{ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ـ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ـ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ
آَمِنُونَ }
فالآية هذه في يوم القيامة بدليل ما قبلها وما بعدها ، وليست في الدنيا .
وقوله :
{ تحسبها جامدة } : أي ساكنة لا تتحرك ولكنها تمر مر السحاب ؛ لأنها تكون هباءً منثوراً يتطاير .
وأما الاستدلال بها على صحة دوران الأرض ؛ فليس كذلك هذا الاستدلال غير صحيح ؛ لما ذكرنا من أنها تكون يوم
القيامة .
ومسألة دوران الأرض وعدم دورانها الخوض فيها في الواقع من فضول العلم ؛ لأنها ليست مسألة يتعين على
العباد العلم بها ويتوقف صحة إيمانهم على ذلك ، ولو كانت هكذا لكان بيانها في القرآن والسنة بياناً ظاهراً لا خفاء
فيه وحيث إن الأمر هكذا ؛ فإنه لا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في الخوض بذلك .
ولكن الشأن كل الشأن فيما يذكر من أن الأرض تدور وأن الشمس ثابتة وأن اختلاف الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول الشمس ؛ فإن هذا القول باطل يبطله ظاهر القرآن ؛ فإن ظاهر القرآن والسنة يدل على أن الذي يدور حول الأرض أو يدور على الأرض هي الشمس
{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } ، والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلاً
وإذا كان يجهل حقيقة روحه التي بين جنبيه ؛ كما قال الله تعالى :
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }
؛ فكيف يحاول أن يعرف هذا الكون الذي هو أعظم من خلقه !!
كما قال الله تعالى :
{ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .
فنحن نقول إن نظرية كون اختلاف الليل والنهار من أجل دوران الأرض على الشمس : هذه النظرية باطلة لمخالفتها
لظاهر القرآن الذي تكلم به الخالق سبحانه وتعالى ، وهو أعلم بخلقه ، وأعلم بما خلق ، فكيف نحرف كلام ربنا عن ظاهره من أجل مجرد نظريات اختلف فيها أيضاً أهل النظر ؟! فإنه لم يزل القول بأن الأرض ساكنة ، وأن الشمس تدور عليها ، لم يزل سائداً إلى هذه العصور المتأخرة .
ثم إننا نقول :
إن الله تعالى ذكر أنه يكوِّر الليل على النهار ، ويكور النهار على الليل ، والتكوير بمعنى التدوير ، وإذا كان كذلك
فمن أين يأتي الليل والنهار إلا من الشمس ؟!! وإذا كان لا يأتي الليل والنهار إلا من الشمس ؛ دل هذا على أن الذي يلتف حول الأرض هو الشمس ؛ لأنه يكون كذلك بالتكوير .
ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثبت عنه أنه قال لأبي ذر ـ رضي الله عنه ـ وقد غربت الشمس :
" أتدري أين تذهب ؟قال : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها تذهب فتسجد تحت العرش " إلى آخر الحديث .
وهذا دليل على أنها هي التي تتحرك نحو الأرض ؛ لقوله :
" أتدري أين تذهب ؟ " وفي الحديث المذكور قال : " فإن أذن لها وإلا قيل ارجعي من حيث شئت ، فتخرج من مغربها " ، وهذا دليل على أنها هي التي تدور على الأرض ، وهذا أمر هو الواجب على المؤمن اعتقاده ؛ عملاً بظاهر كلام ربه العليم بكل شيء دون النظر إلى هذه النظريات التالفة ، والتي سيدور الزمان عليها ويقبرها كما قبر نظريات أخرى بالية .
هذا ما نعتقده في هذه المسألة .
أما مسألة دوران الأرض ؛ فإننا ـ كما قلنا أولاً ـ ينبغي أن يعرض عنها ؛ لأنها من فضول العلم ، ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتاً أو نفياً ؛ لكان الله تعالى يبينها بياناً ظاهراً .
لكن الخطر كله أن نقول إن الأرض تدور ، وأن الشمس هي الساكنة ، وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض هذا هو الخطأ العظيم ؛ لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة .
ونحن مؤمنون بالله ورسوله نعلم أن الله تعالى يتكلم عن علم ، وأنه لا يمكن أن يكون ظاهر كلامه اختلاف الحق ، ونعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم كذلك عن علم ، ونعلم أنه أنصح الخلق وأفصح الخلق ، ولا يمكن أن يكون يأتي في أمته بكلام ظاهره خلاف ما يريده ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فعلينا في هذه الأمور العظيمة علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماً يقينياً بما يخالف ظاهر القرآن ؛ فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح ، ويمكن أن نقول إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا ينفرد فيه أحد ، وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض ، أي أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبداً ؛ إذ أنه لو تعارضا ؛ لأمكن رفع أحدهما بالآخر ، وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين .
والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض ، وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ، ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض .