الصدور عن عقلانية حكيمة و القصد إلى الاعتدال و الوضوح و تناول الحقائق العامة -و ليس عوالم الذوات المفردة- و قد نشأ عن ذلك أن الأدب الكلاسيكي أصبح أدبًا موضوعيًا ..
4- الإكباب على رصد الواقع المادي و الحياتي المعاش دون تطلع إلى آفاق الروح
من المعروف ان الكلاسيكية تنفر من الاحتكام الى القلب والعاطفة وتمجد العقل قالعقل هو الحاكم وليس القلب او العاطفة ونشا من ذلك ان الكلاسيكين ينفرون من الحديث عن العواطف او المغامرات الذاتية والتجارب ويميلون الى الكتابة عن القضايا التي تهم الناس والمجتمع ! )
حق كان ذلك ، لكن شوقي أيضا تحدث عن تجاربه الشخصية ، وعن حبه وعن بعض مغامراته ، وعن بعض نزواته (ولى الهلال فهاتها يا ساقي...القصيدة).....، وكذلك تناول القضايا التي تهم المجتمع والسياسة وغير ذلك ، لكن ما أذكره هو أن موضوعية شوقي (المثال هنا ) لا تلغي فرديته في بعض المواضع الأخرى
(نرى هذا واضحا بالموضوع الذي طرقة الشاعر فهو يتحدث عن بلادة وما اصابها اثناء الاحتلال وهذا واضح جدا بقولة
احرام على بلابلة الدوح حلال على الطير من كل جنس!
فهو يتحسر على كون بلادة اصبحت تحت الاحتلال وحرم على اهلها حرية التصرف والتنقل ونفي هو في حين يستغل المحتل كل شبر من بلادة بلا مقابل ! موضوع عام يخرج عن اطار الذاتية المعروفة والموجودة في شعر الرومانتيكيون والرمزيون )
وقضية الموضوعية والذاتية طويلة لكنها تصل إلى قمتها حين تندمج الموضوعية في الذاتية ، والعكس حين تصير قضية الفرد قضية الناس وقضية الناس أو ما يهمهم قضية فرد........أحيانا نجد التجارب الموضوعية باردة مثل بعض قصائد شوقي ، لكنها في أحيان أخر تكون في الذروة كما قلت ، وأذكر هنا أعم تجربة موضوعية وهي حب الرسول صلى الله عليه وسلم...تهمني وتهمك.....وتهم هذا وذاك.....لكن (كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء) قصيدة تسري في روحها الموضوعية والذاتية في آن..........وعذرا للاختصار
(رابعا
اقتباس:
- الإغراق في اللجوء برحائب المدينة بكل ما في المدينة من قيود و مواضعات و الابتعاد عن الطبيعة المليئة بالأسرار و الانطلاقات
بعيدا عن هذه القصيدة لو رجعنا الى شعر شوقي لوجدنا انه يصف السيارة في احدى قصائدة وبأخرى يصف الطائرة وكل معالم المدنية الموجودة نالت لها حظ وصف لدية !
وهذا على غرار الشعراء الاندلسيون الذين وصفوا في موشاحتهم الى جانب الطبيعة التطور الحضاري الذي وصلت اليه الاندلس في ايام عزها ! )
أقول شوقي المثال والممثل للكلاسيكية العربية بوجه عام.....وصف هذه الأشياء في نبو ذوق....عنم لكن تحت تأثير نقد عنيف من العقاد والمازني في ذلك العهد...فهم من المرحوم شوقي خطأ.....وشوقي تناول الطبيعة بأسرارها...لديكم قصيدة (زحلة) فيها من الذاتية العاطفية (وإن كانت ضعيفة ويشوبها افتعال)..وفيها من وصف الطبيعة....وغير ذلك من القصائد وكذلك قصيدة (أنس الوجود)...فيها من الطبيعة....ويجب أن نفرق بين المذهب الأدبي في أوروبا، والمذهب الأدبي لدينا....المذهب الأدبي في أوروبا مذهب له قواعد معلومة ينشأ حركة تنظيرية تصاحبها الحركة الإبداعية مع تفاعل من الأدباء والصحافيين.....لكن لدينا وخصوصا في عهد شوقي....لم تكن الكلاسيكية العربية كما نعلمها الآن...كانت أمشاجا من القديم ....ومن ثقافة شوقي نفسه (راجعوا شاكرين كتاب المرحوم شوقي ضيف ( شوقي شاعر العصر الحديث)...ومما قرأ هنا وهناك....وكذلك الحال مع أي أديب عربي لا يجد بين يديه المدرسة التي يستطيع أن يختصر مبادئها في كيت وكيت وكيت....لذلك فالتطبيق على شوقي...يكون على حذر و روية لاختلاف الموازين...ولاختلاف ما نقوله الآن...عما كان يفعله شوقي قديما....
