نيتنياهو يكره البريك وأولمرت يحب الحمد..لماذا؟
حول مناظرة البريك والحمد
هل تصدق أن الكونغرس الأمريكي ناقش في جلسة علنية مواقف الدكتور سعد البريك من الليبرالية ودعاتها!
شيء غريب أليس كذلك؟!
وهل تصدق أن ما يزيد عن عشرة كتب أمريكية وصهيونية وغربية مطبوعة تناولت مواقف الدكتور سعد البريك من أمريكا والقضية الفلسطينية وخطرها على الكيان الصهيوني؟!
وهل تصدق أن رئيس الوزراء الصهيوني الحالي بنيامين نيتنياهو جعل على موقعه الشخصي وثيقتان تنددان بمواقف الدكتور البريك من اليهود؟! وأن عشرات المنظمات على مدى سنين أصدرت في تقاريرها اسم الدكتور سعد البريك في سياق استنكار مواقفه تلك؟!
دعنا من هذا الآن على أننا سنستعرضه بتفصيلاته المثيرة في صلب هذا المقال ولنعرج قليلا على تصريح مقتضب لعضو مجلس الشورى (سابقا) محمد آل زلفة حين سئل عن رأيه في المناظرة التي كان مزمعا انعقادها بين كل من الدكتور سعد البريك والدكتور تركي الحمد في موضوع الأغلبية الصامتة فقال الدكتور محمد آل زلفة لصحيفة شمس بتاريخ 18 مارس 2009مالدكتور تركي الحمد لا توجد مقارنة بينه وبين الدكتور سعد البريك ففيما يعرف الأول بعقلانيته وأطروحاته، فإن الثاني - أي البريك - لا تعرف له أي إنجازات في بناء المجتمع وطرح الكتب التي تزيد من ثقافة المجتمع وخدمته " ) هذا نص كلامه.
لست هنا بصدد التنقيص من آل زلفة فهو رجل آكاديمي معروف , ولست أيضا بصدد الدفاع عن الدكتور سعد البريك فهو رجل آكاديمي وداعية أشهر وأعرف وغني عن التعريف وليس هذا هو موضوع المقال ! لكن تصريح آل زلفة مثير فعلا لفضول جامح يحث المطلع على طرح المقارنة بين الرجلين (البريك والحمد ) في جانبها العملي بعيدا عن الشحن الإعلامي الفارغ!! كما يثير الفضول للنقاش حول موضوع "الأغلبية الصامتة" ! لا سيما مع ما صاحب إلغاء المناظرة من ردود أفعال متباينة!
المناظرة كان موضوعها (الأغلبية الصامتة)! لكن ما مغزى أن يكون هذا عنوان مناظرة بين رجل يرمز إلى الاتجاه الحداثي (وبعضهم يقول الليبرالي) وهو تركي الحمد وبين رجل يرمز إلى الاتجاه الإسلامي السائد في المملكة هو سعد البريك؟! المغزى هو أن يحاول الرجلان إعطاء صورة عن الاتجاه الاجتماعي والسياسي الغالب : ما هو فكره؟ وما هي همومه؟ وما هي تطلعاته؟ ثم يطرحان الرؤى حول الحلول التي يمتلكها كل منهما للمجتمع الذي يحتوي (الأغلبية الصامتة).
فمخاض الحراك الفكري الذي (افتعل بعد 11 سبتمبر) أصبح مبهما في نتائجه, وفي ضبابية الإبهام اتجه التيار الحداثي بوسطييه ومتطرفيه إلى ادعاء تمثيل الأغلبية وهمومها ولأنها لا توجد أدوات قياس لهذا التمثيل من انتخابات (برغم أن الانتخابات البلدية كانت كافية في نظر المراقبين ) أو نشاطات واضحة لمؤسسات المجتمع الأهلي (المدني) مثلا أو دراسات استطلاع رأي مسؤولة فقد فتح باب الادعاء على مصراعيه ليقول الحداثيون : نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد! بينما يراهم المجتمع :شرذمة قليلون ليس لهم من دون أمريكا من ولي ولا نصير !
مع من هذه الأغلبية الصامتة إذن ؟! هذا الذي كانت المناظرة لتعالجعه فلم يسعفها القدر!!
