بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً... مبارك عليكم الشهر وتقبل الله قيامكم وطاعاتكم
ثانياً... رواية "في 13 سنة مضت" رواية كتبتها منذ عامين وكان هناك العديد من المتابعين لها فأشكر كل من شجعني في كتابتها حتى النهاية
كنت حائرة في كتابة الجزء الثاني لها ولقيت صعوبة حتى وجدت الأحداث المناسبة والتي قد تكون بمستوى الجزء الأول... فأحببت أن أعود إلى المنتدى وبرفقتي الجزء الثاني الذي انتظره العديد من الأعضاء جزاهم الله خيراً...
ولكن أحببت أن أضع لكم الجزء الأول مرة أخرى حيث أنني بدلت بعض الأحداث وصححت بعض الأخطاء وأعدت تجزيء الفصول... وهكذا
فإن كنت تود قراءة الجزء الأول مرة أخرى فبمشيئتك وإن كنت لا تريد فقد تعرف التغيرات من الجزء الأول
وأضفت على الجزء الأول عنوان آخر حتى يكون هناك فرق بين الأول والآخر
الجزء الأول بعنوان [عبر نافذة غرفتي] أما الثاني فسيكون [كرات الزجاج]
آملة أن ينال على إعجابكم كما أعجبكم الذي سبقه وأن أستطيع المتابعة حتى آخر الرواية
أترككم مع الجزء الأول من القصة بجميع فصولها ....
_____________________________________________________
في 13 سنة مضت -1-
عبر نافذة غرفتي
كل يوم يكتشف العلماء حقيقة من حقائق العالم، ولكن ما زال العالم يخفي الكثير الكثير من الأمور قد يكتشفها الإنسان أو قد تبقى مجهولة للأبد. قد يعيش الإنسان بين البشر ولكنه يجد نفسه في عالم مظلم منعزل قاسٍ يبدو عالمًا آخرًا، ولكن هناك أبوابًا كثيرة يجب أن تفتح ليدخل الإنسان إلى ذلك المكان...!
..::||الفصل الأول||::..
في صباح يومٍ مشرق صافٍ ذو جوٍ لطيف عند الساعة التاسعة، تدخل فتاة تبلغ من العمر الثامنة عشر عيادة خاصة للأمراض النفسية. طرقت باب غرفة الطبيب أحمد إسماعيل الذي يبلغ خمسًا وأربعين سنة
أحمد: تفضلي
دخلت شيماء بوجه بشوش وابتسامة عريضة: مرحبًا يا أبا يوسف
تعجب أحمد من ردها ولكنه حاول إخفاء ذلك بابتسامة: *أبا يوسف؟* أهلاً بك يا شيماء، كيف حالك؟ تبدين في مزاج رائع!؟ توقعت أن أراكِ عكس ذلك بعد الذي حصل لقيس!
قالت شيماء بتعجب وحيرة: قيس!؟ من يكون هذا؟
انصدم أحمد وتساءل: *أيمكن أن تكون قد نسيته؟!* ثم ابتسم وقال في ذهنه *أن يمحى من ذاكرتها أفضل* وظن حينها أنها فقدت ذاكرتها ونسيت ذلك الفتى نتيجة لانصعاقها بما حدث له.
ثم رد عليها: لا، لا شيء... انسي الأمر... على أية حال لماذا أنتِ واقفة؟ اجلسي لنتحدث قليلاً
شيماء: حاضر
كانت شيماء ترتدي خمارًا أسودًا وعباءةً سوداء واسعة، وهي تخطو نحو الطبيب، فُتحت العباءة قليلاً من الأسفل وبان لون تنورتها، كانت ترتدي تنورة بيضاء وبها زهور وردية
استغرب الطبيب وكان حائرًا جدًا فقال في نفسه: *أبيض وزهري!؟ هذا لا يعقل!!*
فقال لها أحمد بتعجب وما زال يبتسم: أمر غريب... إنك ترتدين ألوانًا زاهيةً اليوم، هذا ليس من عادتك!؟
فردت عليه شيماء بتعجب هي الأخرى: لماذا؟ أنا أرتدي هكذا دائمًا!
عجز عن الرد فأراد تغيير الموضوع: ...!؟ حسنًا، أيمكنني أن أسألك سؤالاً؟
شيماء: بالتأكيد، تفضل
أحمد: ما هو لونك المفضل؟
شيماء بحيرة: سألتني هذا السؤال من قبل!؟
أحمد: أعلم ولكنني نسيت جوابه
تعجبت شيماء كثيرًا ولكنها أجابته: أفضّل الأبيض
أحمد وقد توسعت عيناه: *الأبيض!!* ولماذا اخترتي الأبيض بالذات؟
فكرت شيماء للحظات ثم قالت: لا أعلم... ربما لأنه ناصع أو ربما لأنه لون الفرح، لا أعلم بالضبط لماذا
أحمد: اللون الأبيض جميل... اختيار موفق... نسيت أن أسأل، أي تخصص اخترتِه في الجامعة؟
شيماء مبتسمة: التحقت بجامعة فيرجينيا
فقال أحمد ببهجة: ما زلتِ تحبين الرسم؟
شيماء بابتسامة: أجل
أحمد وملامح الجد على وجهه: *سوف أسألها سؤالاً وأرجو أن لا أسمع الجواب الذي أتوقعه*
ثم سألها وهو يشبك أصابعه تحت ذقنه بكل جدية: إن أعطيتك ورقةً وقلمًا ماذا سترسمين؟
فردت عليه شيماء وهي تبتسم بابتسامة هادئة تختلف عن ابتسامتها المبهجة التي كانت على وجهها منذ أن دخلت الغرفة: في هذه الأيام أرسم لوحاتًا لشخصية قد ابتكرتها مؤخرًا
فأخرج الطبيب أحمد كراسة رسم وقلم رصاص من درج الطاولة وأعطاها إياهما
أحمد: حسنًا، أريد منك أن ترسمي لي هذه الشخصية
وكان قلقًا في نفسه: *كيف سيكون شكله؟؟ إنسان أم شبح؟ ربما مصاص دماء أو زومبي!!*
أمسكت شيماء بالقلم بأناملها الناعمة وبدأت ترسم بكل خفة وسرعة وابتسامة هادئة قد ارتسمت على شفتيها. وبعدما انتهت من الرسمة أرته إياها وقد عادت الابتسامة المبهجة على وجهها
شيماء: هذا هو، أأعجبك؟
دهش أحمد بشدة عندما رأى الرسمة، وزادت نبضات قلبه وتسارعت، وقال في نفسه: *إنه قيس!!*
لاحظت شيماء نظراته الغريبة لكنها لم تقل شيئًا
حاول أحمد تغطية اندهاشه وأجابها: أجل بالتأكيد، ولكن... أنتِ من ابتكره أم رأيته في مكان ما من قبل؟
أجابته شيماء وهي حائرة فكانت متعجبة من ملامحه القلقة: لا، هذه الشخصية من خيالي تمامًا
فقال أحمد بصوت معتدل: حسنًا، اوصفي لي هذه الشخصية، أعني أخلاقه... تحدثي عنه عامة
وضعت شيماء ذراعيها على الطاولة التي أمامها وأسندت جسدها عليها وقالت ببشاشة: مراهق يبلغ من العمر الرابعة عشر، طيب وصافي القلب ولا يحب إيذاء أحد، الابتسامة لا تفارق وجهه، وهو يفضل الغير دائمًا على نفسه
شعر أحمد بضيق في قلبه ولكنه لم يظهره: *ولكن قيس عكس ذلك تمامًا!!* حسنًا تستطيعين المغادرة الآن ولكن أريدُ منك غدًا إحضار جميع الصور التي قمتِ برسمها منذ الأسبوع الماضي
شيماء: حسنًا سوف أفعل... أنا ذاهبة، إلى اللقاء
أحمد: في أمان الله
جلس أحمد يفكر لوحده بعد أن غادرت شيماء الغرفة: *هل يعقل أنها نسيته ولا تذكر شيئًا عنه؟ ولكن صورته مرتكزة في ذاكرتها! المشكلة هي أنها ما زالت تظن فيه الظن الحسن؟ ذلك السفّاح سيبقى متدخلاً في حياة تلك الفتاة حتى بعد مماته!!*
أمّا شيماء فقد عادت إلى بيتها، واستقبلتها والدتها بثينة، كانت بثينة امرأة بشعر أجعد قصير ولم تكن بذلك الجمال، ولكنها ذات جسم ممشوق كعارضات الأزياء
شيماء: أمي، لقد عدت
بثينة بابتسامة: أهلاً بعودتك يا عزيزتي، هل ذهبتِ إلى الطبيب؟
شيماء: بالتأكيد
بثينة: وهل أعطاك ملاحظات هامة؟
شيماء وهي تتأفف من تعب الطريق: لا، الحوار المعتاد، ولكنه هذه المرة طلب مني إحضار رسوماتي له
بثينة: أها...
صعدت شيماء الدرجات ودخلت غرفتها الواسعة، ثم وضعت حقيبتها على كرسي مكتبها وخلعت خمارها وعباءتها، كان شعرها قصيرًا جدًا كالصبيان وبنفس تسريحة الشاب الذي رسمته، وشديد النعومة والسواد، وكان جسدها نحيلاً كثيرًا، أما غرفتها فكانت حيطانها مليئة برسومات لذلك الولد وقد رسمتها بنفسها.
جلست على سريرها، تمد قدميها خارجًا عنه وتستند على ذراعيها، وكانت تفكر: *ماذا كان يعني الطبيب بما قاله؟ من يكون قيس هذا؟! لم أسمع عنه قط!! ولماذا قال بأنه من الغريب أن أرتدِ ألوانًا زاهية؟ أيعقل أنه مشوش الفكر بيني وبين مريض آخر؟ لا يمكن هذا، فلم يحدث هذا الشيء منذ اثنى عشر عام من ترددي إليه! كان علي أن ألح عليه بأن يوضح لي ما قاله*
ثم استلقت على السرير متمددة، وتغطت باللحاف لكي ترتاح قليلاً بعد الدوام الجامعي المتعب دون أن تغير ملابسها حتى. وأثناء نومها رأت في المنام بأنها واقفة في مكان مظلم، من شدة ظلمه لا تستطيع التفريق بين الجدران وأرضية المكان، كانت ترتدي بنطال جينز وقميص رياضي أسود كتب عليه من الخلف (Kill 2 Live) –اقتل لتعيش- بلون أحمر دموي، وكان مرسوم بأعلى الكلام جمجة بيضاء... ثم أتاها صبي يرتدي ثوبًا أبيضًا ناصعًا، ولكن من شدة الظلام لم تستطع رؤية وجهه
قال لها الفتى بصوتٍ ناعم: لم أرَك منذ زمن يا شيماء...
