• 0
  • مالي خلق
  • أتهاوش
  • متضايق
  • مريض
  • مستانس
  • مستغرب
  • مشتط
  • أسولف
  • مغرم
  • معصب
  • منحرج
  • آكل
  • ابكي
  • ارقص
  • اصلي
  • استهبل
  • اضحك
  • اضحك  2
  • تعجبني
  • بضبطلك
  • رايق
  • زعلان
  • عبقري
  • نايم
  • طبيعي
  • كشخة
  • صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
    النتائج 1 إلى 15 من 17

    الموضوع: صوره لشخصيه عمر الفاروق رضي الله عنه

    1. #1
      التسجيل
      01-05-2001
      المشاركات
      566
      المواضيع
      165
      شكر / اعجاب مشاركة

      صوره لشخصيه عمر الفاروق رضي الله عنه

      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
      هذة قصة لعدل وايمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه
      دخل ضيف على امير المؤمنين عمر بن الخطاب فلم يجد في بيتة نمارق مصفوفة ولا زرابي مبثوثة ولا افخر انواع السجاد ولا احسن الفرش
      كان عمر بن الخطاب رضي الله عنة يفترش الارض ويلتحف السماء
      فقال لة الضيف ارفق بنفسك يا امير المؤمنين واتخذ سريرا يقيك برد الارض وخذ طعاما بدل هذا الخبز والملح والزيت
      فقال عمر والله لن اذوق اللحم حتى يشبع كل اطفال ورعية المسلمين
      اضاف عمر بن الخطاب ان الرسول صلى الله علية وسلم كان ياكل الملح والخبز وكان يفترش الارض بفراش واحد يغطي نفسة بها في فصل الصيف وفي فصل الشتاء يجعل الفراش نصفين نصفة يغطية ونصفة ينام علية
      واضاف عمر بن الخطاب هذا طعام النبي علية السلام وهذا فراشه فهل ان افضل واحسن من النبي علية افضل الصلاة واتم التسليم
      ===
      عدلت فامنت فنمت
      =
      اخوكم محمد راشد

    2. #2
      التسجيل
      07-06-2001
      الدولة
      أرض الله الواسعة
      المشاركات
      2,553
      المواضيع
      186
      شكر / اعجاب مشاركة
      مشكور اخوي محمد راشد على هالاطلااله الراائعه...و الموضوع الجميل..

      التعليق...

      و ااالله الحديث عن عمر رضي الله عنه يطووول و يبي له مجلداات

      لكتابة موضوع ينصف هذا الرجل...لاني بصرااحه اجد ان التااريخ...

      لم ينصفه...في منااهجناا البليده و التي لا تتكلم عن هذا الرجل بشئ

      من الشمول و الدقه...

      و احب اشاارك انا ايضاا بسرد جمله قالها هذا الرجل و التي تدل على قمة

      عدله...

      قال عمر رضي الله عنه...لو ان ((شاة)) بالعرااق...تعثرت بالطريق

      لخفت الله...ان يسألني عنها الله يوم القياامه..((االله اكبر))...

      dmx123...

      اخوي..ترى مااله دااعي تحط هالشخص في توقيعك جزااك االله خير

      انت اكرم و افضل من هالشخص اللي حااطه في توقيعك...



      سلااام...

    3. #3
      التسجيل
      22-11-2001
      المشاركات
      1,889
      المواضيع
      319
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاك الله خير يا محمد راشد على هذا الذهب الذي دررت علينا به ...

      فوالله انك اصبت في سيرة الخطاب رضي الله عنه ويجب علينا الاكثار من ذكره وذكر الصالحين وذكر سيتهم ...

      وهو على رؤوسهم اليس هذا الرجل الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يهابك يا عمر ولو سلكت فجا لسلك الشيطان فجا اخر ... او كما قال صلى الله عليه وسلم ....

      وهذافخرا لنا ان نذكر الفاروق ابا عبدالله رضي الله عنهما ...