لكن من لطائف الأقدار أن شاهدان عدلان من الاتجاه الحداثي نفسه شهدا بما لا يدع مجالا للشك بأن سبب إلغاء المناظرة هو لأن "الأغلبية الصامتة" لا تقبل الحداثيين والليبراليين كاتجاه في المجتمع ! شهدا على ذلك برغم أن سبب إلغاء المناظرة كان هو قرار وزارة الإعلام وليس شيئا آخر!
والشاهدان لم يعبآ بقرار الوزارة وتبريراتها وعمدا إلى مكاشفة الحال والواقع بجرأة المنصف فخرجا عن المألوف بالاعتراف على الذات بقلتها ورفضها من قبل الأغلبية ! أما أحدهما فهو الدكتور آل زلفة وقد قال لصحيفة شمس : (كنت أتوقع وأخشى أن تكون تلك المناظرة مليئة بالجمهور الذي يشكله الطرف الآخر (أي د.سعد البريك) والرسائل التي ستتبادل بينهم في المسارعة في الحضور حتى لو اضطروا لترك أسرهم) فها هنا اعتراف مشرق بازغ من شمس أوضخ فيه آل زلفة بأن الأغلبية الصامتة التي ستحضر ستكون في صف سعد البريك!.
وأما الآخر فيدعى (الصرامي) وقد قال في مقال نشرته صحيفة الجزيرة بتاريخ لثلاثاء 20 ربيع الأول 1430م: " ثم إن -أي مناظرة - لها شروط تتعلق بفكرة القبول بوجود تيارات أخرى، وبإدارة الوقت وحيادية الحضور والمحاور ونحوها، وهي أشياء لا يملكها الواقع الثقافي المحلي بعد، بل ستعكس صورة سلبية عن المشهد الثقافي للخارج، وهي صورة لا تتسامح كثيرا مع الفكر والثقافة، ولنا فيما حدث بمعرض الكتاب الأخير برهان ودليل." ووإذا استثنينا التشكيك الباهت في حيادية التحكيم فسنعتبر هذا اعترافا آخر لا يحتاج إلى تعليق!
وبحسب هاتين الشاهدتين ندرك أن الأغلبية ترفض حتى أن يناقش أمرها وقضاياها ليبراليون أو حداثيون فضلا عن أن يمثلوه , فحق بعد هذا أن يقال للبريك والحمد :قضي الأمر الذي فيه تستفتيان!
وهذا ليس جديدا فهناك العديد من الشهادات الموثقة التي أدلى بها كتاب وإعلاميون وشكوا من خلالها عدم إصغاء المجتمع لهم وإلى اتهامه بالوقوف مع التيار الإسلامي بل بلغ بكاتبة سعودية الحد إلى اعتبار المرأة السعودية تعرضت على مدى سنين لغسيل دماغ "ومن الصعب أن نستطيع إقناعها بطرحنا الحداثي"!! كان هذا على "قناة الحرة" ومن لطائف الأقدار أيضا أنها قالت ذلك بحضور الدكتور آل زلفة في البرنامج قبل سنتين ولم يعترض!
نعود إلى المقارنة التي صرح بها الدكتور آل زلفة بين كل من المتناظرين سعد البريك فقد كان غرضه منها التبرير لإلغاء المناظرة بكون الدكتور سعد ليس صاحب موقف ولا رؤية كما هو حال الدكتور الحمد ! وبالتالي فلا تصلح أن تكون المناظرة مع فارق الشخصيتين!
وعلى تقدير التسليم لكلامه فمنطقيا يعتبر هذا التبرير واهيا جدا فببساطة لو أعطي لك الخيار في مناظرة ما بين: مواجهة مناظر هش في ثقافته ولا يملك أي رؤية وبين مواجهة مثقف محنك فستختار الأضعف لأنك من خلاله سوف تنصر قضيتك بسهولة ! أليس كذلك؟!! فعلى أقل تقدير سوف تثبت أنه غير مؤهل للنقاش إذا خرج عن الموضوع أما إذا لم يخرج فستحجه! وفي كلا الحالتين ستنصر قضيتك!
هنا نسأل ما الذي كان ليضر الحمد لو أنه ناقش رجلا لا يملك خلفية معرفية وثقافة تؤهله للصمود أمام ثقافة؟!! الجواب ..لا شيء!!
