس .. زوجي العزيز .. - اطلقت تنهيدة حارة - ..
لم يتحمل الإهانة والإذلال .. فأقسم بإنه سينتقم منهم ..وغادرنا بعد سنة .. ولم يعد ..ابداً..
تعجب مالك من قصة فلورا .. فهي تذكره بكلام العجوز الغامضة ..في سجن قصر الحاكم..
اشاحت فلورا بوجهها بعيداً عن مالك..لكي لا يرى دموعها الساخنة..
وأكملت بصوت مختنق..: كل ما اردته هو العيش بسلام مع الرجل الذي احب..
ربت مالك بيده على كتفها .. محاولاً التخفيف عليها..وبعد دقائق .. قال مالك بنبرة متعجبة :
لقد سمعت هذه القصة من قبل..في سجن قصر الحاكم سيف الدين..من عجوز غريبة .. تدعي معرفة كل شيء..
التفتت فلورا .. وقالت بحزن .. :
فاليريا .. اختي المسكينة..
رد مالك بتعجب :
اختك ؟! ولماذا سجنت ؟
قالت فلورا :
"..فاليريا اختي الصغرى..كانت طيبة..وقنوعة..وهبها الله القدرة على توقع أغلب الأمور من حولها..
ولهذا .. لم تكن محبوبة من قبل الجميع.. وبعد عدة سنوات ..توقعت بإن هناك من يخطط لقتل الشاب الذي توّج لتوه ملكاً على البلاد..
الملك عماد الدين..بالطبع لم يصدقها احد...ولم يصل خبر توقعها للملك .. مما احزنها...فأخذت على عاتقها مسؤولية حمايته..
وتسللت الى قصر الملك ليلاً .. ووضعت رسالة التحذير على طاولة الطعام في احدى الغرف..الخالية من الحراس..
وفي اليوم التالي ..وجد احد الحراس الرسالة..ولم يلق لها بالاً..وبعد ذلك .. في نفس الليلة .. كان الملك يقرأ تحت ضوء الشموع..
في غرفته...والباب المؤدي الى الشرفة مفتوحاً..فأقتحمها شخص ملثم ورمى خنجره ناحية الملك.. ولكنه أخطأ وأصاب الشمعة..
استل الملك سيفه ..وحاول اللحاق بذلك الشخص المجهول..ولكنه تمكن من الهرب..
انتشر في اليوم التالي خبر محاولة اغتيال الملك عماد الدين..وكثر الحديث عن توقعات فاليريا الصائبة في جميع انحاء المدينة..
الى درجة ان الملك طلب من فاليريا وعائلتها الحضور للمثول امامه في قصره..
ابدى الملك اعجابه الشديد بفاليريا..ليس لإنها توقعت ماحدث ..ولكن لإنها بدت متوترة وخجولة جداً في حضرة الملك..
حيث انها لم تجرؤ على رفع عينيها لتلاقي عيناه..وإزداد اعجابه بها .. حينما قرأ الرسالة التي كتبتها اليه محذرة من ان يترك باب الشرفة مفتوحاً
ليلاً...وبعد اسبوع..زار الملك منزلنا..وكان بصحبته كتيبة من الحراس..ولم يكن في المنزل سوا فاليريا وامي وابي..
قاطعها هنا مالك قائلاً :
" .. ولكن عذراً يا سيدتي فلورا..مالذي احضركم الى هنا..جميعاً..؟ "
ابتسمت فلورا واجابت :
" .. كما قلت لك .. بعد ان تم نفينا في احد الجزر القريبة من هنا .. اصبح كل اسم يقترن به اسم اليتوس معرض للمسائلة والمثول امام القضاء ..
لقد صعبت الحياة لوالدي وفاليريا هناك .. فقرروا المجيء الى هنا .. والعيش بسلام ..والآن دعني اكمل لك :
طلب الملك عماد الدين من والدي يد اختي فاليريا للزواج .. وسعد لهذا الخبر والدي كثيراً ..