وختاما أحييكم جميعا على هذا الجهد الرائع.....أسأل لكم الدوام والتوفيق و أود أن أقول :
المذهب النظري شيء ، والأعمال الإبداعية شيء آخر.....لطبيعة العملية الإبداعية نفسها.....وكما يعلم كل من قاسى الكتابة...أن الكاتب أو الشاعر لا يضع أمامه ثلة مجتمعة من القواعد النظرية ويسعى إلى تطبيقها عمليا بالورقة والقلم....ولنسأل مثلا ما الذي يجعل فلان من الأدباء واقعيا ، وفلان رومانسيا ، أليس هو ذوقه الذي برز منه اختياره...والاختيار من الذوق....إذا فهذا الذوق مما يتشكل...من كتاب...أم من تجربة شاملة تضم الحياة والكتاب معا...أحيانا تكون من كتاب...لكن يعفي عليها الزمان....والأكثر أن تختلط الثقافة المشكلة للذوق بتجربة الحياة في شمولها...إذا فالذوق فردي...نعم....عندي الذوق فردي وذاتي إلى أقصى درجة....ولنبتعد الآن عن تأثير العقل الجمعي أو الاوعي الجماعي.....لكن الذوق الأدبي ذوق فردي في المقام الأول....وفردية الذوق تمهد أمامي ما أردت تبيانه...أنه لا انعزال في الوقع الكتابي بين الفردية وبين الموضوعية إلا من بعيد أي إلا من طبيعة المادة لا المتناولة لا في طبية الكاتب نفسه....مثل مجاعة عمت البلاد....موضوعية لأن الجميع يدركه...والجميع يأسى له...لكن تأثري أنا كاتبا بهذه المجاعة واختياري لأدائها نابع من صميم ذوقي الجمالي ومن صميم انفعالي الشخصي....فالتجارب الموضوعية قد تكون موضوعية الطبيعة...لكنها ذاتية الانفعال عند الكاتب...وأرجو أن أكون قد أوضحت ما أريد ......فأعود وأقول لا انعزال بين الموضوعية والفردية عند الكاتب ساعة الكتابة....لعمل الذوق في المقام الأول....اللهم إذا كان الكاتب منافقا واختياره غير نابع من نفسه وصدره...فالأمر هنا هين...منافق فاغسلوه....
وعسير أن تحد أديبا حقا في مذهب نظري واحد على الحقيقة لكن الدارسين يفعلون هذا للحصر والإيجاز وتحديد السمات عند التأريخ....وهذه من سوءات الدراسة النقدية الأكاديمية التي تلغي فردية الأدباء متغافلة من أجل التقسيم والتأريخ الذي لا بد أن يكون على قدر كبير من الموضوعية الصارمة....وخصوصا العملية التأريخية الأدبية.....
وأنا شخصيا من أنصار المذهب الفردي في الدراسة...وإن كنت لا أرفض التصنيف المذهبي....بلزاك أبو الواقعية...في كتاب لأنّا بلكيان اسمه (الرمزية دراسة تقويمية) ، تجدونه مرهصا أو أبا روحيا للحركة الرمزية في فرنسا.....وأيضا عن بلزاك...ألا نجد بين ملابساته الشخصية وبين كتاباته الواقعية...وشائج تصل النفس بالموضوعي بالذوقي الخاص...
ها رأي المتواضع فأرجو أ، تقبلوه...واعذروا تدخلي الواغل في الموضوع لكنه حقا شاقني.....وكما قلت أرجو أن ينقل إلى موضوع مستقل بعيدا عن هذا الاسم الذي حكم على الموضوع قبل قراءته وخصوصا قبل قراءة هذه الردود العلمية الرائعة......
أحييكم مرة أخرى....وإلى اللقاء