وهنا ندرك الطريقة التي برر بها الدكتور آل زلفة إلغاء المناظرة بأنها طريقة فيها شيء من الغباء وليست غير منطقية فقط! هذا فضلا على أنها لا تمثل الحقيقة من أصلها فالدكتور سعد البريك له وزنه وحضوره ورؤيته ومواقفه وثقافته يعرف ذلك العام والخاص ويعرف ذلك الدكتور آل زلفة أيضا كما يعرف أبناءه!
لكن دعنا نعود الآن إلى مقارنة أخرى مثيرة بين الدكتور الحمد والدكتور سعد البريك على مستوى نوعية ثقافتهما وتداعياتها محليا ودوليا! وهنا لا ننسى أن كلا منهما يرمز لاتجاه وأن المقارنة على صعيد الرموز تتعدى إلى المرموز !!
وفي اعتقادي الشخصي أن لتركي الحمد عقلية المفكر وفي أدبه وكتاباته إبداع جم من حيث جودة الأسلوب! وله مع ذلك نمط تفكير استراتيجي ينبي عن استيعاب للواقع السياسي بشكل واسع وكذلك للواقع الاجتماعي المحلي بشكل دقيق ! وبلا شك أيضا أنه صاحب مشروع تبلور من مخزونه الفكري وتجاربه النضالية ونمط تفكيره الاستراتيجي ! هذا لا يساورني فيه شك ! لكن ماذا عن القيمة العلمية لتلك الرؤى والمشاريع ؟! ماذا عن مصداقيتها وأثرها الإيجابي في الأمة؟!!ماذا عن جدواها في خدمة قضايا المجتمع ؟! ماذا عن تناقضاتها مع الثوابت الدينية ؟! هنا السؤال!!
فالتفكير كقيمة سلوكية يعكس ثقافة الشخص وموهبته وقدرته على التحليل وطرح الحلول وهي سمة نادرة ذات قيمة في الظاهرة الإنسانية لكن ندرتها قابلة لاستيعاب القطبين معا :السالب والموجب! وما يلام على الدكتور الحمد ليس هو قصوره الثقافي والمعرفي وإنما سلبية تفكيره في اتخاذ المواقف ومعالجة الأحداث ! وإلا فهناك فلاسفة عباقرة ملحدون وهناك مفكرون زائغون وهناك مثقفون تائهون! والعبرة في الفكر بقيمته العلمية الموافقة للحقيقة لا إلى جنس الفكر كيفما كان!
محرقة غزة بين الحمد والبريك:
والمفارقة في طريقة تفكير الرجلين (البريك والحمد) وفي ثقافتهما تتجلى في العديد من الأحداث والقضايا وقلما يكون الحدث محل إجماع من مكونات الأمة حكاما وشعوبا ومثقفين وعلماء..فلا يزالون مختلفين في ذلك إلا ما رحم ربك ..لكن هذا لا يصدق قطعا على محرقة غزة مثلا أليس كذلك!!! فهي حدث حي اتفقت فيه الأمة كلها وشعب المملكة العربية السعودية وقياداتها قاطبة على نقطتين هامتين فيها وهما:
أولا: تبرئة الفلسطينيين (أهل غزة) من أن يكونوا هم السبب في المحرقة وكيف وهم الضحية !
ثانيا: تحميل اليهود المسؤولية الكاملة على ما وقع!
لنقرأ في هذا الحدث ثقافة كل من الدكتور تركي الحمد والدكتور سعد البريك!!
من منهما وقف موقف المملكة وشعبها (الأغلبية الصامتة ) وثقافتها وثقافة الأمة معها! ومن منهما وقف على النقيض من ذلك كله!
ولنبدأ بالحمد الذي مال إلى تبرير المحرقة ملقيا اللوم على أهل غزة الذين زعم بأنهم من ضرب الإسرائيليين بالصواريخ ابتداء !! فقال في مقال نشرته الشرق الأوسط بعنوان: "أصابع إيران الخفية" ما نصه: (ولكن، ومن زاوية أخرى، فإن السلوك الإسرائيلي مفهوم، منظوراً إلى المسألة سياسياً. فإسرائيل تتعرض للاستفزاز المتكرر من قبل حماس، حين ترشقها بالصواريخ بشكل شبه يومي، فما هو المتوقع من إسرائيل والحالة هذه، وهي الدولة التي قامت واستمرت في الحفاظ على وجودها بالقوة والحل العسكري؟)