قرن من الرياضه
قرن من الرياضة
إذا استثنينا الألعاب الأوليمبية الإغريقية القديمة، وإن استثنينا محاولات بدء تنظيم ألعاب رياضية مثل كرة القدم والركبي والتجديف وألعاب القوى وحتى بداية الألعاب الأوليمبية الحديثة والتي شهدها جميعا النصف الثاني من القرن التاسع عشر فإن الحديث عن الرياضة في القرن العشرين إنما يعنى باختصار حديثا عن الرياضة في كل التاريخ تقريبا، عن أهم ما في الرياضة أو أكثر ما عرفته البشرية عبر تاريخها كله من رياضة منظمة ومتطورة وطاغية الاهتمام.. ولأن القيام بذلك في عجالة لا تزيد عن 100 دقيقة يعدّ ضربًا من المحال فإننا سنسعى للمرور عبر أهم الملامح فحسب
ما هي ابرز الملامح التي ميزت الرياضة في القرن العشرين سؤال يحتاج الكثير للاجابة علية ،فلا شك أن تلك الملامح تتمثل في محاور عدة ،فهناك تطور مدهش في المستويات الفنية وتلاحق الإنجازات والأرقام القياسية، بحيث يخيل للمرء أحيانا أنه لم يعرف بعد الحدود النهائية للقدرة البشرية على تحقيق الإنجاز الرياضي.. ولم يأتِ هذا التطور من فراغ، بل أسهمت فيه التطورات التقنية بدرجة ملحوظة، إذ استخدمت الرياضة كل جوانب العلم وأدواته من أجل بلوغ أقصى الحدود الممكنة، وواكب الإعلام هذا التطور الرياضي والتكنولوجي، فبفضل التقنيات الرقمية في الاتصال والتصوير وفي زمن الكمبيوتر والأقمار الصناعية.. بات الجميع على صلة بالأحداث الرياضية ومتابعتها آليًّا وعبر أدق التفاصيل وازدادت شعبية الرياضة بدرجة غير مسبوقة، بحيث غدت أكبر النشاطات الجماهيرية التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، وبازدياد حمى الاهتمام الجماهيري بالأنشطة الرياضية تعمق التعصب القومي إلى درجة شيفونية، وولدت مظاهر سلبية كالعنف والشغب المصاحب للمنافسات الرياضية إلى درجة بغيضة أحيانًا، فانتقل ذلك إلى خارج الملاعب، وأصبحت الرياضة بفضل ذلك كله مصدرًا مهمًّا من مصادر المال الوفير، فتغلغل الاحتراف وحل مكان الهواية، وطغى العنصر المادي على معظم جوانب الرياضة وبصورة لم يسبق لها مثيل. وأدى ذلك إلى اكتشاف أوجه للفساد لم تكن معروفة من قبل مثل استخدام المنشطات المحظورة، وانتشار الفساد المالي على مختلف الأصعدة، مما أفقد الرياضة كثيرًا من براءتها بعدما اتخذها الكثيرون وسيلة لا غاية، فكثرت المشاكل والفضائح، ولكن من خلال ذلك كله، ورغم ذلك كله.. تبقى الرياضة قاسمًا مشتركًا ولغة عالمية واحدة تحبها كل شعوب الأرض، وتتنافس لإتقان فنونها والتفوق في ميادينها.
لعل أهم ما قدمته الرياضة في القرن العشرين بعدما تبلورت صورتها الواضحة هي الأحداث الرياضية الكبرى والتي لم تعرف البشرية مثيلا لها من قبل، ونبدأ بالحدث الأكبر.. الألعاب الأوليمبية.
صحيح أن أول دورة للألعاب الأوليمبية الحديثة أقيمت في أثينا عام 1896م.. إلا أن الصحيح أيضًا أن هذه الألعاب عرفت ذروة تطورها على مدى سنوات القرن العشرين، واتخذت مراسيمها من الشعلة واللاعب الأوليمبي إلى حفلات الافتتاح والختام الضخمة والمبهرة حتى تحول تنظيمها إلى منافسة بين الدول ومجال للتباهي بين المدن، وأصبحت دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية أكبر حدث رياضي على وجه الأرض، بل أكبر نشاط إنساني في تاريخ البشرية، وغدت مهرجانًا ضخمًا يمتزج فيه الفن والتكنولوجيا بالرياضة، ويكون الناتج مزيجًا مبهرًا.
وأقيمت الدورة في كل القارات باستثناء إفريقيا، وانضمت في العشرينات دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية لكي تكتمل الصورة، وتتم تغطية معظم أنواع الرياضة تحت ظل الحلقات الخمس، ولم يقتصر تأثير السياسة على تعطيل الألعاب الأوليمبية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل تعداها لهجوم للفدائيين الفلسطينيين على الوفد الإسرائيلي في دورة ميونيخ سنة 1972م ثم إلى مقاطعة إفريقية لدورة مونتريال سنة 1976م احتجاجًا على التمييز العنصري و مقاطعة أميركية وغربية لدورة موسكو 1980م احتجاجًا على الغزو السوفيتي لأفغانستان، ثم مقاطعة سوفيتية وشرقية لدورة لوس أنجلوس 1984م ردًّا على ذلك. لكن الدورات الثلاث الأخيرة في سول 1988م، وبرشلونة 1992م، وأطلانتا 1996م شهدت عودة للاستقرار الرياضي والمشاركة الواسعة وتركز المنافسة على الملاعب والميادين والقاعات بعيدا عن التأثيرات الجانبية التي لم تنته تمامًا، لكنها أصبحت تتعلق بمظاهر أخرى كالمنشطات والفساد المالي، ولكن تبقى الألعاب الأوليمبية مهرجانا لكل الألعاب الرياضية، وميدانًا للمستويات العالمية بحثًا عمن يستحق اللقب الأقوى والأسرع والأعلى.
راح اكمل الموضوع بعدين ....