إننا أمام واقع لا نستطيع أن نمحوه من الذاكرة، واقع الاستدانة لقضاء الحاجة ، فلن تجد مجتمعاً دون أن يكون فيه دائن ومدين. وأينما وجد الدائن والمدين وجدت المشاكل الاجتماعية من الطلاق وانحراف الأبناء والتشرد والإدمان .... الخ . ووجدت القضايا الجنائية من القتل والتعدي على الغير والشيكات بدون رصيد. لماذا كل هذا ؟ لأننا نكون انحرفنا عن الطريق الصحيح. الطريق الذي رسمه لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهديه القائل ( تركت فيكم ما أن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ) أو كما قال .الاستدانة
فالرسول عليه السلام يقول( الدين هم بالليل ومذلة بالنهار). فهو يطلق الضوء الأحمر من إشارة المرور لينبهنا لخطورة الدين. لكن نحن تعودنا على كسر الإشارات والسير في المحظور لننزلق بعد ذلك إلى هاوية لا يعلم مدى عمقها ألا الله سبحانه وتعالى. أن الدين ما هو آلا حلول وهمية لواقع قائم. حلول سهلة وغير عملية وما هو إلا زيادة للأعباء المالية والنفسية على الأفراد وعلى المجتمع. أن طريق الاستدانة يبدأ بخطوة .. سرعان ما يتحول إلى إدمان للحلول السريعة. ولو نظرنا نظرة سريعة على الدين نجد أن اغلب حالات الدين لو تم تحكيم العقل والمنطق فيها لما وقع الإنسان في المحظور وأثقل كاهله بالدين، فلننظر كمثال إلى علي ماذا فعل عندما أراد أن يتزوج بالإنسانة التي أحب وسكنت قلبه . ذهب إلى البنك وطلب رصيده البنكي، ثم قام بالطرح والجمع ... الشبكة والأثاث والبيت إلى أخره. وجد الأمور تسير على ما يرام واصطحب أسرته وتقدم إلى أهل العروس، وصارت الأمور كما يريد. لكنه نسى شيئاً مهماً ليلة العمر كيف ستكون ؟ العروس تحلم بليلة تتحدث عنها كل صديقاتها، وهو يريد أن تكون ليلته أحلى من ليلة صديقه مروان. ترى ماذا يفعل أمام هذا المأزق؟!! ولم يجد غير طريق الاستدانة وتجاهل نصائح الأهل والأصدقاء . تجاهل وعدهم بان يجعلوا ليلته ليلة من ألف ليلة و ليلة في حدود الإمكانيات المتاحة لهم.. ضرب برأيهم عرض الحائط واتخذ القرار .. أفخم قاعة في المدينة .. فر ح ساعات ، وعليه أن يتجرع الأحزان مدى العمر مائة وعشرون ألف ريال ثمن ليلة العمر. سدد يا على من أين؟!! الراتب بالكاد يكفى مصاريف بيته. كمل المشوار فاشترى ليموزين بالتقسيط ليعمل ليل نهار بلا فائدة . يرى زوجته ساعات محدودة أولا يراها. وتحول الحب إلى كراهية وشعور داخلي كلما رآها أنها السبب فيما أل إليه حاله. و كلما طلبت شيئاً ما من متطلبات المنزل اشتعل المنزل وتعالي الصراخ وتدخل الجيران. والأصدقاء هربوا من حوله والأبواب أوصدت في وجهه فهو يأخذ ولا يستطيع السداد. ومع مولوده الثاني ازدادت الاحتياجات وزاد عنفه وأراد أن ينسى فدله أصدقاء السوء على المهدئات ( المخدرة ) ليدخل حياة جديدة من الضياع. لم تتحمل زوجته نظرات أصدقائه الجائعة والجريئة بعدما تحملت الضرب والإهانات فكان ابغض الحلال وتشردت الأسرة ولم تمض أيام إلا وقد قبض على علي وهو الآن ينتظر أهل الخير لمساعدته في تسديد ما عليه من حقوق للآخرين بعدما نفذ الحكم الشرعي في قضية تعاطي المخدرات. هذا هو على الذي أراد أن يجعل من ليلة العمر ليلة من ألف ليلة وليلة فدفع حياته وحياة أسرته ثمناً لها.
هذه صورة من صور كثيرة للاستدانة ومهما تعددت الصور فا لنتيجة واحدة . فقد تعددت الأسباب والموت واحد. فعلينا أن نحذر كل الحذر من الاستدانه ، وان نتصرف في حدود ما هو متاح لنا وان يكون قولـــــه تعالى " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ( 28 ) أن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه كان بعباده خبيرا بصيرا(29) " سورة الاسراء . هو منهاج حياتنا، لننظر إلى أنفسنا قبل أن ننظر إلى الآخرين من اجل أن نحيا حياة كريمة سعيدة .......
بقلم/ محمود قريش