تفضوا التكملة..
وعيدية بالنسبة لإلكم لأني طولتها شوي..
وإن شالله تعجبكم..
بس بدي آراكم بسرررررررررعة بليز..
عشان أباشر بالتكلمة بعد هاي..
أذن عصام للمهند بفتح الباب. فتحه الزائر ببطئ، وكأنه فك يتثائب من النعاس، ودخلت عليه شابة في مقتبل العمر، تكشف من جسدها أكثر ما تغطي منه، ولم تخلع عنها ذلك التلثم بعد.
تقدمت نحوه بخطوات ثابتة، وعينيها تجول على مكتبه.
راود عصام الشك في هذه الشابة، فهو لم يعهد دخول الفتيات إلى مكتبه، خصوصاً بأنها من فتيات هذه الأيام..
لباس فاضح.. عينان ملونتان باللون البنفسجي، وطلاء الأظافر الأحمر ذو اللون الفاقع..
وكان عصام أعزباً غير متزوج، فأراد أن يحوز على إعجابها به، فقام لها احتراماً وقال بصوت فصيح: مرحباً بك، سيدتي..
لم تعره الشابة انتباهها، فكانت تعاير المكتب بنظرات فاحصة..
فطاولة مكتبه تجمعت عليه الأوراق المختلفة، والتي تداخلت بعضها في بعض.. وأقلامه موزعة بشكل عشوائي على الأوراق.. وبجانب طاولته حطت نبتة من أوراق خضراء اللون تسر من رآها وتبهج الناظرين.. ولكن أوراقها السفلية باتت ذابلة، فاصفر لونها وضعفت جذورها، ويبدو منها بأن عصام غالباً ما كان يسكب قهوته فيها، فهو لم يتعود شرب المنبهات.. وهذا بادٍ على عينيه اللتان تشعران بالنعاس الشديد..
وقبل أن تتكلم الشابة، قال عصام: أتودين شرب شيء قبل الدخول في الموضوع الذي جئتي من أجله؟
أشارت الشابة إلى الأوراق السفلية من تلك النبتة بطرف عينها، فتوردت وجنتي عصام من الخجل من نفسه وقال مبرراً موقفه: أعترف بذلك.. فإن خادمي جديد في هذه المهنة.. ولا يعرف كيف يحضر القهوة التي أحبها.
ثم رفع عينيه إلى السقف وقال: لقد كان أحمد خير عون لي قبل أن يتوفى.. رحمه الله.
تساءلت الشابة بصوت ناعم: ومن هو أحمد هذا الذي تتكلم عنه؟
رد عصام: إنه خادمي السابق، ويمكنك أن تطلقي عليه لقب السكرتير، فقد كان يدي اليمنى في جميع أعمالي.. وانتقل إلى رحمة الله منذ بضعة شهور..
سكت قليلاً ثم أردف: دعكِ من هذا الحديث الآن، فلقد أضعت الكثير من وقتك.
واسند ظهره إلى المقعد الجلدي وقال: نعم.. أمن خدمة أوفرها لك؟
اعتدلت الشابة في جلستها المائلة وقالت: بالحقيقة.. خدمتك لي ستكون بسيطة.. وهي عبارة عن سؤال أريد جوابه منك لا أكثر.
ابتسم عصام قائلاً: إليَّ السؤال..
ردت الشابة: أنت صاحب برنامج - لقاء غير خاص -، والذي تستضيف فيه الكثير من الفنانين والفنانات.
قال صابر بكل تواضع: هذا أنا من غير فخر.. وأتمنى بأن يكون قد أعجبك لقائي الأخير مع..
قاطعته الشابة قائلة: لست هنا لأبدي رأي في لقائك مع أولئك الفنانين الساقطين.
أحس صابر بشعلة من الغضب تبدأ بالاشتعال في داخله، ولكنه كتب مشاعره حتى لا يخسر زائرته الجميلة، فقال متجاهلاً: ربما لديك كل الحق.. فعادة ما يكون أولئك الماجنين محبوبين من قبل الكثير من الناس.