      الفـــــــــــــــــــاروق عمـــــربن الخطـــاب///ابوبكـــــــر الصديـــــق

    4. #4
      التسجيل
      06-05-2002
      المشاركات
      366
      المواضيع
      32
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاك الله خير يا محمد راشد

      على تذكيرنا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
      وهذه مشاركة منى :

      من أقوال أمير المومنين عمر بن الخطاب ( المأثورة ) رضى الله عنه وأرضاه


      1 - أحبكم إلينا أن نخبركم، أحسنكم صمتاً. فإذا تكلم فأثبتكم منطقاً فإذا اختبرنا فأحسنكم فعلاً [ص 70].

      ‏2 - أشكو إلى اللّه ضعف الأمين وخيانة القوي.

      3 - أعقل الناس، أعذرهم للناس.‏

      4 - اقدعوا هذه النفوس عن شهواتها فإنها طلاعة تنزع إلى شر غاية. إن هذا الحق ثقيل مريِّ. وإن الباطل خفيف وبيِّ. وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة. ورب نظرة زرعت شهوة. وشهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.‏

      5 - إن كان الشغل محمدة. فإن الفراغ مفسدة.

      6 - إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة، نتن في الممات.

      7 - إياكم والمعاذير فإن كثيراً منها الكذب.

      8 - أيما عامل لي ظلم أحداً فبلغتني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته.‏

      9 - تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ليتواضع لكم من تعلمونه، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم عليكم بجهلكم.‏


      10 - تعلموا المهنة فإنه يوشك أحدكم أن يحتاج إلى مهنته.‏


      11 - ثلاث من النوافر: جار مقامة إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها. وامرأة إن دخلت إليها لسنتك. وإن غبت لم تأمنها. وسلطان لم يحمدك وإن أسأت قتلك.‏


      12 - ثلاث مهلكات: شح مطاع. وهوى متبع. وإعجاب المرء بنفسه.‏
      13 - حسب الرجل ماله، وكرمه دينه، ومروءته خلقه.‏

      14 - خالطوا الناس بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال.‏

      15 - الدخول على الأغنياء فتنة للفقراء.‏

      16 - الرجال ثلاثة: رجل ترد إليه الأمور فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، ورجل حائر بأمره لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً.‏

      17 - الرجال ثلاثة، والنساء ثلاثة: فامرأة عفيفة سلمة. هينة لينة ودود. ولود. تعين أهلها على الدهر ولا تعين على أهلها، وقلما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً. وأخرى غُل(175) قَمِل يجعلها اللّه في عنق من يشاء. والرجال: رجل عاقل إذا أقبلت الأمور، واشتبهت تأمل فيها أمره ونزل عند رأيه، وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه فيأتي ذوي الرأي فينزل عند رأيهم. وآخر حاير باير لا يأتمر رشداً ولا يطيع أمراً.‏

      18 - لا تصغرن هممكم فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغر الهمم.‏

      19 - لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها [ص 71].‏

      20 - لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها، وإن الشكر أمن للغير ونماء للنعمة واستيجاب للزيادة.‏


      21 - لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللّهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأن اللّه تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض وتلا قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيْتَ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوْا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيْراً لَعَلَكُمْ تُفْلِحُوْنَ} [الجمعة: 10].‏

      22 - لا يكن حبك كلفاً ولا بعضك تلفاً.‏

      23 - لقاء الإخوان، جلاء الأحزان.‏


      24 - لو أن الصبر والشكر بعيران ما باليت أيهما ركبت.‏

      25 - لو مات جمل ضياعاً على شط الفرات لخشيت أن يسألني اللّه عنه.‏

      26 - ما الخمر صرفاً بأذهب لعقول الرجال من الطمع.‏

      27 - المحسن على المسيء أمير.‏

      28 - من دخل على الملوك، خرج وهو ساخط على اللّه.‏

      29 - من كتم سره كان الخيار بيده.‏

      30 - من كثر ضحكه قلَّت هيبته.‏

      31 - الناس طالبان: فطالب يطلب الدنيا فارفضوها في نحره فإنه ربما أدرك الذي يطلبه منها فهلك بما أصاب منها. وطالب يطلب الآخرة. فإذا رأيتم طالباً يطلب الآخرة فنافسوه فيها.‏