وقيل انه عندما سمعت فاليريا بطلب الملك .. اصابها شحوب غريب .. وكأنما الخبر كان مخيفاً لها..ولكنها وافقت على الفور ..
عاشت المملكة لحظات سعيدة بإعلان زواجهما..
ولم تمض سنة حتى رزق الملك عماد الدين .. بأول مولود له .. لم يكن هذا المولود..سوى الحاكم سيف الدين..
حين بلغ سيف الدين سنته الثالثة..رزق الملك بطفلة جميلة .. اسماها ..
صمتت فلورا .. وهي تنظر الى مالك بقلق .. ومن ثم أكملت :
" .. بسمة.."
مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
ظن مالك في بادئ الأمر .. انها مجرد مصادفة ..ولكن نظرات فلورا .. اكدت له بإنها ليست كذلك
لم يعرف بالضبط .. من شدة الصدمة ..بماذا ينطق .. بل اخذ يردد كلمة .. " ولكن .. ولكن .. "
قاطعته فلورا بهدوء .. قائلة :
" ..كل شيء مر بشكل طبيعي ..ماعدا تلك الليلة .. التي جن جنون الملك عماد الدين فيها ..
كانت بعد اربع سنوات من وصول بسمة الى هذا العالم .. حينما وجد الملك عماد الدين .. ابنه سيف الدين ..
في غرفته...وقد انشب انيابه في جسد احدى وصيفات الملكة فاليريا ..التي اخذت تصرخ مستنجدة بالجميع..
لم يكن سيف الدين في طبيعته..فعينه اليسرى كانت بيضاء بكاملها .. والأخرى طبيعية ..
اخذ الملك عماد الدين يصرخ .. " .. مالذي يحدث لإبني .. اخبروني .. "
تقدمت فاليريا .. لتخبر زوجها ..بكل شيء .. عنها .. وعن اصولها ..
مما زاد الأمر تعقيداً .. لم يكن الأمر سهل ابداً على الملك عماد الدين ..
لم يكن ليحتمل حقيقة بإن عائلته كلها .. ممسوخة..فعزم على ان يتبرأ منهم جميعاً ..
فأمر بنفي زوجته الى سجن المدينة .. وإرسال بسمة الى بلدة بعيدة .. برفقة الشيخ احمد ..
موصياً اياه بأن يخبر الجميع بإنها يتيمة ..لكي يعتني فيها بهدوء ..
وابنه سيف الدين الى المدينة المجاورة..موصياً الشيخ ياسين بأن يحفظ سره .. ويحاول ان يجد علاجاً لحالته ..
وبعد ايام قليلة .. اقامت المملكة حداداً على وفاة الملكة فاليريا واطفالها في حادثة غرق مآساوية..
خيّم الحزن على الجميع وقتها.. ومن بعد ذلك اليوم..لم يخرج الملك من غرفته ابداً.
تنهدت فلورا بعمق..وقالت :
"..وهذه هي قصتنا.."
لم يكن تأثير ماقالته فلورا على مالك بالسهل ابداً .. فقد امسك مالك برأسه..غير مصدقاً لما سمع .. واخذي يهذي بنبرة متوترة :
" .. لقد..لقد كنت اعتقد بإنها فتاة يتيمة.. مثلي عاشت وحيدة .. والشيخ احمد كان يعتني بها من باب الشفقة ..
تزوجتها رغبة بأن اتقرب لأهل البلدة .. وابنا يحمل اسمي انا .. وليس الزواج من ابنة ملك البلاد ..
لا .. لا .. مستحيل لا بد من ان هناك خطب ما .. "
حاولت فلورا تهدئة مالك .. وقادته الى احد الغرف المجاورة .. ليستلقي ويأخذ قسطاً من الراحة .
