ذكرنا من المفاسد
(1) سوء الخاتمة
(2) الظلم
و مذكر هنا مفاسد أخرى
فمن ذلك
(3)
اشتغال القلب بحب المخلوق و ذكره عن حب الرب تبارك و تعالى
و لا يجتمع في القلب هذا و هذا الا و يقهر أحدهما الاخر و يكون السلطان و الغلبة له
(4)
عذاب قلبه بمعشوقه
فان من أحب شيئا غير الله عذب به و لا بد
فما في الأرض أشقى من محب.... وان وجد الهوى حلو المذاق
نراه باكيا
في كل حين...مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي
ان نأوا شوقا اليهم....و يبكي
ان دنوا حذر الفراق
فتسخن عينه عند الفراق... و تسخن عينه عند التلاقي
فالعشق و ان استعذبه صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب
(5)
العاشق قلبه
أسير في قبضة غيره
يسومه الهوان و لكن لسكرة

العشق لا يشعر بمصابه فقلبه:
كعصفورة في كف طفل يسومها....حياض الردى و الطفل يلهو و يلعب
و كما قيل
ملكت فؤادي بالقطيعة و الجفا...و أنت خلي البال تلهو و تلعب
فعشق العاشق عشق الأسير الموثق و عيش الخلي عيش المسيب المطلق
و قال الاخر
طليق برأي العين و هو أسير...عليل على قطب الهلاك يدور
و ميت يرى في صورة الحي غاديا...و ليس له حتى النشور نشور
أخو الغمرات ضاع فيهن قلبه... فلييس له حتى الممات حضور
(6)
أن العاشق يشتغل بالعشق عن مصالح دينه و دنياه
فليس شيء أضيع لمصالح الدين و الدنيا من عشق الصور
أما مصالح الدين:
فانها منوطة بلم شعث القلب و اقباله على الله و عشق الصور أعظم شيء تشعيثا و تشتيتا له
و أما مصالح الدنيا
فهي تابعة لمصالح دينه فمن انفرط عليه مصالح دينه و ضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع و أضيع
(7)
أفات الدنيا و الاخرة أسرع الى عشاق الصور من لانار في يابس الحطب
فالقلب كملا قرب من العشق بعد من الله و طرقته الافات و تولاه الشيطان من كل ناحية و لم يدع اذية يمكنه من ايصاله اليه الا أوصله
(8)
كلما قوي أفسد الذهن و أحدث الوسواس
حتى ربما ألحق صاحبه
بالمجانين
الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها
و أخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها
و هل أذهب عقل مجنون ليلى و أضربه الا العشق؟
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم... العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه... و انما يصرع المجنون في الحين
و العقل أشرف ما في الانسان و به يتميز عن سائر المخلوقات فاذا عدم عقله التحق بالحيوان

البهيم بل ربما كان الحيوان أصلح من حاله
(9)
أنه ربما أفسد الحواس أو بعضها اما فسادا حسيا أو معنويا
فاما المعنوي
فهو تابع لفساد القلب و اذا فسد القلب فسدت العين و الأذن و اللسان حتى يرى القبيح منه و من معشوقه حسنا كما قيل حبك الشيئ يعمي و يصم
و هو يعمي العين عن مساؤئ محبوبه

و يصم الأذن عن الاصغاء الى العذل فيه
و الراغب في الشيء لا يرى عيوبه حتى تزول هذه الرغبة
هويتك اذ عيني عليها غشاوة...فلما انجلت قطعت نفسي الومها
و أما فساد الحواس
فانه يمرض البدن و ينهكه و ربما أتلفه كما هو معروف في اخبار من قتلهم العشق
و قد رفع الى ابن عباس رضي الله عنه و هو بعرفة شاب قد انتحل حتى عاد جلدا على عظم فقال ما شأن هذا؟ قالوا به عشق! فجعل ابن عباس يستعيذ بالله من العشق عامة يومه
فهذه بعض مفاسد العشق التي تكفي العاقل ليبتعد عنه
فان العقل و الشرع يوجبان تحصيل المصالح و تكميلها و اعدام المفاسد
فاذا عرض للعاقل أمر يرى فيه مصحلة و مفسدة وجب عليه أمران
أمر علمي(و هو ما قمنا به هنا

)
و أمر عملي
فالعلمي طلب معرفة الرجح من طرفي المصلحة و المفسدة و ليس في عشق الصور مصلحة دينية او دنيوية بل مفسدته اضعاف أضعاق ما يقدر فيه من مصلحة
و امر عملي و هو أنه اذا تبين له الرجحان وجب عليه ايثار الأصلح
يتابع ان شاء الله 