      32 - يا معشر القراء التمسوا الرزق ولا تكونوا عالة على الناس.‏

      33 - نظر عمر بن الخطاب إلى رجل يحمل طفلاً على عنقه. فقال: ما هذا منك؟ قال: ابني يا أمير المؤمنين. قال: أما إنه إن عاش فتنك وإن مات حزنك.‏

      34 - وسأل - رضي اللّه عنه - رجلاً أراد أن يستعين به على عمل عن اسمه واسم أبيه. فقال: ظالم بن مسروق. فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك. فلم يستعن به في شيء.‏

      35 - أقبل رجل إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر: ما اسمك؟ فقال: شهاب بن حرقة. قال: ممن؟ قال: من أهل حرة النار. قال: وأين مسكنك؟ قال: بذات لظى. قال: اذهب، إن أهلك قد احترقوا.‏

      36 - وكتب إلى أبي موسى الأشعري: مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا.‏

      37 - وقال: دلوني على رجل أستعمله. قالوا: كيف تريده؟ قال: إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم. وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. قالوا: ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي قال: صدقتم هو لها.‏

      38 - لا تتعلم العلم لثلاث، لا تتعلمه لتماري به ولا لتباهي به ولترائي [ص 72] به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضاً بالجهل به.‏

      39 - إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم.‏

      40 - الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى اللّه. فإذا رتع الإمام رتعوا.‏

      41 - أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي.‏

      42 - لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.‏

      43 - وكتب عمر إلى قضاته: "إن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت، ثم أرادت أن ترجع فذلك لها".‏

      (المصدر كتاب عمر بن الخطاب لمحمد رضا)

      رحمك الله يا عمر

      وإنشاء الله إذا استطعت سأنقل لكم الفتوحات والمعارك التى حدثت فى عهده

    5. #5
      التسجيل
      07-06-2001
      الدولة
      أرض الله الواسعة
      المشاركات
      2,553
      المواضيع
      186
      شكر / اعجاب مشاركة
      الرسالة الأصلية كتبت بواسطة متصفح
      جزاك الله خير يا محمد راشد

      على تذكيرنا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
      وهذه مشاركة منى :

      من أقوال أمير المومنين عمر بن الخطاب ( المأثورة ) رضى الله عنه وأرضاه


      1 - أحبكم إلينا أن نخبركم، أحسنكم صمتاً. فإذا تكلم فأثبتكم منطقاً فإذا اختبرنا فأحسنكم فعلاً [ص 70].

      ‏2 - أشكو إلى اللّه ضعف الأمين وخيانة القوي.

      3 - أعقل الناس، أعذرهم للناس.‏

      4 - اقدعوا هذه النفوس عن شهواتها فإنها طلاعة تنزع إلى شر غاية. إن هذا الحق ثقيل مريِّ. وإن الباطل خفيف وبيِّ. وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة. ورب نظرة زرعت شهوة. وشهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.‏

      5 - إن كان الشغل محمدة. فإن الفراغ مفسدة.

      6 - إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة، نتن في الممات.

      7 - إياكم والمعاذير فإن كثيراً منها الكذب.

      8 - أيما عامل لي ظلم أحداً فبلغتني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته.‏

      9 - تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ليتواضع لكم من تعلمونه، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم عليكم بجهلكم.‏


      10 - تعلموا المهنة فإنه يوشك أحدكم أن يحتاج إلى مهنته.‏


      11 - ثلاث من النوافر: جار مقامة إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها. وامرأة إن دخلت إليها لسنتك. وإن غبت لم تأمنها. وسلطان لم يحمدك وإن أسأت قتلك.‏


      12 - ثلاث مهلكات: شح مطاع. وهوى متبع. وإعجاب المرء بنفسه.‏
      13 - حسب الرجل ماله، وكرمه دينه، ومروءته خلقه.‏

      14 - خالطوا الناس بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال.‏

      15 - الدخول على الأغنياء فتنة للفقراء.‏

      16 - الرجال ثلاثة: رجل ترد إليه الأمور فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، ورجل حائر بأمره لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً.‏