وعادة فلورا الى غرفتها المليئة بالزهور .. وقالت في نفسها :
" .. المسكين .. ماذا سيفعل اذا علم ماذا سيحدث فعلاً .. "
في نفس الوقت .. في قاعة الحارس الأبدي ..
اهتزت ارجاء القاعة .. بصوت حارس قرية السلام وهو يقول :
" .. أوستريل ايها الإبن العاّق .. مالذي احضرك الى هنا .."
رد اوستريل ببرود .. :
وما شأنك انت ايها المزعج..؟
عصفت الرياح الشديدة في القاعة .. وازدادت قوة صوت الحارس وهو يقول بعنف :
" .. أني اشعر بنواياك السيئة .. لن ادعك تدخل ، هيا ابتعد من هنا ! .. "
امضى اوستريل في طريقه غير آبه لكلام الحارس ..
فاشتعلت النيران في منتصف القاعة .. وغلقت الابواب ..
وهبط الحارس من اعلى القاعة متوشحاً بالأغلال .. التي تغطي كامل جسده ..
ابتسم اوستريل قائلاً :
" .. تبدو كالنملة مقارنة بصوتك المزعج .."
استفزت النبرة الساخرة في عبارة اوستريل ماتبقى في الحارس من صبر وأنقض عليه بالسلاسل ..
تفادى اوستريل سلاسل الحارس .. وأخرج سيفاً بلوري أزرق اللون .. وضرب به ذراع الحارس الأيمن ..
ولم يشعر الحارس بأدنى ألم .. مما دفعه الى الضحك على تلك الهجمة البائسة ..وقال :
" .. هل هذه فعلاً .. ضربة من ضربات سيد الظلام المزعومة .. ؟ "
رد عليه اوستريل بضربات متلاحقة من نفس السيف ..قائلاً :
" .. لا تستعجل جنازتك ايها المزعج .."
واستمر اوستريل في تفادي ضربات الحارس المتوالية .. فتوقف الحارس قليلاً ليلتقط انفاسه ..
وهم بالهجوم مرة أخرى .. وفوجئ بعجزه التام عن الحركة .. حيث ظهرت علامات التجمد على الأجزاء التي ضربها اوستريل
بسيفه البلوري .. ولم يستطع سوى تحريك قدمه اليمنى ..
ابتسم اوستريل وهو يخرج سيفه البلوري الآخر .. الذي بدا مشابهاً الى حد كبير للسيف الأول .. لولا ان اللون الذهبي كان طاغياً عليه ..
وقال :
" .. بالنسبة لي .. الدخول كان في متناول يدي بسهولة .. لكن مصيرك انت فقط ..كان بيدك ..
والآن .. بما أنك اخترت الراحة الأبدية من هذا المنصب الممل ..دعني أريك ضربة سيد الظلام .. "
رفع اوستريل سيفه عالياً .. وأنهمر كالمطر على الحارس من جميع الجهات .. وأمضى في طريقه ..
وبعد ثواني .. تهشم جسد الحارس .. الى بلورات صغيرة .. وبقيت قدمه اليمنى في مكانها .. "
" الصوت "
غرق مالك في سبات عميـق..
ورأى نفسه من جديد.. في مقبرة الطبيعة.. نفس الحلم القديم يتكرر..
الشجرة الشامخة.. وامامها ارتكزت صخرة سوداء.. عليها بساط ذهبي..وضع عليه كتاب قديم..
وصوت الشيخ احمد..يهمس في ذهن مالك..
" يابني.. لم يتبقى الكثير من الوقت.. وهذه آخر مرة ستسمع صوتي فيها..
لذلك أنصت جيداً.. انت مقبل على مرحلة حاسمة.. وانا واثق من قدرتك على تجاوزها..
ولكن.. إياك.. إياك يا بني.. ان تنصت الى الصوت .."
اجاب مالك بحيرة : عن اي صوت تتحدث ..؟
لم يجب مالك.. سوى صوت الرياح.