تعجبت شيماء من معرفته اسمها وتساءلت في نفسها: *صوته رقيق وحنون، يشعرني بالراحة*
ثم قالت له وهي تخفي التساؤل الذي بداخلها: مـ..من أنت؟
اقترب منها حتى رأت وجهه، وقال لها بابتسامة هادئة على وجهه: أنا قيس أنسيتِني؟
تعجبت شيماء أكثر عندما رأت وجهه: *هذا الصبي!!! نفسه الشخصية التي ابتكرتها في الآونة الأخيرة!!*
ثم قال قيس والابتسامة نفسها على وجهه: يبدو وكأنكِ نسيتني تمامًا، وفي هذه الحالة لا أسطيع العودة، أريدك أن تتذكريني ليكون لي سببًا في العودة، ابحثي جيدًا في الموضوع ولا تهمليه
ثم بدأ يعود بخطواته إلى الوراء وهو يقول: علي الذهاب الآن، أرجوكِ لا تنسيني، حاولي التذكر
حاولت شيماء الاقتراب منه ومنعه من الذهاب وهي تقول: انتظر قيس!! لا تذهب قبل أن تخبرني بكل شيء!!
ولكنه اختفى وسط الظلام الدامس ولم يبقَ سوى السواد من حولها
شيماء بيأس: اختفى...!!
..::||الفصل الثاني||::..
فتحت شيماء جفنيها، فرأت سقف غرفتها الأبيض، فأدركت أن ذلك المكان المظلم ما هو إلا خيال راودها في المنام، فنهضت من استلقائها وجلست على سريرها وهي تسدد بنظرها إلى حضنها وتفكر في نفسها والانبهار بانٍ على وجهها: *كان حلمًا!! حلم غريب... ربما لأنني كنت أفكر بالأمر؟ لا لا... قيس... هو نفسه الشخصية التي ابتكرتها ولكن كيف؟ ألذلك تغير وجه الطبيب عندما رأى الصورة التي رسمتها له؟!!*
ثم تذكرت ما قاله قيس في الحلم "أريدك أن تتذكريني ليكون لي سبب في العودة"
فقالت شيماء تحدث نفسها بصوت مسموع وهي ممسكة بذقنها: لا أعلم، أأبحث عنه أم أسأل الطبيب أولاً؟ سأسأله وأرى ماذا سيقول
وقفت على الأرض وسارت باتجاه دورة المياه لغسل وجهها، وبعد أن غسلته رفعت رأسها وبدأت تنظر إلى وجهها المنعكس في المرآة وهي تفكر: *الملابس التي كنت أرتديها في الحلم غريبة حقًا!! من المستحيل أن أرتدِ شيئًا كئيبًا كهذا!!..*
أما أحمد، فقد عاد إلى منزله عند الساعة الواحدة قبيل الفجر، كانت جميع الأضواء مطفأة ما عدا ضوء التلفاز ينير الصالة، وكانت زوجته سارة جالسة أمامه، ولكن عندما سمعت صوت خطواته التفتت نحوه
قالت لزوجها وهي تبتسم: لقد تأخرت كثيرًا، أنت تجهد نفسك هكذا
أحمد بتعجب: أنتِ ما زلت مستيقظة؟ قلت لكِ ألف مرة لا تنتظريني إن اجتازت الساعة الحادية عشرة والنصف!
اقتربت منه سارة وأخذت من يده أمتعته وشماغه وقالت: كيف لي أن أنام وأنا بعيدة عنك؟
فابتسم لها وقال: أنت من يرهق نفسه ولست أنا، فذاك عملي وعليّ السهر عليه... كيف الأبناء؟
سارة وهي تسير مع أحمد نحو الغرفة: كالمعتاد، ناموا جميعهم عند الساعة العاشرة
أحمد: هذا جيد
عندما دخلا غرفة النوم، بدأت سارة ترتب أغراضه على المكتب، أما هو فارتدى ملابس النوم واستلقى على السرير
كان ينظر إلى ظهرها بعينين سارحتين وهي ترتب الأمتعة، ثم قال بصوت هادئ: أتعلمين؟
ردت عليه دون التفات: ماذا؟
أحمد بنفس النبرة: اليوم قابلت شيماء
التفتت نحوه سارة وقالت بشفقة: أوه... وكيف كان حالها؟
أحمد: نَسِيَتْه
سارة بتعجب: ماذا!؟
أحمد وما زال يتحدث بكل ثقل وضيق: نـ-- سِـ-- يَتْه...
سارة: كيف هذا؟ أمِنَ الصدمة؟
أحمد: ربما... وربما لا...
اقتربت منه سارة وجلست بجانبه: إذًا... هل أنتَ سعيد الآن؟
أحمد: لا أعلم... فصورته ما زالت في عقلها ولكنها تظنه من خيالها...!
سارة: هذا مريع... مسكينة هذه الفتاة... يبدو أن فقدانها له أثر عليها كثيرًا
أحمد: لكن هذا أفضل لها...
وفي صباح اليوم التالي، ذهبت شيماء إلى موعدها مع الطبيب ومعها حقيبةً كبيرةً تحوي أغلب رسماتها التي رسمتها منذ الأسبوع الماضي، دخلت عليه فرحب بها الطبيب فور دخولها
أحمد بوجه يطمئن القلوب: مرحبًا شيماء، كيف حالك؟
شيماء ولم تبدُ على ما يرام: لا أعلم... مرتبكة ومترددة قليلاً
أحمد مبتسمًا لها: خيرًا؟ ماذا حصل؟ اجلسي وأخبريني
اقتربت شيماء وجلست على الكرسي ووضعت حقيبتها الضخمة على الأرض: يا أبا يوسف... أريدك أن تخبرني عن قيس
ارتبك أحمد ولم يعرف ما يقول: *قيس!! أيعقل أنها ما زالت تفكر بالاسم عندما قلته؟! لا لا... مؤكد أنها سمعت عنه في مكان آخر*
فرد عليها بارتباك يحاول تغطيته بابتسامة زائفة: من هو قيس؟
غضبت شيماء وقالت: أنت تعرف من يكون... الشخصية التي رسمتها البارحة نفسها قيس أليس كذلك؟
أحمد: من قال لك ذلك؟
شيماء: قيس بعينه
اتسعت عيناه وتساءل والفزع في قلبه: *أيعقل هذا!*
زاد ارتباك أحمد وقام من الكرسي وضرب بكفيه الطاولة التي أمامه وسألها وهو يصرخ بخوف: قيس!! قيس ما زال حيًا!؟
تعجبت شيماء من ردة فعله المفاجئة: *لماذا كل هذا الخوف؟ إنه مجرد شاب في الرابعة عشر!!*
ولكنها ردت عليه بصوت مرتبك: لـ..لم أقابله شخصيًا ولكنه أتاني في الحلم
هدأ أحمد قليلاً وجلس على المقعد: *حلم!؟* وماذا قال لك فيه؟
ترددت شيماء في إخباره بما قاله بعدما رأت ردة فعله تلك، ولكنها أجابته من دون أن تنظر في عينيه: قال بأنه لا يستطيع العودة إلا إذا تذكرته ليكون له سبب في عودته
ارتبك أحمد واشتعل غضبه من الداخل: *يعود!؟ لا مستحيل!*
ثم أجابها وهو يحاول تهدئة أعصابه: اسمعي يا بنيتي، عليكِ أن تنسي هذا الشاب ولا تفكري في أمره
شيماء: ولكن...
قاطعها أحمد قائلاً: إذا عاد قيس فسوف يفسد الأرض
شيماء: لماذا؟
أحمد: ليس من الضروري معرفة السبب ولكن الأهم هو أن لا تفكري به
غضبت شيماء ونهضت من مكانها وبدأت بالصراخ على الطبيب: لماذا لا تريد أن تخبرني عنه؟ إنه بحاجة لي وأنا أريد مساعدته، وماذا تعني بأنه سيفسد الأرض؟ إنه مجرد طفل
قال أحمد بأسلوب تهدئة: أنتِ تقولين ذلك لأنكِ لا تذكرين من يكون...
لكن أجابته شيماء بغضب: ولكن سأتذكره وسأبحث عنه حتى أعيده
ثم خرجت من الغرفة غاضبة وأغلقت الباب خلفها بقوة، أما أحمد فقد جلس في مكانه ممسكًا برأسه بكلتا كفيه
أحمد: يا الله، ماذا أفعل بهذه الفتاة؟ إثنتي عشرة سنة وأنا أحاول علاجها... وبعدما تخلصنا من ذلك الفتى تريد أن تعيده!؟ أتمنى أن لا تتذكره أبدًا فقد تكون رؤياها حقيقة...
ثم لاحظ وجود حقيبة مستندة على الطاولة، وكانت الحقيبة التي تحوي لوحات شيماء، فحملها ووضعها على الطاولة، فتحها وأخرج جميع الصور، ورأى بأنها جميعها صورًا لقيس وبوضعيات مختلفة
صرخ أحمد: هاااااه!! جميع رسمات الأسبوع الماضي لقيس!!؟
ثم رفع رأسه وهو ممسك به بكلتا كفيه وصرخ: سوف أجن!
أما شيماء فقد عادت إلى منزلها غاضبة
شيماء: أمي، لقد عدت...
بثينة: ماذا قال لكِ الطبيب؟
شيماء وهي مقطبة الحاجبين: أماه، أخبريني من هو قيس؟
بثينة بتعجب: * لقد نسيته فما الذي ذكرها به؟*
صرخت شيماء: أمي أجيبيني!!
بثينة بارتباك شديد: وما أدراني؟ من يسمي قيس هنا؟
شيماء وهي تصرخ: أعلم أنكِ تعرفينه ولكنك لا تريديني أن أتذكره، أنتِ وأبو يوسف تعرفانه ولكن لا تريدان إخباري من يكون، ولكنني سأعرفه
وتركت المكان وهي غاضبة متجهة نحو غرفتها
بثينة: انتظري قليلاً، شيماء!
دخلت شيماء غرفتها وأقفلت الباب
بثينة بضيق: يا الله، كنا فرحين بنسيانها له كيف طرأ على بالها؟ أيعقل بأن الطبيب تحدث عنه؟ كان علي أن أخبره بأنها نسيته، حقًا إنني حمقاء
قذفت شيماء جسدها على السرير بكل قوة وخلعت خمارها: سأسأل صديقاتي اليوم في الجامعة لربما يعرفنه
ثم نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط لمعرفة الوقت وكانت الساعة تؤشر عند الحادية عشرة والنصف
شيماء بضيق وغضب داخلي: يا ربي، متى ستأتي الساعة الثانية وأذهب إلى الجامعة؟... أف
ثم بدأت تنظر إلى أحد اللوحات المعلقة على الحائط وتتسائل: *من يكون هذا الصبي؟ لا أذكر شيئًا عنه ولا حتى أني شاهدته يومًا! لكن صورته لا تفارق مخيلتي... يبدو أنه كان إنسانًا قريبًا مني كثيرًا ولكن لماذا لا يريد أحد من حولي أن أتذكره؟ أيمكن أنهم ظنوا أني مغرمة به!؟ لا مستحيل فهو مجرد طفل!! وكيف لي أن نسيته تمامًا؟!..*
ثم استلقت على السرير تنظر إلى السقف الواسع تفكر كعادتها: *ربما أحد أقربائي من جهة أبي لذلك والدتي لا تريدني أن أتذكره، ولكن لماذا الطبيب لا يريدني أن أتذكره أيضًا إذا كان هذا هو السبب؟ لا، بالتأكيد هذا ليس سببًا... عندما سألته عن قيس فزع وكأنني أتحدث عن وحش!*
ثم اتسعت عيناها متعجبة وجلست في مكانها بسرعة: *لحظة!! لو كان قيس قريب مني بدرجة عظيمة فأنا بالتأكيد أملك أشياء تخصه أو تذكرني به، منذ أسبوع أخذت أمي بعض الحاجيات ووضعتها في المخزن العلوي، أيمكن أن تكون أشياء تخص قيس!؟*
نهضت شيماء من سريرها واتجهت نحو الباب، فتحته قليلاً ونظرت عبره *الحمد لله، والدتي ليست هنا*
خرجت من الغرفة بكل خفة وبدأت تصعد الدرج المؤدي إلى المخزن وهي تمشي على أطراف قدميها لكي لا تسبب ضجيجًا فتلاحظها والدتها... دخلت المخزن وكان مظلمًا جدًا فهو لا يحتوي على أية نوافذ لينفذ منها النور، فتحت الأضواء وصعقت بعدد الصناديق الموجودة
*يا إلهي!! سأبدأ من أين؟* ثم اتجهت نحو أحد الصناديق، جلست أمامه وفتحته *لنر هذا الصندوق... اممممم... كل ما فيه مجلات وكتب* ثم لاحظت وجود رسمة لطفل وضعت داخل أحد المجلات وجزء منها قد ظهر *تبدو وكأنها رسمة من رسمات طفولتي* أخرجت الرسمة ونظرت إليها بالكامل، لم تصدق ما شاهدته وأنكرت أنها هي من رسمتها، كانت الرسمة عبارة عن ولد يمشي وهو ممسك بيد طفلة صغيرة تمشي معه، وبيدها الأخرى كانت تجر جثة من قدمها والدم ينزف منها، وكان هناك سهم يؤشر على الولد وكتب عليه "قيس" وآخر نحو الفتاة وكتب "شيماء" وكان بخط مبتدئين، أي خط أطفال
شيماء: *ما هذه الرسمة!! لا أذكر أنني رسمت يومًا شيئًا كهذا!!*
وفجأة عبرت مخيلتها لحظات ومقاطع وكأنها جزء من الماضي. كانت حينها تبلغ الخامسة من العمر وجالسة على سريرها وقيس يجلس مقابلها، وكانت تريه الرسمة التي وجدتها.
كانت تتحدث شيماء بكل بهجة وعلى وجهها ابتسامة كبيرة وأسنانها البيضاء ظاهرة وواضحة: ما رأيك بالرسمة؟
رد عليها قيس وهو يبتسم بابتسامة تقذف الطمأنينة في قلب من يراها: مهارتك في الرسم تزداد يومًا بعد يوم حبيبتي...
كان ذلك كل ما تذكرته عندما رأت تلك الرسمة البشعة، ولكنها لم تصدق ما رأته *ما هذا؟ أحقًا حدث هذا الأمر أم كان مجرد خيال؟ قيس كان معي في الغرفة... أيمكن أن... أيمكن أن يكون أخي الأكبر؟! ولكن لماذا يهابونه؟ لماذا يقولون بأنه سيفسد الأرض؟*
ثم صار وجهها جديًا *سآخذ الرسمة معي ربما تفيدني في بحثي*
..::||الفصل الثالث||::..
ذهبت للصندوق المجاور لتتفقده أيضًا *لنر ما في هذا...* وبعد أن فتحته قالت *يبدو وكأنه خالٍ من ذوات القيمة*
كان الصندوق يحوي أدوات معدنية وحادة، فلم تعتقد بأن هناك ما سيفيدها، ولكنها عندما أرادت إغلاق الصندوق لمحت شيئًا...
*لحظة!!* مدّت يدها وأخذته... كان عبارة عن سكين تغلق تلقائيًا عند لفّها ومعلق بها سلسلة طويلة وكأنها كانت تعلق على العنق ونحت عليها تاريخ ميلادها باللغة الإنجليزية (1st . JAN) –الأول من يناير-
*أظن أنها ملكي... كتب عليها تاريخ مولدي، ولكن لماذا هي هنا؟ ولماذا علقت بها سلسلة طويلة؟ أيعقل أنني كنت أعلقها في عنقي؟*
ثم مر في ذاكرتها مشهد آخر...
في منتصف الليل الدامس، وفي غرفة شيماء الصغيرة بالتحديد، كانت النافذة مفتوحة على الرغم من أن المكيفات الهوائية كانت تعمل، وبعد لحظات تسلل قيس عبرها إلى الغرفة.
قيس: مساء الخير شيماء، أحضرت معي اليوم هدية لك، أصبح عمرك اليوم خمس سنوات، كل عام وأنتِ بخير
قالت شيماء وهي فرحة بكثرة: حقًا!! *إنها أول مرة يحضر فيها قيس هدية لي* أريد رؤيتها أريد رؤيتها
ثم أخرج سكينًا من جيب ثوبه وجلس خلفها وقام بتلبيسها
ملأت السعادة قلب شيماء وقالت: وااااو إنها رائعة
ابتسم لها قيس كعادته وأجابها: دعيها معلقة في عنقك دائمًا
شيماء متعجبة: لماذا؟ ماذا سأفعل بها؟
ثم جلس قيس أمامها وأمسكها من كتفيها بكلتي كفيه الدافئتين وقال لها وهو يحدق في عينيها الناظرة إليه: قد تستخدمينها يومًا للدفاع عن نفسك
فردت عليه شيماء بتلك الابتسامة التي ملؤها البراءة: كلامك صحيح
ثم قال لها قيس بصوته الناعم: لا تخبري أحدًا بأني أنا من أهديتكِ إياها
فأجابت موافقة: حاااااضر
وانتهى ذلك المشهد الغريب الذي تذكرته، وهنا تشوشت أفكارها أكثر *ما الذي تذكرته للتو؟! هدية يوم ميلاد فتاة في الخامسة سكين؟!! ماذا كان يعني بالدفاع عن نفسي؟ أيريدني أن أقتل من يقف ضدي؟ كان آتٍ إليّ من النافذة وكأنه بالسر، لماذا؟ أي نوع من البشر كان قيس؟ يبدو طيبًا وواسع القلب ولكن لماذا يقوم بهذه الأمور؟ علي أن أتذكر كل شيء... -ثم التفتت إلى الجهة الأخرى- لنر ما في داخل كيس الملابس*
كان الكيس البلاستيكي محكم الغلق ففتحته بأسنانها، ورأت ما لا يخطر ببال *الملابس الموجودة هنا جميعها سوداء وحمراء!! ما هذا الكلام المكتوب عليه؟ جميعها جمل سلبية وكئيبة!! تبدو ملابس جديدة... أمِن الممكن أن تكون ملكي؟ ولكنني لا أحب الداكن!!*
ثم لفت نظرها أحد قمصان الرياضة
*هذا القميص!! نفسه الذي كنت أرتديه في الحلم!! هذا يعني أن هذه الملابس جميعها ملكي! الرسم الذي عليه يبدو من صنعي وليس جاهزًا... لماذا كنت أفعل هكذا بملابسي؟! ولماذا لا يمكنني التذكر؟؟!! الجملة المكتوبة عليها "Kill 2 Live" أشعر بأن لها مغزى سيوصلني إلى شيء مهم ولكن ماذا؟*
وبعدها نظرت إلى ساعة معصمها وتوسعت عيناها *يا ويلي إنها الواحدة والنصف!! متى سأصل إلى الجامعة!!؟* ثم نهضت من مكانها وأخذت بعض الأشياء التي وجدتها وكان لها أثر في تذكر مقتطفات من الماضي، ثم توجهت نحو غرفتها لترتدي ملابسها للجامعة. نزلت من الدرج وشاهدت والدتها
فقالت شيماء بابتسامة وكأنه لم يحدث خلاف بينهما منذ ساعات قليلة: أمي سأذهب إلى الجامعة الآن، مع السلامه
بثينة: كوني حذرة وأنتِ تقودين السيارة، لا نريد إلحاق أنفسنا بالضرر
شيماء: إن شاء الله
ركبت شيماء سيارتها السوداء وتوجهت نحو الجامعة، وعندما وصلت إليها دخلت بسرعة تبحث عن صديقاتها
كانت تتساءل في نفسها وهي في شدة الضيق: *أين هن؟ أحتاجهن لأمر ضروري!!* وفجأة شاهدتها صديقتها حصة وهي تتلفت يمينًا وشمالاً وكأنها تبحث عن أمر ما
فاقتربت منها حصة وسألتها بابتسامة: مرحبًا شيماء... تبحثين عن من؟
فرحت شيماء كثيرًا وقالت لها: الحمد لله أني وجدتكِ... أريد أن أسألكِ بعض الأسئلة، لنذهب إلى مكان هادئ ومنعزل
تعجبت حصة من ردها: لماذا؟ ما الأمر؟
ذهبتا إلى الكافتيريا بعد أن جرّت شيماء حصة من يدها وجلستا على طاولة منعزلة تقع في الزاوية لتبتعدان عن إزعاج الطلبة
ثم سألت شيماء بكل جدية: أخبريني بالحقيقة، هل تغيرت عن الأسبوع الماضي؟
ابتسمت حصة وردت: تريدين الحقيقة؟ تغيرتِ كثيرًا حتى كدت أن لا أصدق بأن شيماء هي التي تقف أمامي
شيماء: حقًا!؟ للأفضل أم الأسوأ؟
حصة: للأفضل بالتأكيد... ما رأيك أنتِ؟
قالت شيماء بنبرة حيرة: في الحقيقة لا أشعر بأنني تغيرت
تعجبت حصة وكان صوتها يدل على ذلك حين قالت: حقًا!! ولكن كل شيء تغير فيك، أسلوبك في الحديث ومزاجكِ ولباسكِ أيضًا، ولكن الشيء الوحيد الذي لم يعجبني في التغير الذي طرأ عليكِ هو قصة شعرك
استغربت شيماء: شعري!؟
حصة: أجل... كان طويلاً وجميلاً ولكن منذ أسبوع عندما لاحظنا التغير المفاجئ، كان شعرك بهذا الشكل
شيماء بتعجب: *هذا صحيح!! أذكر أنني كنت أبكي في منتصف الليل وأقص شعري بمفردي... لكن لا أذكر سبب بكائي، هذه التسريحة مثل تسريحة قيس تمامًا... أيمكن أنه حدث شيء مريع لقيس في ذلك اليوم!؟*
حصة: كان شعرك جميلاً وغليضًا فلماذا قصصته؟
أجابتها شيماء وعلامات الاستفهام واضحة على ملامحها: لا أعرف لماذا ولكن... أثناء قصي لشعري كنت أبكي
تعجبت حصة: تبكين؟!