      17 - الرجال ثلاثة، والنساء ثلاثة: فامرأة عفيفة سلمة. هينة لينة ودود. ولود. تعين أهلها على الدهر ولا تعين على أهلها، وقلما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً. وأخرى غُل(175) قَمِل يجعلها اللّه في عنق من يشاء. والرجال: رجل عاقل إذا أقبلت الأمور، واشتبهت تأمل فيها أمره ونزل عند رأيه، وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه فيأتي ذوي الرأي فينزل عند رأيهم. وآخر حاير باير لا يأتمر رشداً ولا يطيع أمراً.‏

      18 - لا تصغرن هممكم فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغر الهمم.‏

      19 - لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها [ص 71].‏

      20 - لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها، وإن الشكر أمن للغير ونماء للنعمة واستيجاب للزيادة.‏


      21 - لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللّهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأن اللّه تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض وتلا قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيْتَ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوْا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيْراً لَعَلَكُمْ تُفْلِحُوْنَ} [الجمعة: 10].‏

      22 - لا يكن حبك كلفاً ولا بعضك تلفاً.‏

      23 - لقاء الإخوان، جلاء الأحزان.‏


      24 - لو أن الصبر والشكر بعيران ما باليت أيهما ركبت.‏

      25 - لو مات جمل ضياعاً على شط الفرات لخشيت أن يسألني اللّه عنه.‏

      26 - ما الخمر صرفاً بأذهب لعقول الرجال من الطمع.‏

      27 - المحسن على المسيء أمير.‏

      28 - من دخل على الملوك، خرج وهو ساخط على اللّه.‏

      29 - من كتم سره كان الخيار بيده.‏

      30 - من كثر ضحكه قلَّت هيبته.‏

      31 - الناس طالبان: فطالب يطلب الدنيا فارفضوها في نحره فإنه ربما أدرك الذي يطلبه منها فهلك بما أصاب منها. وطالب يطلب الآخرة. فإذا رأيتم طالباً يطلب الآخرة فنافسوه فيها.‏

      32 - يا معشر القراء التمسوا الرزق ولا تكونوا عالة على الناس.‏

      33 - نظر عمر بن الخطاب إلى رجل يحمل طفلاً على عنقه. فقال: ما هذا منك؟ قال: ابني يا أمير المؤمنين. قال: أما إنه إن عاش فتنك وإن مات حزنك.‏

      34 - وسأل - رضي اللّه عنه - رجلاً أراد أن يستعين به على عمل عن اسمه واسم أبيه. فقال: ظالم بن مسروق. فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك. فلم يستعن به في شيء.‏

      35 - أقبل رجل إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر: ما اسمك؟ فقال: شهاب بن حرقة. قال: ممن؟ قال: من أهل حرة النار. قال: وأين مسكنك؟ قال: بذات لظى. قال: اذهب، إن أهلك قد احترقوا.‏

      36 - وكتب إلى أبي موسى الأشعري: مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا.‏

      37 - وقال: دلوني على رجل أستعمله. قالوا: كيف تريده؟ قال: إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم. وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. قالوا: ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي قال: صدقتم هو لها.‏

      38 - لا تتعلم العلم لثلاث، لا تتعلمه لتماري به ولا لتباهي به ولترائي [ص 72] به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضاً بالجهل به.‏

      39 - إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم.‏

      40 - الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى اللّه. فإذا رتع الإمام رتعوا.‏

      41 - أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي.‏

      42 - لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.‏

      43 - وكتب عمر إلى قضاته: "إن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت، ثم أرادت أن ترجع فذلك لها".‏

      (المصدر كتاب عمر بن الخطاب لمحمد رضا)

      رحمك الله يا عمر

      وإنشاء الله إذا استطعت سأنقل لكم الفتوحات والمعارك التى حدثت فى عهده
      بسم الله ما شاء الله عليك ياا متصفح...

      كل هذا اقوال عمر...طلعت ما اعرف شئ عن هذا الرجل رضي الله عنه

      بصرااحه انا ما قريت كل الاقوال قريت فقط 17...
      وراح اكمل البااقي بعدين .

      بالنسبه للمشاركه اللي رااح تطرحهاا انا متشوق لأرااهاا...طبعا الفتوحات
      في عهد عمر رضي الله عنه...و ودي اطلب منك طلب

      ياليت تذكر فروسية هذا الرجل في غزوات محمد صلى الله عليه و سلم
      الكبرى....لان التاريخ عندنا لم يذكر شئ في هذا المقام رغم اهميتة؟!

      انتظر موضوعك يا متصفح...

      ملاحظه...

      آآسف يا محمد راشد على هالمداخله...

    6. #6
      التسجيل
      09-12-2001
      الدولة
      جدة
      المشاركات
      401
      المواضيع
      79
      شكر / اعجاب مشاركة
      مشكور اخوي محمد على هذا الموضوع .........


      واليكم ،،،،،،،


      كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، الى أبنه عبدالله :

      أما بعد .

      فانه من اتقى الله وقاه ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن شكر له زاده ، ومن أقرضه جزاه .

      فاجعل التقوى عماد قلبك ، وجلاء بصرك ، فانه لا عمل لمن لا نية له ،
      ولا أجر لمن لاخشية له ، ولا جديد لمن لا خلق له .

      [رحم الله الفاروق وأهلك من قدح في عرضه وفي دينه .]
      - أمريكا كالتالي :
      -- (أ) : أكبر الدول الكافرة
      -- (م ): موعدهم الصبح
      -- (ر) : رجال من الله سيحطموهم
      --(ي) : يارب فعجل تحطيمهم
      --(ك) : ككل الدول التي تجبرت
      -- (ا) : آآآآآمـــــــــيـــــــــــــــن ومن تبعهم من الرافضة والملحدين


    7. #7
      التسجيل
      22-11-2001
      المشاركات
      1,889
      المواضيع
      319
      شكر / اعجاب مشاركة

      Re: الف شكر

      الرسالة الأصلية كتبت بواسطة dmx123
      مشكوووووووووووووووووووووووووور أخوي على القصه الحلوه

      وتحياتي.........DMX 123
      اخوي بارك الله فيك ارجو مسح هالصور الكريه المنضر من التوقيع لانها تثير الاشممئزاز والاستفزاز ...فنحن نتكلم بامور الاسلام وسير الصحابة وانت بارك الله وفيك وهداك واضع لنا صور كفرة قاتلهم الله ....


      ويجب عليك ان تعلم ان حب الله ورسوله لا يكون في قلب امرء يحب الكفار ....

      والمرء يختار .... والمرء على دين خليله ....


      فارجو ان تكون لا تعلم بهذا الشان وان تلغي الصور ولك مني كل احترام وتقدير


      الفـــــــــــــــــــاروق عمـــــربن الخطـــاب///ابوبكـــــــر الصديـــــق

    8. #8
      التسجيل
      01-05-2001
      المشاركات
      566
      المواضيع
      165
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاكم الله كل خير
      والله انني قد استفدت منكم
      جزيتم خيرا
      جزاك الله كل خير اخي متصفح

      على كل ما قدمته لنا
      اللهم ارضي عن عمر وعن الصحابه الابرار ودمر كل من يمسهم بسوء
      اللهم آمين

    9. #9
      التسجيل
      06-05-2002
      المشاركات
      366
      المواضيع
      32
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاكم الله كل خير يا أخوانى

      ويالنسبة لطلب أخى الكوبرا إن شاء الله أستطيع تحقيقه وأرجوا مساعدة الإخوان ولو بمعلومة بسيطة


      وبالنسبة لفروسية عمر وجدت هذه الرواية :

      ومما روي عن فروسيته - رضي اللّه عنه - أنه كان يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى ويجمع جراميزه باليسرى (أي يرفع ما ينتشر من ثيابه) ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره، وكان يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحناء، ويلبس الثياب المرقوعة وكان رجلاً مهيباً.

      وهذه قصة فتح فارس وهى طويلة ولكنها شيقة وأحببت أن أنقلها كاملة

      حتى لا تضيح حلاوتها فهى تذكرنا بأمجاد الإسلام والصحابة الكرام وفروسية العرب الأوائل وشجاعتهم وتضحياتهم حتى وصل الإسلام الى ما وصل اليه من عزة وقوة فهى تاريخ لا يمكن أن يمحى من الذاكرة .