افاق مالك وهو يردد هذا السؤال.. ولكن شيء ما.. شيء في قد حدث..
وكأن الهواء أصبح ثقيلاً على مالك.. حمل مالك فأسه وخرج من الغرفة..
بحث مالك في الغرف المجاورة ولم يجد أثر لأحد..
دخل الى غرفة فلورا..ولم يكن هناك.. سوى ذلك الكتاب القديم...
امسك مالك بالكتاب.. وكان يحتوي على صفحة واحدة فقط..كتب عليها..
في اليوم الموعود.. ستلد حواء..البداية.
".. في اليوم الموعود.. تذبل امبراطورة الزهور..
في اليوم الموعود.. ستكون المواجهة الأولى والأخيرة..
في اليوم الموعود.. يكتب آدم النهاية."
لم يدرك مالك ماذا تعني هذه الكلمات.. فحمل الكتاب معه وخرج من البيت..
وفوجيء.. بمنظر مريع.. حيث قتل كل من بالقرية.. وقد تلطخت الساحة بدمائهم..
وفي الركن البعيد.. بجانب الينبوع.. حيث القلوب اليافعة.. تشابكت الأيدي الباردة..
" .. لا.. لا .. ليس مجدداً.."
هذا ماردده مالك في نفسه بعد رؤية هذه المجزرة..
وسمع مالك صوت فلورا تطلب النجدة.. وكان الصوت قادم من البوابة..
فهب مالك الى هناك.. ووجد فلورا تحمي بسمة بجسدها..
وأوستريل.. شاهراً سيفه..تجاه مالك.. قائلاً :
" خطوة واحدة الى الأمام فقط.. ورأسك سيحتل مكان خطوتك الثانية.."
توقف مالك في مكانه.. متحسساً فأسه الذي علقه وراء ظهره.. وقال :
".. ربما لست فارساً.. او قائد جيش.. او حتى ماهر في القتال..
لكني اعرف شيئاً واحد فقط.. بأنه ليس من الرجولة ان تخرج سيفك في وجه امرأة..
ابتسم اوستريل.. وهو يحدق بجنون في عيني مالك..
شعر مالك.. بشيء غريب في نظرات اوستريل الثاقبة..
حاول ان يمسك بالفأس.. ولكن.. سمع صوت من خلفه..
صوت غريب.. يأمره..
".. اقتلها.. هي من ستضع القائد المنتظر.. هيا يا مالك.. الا تريد للمنبوذون الفناء الأبدي.. ؟ "
وقع مالك تحت سيطرة الصوت.. وأمسك بالفأس.. وكأن تأثير الصوت سحري بالتأكيد..
حينما تقدم نحو بسمة.. حاملاً فأسه..متجهاً نحو بسمة..
ورفع فأسه عالياً.. وبسرعة خاطفة.. وجه ضربته نحو اوستريل..
الذي صد ضربة مالك بصعوبة بالغة.. مما سبب شرخ بسيط في سيفه الأزرق..
تراجع اوستريل الى الخلف.. مخرجاً سيفه الذهبي.. وقال بنبرة حانقة.. :
لقد كتبت حتفك بيدك ايها الأحمق..
لاحظ مالك بأن طرف فأسه قد تجمد.. فأدرك خطورة تلقي اي ضربة من السيف البلوري الأزرق..
فأخذ يتلفت من حوله.. بحثاً عن شيء يحتمي به..
فباغته اوستريل بضربة خاطفة .. ضربت في الكتاب القديم...
ولم يبد اي أثر للتجمد على الكتاب.. مما أثار دهشة مالك.. وصدمة كبير تجلت على محيا أوستريل..
أمسك مالك بفأسه بيده اليمنى.. والكتاب بيده اليسرى.. وانقض على اوستريل.. الذي تراجع قليلاً الى الخلف..