شيماء: لا أذكر السبب... على أية حال سأريكِ صورة لشخص وأود أن أعرف إن كنت تعرفينه أم لا
ثم أخرجت لها أحد الرسومات لقيس وسألتها: أتعرفين هذا الفتى؟
تعجبت حصة: هاه!
ثم بدأت تضحك: ههههههههههـ حقًا إنكِ غريبة، تركتِ جميع النجوم المغنيين والممثلين وقمتِ برسم هذا الفتى؟ حتى وإن كان وسيمًا لا يستحق هذا الاهتمام
هنا استغربت شيماء وتحمست وسألتها بصراخ: أتعرفينه؟!
لم تعرف حصة سبب حماس شيماء ولكن ردت عليها: كيف لي أن ألا أعرفه وقد انتشرت قصته في الصحف الأسبوع الماضي...؟ نسيت اسم الفتى... امممم... كان غريبًا... أظن أنه قيس؟
هنا علا صوت شيماء أكثر وقالت: تعرفينه!! أخبريني من يكون!!!
حصة متعجبة: *لماذا متحمسة كثيرًا؟* الآن أنت من رسمته ولا تعرفين من يكون؟
شيماء: أرجوكِ أجيبي عن سؤالي
حصة: حسنًا حسنًا سأخبرك بما أعرف ولكن اهدئي، هذا الفتى...
وبعد الدوام الجامعي، عادت شيماء إلى المنزل الساعة الخامسة والنصف قبيل المغرب وجلست على الإنترنت تبحث عنه وهي تفكر *مستحيل!! الكلام الذي سمعته عن قيس لا يعقل!! كلها إشاعات... الحل الوحيد لأعرف عنه هو أن أبحث عنه بنفسي. لا يمكن لإنسان مثل هذه الصفات التي وصفها الناس يغزو قلبي. حتى تسريحة شعري قمت بتغييرها دون أن أشعر فقط لأصبح مثله!! إنه بالتأكيد إنسان آخر ولكن يجهله الناس*
وهي تتصفح الشبكات وجدت موضوعًا عنه!!
شيماء: وجدته!!
ولكن عندما قرأت الموضوع: *ما كتب هنا نفسه الذي قالته لي حصة... لن ينفعني* وبعد دقائق لفت نظرها موقع إنترنت آخر *هذا الموقع يبدو قديمًا جدًا... لنر ما محتواه...*
دخلت الموضوع وقرأته بالكامل ومن ثم... *تذكرته!! تذكرت كل شيء!!*
..::||الفصل الرابع||::..
*كانت البداية منذ ثلاث عشرة سنة مضت، في فصل الشتاء*
كانت شيماء حينها تبلغ أربع سنوات، أو اقتربت من إكمال الخامسة، وكانت جالسة في غرفتها بمفردها على السرير في منتصف الليل بعد الساعة الواحدة والنصف، وفجأة سمعت صوت خطوات من الشرفة! ثم فتح أحدهم النافذة ليدخل!! كان الهواء باردًا جدًا في الخارج فعندما فُتحت النافذة دخل الهواء البارد إلى الغرفة، فاقشعر جسدها ولكنها لم تخف أبدًا،
فقط سألت والبراءة واضحة على وجهها: من هناك؟
فدخل فتى يقدر له العمر أربع عشرة سنة، كان يرتدي ثوبًا أبيضًا وكان ذو بشرة بيضاء، وشعره أسودًا ناعمًا حريريًا ويملك عينين زرقاوتين فاتحتين، وكان جميل الوجه فيه من الملامح العربية والغربية في نفس الوقت...
أجابها وابتسامة حنونة مرسومة على شفتيه: مرحبًا شيماء... أنا قيس
فتعجبت شيماء وسألته بكل براءة: كيف لك أن تعرف اسمي؟ أنا لم أسمع بك قط؟
فأجابها قيس وما زال مبتسمًا: أعلم أنكِ لا تعرفينني ولكنني أعرفكِ جيدًا
مد قيس يده لها وقال: ما رأيك أن نصبح صديقين؟
تعجبت شيماء وسألت: صديقين!؟ أحقًا سنصبح صديقين؟
جلس قيس مقابلاً لها على السرير وأمسك بكفه الدافئة وجهها البارد وقال: أجل... لماذا الحيرة، ألا تصدقين؟
أجابته شيماء: لا ولكن متعجبة
قيس: ولِمَ التعجب؟
شيماء: لأنها أول مرة يطلب مني أحد مصادقتي
فرد عليها: إذًا فأنتِ وحيدة مثلي فلماذا لا نصبح نحن الاثنين صديقين؟
فرحت شيماء وحركت رأسها ونزل شعرها الطويل على وجهها وقالت: حسنًا
قيس: سوف آتيك كل ليلة
شيماء: حسنًا
قيس: الآن أليس علينا التعرف على بعضنا أكثر؟
سألته شيماء مرة أخرى بكل براءة كالمعتاد: ماذا تعني؟ نحن نعرف بعضنا البعض الآن فأنا أعرف اسمك وأنت تعرف اسمي...!!
قيس: لا... أعني أنه عليّ أن أكون على علم بما تحبين وتكرهين وما يخيفك أو يسعدك، وأنتِ أيضًا يجب أن تعرفي هذه الأشياء عني، فالأصدقاء لا يخفون شيئًا عن بعضهم... لنبدأ باللون، ما هو لونك المفضل؟
ردت عليه بابتسامة عريضة: أنا أحب الأزرق
قيس: ولماذا تحبين اللون الأزرق؟
فكرت شيماء قليلاً ثم قالت وبكل طفولة: لأنه لون السماء والبحر
فأجابها قيس بسؤال حيرها: وهل ترين البحر والسماء شيئين مهمين في حياتك؟
لم تعرف كيف تجِبه على سؤاله فسألته بالمقابل: إذًا أي لون تفضل أنت؟
قيس: أفضل اللون الأحمر
شيماء: ولماذا الأحمر بالذات؟
قيس: لأنه لون الدم
قالها وبنفس الابتسامة الرقيقة المرتسمة على شفتيه!!