      تسميتة بالفاروق

      ============



      قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن اللّه جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق اللّه به بين الحق والباطل"(38). وعن أبي عمر ذكوان قال: "قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي عليه السلام". إن لتسمية عمر بالفاروق علاقة بظهور الإسلام، فإن المسلمين قبل إسلامه كانوا يَسْتَخفون في دار الأرقم - وهي في أصل الصفا - ويؤدون شعائرهم الدينية في منازلهم. فلما أسلم قال لرسول اللّه: ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ "بلى، والذي نفسي بيده إنكم لعلى الحق إن متم وإن حييتم"(39). قال: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن. قال: فأخرجنا في صَفَّين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر حتى دخلنا المسجد، فنظرت إليَّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول اللّه: "الفاروق"(40)، وفرق بين الحق والباطل.

      كان رسول اللّه يسمي أصحابه بخير صفاتهم التي امتازوا بها فسمى أبو بكر: صدِّيقاً وعتيقاً، وسمى عمر: الفاروق، وسمى خالد بن الوليد: سيف اللّه.

      --------------



      (38) رواه أحمد في (م2/ص53)، والحاكم في المستدرك (3: 76).

      (39) رواه أبو نعيم في دلائل النبوة (1: 80).

      (40) ابن عساكر، تاريخ دمشق ج52/ص29.

      --------------‏





      هجرته

      ===========



      روي عن ابن العباس قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما همَّ بالهجرة تقلَّد سيفه، وتنكَّب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قِبَل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة. وقال لهم: شاهت الوجوه لا يرغم اللّه إلا هذه المعاطس. من أراد أن تثكله أمه ويُيَتَّم ولده ويرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي. قال عليٌّ: فما تبعه أحد إلا قومٌ من المستضعفين علَّمهم وأرْشدهم.

      هذه هي الرواية المأثورة عن علي بن أبي طالب.





      غزواته مع الرسول ( ص )



      شهد عمر(مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنيناً وغيرها من المشاهد. وهو ممن ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة أُحد



      زواج ابنته حفصة برسول اللّه.





      كانت حفصة بنت عمر تحت خنيس بن عبد اللّه بن حذافة السهمي وكان رسول اللّه أرسله إلى كسرى، ولما مات خنيس وتأيمت حفصة ذكرها عمر لأبي بكر وعرضها عليه فلم يردَّ عليه أبو بكر كلمة، فغضب عمر من ذلك، فعرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت رسول اللّه فقال عثمان: ما أريد أن أتزوج اليوم. فانطلق عمر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشكا إليه عثمان فقال رسول اللّه: "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة". ثم خطبها إلى عمر، فتزوجها رسول اللّه بعد غزوة أحد سنة ثلاث وكان سنها عشرين سنة، وتزوج عثمان أم كلثوم. وبذلك حُلَّ الإشكال بشكل لطيف ليرضي الطرفين.‏





      غـزو فارس

      ===========

      ندب عمر الناس مع المثنَّى بن حارثة بن سلمة الشيباني لمحاربة الفرس لإكمال ما قد بدأه الصديق .



      وقال عمر رضي اللّه عنه:

      "إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة(182) ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك. أين الطُّرَّاء المهاجرون عن موعد اللّه. سيروا في الأرض التي وعدكم اللّه في الكتاب أن يورثكموها فإنه قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ} [التوبة: 33] واللّه مظهر دينه ومعز ناصره ومولٍ أهله مواريث الأمم. أين عباد اللّه الصالحين؟"(183).

      فكان أول منتدب أبو عبيدة بن مسعود الثقفي وسعد بن عبيد(184) وسليط بن قيس(185) وتتابع الناس فلمَّا اجتمع ألف قيل لعمر: أمر عليهم رجلاً من السابقين من المهاجرين أو الأنصار. قال: لا واللّه لا أفعل إنما رفعهم اللّه تعالى بسبقهم ومسارعتهم إلى العدو فإذا فعل فعلهم قوم لا أؤمر إلا أولهم انتداباً فأمَّر أبا عبيد وأعطاه الراية(186). وهذا أول جيش سيَّره عمر.