وحاول مالك أن يركز ضرباته على وجه اوستريل..ولكن الآخر كان سريعا في التجاوب..
فتأثر فأس مالك كثيراً.. وأصبح نصفه متجمداً.. فأدرك مالك بأن الفأس لن يتحمل لفترة طويلة..
وفي احدى هجمات اوستريل على مالك.. تظاهر مالك بأن الكتاب سقط منه ارضاً..
وكانت تلك هي فرصة أوستريل.. فأنقض بدون تفكير بسيفه الأزرق.. والهدف - قلب مالك -
فألتف مالك ليتلقى الضربة بكتفه الأيسر وانغرس السيف الأزرق في كتف مالك..
مما أعطى مالك فرصة لا تقدر بثمن.. فضرب عنق أوستريل بيده اليمنى..
وتفجرت الدماء السوداء من عنق أوستريل.. الذي هوى أرضاً.. بلا حراك..
لم يصدق مالك.. بأنه انتصر على اوستريل.. ونظر الى كتفه المصابة..
فلاحظ ان السيف تحول لونه الى الفضي.. وبذلك زالت آثار التجمد من كتف مالك..
وحل مكانها.. جرح غائر..فنزفت الدماء بغزارة من كتفه..وتلفت من حوله.. فلم يجد أثراً لفلورا وبسمة..
وحاول القيام.. ولكن جسده لم يتحمل المزيد من الإجهاد.. فسقط مغشياً عليه.
بعد عدة أيام في المدينة..
وجد مالك نفسه في غرفة بسيطة المظهر..وحاول ان يتحرك ولكن كتفه كان يؤلمه بشدة..
فخضع للألم وبقي في فراشه.. ولم تمضي ثوان الا ودلفت امرأة عجوز الى الغرفة..
وهي تقول : انت محظوظ جداً يا بني.. فلو بقيت في مكانك لكنت نزفت حتى الموت..
يجب ان تشكر الشيخ ياسين الذي احضرك الى هنا قبل ثلاثة أيام.
قال مالك بسرعة بعد ان أدرك ماحصل :
" .. اين السيدة فلورا.. وزوجتي بسمة. .الم تكن مع الشيخ ياسين ..؟ "
لا أعلم عماذا تتحدث يا بني.. لكن يجدر بك ان تهدأ قليلاً من أجل صحتك..
في نفس الوقت.. على متن سفينة تغادر المدينة
وقف الشيخ ياسين وبجانبه السيدة فلورا التي فقدت بريقها وكثرت التجاعيد في وجهها..
في مؤخرة السفينة.. وهم ينظرون الى المدينة وهي تبتعد ببطيء..
فقال الشيخ ياسين :
".. اتعتقدين بأنه سيتحمل العيش بدونها.. ؟ "
اجابت فلورا بهدوء عجيب .. :
".. لا تقلق.. لن يكون وحيداً .. "
لم يستوعب الشيخ ياسين المغزى المراد من عبارة فلورا..
فألقى نظرة أخيرة على المدينة.. ودخل الى السفينة..حيث سيف الدين.. وبسمة.
وفلورا تنظر الى السماء.. ومن ثم الى البحر متنهدة بحرارة .
بعد ثلاثة سنوات
مضت الأيام.. ومالك يبحث عن بسمة.. او الشيخ ياسين.. ولم تجدي محاولاته بأي نفع..
وذات ليلة..طرق باب الكوخ .. فقام مالك وفتح الباب.. واذا بالشيخ ياسين.. حاملاً طفلة صغيرة..
فقال مالك :
".. من أنت.. وماذا تريد .. ؟ "
فأجابه :
" .. انا الشيخ ياسين.. ولدي أمانة تخصّك.."
كان وقع اجابة الشيخ ياسين كالصاعقة على مالك.. الذي انهال بالأسئلة عليه..
متسائلاً ان كان يعلم اين تكون بسمة او فلورا.