فسألت شيماء قيس السؤال نفسه الذي لم تستطع الإجابة عليه: ولماذا تحب الدم؟
قيس: لا أحد يستطيع العيش بدون دم
شيماء: ولكن لماذا لا تحبه لأنه لون الزهور؟
قيس: أولاً يوجد من الزهور ألوانًا عديدة، وثانيًا لأن لونها ليس أصليًا... ألا تصبح بنيّة اللون وتذبل بعد فترة؟
شيماء: هذا صحيح
قيس: ولكن الدم مهما سرى في جسدك وترعرعتِ وكبرتِ لن يتغير لونه
شيماء: أتعلم... أنت ذكي حقًا
ثم سألت وهي مبتسمة: حسنًا قل لي ماذا تفضل من ألعاب؟
قيس: أنا لا أحب اللعب
شيماء: لماذا؟
قيس: لأني لا أجد لعبة مسلية
شيماء: إذًا ماذا تفعل عندما تشعر بالفراغ؟
قيس: أقتل
شيماء متعجبة: تقتل؟ تقتل ماذا؟
قيس: البشر
فسألت بتعجب ولم تخف مما قاله: ولماذا تقتل الناس؟ أأنت إنسان سيء؟
قيس: لا أنا لست سيئًا، ولكن، إن كنتِ تملكين أبًا قاسيًا دائمًا يضربك ويعذبك بغير سبب ألن تتمني له الموت؟ ألا يستحق الموت؟
شيماء: بلى ولكن لا يوجد آباء بهذا الشكل
قيس: بل يوجد يا عزيزتي ولكنكِ تجهلينهم، أنا أقتل هذا الصنف من البشر، الناس السيئين
شيماء: فقط تقتل هذا النوع؟
قيس: لا، يوجد أنواع عديدة من الناس الطغاة والمجرمين ولكن لا يوجد الوقت الكافي لأعددهم لكِ الآن
شيماء: لماذا لا نملك الوقت؟ لدينا وقت طويل حتى الغد
قيس: لا يا عزيزتي فأنتِ تحتاجين إلى النوم الآن وسآتيك غدًا... أنا ذاهب الآن
سار قيس متجهًا نحو النافذة ليخرج عبرها كما دخل
فسألت شيماء بحيرة: لماذا لا تخرج من الباب الأمامي؟
قيس: أفضّل الخروج من النافذة، فهنا المتعة
قالت شيماء بابتسامة: حسنًا ولكن تعال إلى هنا غدًا
قيس: كما تأمرين، مع السلامة يا حلوة
شيماء مبتسمة: مع السلامة
وفي صباح اليوم التالي، بينما كانت الشمس تتوسط السماء وتنيرها، كانت شيماء ما زالت في سباتها حتى أتت الساعة العاشرة والنصف، فدخلت عليها والدتها الغرفة ووجدتها نائمة، ففتحت الستائر ليدخل النور
نادتها والدتها بصوت عالٍ: شيماء استيقظي لماذا أنتِ نائمة حتى هذا الوقت؟ لقد عدت من عملي وأنت ما زلت نائمة؟
نهضت شيماء وجلست في مكانها تفرك عينيها: أمي دعيني أنام قليلاً
بثينة: لا، يكفيك نومًا
بدأت شيماء تفكر بما جرى لها في الليلة الماضية وكيف تربطه بحالها الآن: *إنه الصباح، لماذا؟! أكان حلمًا؟ إن لم يكن كذلك فإن قيس سوف يأتيني هذه الليلة أيضًا فعلي أن أنام كثيرًا حتى أستطيع البقاء معه وقت أطول*
ثم استلقت مرة أخرى على السرير وغطت وجهها الصغير لتعود مرة أخرى إلى النوم، فبدأت بثينة تحاول سحب الفراش عنها ولكنها كانت ممسكة به بقوة
بثينة بعتاب: استيقظي شيماء، على الأقل تناولي فطوركِ
شيماء بتذمر: لا أريد لا أريد، أريد النوم
وبعد إلحاح من والدتها قامت من فوق السرير متجهة نحو المطبخ لتأكل رقائق الذرة مع الحليب
ظلت شيماء جالسة في المطبخ تشعر بالملل والفراغ الشديد: *أففففف عاد الملل مرة أخرى، أتت والدتي لتيقظني ومن ثم خرجت وتركتني إذًا لماذا أيقظتني؟ تريدني أن أبقى وحيدة وأشعر بالملل. متى سأذهب إلى المدرسة ويكون لي أصحاب كُثُر؟ ولكن الآن لدي قيس فنستطيع اللعب سويًا ليلاً، ولكنه قال بأنه لا يحب اللعب، ربما لأنه لا يملك أحدًا يلعب معه؟ لدي فكرة!*
ذهبت شيماء إلى غرفتها الزهرية، واستلقت على بطنها على الأرض وبدأت ترسم بالألوان في كراستها *سأريه هذه الرسمات ربما يكون من محبي الرسم*
وبعد أن انتهت من الرسم أخذت الصور وخبأتها في الدرج المجاور للسرير *سوف أحتفظ بهم حتى الليل وأتمنى أن يأتِ قيس هذه الليلة*
..::||الفصل الخامس||::..
عندما أتى الليل لتطغي ظلمته على شوارع الحي، جاء قيس لزيارتها من النافذة في تمام الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق
ألقى عليها التحية بابتسامة تنبع منها الروح: مساء الخير شيماء
فرحت شيماء ونهضت من مكانها جارية نحوه: أتيت اليوم يا قيس!؟
ذهبت عنده وأمسكته من ذراعة فبدأ يمسح على رأسها بكفه الناعمة الدافئة وقال لها متبسمًا كعادته: ألم أقل لكِ أنني سآتيك كل ليلة؟
أجابته شيماء والسعادة تملأ قلبها: أجل ولكن مع هذا خفت أن يصيبك ظرف ولا تأتي
قيس: لا، لا تخافي سآتيك كل ليلة، فهل لي غيرك؟
ثم أمسكته من يده بكفيها الصغيرين وبدأت تجره نحو السرير: كنت أنتظرك لأريك شيئًا
قيس: أها... وماذا سترينني؟
ذهبت شيماء وفتحت الدرج وأخرجت الرسمات وأعطتها لقيس: انظر، رسمتهم لك... أأعجبوك؟
قال لها قيس بنبرة صادقة مفرِحة: واااااو رسمك رائع... أنا لا أستطع رسم زهرة حتى
ثم جلس على السرير معها وبدأ يمرر بين الأوراق
قالت له شيماء بحزن: أوووه... كنت أفكر بأننا سوف نرسم سويًا اليوم
ذهبت خلفه وهو ينظر إلى الرسمات وبدأت تشاهدهم معه وهي متعلقة على ظهره
شيماء: أيهم أعجبتك أكثر؟
قيس: اممممم... دعيني أرى
كانت شيماء قد رسمت خمس رسمات (رسمت نفسها / قيس / بيت / سمكة / ورسمة وهي تضم أمها)
أشار قيس على صورته وسأل: هذا الصبي هو أنا، صحيح؟
شيماء: أجل
قيس: يشبهني كثيرًا، رسمك جميل حبيبتي
شيماء: شكرًا
قيس: وهذه الفتاة هي أنتِ؟
شيماء: أجل
قيس: ولكن من هذه التي تضمك في الصورة الأخرى؟
شيماء: إنها أمي
قيس: لماذا رسمتها هكذا؟ أهي تضمك دائمًا؟
تغيرت ملامح شيماء ونهضت عن ظهره وقالت بضيق: أمي مشغولة دائمًا لأني لا أملك أبًا فلا تملك الوقت الكافي لتجلس معي... لا أذكر حتى متى كانت آخر مرة ضمتني فيها ولكنني لا أعلم لماذا رسمت هذه الرسمة
قيس: أها... أتعلمين، جميع الصور رائعة ولكن في نظري هذه هي الأفضل
شيماء: ولكنني أرى السمكة أجمل؟
قال قيس بكلمات تخرج من الفؤاد: كلما كانت الرسمة تعبر عمّا في داخلك زاد جمالها، في نظري أفضل رسمة هي التي ظهرتي فيها تضمين والدتك لأنها عبرت عن مشاعرك ورغبتك في هذا الشيء والثانية هي عندما رسمتني، على الرغم من أنك رأيتني مرة واحدة في حياتك أتقنتِ الرسم، أما رسمتا البيت والسمكة فأظنها مجرد زيادة للعدد لا غير
شيماء: ماذا تعني بزيادة للعدد؟
قيس: لا يهم انسي الأمر
عم الهدوء المكان لبضع لحظات. كانت شيماء مطأطأة رأسها وبان عليها الحزن، امتلأت عيناها بالدموع فلم يحتمل قيس منظرها
قيس: ما بك يا شيماء؟ أما زلت حزينة لأن والدتك مشغولة عنكِ دائمًا؟
ومن ثم أمسك بذقنها ورفع رأسها فجعلها تنظر في عينيه الزرقاوتين، وبدأ ينظر في عينيها المليئتين بالدموع ولكنها تحاول كتمانها
فقال قيس محاولاً التخفيف عنها: أمك تحبك حتى وإن لم تقضِ وقتها معكِ
شيماء بصوت متقطع: ولكنني دائمًا لوحدي وأشعر بملل شديد
قيس: لن تشعري بالملل يا غاليتي طوال فترة بقائي معكِ
شيماء: ولكنك لا تأتي إلا ليلاً
قيس: لا بأس، فكلاً يحتاج إلى قضاء نصف يومه بمفرده لأنك بالتأكيد تملكين أشياء خاصة لا تريدين فعلها برفقة أحد، وإن شعرت يومًا بالملل فشاهدي التلفاز أو ارسمي أو العبي بأي لعبة تحبينها
ومن ثم فتح ذراعيه وقال بصوته الهادئ الخارج من ثغره المتبسم: تعالي إلى حضني، إن كنت قد فقدتِ الحنان من والديك فبإمكانكِ أخذه مني
ظلت شيماء في مكانها متعجبة لا تفهم ما يقوله: *ما معنى هذا الذي قاله؟!*
أخذ قيس بيدها وسحبها إليه ومن ثم ضمها إلى صدره وقال لها: جسمكِ باردٌ يا حبيبتي لماذا لا ترتدين ملابس نوم بأكمام طويلة؟
شيماء: أمي ألبستني هذه بعد أن حممتني *جسمه دافئ جدًا على الرغم من برودة الجو!!*
قيس: أخبري والدتك بأن الجو بارد وأنك تشعرين بالبرد فعليها أن تلبسك ملابس سميكة وطويلة *أم مهملة*
رفعت شيماء رأسها ونظرت في وجهه وقالت: حسنًا سأخبرها
بقيت قليلاً في حضنه وهو يضمها ويلعب بشعرها، ومن ثم رفعها عن حضنه ووضعها على السرير
قيس: حسنًا أنا ذاهب الآن
لم تشأ شيماء فراق ذلك الحضن الدافئ، شعرت وكأنها لحظات لن تتكرر، بدأت تنظر إلى ظهره وهو يغادر ولكنها أوقفته بصوتها فالتفت نحوها وهي تقول: انتظر لحظة!! لدي سؤال... أنت أكبر مني بكثير فلماذا اخترتني بالذات لتصادقني ولم تذهب إلى أحد في نفس عمرك؟
قيس بابتسامته المعتادة: سوف أخبرك بعد تعمق علاقتنا أكثر
شيماء: لماذا لا تنام معي الليلة؟
قيس: لا أستطيع يا عزيزتي فلدي عمل أقوم به، سأحاول في يومٍ آخر
فتح النافذة ولوح بيده يودعها: أراكِ غدًا، إلى اللقاء
شيماء بحزن: مع السلامة
خرج وقفز من الشرفة، فتساءلت شيماء متعجبة: *كيف له أن يأتِ ويخرج من الطابق الثاني؟!*
*قيس كان أول من جعلني أشعر بأني لست وحيدة في هذا العالم وكان أول وآخر صديق أمين عرفته طوال الفترة التي عشتها وهو الذي أعطاني الحنان الذي فقدته من أمي وأبي...*
..::||الفصل السادس||::..