      ----------

      (182) النجعة: طلب الكلأ، أي المرعى.

      (183) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص361، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص282 في الهامش رقم [1].

      (184) هو سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس الأوسي الأنصاري، أبو زيد، الملقب بسعد القارئ، هو أحد الستَّة الذين قيل: إنَّهم جمعوا القرآن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو صحابي شهد بدراً وأُحد والخندق والمشاهد كلَّها، قتل يوم القادسية شهيداً وهو ابن أربعة وستون عام، سنة 16 هـ. للاستزادة راجع: ذيل المذيّل ج9/ص101، طبقات ابن سعد ج3/ص310، تاريخ الإسلام للذهبي ج2/ص260، الإصابة ترجمة 1870.

      (185) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص361: "سليط بن قيس هو أخو بني عديِّ بن النجار".

      (186) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص361، المسعودي، مروج الذهب ج2/ص337.







      موقعة النمارق(187):

      ==================

      بعد ذلك عاد المثنى إلى الحيرة قبل أبي عبيد وكان قد تغيب عنها شهراً كان في أثنائها البلاط الملكي الفارسي يعاني تقلبات شتى فاستولى أمير(188) وأعقبته أميرة(189) وسط سفك الدماء والثورة، وأخيراً استدعت "بوران"(190) القائد المشهور "رستم"(191) على جناح السرعة من خُراسان وتوجته وجعلت إليه حماية البلاد وسلمته قيادة الجند، ثم أرسل رستم جيشين من المدائن أحدهما تحت قيادة "جابان" ليعبر الفرات وليتقدم نحو الحيرة والآخر بقيادة "نرسي"(192) ليحتل كسكر على أقرب جهة، وجمع المثنى الجموع - وهم قليل - فغادروا الحيرة وتركوها للعدو، وخرجوا إلى الصحراء. إلى الطريق المؤدية إلى المدينة. وهنالك انتظروا أبا عبيد الذي لم يحضر إلا بعد شهر ومعه القبائل الموالية الذين جمعهم في طريقه. وبعد أن استراح بضعة أيام(193) قاد الجيش وهاجم "جابان" بالنمارق وألجأه إلى الفرار .

      -------------------

      (187) النمارق: موضع قرب الكوفة، كانت هذه الموقعة في سنة 13 هـ. وذلك كما في الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص362، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص283، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، ج1/215-216، تاريخ الشعوب الإسلامية، بروكلمن ص95.

      (188) الأمير يدعى سِيَاوَخْش، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص362.

      (189) الأميرة تدعى آزرميدُخت، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص362.

      (190) أَوْرَد ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص283: "... وملكت بوران وكانت عدلاً بين الناس حتى يصطلحوا ... " أي أن بوران كانت من ملوك الفرس. الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص362.

      (191) رُسْتَم: بضم الراء وفتح التاء، هو رُسْتَم بن الفرخزاد، ورُسْتَم لفظة فارسية، معناها: نَجَوْتُ، ويقال: إن أمه تعذَّبت بولادته لشدة تعَسُّرها، وعندما وضعته صاحت رُسْتَم أي نَجَوْتُ، فسمِّي بهذا الاسم. قتلت آزرميدُخت والده، وَرُسْتَم من القواد المشهورين في فارس، هزمه سعد بن أبي وقَّاص في معركة القادسية.

      (192) نرسي هو ابن خالة كسرى ملك الفرس وكانت له كسكر قطيعة.

      (193) كانت استراحته في خَفَّان، وهو موضع قرب الكوفة فوق القادسية، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص284، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص364.

      ---------------------------------------------------------------

      موقعة الجسر(194) (سنة 13هـ/634م):

      ==========================

      ويقال لها: قُس الناطف ويقال: المروحة(195) عبر أبو عبيد الفرات وفاجأ القائد "نرسي" واستولى على معسكره وغنم شيئاً كثيراً من التمر الجيد المسمى بالنرسيان لا يأكله إلا الملك أو من أكرموه بشيء منها(196)، فوزعه على الجيش، وأرسل الخمس لعمر وكتب إليه: "إن اللّه أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها وأحببنا أن تروها ولتذكروا أنعام اللّه وأفضاله"(197) وأتت القبائل المجاورة وقدمت الجزية برهاناً على ولائهم وأولموا لأبي عبيد وليمة فاخرة فأبى أن يحضرها إلا مع جيشه فجاء الجيش وأكلوا.