فأخبره الشيخ ياسين بكل شيء..
".. مالك يا بني.. لقد علم اخي احمد الحقيقة الكاملة.. ولكنه لم يخبر اي شخص.. لقد اراد لكم السعادة انت وبسمة..
ولكن بسمة كان مقدر لها أن تضع حداً للمنبوذين.. فهي ليست كما كان يعتقد الجميع ماعدا أوستريل الذي اكتشف الحقيقة
بعد ان دمر كل من في البلدة.. في ذلك الصباح.. عندما اعتقد الجميع بأن بسمة كانت من فعل ذلك..
فقال مالك : اذا مالذي كانت تفعله هناك والدماء قد لطخت وجهها..
أجاب الشيخ ياسين تساؤل مالك قائلاً :
لقد كانت بسمة في زيارة للشيخ احمد.. الذي اخبرها بالحقيقة الكاملة..ولكني اخبرت سيف الدين بأن يرسل جنوده
الى البلدة ليحضروا بسمة الى القصر..
ويبدو ان بسمة وقعت تحت سيطرة اوستريل العقلية.. عندما رأيتها..
فهو قد علم حينها.. بالحقيقة بكل تأكيد
فقال مالك : أي حقيقة تتحدث عنها .. ؟
نظر الشيخ ياسين الى الطفلة الصغيرة.. وقال :
"..بأن بسمة لن تلد القائد المنتظر..بل على العكس من ذلك.. كانت نهاية المنبوذون مقترنة بموعد ولادة بسمة
لأول طفل لها.. "
صمت الشيخ ياسين.. ومن ثم أردف بسرعة :
"..يعني هذا.. ان اي صفة كان يتحلى بها المنبوذون سيفقدونها.. ويعودون الى طبيعتهم.."
ومن ثم نظر الشيخ ياسين الى مالك وقال :
".. ومنها صفة الخلود.."
فتردد صدى ما قرأه مالك من قبل سنوات في ذلك الكتاب
في اليوم الموعود.. ستلد حواء..البداية.
".. في اليوم الموعود.. تذبل امبراطورة الزهور..
ومن ثم قال مالك بصوت خافت متهدج :
".. هل هذا يعني.. بأن بسمة.."
صمت الشيخ ياسين وهو ينظر الى مالك بنظرة لها مغزى ..
فانهمرت الدموع.. وامسك مالك براسه..
فربت الشيخ ياسين بيده على كتف مالك.. وقال بلهجة مطمئنة :
".. لا تقلق يا مالك.. بسمة لم تتركك وحيداً في هذا العالم .."
رفع مالك رأسه..وهو ينوي ان يعلم مايقصده الشيخ ياسين..
الذي حمل الطفلة.. ومدها تجاه مالك.. الذي حملها بيديه..غير مصدق ابداً..
بأن هذه الطفلة الصغيرة.. هي ليست سوى.. ابنته..
فقال الشيخ ياسين :
لقد طلبت مني أن اوصلها لك..
نظر مالك الى الطفلة بكل حنان.. وقال :
وما اسم هذه الجميلة .. ؟
لم يجب الشيخ ياسين.. فقد كان يعلم بأن مالك يعرف مسبقاً. .
بأن أول أسم يخطر على باله هو ..
.. بسمة ..
http://img.photobucket.com/albums/v3...cretgarden.jpg
مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
بصراحة مدري وش اقول
ابداع
قصة رهيبة بس طويلة
مشكووور خوباج
مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
ما قريتها كلها بس حبيت أكتب رد تشجيعي ... :D
كما عودتنا .. يا خوباج ..
ps: وين شوشه :31: ؟
مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
قصة روعه قمه في الأبداع ^_^
مشكور على القصه الرائعه ^^
مشاركة: " بلا أثر " Reinvigoration
للرفع :D
ما شاالله قصة رووووعة وطويلة :09:
بس اسماء المنبوذين لايقة عليهم