بعد ثلاثة أشهر من زيارة قيس لشيماء يوميًا، أتى قيس كعادته لزيارتها عند قدوم الليل
جرت شيماء نحوه بلهفة لتضمه: قيس! لقد تأخرت قليلاً لماذا؟
قبل أن تصل إليه أمرها قيس بالتوقف: لا تقتربي أكثر وإلا اتسختِ
كان ثوبه أحمر اللون من كثرة الدماء الملطِّخة له، فقالت شيماء بإحباط: أووووه، أتيت اليوم وثوبك ملطخ بالدماء أيضًا؟
فرد عليها قيس بابتسامة: آسف يا عزيزتي
ثم سألته بابتسامة طفولية: حسنًا قل لي، كم قتلت اليوم؟
قيس: قتلت اليوم إثنين فقط
شيماء: حقًا!! رااائع، ما هي أسماؤهم وماذا فعلوا لتقتلهم؟
ثنى قيس ثوبه للأعلى وربطه حتى لا تتسخ الأرض عند جلوسه، ثم جلس بعيدًا عن شيماء بقرب النافذة واستند للجدار وبدأ بالقص عليها
قيس: الأول اسمه خالد وقد قتلته لأنه كاد أن يعتدي على فتاة وكانت تستنجد فساعدتها
شيماء وبكل براءة: ما معنى يعتدي عليها؟
قيس: ستعرفين عندما تكبرين
شيماء: حسنًا، والآخر
قيس: رجل يدعى جابر، قتل ابنته الصغيرة وكاد أن يقتل زوجته أيضًا ولكنني منعته
شيماء بحزن: ولماذا قتلها؟
قيس: سكّير ولا يشعر بنفسه
شيماء: وما معنى سكير؟
قيس: عصير ذو رائحة كريهة إذا شربه البشر ضاعت عقولهم ويبدؤون بالقيام بأعمال عشوائية وشاربين هذا الشراب يسمونهم سكيرين
شيماء: إذا كان يفعل بهم هكذا فلماذا يشربونه؟
قيس: لأنهم متخلفين... على أية حال، غدًا سيكون يومًا مميزًا
شيماء متعجبة: لماذا؟
قيس: سيصبح عمرك خمس سنوات، ألا تعرفين؟
فرحت شيماء وشبكت أصبعها أثناء كلامها: حقًا؟! هذا يعني أنني سأكبر!!
قيس: أجل، ألا تعرفين هذا؟
شيماء: لا... فأمي لم تخبرني
قيس: حسنًا سأتركك الآن لتنامي
شيماء بإلحاح: لا، أريدك أن تبقى معي!!
قيس وهو يبتسم لها: كما تشائين، سأبقى بجوارك حتى قريب الفجر
شيماء: لماذا لا تبقى إلى أن تنهض أمي من نومها؟
قيس: لا أستطيع، فلدي عمل أقوم به
شيماء: وما هو العمل؟
قيس: سأخبركِ فيما بعد
أشرقت الشمس وشيماء ما زالت نائمة كعادتها، فبعد تعرفها على قيس قلبت النهار ليلاً والليل نهارًا، ففي هذه الأثناء، كانت بثينة والدة شيماء جالسة في غرفة المعيشة مع جارتها تتحدثان
الجارة: لم تقولي لي ما الذي حصل لابنتك؟! كلما آتي لزيارتكِ لا أراها!!
بثينة بضيق: لا أعلم، فأنا أخاف عليها كثيرًا فهي تنام طوال النهار
الجارة: وماذا عن الليل؟
بثينة: أذهب إلى غرفتها قبل نومي وأراها نائمة أيضًا، لا أعلم إن كانت تستيقظ في الليل أم لا
الجارة: ابنتك تشعر بالوحدة فلماذا لا تتزوجين مرة أخرى لتنجبي لها شقيق أو شقيقة؟
بثينة: لا أريد التزوج وأتعب حالتها النفسية، فربما لا تتقبل الوضع
الجارة: إذًا ستتركينها هكذا؟
بثينة: لا بأس فقد اعتادت على الوضع...
حتى الأن لم تدرك بثينة ما يجري لابنتها كل ليلة، فهي امرأة لا تجد وقتًا تتفرغ فيه لشيماء، فتارة في الخارج للعمل وتارة تؤدي أعمال المنزل... وعندما أتى الليل، دخل قيس من النافذة وبانت عليه الفرحة
قيس: مساء الخير شيماء، أحضرت معي اليوم هدية لك، أصبح عمرك اليوم خمس سنوات كل عام وأنتِ بخير
شيماء فرحة: حقًا!! *إنها أول مرة يحضر فيها قيس هدية لي* أريد رؤيتها أريد رؤيتها
ثم أخرج تلك السكين من جيب ثوبه وجلس خلفها على السرير وقام بتلبيسها
شيماء بسعادة تامة: وااااو إنها رائعة
قيس: دعيها معلقة في عنقك دائمًا
شيماء متعجبة: لماذا؟ ماذا سأفعل بها؟
ثم جلس قيس أمامها وأمسكها من كتفيها بكلتا كفيه وقال لها وهو يحدق في عينيها الناظرة إليه: قد تستخدمينها يومًا للدفاع عن نفسك
فردت عليه شيماء بتلك الابتسامة التي ملؤها البراءة: كلامك صحيح
ثم قال لها قيس بصوته الناعم: لا تخبري أحدًا بأني أنا من أهديتكِ إياها
شيماء: حاااضر... ولكن والدتي لن تسمح لي بأن أحمل معي سكينًا
قيس: لا تدعيها تكشف أمرها، دعيها دائمًا تحت ردائك
شيماء: وإن شاهدتها أثناء تحميمي؟
قيس: بإمكانكِ خلعها قبل موعد الاستحمام، لا بأس
ثم أمسكت بالسكين بكفها الناعمة وبدأت تنظر إليها محاولة معرفة ما المكتوب عليها فسألته: ما هذا الذي كتب عليها؟
قيس: إنه تاريخ مولدك، الأول من يناير
شيماء: أهذا يعني أنني سأكبر كلما أتى هذا التاريخ؟
قيس: أجل يا حبيبتي
شيماء: حسنًا وما هو تاريخ مولدك؟
قيس: ستعرفين كل شيء عندما تكبرين
شيماء: لماذا لا تخبرني الآن؟
قيس: لم يأتِ الوقت المناسب لإخبارك
شيماء: ومتى سيأتي الوقت المناسب؟
قيس: عندما يلاحظ الجميع التغير الذي طرأ عليك بعد تعرفك علي
لم تفهم شيماء ما يعنيه: هاه!!
ثم نظر قيس إلى الساعة المعلقة على الحائط وكانت الثالثة والخمس دقائق، فتغيرت ملامحه وارتبك: *الساعة الثالثة فجرًا!!*
ثم ابتسم مرة أخرى ونظر إلى شيماء وهو ممسك بوجهها: حبيبتي علي المغادرة الآن لدي عمل
أمسكت شيماء بذراعه متعلقة به لكي لا يذهب عنها وقالت والدموع تتجمع في عينيها: اجلس معي قليلاً فأنت أتيت متأخرًا
قيس: أعدك أن لا أتأخر مرة أخرى
كادت شيماء أن تبكي: فقط خمس دقائق
قيس: آسف حبيبتي ولكن لدي عمل مهم
شيماء: ما هذا العمل الذي لا يأتي وقته إلا الفجر؟
قيس: أقرأ كتبًا
شيماء: تقرأ؟! تستطيع القراءة وقت آخر
قيس: لا أستطيع القراءة سوى في هذا الوقت سأخبرك التفاصيل فيما بعد علي المغادرة الآن
شيماء بتذمر: دائمًا تقول فيما بعد
قيس محاولاً التخلص بأسرع فرصة: إلى اللقاء
ثم تركها هاربًا بسرعة، أما شيماء فجلست على الأرض مستاءة
شيماء: *دائمًا أسمع الكلام نفسه، أشعر أنه يخفي عني أشياء كثيرة ولا يريد الإفصاح عنها، متى سيأتي اليوم الذي سأفهم قيس جيدًا؟ أتمنى لو أنه يجلس معي طوال اليوم*
..::||الفصل السابع||::..
وبعد ستة أشهر، كفلت بثينة سائقًا ليتكفل هو والخادمة بأخذ شيماء إلى الروضة. وفي المساء كانت شيماء جالسة في حضن قيس وتتحدث معه
شيماء بفرحة: غدًا سيكون أول يوم للدوام المدرسي
قيس: إنك تكبرين بسرعة يا عزيزتي، من سيأخذك إلى الروضة؟
شيماء: بما أن دوام عمل والدتي يصادف موعد المدرسة فسأذهب مع الخادمة والسائق
قيس: إذًا يجب عليك النوم مبكرًا لكي لا تنامين في الفصل
شيماء: لا، لا بأس، سأنام فور عودتي
قيس: أتعنين أنكِ لا تنامين بعد مغادرتي لك؟
شيماء: لا، فأنا أبقى مستيقظة حتى الظهيرة
قيس: بما أن نظامك هكذا فسأبقى معكِ...