- وهل تذكر لقائك مع الراقصة عليا؟
- نعم.. بالتأكيد.. فلقد تلقت رد فعل قوية من الجهمور حين أعلنت اعتزالها من الرقص في تلك الحلقة.
- لقد قرأت صحف اليوم.. وتفاجأت بخبر الراقصة الذي هز جموع سكان المدينة.
- لا أستغرب من ذلك، فقد أشيع يوم حادث سير الراقصة بأنها توفيت.. ولكن النتائج أثبتت عكس ما تقوله الإشاعات.
- وكنت أنت من اكتشف هذه النتائج قبل أن يكتشفها أحد.
- هذا صحيح.
- إذاً.. من أين أتيت بذلك الخبر؟
- إنها أسرار المهنة.. سيدتي.. فمهنة الصحافة تعتمد على السرية التامة والكتمان للموضوع من جميع جوانبه.
وقفت الشابة على قدميها وقالت مهددة: إن لم تخبرني عن مصدر ذلك الخبر قطعت عنقك.
ضحك عصام ظناً منه بأنها مجرد دعابة من شابة جميلة، فقال: ولم كل هذا الغضب أيتها الحسناء؟ هل فعلت شيئاً أغضبك؟
تطايرت شررات الغضب من عيني تلك الشابة وقالت: اسمع يا هذا.. ليس لدي وقت لأضيعه مع شاب سخيف مثلك..
ازداد سرور عصام في نفسه وقال: قولي عني ما شئت.. وإن أردت بأن تشتميني فلا مانع عندي.. بل أحبذ ذلك.
لم تحتمل الشابة ذلك البرود من عصام، فاستلت سكينة كانت موضوعة عند طرف تنورتها القصيرة على خصرها، وأشارت بها على عنق عصام وقالت: وإن أردت أن أقتلك.. فلا أظن أنك تمانع أيضاً..
فزع صابر من تصرفها الهمجي، وبلع ريقه قائلاً: لقد سمعت شرطي يدعى مهند يتكلم عن قضية الراقصة صدفة، وحين تأكدت من الخبر، توجهت إلى صديقي الصحفي حمزة لأطلعه عليه.. وبذلك تم نشر الخبر.
قالت الشابة ضجرة: كل من أسأله يقول لي (( اسألي فلان.. فإنه هو من أخبرني بذلك ))، أهكذا تنتقل الأخبار عادة؟
رد صابر محتنقاً: لا.. إنها المرة الأولى.. ولقد تم نقله بسرية تامة عن طريق الخبر المتسلسل.
قالت الشابة وقد اكتفت من غضبها: دلّني على مهند هذا.. فإن لي معه حساب شديد..
فقال صابر خائفاً: هل تمانعي إن أبعدت هذه السكينة عن عنقي قليلاً؟ فأستطيع حينها أن أكتب لك عنوان منزله.
ردت الشابة: لك ما شئت.. أسرع.. وإلا قضيت نحبك.
خطف صابر ورقة بجانبه وكتب عليها العنوان بخط متقطع.. وبين الفينة والأخرى كان يطالع الشابة بنظرات جانبية..
أخذت الورقة بسرعة وأمالت نحوه وقالت: أشكر لك صنيعك هذا.. أيها الشاب الظريف.
نسي صابر فزعه وكاد أن يطير فرحاً.. فسألها عن اسمها.. فأجابت: ما لكم يا معشر الرجال؟ ما إن ترون شابة عذراء حتى تهيموا بها؟ لن أخبرك باسمي الآن.. واطمئن.. فكما شاع اسم عليا في المدينة، سيشاع اسمي أيضاً.. وداعاً.
ظلت عينا صابر تراقب مشيتها إلى أن أقفلت الباب خلفها.. فقال صابر في نفسه: يا لها من امرأة جميلة حقاً.. أتعجب لم تصرفت بهذه الوحشية.. ولكني لن أبلغ عنها.. فرائحة عطرها الجذاب كافٍ في أن أنسى ما حدث لي لبقية اليوم.. كم سأحسدك عليها يا مهند.. فهي في طريقها إليك.. فاستعد لها..
تحياتي،،