بسم الله الرحمن الرحيم
وهذا يومٌ رابع من حياتها ..
( عذراً .. ولكن أردتُ أن أتذكر أبي .. فهل لي الحق بذلك ..؟؟ )
بدأت رزان يومها عندما صحت كعادتها منذ عشر سنوات في تمام الساعة السابعة صباحاً ..
أتدرون مازالت صغيرة على تحمل حياتها ولكن ما بيدها حيلة .. فكما قيل ..
.. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..
ربما نسيت أن أخبركم .. منذ وفاة عائلة رزان في حادث سيارة جميعهم معاً .. استقر بها المُقام عند
جدها لأمها ..
وهو رجل طاعن في السن .. والحق يُقال .. لم يبخل على رزان بالإحتياجات المادية مطلقاً ..
أما المعنوية وبالأخص العواطف .. فهو لا يعترف بها ..وكيف بعترف بها وهو بالأصل مجرد منها ..!!!
ولكن رزان لم تأسف لحالها ..
فغيرها الكثير ممن فقد الإحساس بالمحبة والأمان والطمأنينة وهو مازال في كنف والديه ..!!
كانت تقول لي دوماً .. لست وحدس من يعاني .. فلمَ أهتم .. أو أُبالي ..؟؟
أتعرفون ..
ما أحببته في رزان وما جذبني إلى صداقتها .. قوتها ..
والله إني لأعجب من قوة تحملها وصبرها على ظلم الزمان لها ..
في يوم ما تجرأت وسألتها عن مصدر قوتها .. أتدرون ما فعلت حينها ..؟؟
نظرت لي بنظرة كادت تفجر أدمعي التي حاولت جاهدة أن أداريها عنها ...
إنه أبي ...!!
فسألتها : كيف ذلك ..؟؟
في تلك اللحظة أحسست بأن رزان أوشكت على فقدان عقلها .. فكيف أباها وهو متوفى منذ عشرة أعوام ..؟؟
قالت : أتدرين آخر لقاء لي كان مع أبي على شاطئ البحر في أحد الإجازات ..
البحر الذي عشقته من عشق أبي له ..
كان كمن يشعر بقرب مماته .. أخذ يعظني وينصحني وكأنها آخر ليلة له معي .. وأنا أضحك لا أبالي ..
وهذا ماكانت عليه تلك الليلة بالفعل .. آخر ليلة ..
عندها أخذت رزان تحكي لي ماحدث تلك الليلة ...
قالت :
كنت في تلك الليلة أحظن يد أبي بيداي الصغيرتان .. لم أكن عنها أتعدى العشرة أعوام ووالله إني لأعجب
من قدرتي على تذكر تلك الليلة بكل تفاصيلها حتى الآن .. وكأن الله أراد لي الرحمة بتلك الذكرى ..
كنت في نهاية طفولتي وبداية مراهقتي جزئياً ..
أخذ يداعب يداي بأنامل يده الأخرى ..
خلع معطفه وألبسني إياه فقد كانت تلك الليلة باردة ..
أجلسني بجانبه على الرمال الرطبة ولكن لم أُبالي .. أحسست في تلك اللحظة بأنني أجلس في جنة الدنيا ..
فأبي .. كان .. كل حياتي ..
أخذت أتناقش معه عن مستقبلي .. فتبسم وضحك وقال :
رزان ما زلت صغيرة على تقرير مستقبلك ولكن .. لا بأس ..
فأخذ ينصحني ويرسم لي الطريق الذي يجب علي أن اسلكه حتى دراستي في الجامعة قرر أين ستكون
وفي أي تخصص أيضاً ..
عندما أنتهى من حديثه الذي استمر لزمن لا أعرف قدره أومأ براسه لي وقال : هل مللت ..؟؟
فقلت : لن أمل منك يا أبي أبداً ..وبإذن الله سأحقق كل ماخططنا له ويدي بيدك ..
فرفع عينيه إلى السماء وتنهد بصوت حزين .. وقال : بمشيئة الله تعالى ..
بعدها عدنا أدراجنا إلى البيت وكانت أمي وأخي وأختي بانتظارنا لتناول العشاء ..
أنهت رزان حديثها والدموع تجري على خديها .. قالت لي : أتدرين ..
تحملت الحياة لعشر سنوات منذ وفاة أبي وسرت على نفس الطريق الذي رسمه لي حتى تخصصي في الجامعة
معك اخترته من أجله ..
أجل .. أبي هو مصدر قوتي .. فأنا أشعر به يسير إلى جانبي في كل مكان أذهب إليه ..
وأشعر بيده الحانية تداعب وجنتاي كما كان يفعل عندما كنت صغيرة .. أجل .. إنه أبي ..
حتى اليوم أعجب من قدرة أب رزان على إمدادها بالقوة طوال عشر سنوات وهو ليس على قيد الحياة ..
بينما غيرنا مازال على قيد الحياة ولا يستطيع أن يكون مصدر قوة .. لغيره ..
هكذا كانت ذكرى رزان لأبيها ..وحقيقة كان لها أب يحسدها عليه الجميع حتى وهو ميت ..
في النهاية ..
رزان تحملت عشر سنوات من فقد المحبة والأمان ..
لتعيشها بذكرى العشر سنوات التي قضتها في حظن أباها المحب ..
ربما كانت هذه اليوميات حزينة عند البعض ولكنها الحقيقة المطلقة التي سمحت لي بنشرها بينكم ..
فكأنها تريد أن تبعث رسالة لنا .. لنستمتع بحياتها بكل مافيها من الحزن والهموم ..
ونتحمل بقدر إحتمالها لحياتها ..