ثم قال لها ليتم فرحتها: بما أنكِ لا تنامين فور مغادرتي فلماذا لا أقوم أنا بتسريح شعرك للمدرسة؟
نهضت شيماء من فوق حضنه فرحة وجلست مقابلة له تتحدث: حقًا!! هل تعرف كيفية عمل الضفيرة؟
قيس: أجل بالتأكيد، أتريدينها؟ إذًا اجلسي في حضني سوف أسرحها لك
أحضرت شيماء المشط وهي تقفز وعادت لتجلس في حضنه فبدأ يمشطها
شيماء: قيس،. هل تملك إخوة أو أخوات أصغر منك؟
قيس: لا، لا أملك صغارًا ولا كبارًا
شيماء: ألا تشعر بالملل وأنت وحيد في المنزل؟
قيس: لا، قلت لك طوال فترة وجودي بعيدًا عنكِ أقرأ الكتب، وفي الليل قبل مجيئي إليك أقتل بعض المجرمين أحيانًا أو بعد مغادرتي إذا غادرت مبكرًا
قالت شيماء وهي مبتسمة فقد أصبح شعور الوحدة مألوفًا لديها: أنا من دونك أشعر بالملل وإن كنت أتسلى بشيء ما لا أشعر بالفرح كما عندما أكون معك
قيس: لا بأس، الآن ستذهبين إلى المدرسة وستكونين صداقات كثيرة
وبعد ما انتهى قيس من تسريحه شعرها قال: انتهيت
فنهضت شيماء من حضنه مسرعة وبدأت تنظر إلى صورتها المنعكسة في المرآة، وسعدت جدًا بشعرها: شكرًا، سأخبر الجميع بأنك أنت من سرحها لي لأن الناس يقولون بأن الصبيان لا يعرفون تسريح شعر الفتيات
وبعدها ضم قيس شيماء بقوة وكأنه لا يريد فراقها، وكانت ملامحه كئيبة وتدل على الوحدة، لكنها لم ترَ تلك الملامح، ثم ابتسم مرة أخرى لكي لا تشاهد ذلك التعبير وتركها وبدأ ينظر في وجهها قائلاً: حسنًا حبيبتي علي المغادرة الآن
شيماء: أتعلم؟ لو أن لك أختًا صغرى لأحبتك كثيرًا، ليتني أختك
قيس: وأنا أتمنى لو أنكِ أختي أيضًا... لو كان لدي أخت لما حدث ما حدث
شيماء متسائلة: لماذا؟ ما الذي حدث؟
قيس: سأخبركِ عندما تكبرين قليلاً
ثم تركها مودعًا ولكن هذه المرة تركها وشيماء سعيدة ومتلهفة للدوام المدرسي، لا تعرف ما الذي سيلحق بها بعد خروجها من المنزل كل يوم إلى المدرسة، وما يخبئ لها القدر، وعندما أتت الساعة السادسة والنصف، كانت الخادمة تنادي شيماء
الخادمة: أسرعي شيماء سنذهب إلى المدرسة الآن
شيماء: حسنًا، أنا قادمة
ركبتا السيارة وبدأت شيماء تتساءل والابتسامة لم تفارق وجهها منذ ركوبها حتى وصولها: *كيف سيكون شكل المدرسة؟ هل حقًا سأجد أناس يحبونني؟ هل سيكون هناك أولاد وبنات بعمر قيس أم فقط بعمري؟ قيس قال بأنني سأكوّن صداقات كثيرة هنا وهذا ما أريده، لا تهمني أعمارهم*
وصلت شيماء إلى الروضة ودخلت من الباب الرئيسي لوحدها، وهي تمشي في الساحة شاهدتها مدرستين وبدأتا تتحدثان عنها
نعيمة: انظري إلى تلك الفتاة... اسمها شيماء، أوصتنا والدتها عليها
شيخة: لماذا توصينا؟ ألا نعرف عملنا؟
نعيمة: لا ولكن والدتها مطلقة من زوجها فهي لا تملك أبًا منذ صغرها وهي دائمًا تجلس بمفردها لأن والدتها مشغولة عنها طوال الوقت، فهي تخشى أن ابنتها لن تتأقلم مع الناس
شيخة: فهمت... حقًا إنها مسكينة
ثم ذهب نعيمة إلى شيماء وانخفظت لها لتحدثها
نعيمة: صباح الخير حبيبتي شيماء كيف حالك اليوم؟
فسألت شيماء بتعجب: كيف تعرفين اسمي؟
نعيمة: من منا لا يعرف شيماء الحلوة؟ لنذهب سويًا إلى الفصل لنلعب معًا
فرحت شيماء وقالت: ماذا سنلعب، ماذا سنلعب؟!
نعيمة: أي شيء تحبينه
شيماء: إذًا لنرسم سويًا
نعيمة: سوف تكون هناك حصة خاصة للرسم
بدأت شيماء تلعب في الساحة بكل براءة وهي تنتظر الساعة التي ستمسك بها الألوان لتبدأ رسم ما يدور في خاطرها، كانت تلعب في بادئ الأمر على انفراد، ولكن عندما رأت الأطفال وهم يلعبون سويًا، انضمت إليهم. وفي حصة الرسم...
نعيمة ببشاشة: هيا يا صغاري، كل واحد منكم يمسك باللون الذي يفضله وستجدون أمامكم أوراق بيضاء لترسموا فيها أكثر شيء تحبونه لكي نستطيع فهمكم أكثر
أمسك جميع الطلاب أقلامهم وبدؤوا يخربشون على الورق، منهم من رسم شيئًا مفهومًا ومنهم من لم يستطع رسم شيء سوى الخطوط العشوائية، فبدأت نعيمة تمشي بين الطلاب وترى رسماتهم
أحد الفتيات: مدرّستي انظري، لقد رسمت زهرة باللون الوردي
أحد الفتيان: وأنا رسمت البحر... أحب الذهاب إلى الصيد مع والدي
نعيمة: ما شاء الله، رسمكم رائع جدًا
ثم نظرت إلى شيماء من الخلف وهي ترسم وذهبت من خلفها لترَ اللوحة
نعيمة: ماذا عنكِ يا شيماء؟ ما الذي رسمتِه؟
شيماء بابتسامة ملؤها البراءة: أوه، لقد أنهيتها للتو انظري إليها
ثم مالت قليلاً إلى الجنب لتدع المدرّسة ترى الرسمة، لم تصدق نعيمة ما رأته، فزاد خفقان قلبها وشعرت بارتباك قليل، وقالت محدثة نفسها: *ما هذه الرسمة التي رسمتها هذه الطفلة!!*
وبعد أن انتهى وقت الدرس ذهبت نعيمة لتتصل بوالدة شيماء فورًا وكان ارتباكها قد زاد ومزاجها قد تعكّر، فاتصلت بهاتفها النقال وقامت الوالدة بالرد عليها
نعيمة: السلام عليكم... أ..أم شيماء؟
خافت بثينة وقالت: وعليكم السلام، أجل أنا والدة شيماء هل حدث مكروه لابنتي؟
نعيمة: أريدكِ أن تأتِ أنتِ لاصطحابها هذا اليوم فأود أن أناقشك في موضوع
خافت بثينة أكثر وقالت: لماذا؟ ما الذي حصل لشيماء!؟
نعيمة محاولة التخفيف من ورعها: لا تخافي، فالموضوع ليس بتلك الخطورة ولكن نريد منك الحضور
أغلقت نعيمة الخط بعدما وافقت بثينة على المجيء، وقبل انتهاء الدوام بدقائق ذهبت إلى المدرسة ودخلت غرفة المدرسات لتقابل مربّية فصل شيماء ألا وهي نعيمة
بثينة: السلام عليكم
المدرسات: وعليكم السلام ورحمة الله
بثينة: أنا والدة شيماء...
نعيمة: أوه أهلا... تفضلي بالجلوس
جلست بثينة على الكرسي وجلست نعيمة مقابلة لها وبدأت تتحدث
نعيمة: آسفة على الإزعاج ولكن يوجد أمر مهم يخص ابنتك ولا أعلم إن كنتِ تعرفين عنه أم لا
بثينة بخفقان قلب سريع: أخبريني بسرعة ما الأمر، لقد أفزعتني!!
نعيمة: إنه ليس بتلك الخطورة، كل ما حدث هو...
وبدأت تقص عليها ما حدث...
عندما ذهبت نعيمة لتشاهد ما رسمته شيماء
نعيمة: ماذا عنكِ يا شيماء؟ ما الذي رسمتِه؟
شيماء: أوه، لقد أنهيتها للتو انظري إليها
ثم مالت قليلاً إلى الجنب لتدع المدرّسة ترى الرسمة، كانت شيماء قد رسمت سكينها التي أعطاها إياها قيس وباللون الأحمر، وكانت السكين ملطخة بالدماء وما حولها
نعيمة بدهشة وارتباك: ما هذا!!؟؟
شيماء: إنها سكين وملطخة بدماء المجرمين... هل أضيف بقع أخرى؟
وبدأت ترسم بقع باللون الأحمر
شيماء: سأضع بقعة هنا.. وهنا.. و...
ثم جلست نعيمة بجانبها، وأمسكت شيماء من كتفيها، وغيرت هيئتها لتقابلها، وقالت بشفقة: لماذا قمتِ برسم صورة كهذه؟!!
شيماء وما زالت مبتسمة: لأنك قلتِ أن علينا رسم ما نحبه وبلوننا المفضل
نعيمة: ولماذا تحبين السكين واللون الأحمر؟!
شيماء: لا أستطيع إخبارك عن سبب حبي للسكين فهو سر، أما اللون الأحمر فهو لون الدم
لم تستطع نعيمة الرد عليها، فظلت واقفة عاجزة تنظر إلى ظهر شيماء بكل أسى
وبعد أن قصت نعيمة ما حدث على والدة الطفلة انهارت بثينة باكية
بثينة: لا أصدق أن ابنتي تفعل شيئًا كهذا
نعيمة: أنا لا أعرف أسرار العائلة ولا أود التدخل ولكن ابنتك تحتاج إلى رعاية خاصة واهتمامًا أكبرًا، لا أود مضايقتك ولكن إن كانت ابنتك لا ترَ أن ما فعلته خاطئًا فأظنها تحتاج إلى علاج نفسي فلم أقابل يومًا طفلة لها تفكير مثل ابنتك!! أرجوا أن هذا الكلام لم يضايقك
بثينة: لا أبدًا... سأحاول... على الرغم من أنني لا أعرف أطباء نفسيين
نعيمة: سأبحث معكِ عن واحدًا جيدًا، فهذا واجبي كمربيتها
..::||الفصل الثامن||::..
خرجت والدة شيماء من غرفة المدرسات واتجهت نحو فصل ابنتها، دخلت الباب ولم ترَ سوى القليل من الأطفال ومن بينهم ابنتها
نهضت شيماء من مكانها وجرت نحو والدتها: أمي، لماذا تأخرتِ؟
كانت تبتسم والدتها لها كي لا تلاحظ الابنة تغير وجهها: لقد أتيت مبكرًا ولكن كنت أتكلم مع أستاذتك
شيماء: حسنًا إذًا، لنعُد إلى المنزل
عادت شيماء ووالدتها إلى البيت، فاتجهت والدة شيماء مباشرة إلى غرفتها لتبحث عن طبيب نفسي يعرف التعامل مع الأطفال، فواصلت البحث في الصحف والمجلات والإنترنت لساعات عدة ولكنها لم تجد شيئًا يذكر، وفجأت أتاها اتصال من رقم غريب فأجابت عليه
بثينة: السلام عليكم
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله، هذه نعيمة مربية فصل شيماء
بثينة: أوه... مرحبًا، أهذا رقم منزلك؟
نعيمة: أجل... على أية حال لقد اتصلت الآن لأعطيك رقم هاتف طبيب نفسي
بثينة: حقًا؟ شكرًا لك
نعيمة: لا شكر على واجب، هذا هو الرقم ******* واسم الطبيب أحمد إسماعيل وينادونه بأبي يوسف، سأرسل لكِ عنوان العيادة كرسالة
بثينة: شكرًا يا نعيمة
نعيمة: حسنًا أتركك الآن
بثينة: مع السلامه
فور انتهائها من مكالمتها مع المعلمة اتصلت بالطبيب فرد عليها
أحمد: السلام عليكم
بثينة: وعليكم السلام، دكتور أحمد إسماعيل؟
أحمد: أجل... تفضلي؟
بثينة: في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ
أحمد: ابدئي من أي مكان... خيرًا ما هي مشكلتك؟
بثينة: المشكلة ليست بي بل بابنتي
أحمد: كم عمرها؟
بثينة: خمس سنوات
أحمد: حسنًا ما بها؟
كان أسلوبه جاف جدًا مما جعل والدة شيماء لا ترتاح في حديثها، ولكنها أخبرته بما جرى في يوم شيماء الأول في الروضة
أحمد: امممممم... هل تدعين ابنتك تشاهد الأخبار أو أفلام الرعب والقتل أو هل تشترين لها ألعاب إلكترونية دموية؟
بثينة: لا مستحيل... فأنا ألغيت جميع القنوات ولم أترك سوى قنوات الأطفال لأنني لا أشاهد التلفاز لكثرة أعمالي، وغير هذا، ابنتي لا تملك ألعابًا إلكترونية أبدًا
أحمد: حسنًا هل تملك أختًا أو أخًا أكبر منها أو أحد أبناء الجيران أو الأقارب الذين من المحتمل أن تسمع منهم هذا الكلام؟
بثينة: وهذا ما يحيرني يا دكتور، فهي لا تجلس مع أحد ولا تعرف أحدًا فلا أعلم من أين أتت بهذه الأفكار
أحمد: هل أنتِ تراقبينها أربعًا وعشرين ساعة؟
بثينة بإحراج: في الحقيقة أنا لا أجلس معها إلا قليلاً لأنني لا أملك زوجًا فجميع أعمال المنزل أنا التي أقوم بها وهي تبقى وحيدة مع الخادمة في المنزل
غضب الطبيب وقال: أتتكلين على الخادمة في كل شيء؟!!
صمتت بثينة منحرجة ولم تستطع التفوه بكلمة: .....
أحمد: هل حاولتِ التحدث معها في الموضوع؟
بثينة: ... لا... ولكن لا أظن الخادمة ستعلّم ابنتي هذه الأشياء
أحمد: وما أدراكِ؟ تقولين بأنه لا أحد يجلس معها سوى الخادمة
بثينة: أجل ولكن لا تجلس معها بل فقط تكون في البيت بالقرب منها
أحمد: وما أدراكِ؟
بثينة: لأن ابنتي قالت بأنها لا تحب الجلوس مع الخادمة لأنها لا تجيد العربية وأنها تشعر بالملل وهي بمفردها في المنزل دائمًا
أحمد: إذًا مشكلة ابنتك هي الوحدة
بثينة: ... إذًا ماذا أفعل لها؟
أحمد: ماذا تفعلين؟ حاولي إحضارها إلي في أسرع وقت. لم تقولي لي ما اسمها؟
بثينة: شيماء. حسنًا دكتور، هل أستطيع احضارها اليوم بعد صلاة المغرب؟
أحمد: لا بأس، وقت ممتاز، وأحظري معكِ اللوحة التي رسمتها دون أن تلاحظ ابنتك أنها بحوزتك
بثينة: حسنًا
وانتهى الحوار بينهما على ذلك...
جلست بثينة على مكتبها تفكر قليلاً في موضوع ابنتها وانعزلت بمفردها في الغرفة، ولكن كلّما فكرت أكثر زاد ضيق صدرها وبكت لأنها لا تملك أدنى فكرة عمّا يجري لشيماء
وعندما أتت الساعة السادسة والنصف، خرجت من الغرفة ورأت شيماء جالسة أمام التلفاز وتأكل رقائق البطاطس، فاقتربت منها لتحدثها
بثينة بصوت لطيف: حبيبتي شيماء، تعالي معي سآخذك إلى مكان ما
فزعت شيماء فلم تلحظ قدوم والدتها، ثم قالت: من أين خرجتِ؟ أين كنتِ؟ وأين ستأخذينني؟
بثينة: لقد حدّثت رجلاً عنك يدعى أبو يوسف وقال أنه يود مقابلتك لكي يعرفك أكثر
فرحت شيماء كثيرًا وبدأت بالقفز: *هذا يعني بأنني سأجد صديقًا جديدًا!* هيا لنذهب، أنا أود مقابلته أيضًا
تعجبت بثينة من ردة فعلها: *ما بها متحمسة كثيرًا!! ما أعرفه هو أن الأطفال لا يحبون مخالطة الغرباء!*
شيماء: سأذهب لأغير ملابسي، وأنتِ أيضًا يا أمي اجهزي بسرعة
بثينة باندهاش: حسنًا..!!
خرجتا من المنزل وركبتا السيارة، وطوال طريقهما إلى العيادة النفسية وشيماء تفكر كيف سيكون أبو يوسف، شكلاً وصفاتًا ومعاملةً، حتى وصلتا إلى المشفى الساعة السابعة إلا ربعًا، كانت شيماء ستنفجر من الفرح وكأنها ذاهبة إلى الملاهي، ثم جلستا في غرفة الانتظار...
بثينة: شيماء عزيزتي ابقي هنا سأذهب قليلاً وأعود
شيماء: حااااضر
ذهب أمها وأعطت السكرتير اللوحة ليسلمها للطبيب وعادت إلى غرفة الانتظار لتجلس بجوار ابنتها. كانت السعادة مبانة على وجه شيماء وهي جالسة تحرك قدميها الصغيرتين وتغني بصوتها اللطيف.
وبعد ثلاث دقائق نودي باسمها فدخلتا إلى غرفة الطبيب وكان عمره حينها اثنان وثلاثون عام
أحمد مبتسمًا لكي لا يخيف الطفلة: السلام عليكِ شيماء، تبدين مستعدة للنقاش
شيماء بفرح: أجل بالتأكيد
جلس معها على طاولة دائرية موجودة في وسط الغرفة.
وقبل أن يبدأ حديثه قالت شيماء: أبو يوسف، ما رأيك بأن نصبح صديقين؟
تعجب أحمد من مبادرتها في الكلام: هاه!! أجل بالتأكيد سنصبح صديقين ولكن رويدًا رويدًا
شيماء بابتسامتها المبهجة المعتادة: أعلم، يجب أن تعرف عني وأعرف عنك الكثير
تعجب أحمد وقال في نفسه: *أيعقل أن هذه الفتاة وحيدة دائمًا!؟*
أوشك أن يسألها، ولكنها نطقت قبله قائلة: ما هي هواياتك؟
الدكتور: *يبدو وكأنها هي من ستعالجني ولست أنا* أحب القراءة، وأنتِ؟
شيماء: الرسم، أحب أن أرسم كثييييرًا
وجدها أحمد فرصة ليجرها إلى سؤاله، فقال: ولكن هل تجيدينها؟
شيماء: أجل، أتريد أن ترى؟
أحمد: إذا لم يكن لديكِ مانع
ثم أحست شيماء بإحراج قليل وقالت: امممم... أ..أريد قلمًا وورقة
ابتسم لها الطبيب وأعطاها القلم المعلق في جيبه وورقة من دفتر الملاحظات: خذي هذا وارسمي هنا...
ثم بدأ يحدق بوجهها وهي مندمجة بالرسم وسألها: ماذا سترسمين؟
شيماء: انتظر قليلاً وسترى
وبعد انتهائها أهدته الرسمة وكانت قد رسمت الطبيب
أحمد بتعجب: أهذا أنا؟!
شيماء: أجل
أحمد: ولماذا قمتِ برسمي؟
شيماء: أحب أن أرسم كل شخص جديد أتعرف عليه
أحمد: *حقًا إنها طفلة غريبة!*
ثم قال لها: رسمك جميل
شيماء: شكرًا
أحمد: ولكن يوجد رسمة غريبة قمتِ برسمها صباح هذا اليوم في الروضة وأمك أرتني إياها
ثم أخرج لها رسمتها
شيماء بفرح: يااااااااااااي ها هي الرسمة. كنت أبحث عنها، خشيت أن لا تعيدها لي المدرّسة
أحمد وبان الجد على ملامحه: وما الذي أعجبك في الرسمة؟
شيماء: الذي أعجبني هو أنني قمت برسم أكثر شيء أحبه وباللون الذي أفضله فبالتأكيد سوف أحب الرسمة كثيرًا
أحمد: ولماذا تحبين السكين واللون الأحمر؟
شيماء: سر السكين لن أخبرك إيّاه... لا أسطيع
أحمد: ولكن ألن نكون صديقين؟ والأصدقاء لا يخفون عن بعضهم شيئًا
شيماء: أعلم هذا ولكن الأصدقاء لا يخونون بعضهم أيضًا
تعجب أحمد من ردها فهو ليس فطريًا فهذا الرد أكبر من سنها ثم قال: وأين الخيانة؟ ماذا تعنين؟
شيماء: لأن سر السكين بيني وبين صديقي
أحمد: فهمت... وماذا عن اللون الأحمر؟
شيماء: لأنه لون الدم
زاد تعجب أحمد: ولماذا تحبين الدم!!؟؟
شيماء: لأنه لا يوجد إنسانًا يستطيع العيش بغير دم
أحس أحمد بأن هناك شخص وراء هذه الأفكار المزروعة في رأسها، فسألها: حبيبتي شيماء، هل يمكنكِ إخباري من الذي علّمك هذا الكلام؟
شيماء: إنه قيس
رد أحمد وبثينة باستعجاب: قيس!!!
نظر أحمد إلى أم شيماء وقال لها: من هو قيس؟ سائقكم؟
بدأت شيماء تضحك: هههههههههههـ لا لا، السائق يدعى محمد، قيس هو صديقي
بثينة بتعجب: صديقك!؟
علم الطبيب من سؤال والدتها بأنها لا تعرف من يكون هذا فسأل شيماء: ومنذ متى وهو صديقك؟
رفعت شيماء أربعة أصابع من كفها الأيمن وقالت: عندما كان عمري أربع سنوات
أحمد: هذا يعني منذ سنة تقريبًا... وكم عمره قيس؟
شيماء: لا أعلم ولكنه كبير
أحمد: وكيف تعرفتِ عليه؟
شيماء: قيس يأتيني كل ليلة
صمت أحمد قليلاً ليفكر، ثم قال: فهمت...
ثم نهض من مكانه وقال: سأذهب لبضع دقائق ثم سأعود، انتظريني قليلاً
شيماء: حسنًا
خرج من الغرفة وطلب من والدتها مرافقته