      تَغَيَّظ رُسْتُمْ من الهزيمة فأعدَّ قوة أكبر من الأولى تحت قيادة القائد العظيم "بهمن"(198) المعروف بذي الحاجب - وإنما قيل له: ذا الحاجب لأنه كان يعصب حاجبيه بعصابة برفعها كبراً، ومعه فيلة بالجلاجل - فأقبل "بهمن" ومعه راية كسرى "درفش كابيان" وكانت من جلود النمر عرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر ذراعاً فنزل بقس الناطف. وأقبل أبو عبيد فنزل بالمروحة وعبر الفرات وعسكر جيشه في الشاطئ الغربي، وعسكر "بهمن" في الشاطئ المقابل ولم تكن ساحة القتال تبعد عن بابل كثيراً. فبعث بهمن إلى أبي عبيد: إما أن تعبروا إلينا وندعكم والعبور وإما أن تدعونا نعبر إليكم. فقال الناس: لا تعبر يا أبا عبيد. ننهاك عن العبور فقال: "لا يكونوا أجرأ على الموت منا"(199) فعبروا إليهم على "جسر" وضاقت الأرض بأهلها واقتتلوا فلما رأت خيول العرب الفيلة رأت شيئاً منكراً لم تكن رأت مثله فلم تقدم عليها وإذا حملت الفرس على المسلمين بالفيلة والجلاجل، فرقت خيولهم، وأوقعت الارتباك في [ص 81] صفوفهم، ورموهم بالنشاب واشتدَّ الأمر بالمسلمين فترجل أبو عبيد والناس، ثم مشوا إليهم وصافحوهم بالسيف فنادى أبو عبيد "احتوشوا(200) الفيلة وقطعوا بطانها(201) وأقبلوا عنها أهلها" ووثب هو على الفيل الأبيض فقطع بطانه ووقع الذين عليه وفعل القوم مثل ذلك بشجاعة، فما تركوا فيلاً إلا حطوا رحله وقتلوا أصحابه، وأهوى الفيل لأبي عبيد فضربه بالسيف، وخبطه الفيل بيده، فوقع، فوطئه الفيل، وقام عليه(202) فلما بصر به الناس تحت الفيل خشعت أنفس بعضهم، وقتل سبعة من ثقيف حمل كل واحد منهم اللواء بعد الآخر، ثم أخذ اللواء المثنى فهرب منه الناس فلما رأى عبد اللّه بن مرثد الثقفي ما لقي أبو عبيد وخلفاؤه وما يصنع الناس بادرهم إلى الجسر وقطعه وقال:

      "أيها الناس موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا"(203) وحاز المشركون المسلمين إلى الجسر فتواثب بعضهم على الفرات فغرق من لم يصبر، ووصل بعضهم إلى الشاطئ الآخر، وحمى المثنى وفرسان من المسلمين الناس وقال: "أنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا ولا تغرقوا أنفسكم"(204) وقاتل عروة بن زيد الخيل(205) قتالاً شديداً، وأبو محجن الثقفي(206)، [ص 82] وقاتل أبو زيد الطائي حمية للعربية وكان نصرانياً قدم الحيرة لبعض أمره. ونادى المثنى: "من عبر نجا" فعقد الجسر وعبر الناس. وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس وجرح المثنى وأُخبر عمر عمن سار في البلاد استحياء من الهزيمة فاشتد عليه ذلك وقال: "اللّهم إن كل مسلم في حلٍّ مني. أنا فيئة كل مسلم. يرحم اللّه أبا عبيد لو كان انحاز إليَّ لكنت له فيئه. وكان أول من قدم المدينة بخبر الناس عبد اللّه بن زيد بن الحصين الخطمي وكان معاذ القارئ(207) من الذين فروا إلى المدينة، فكان إذا قرأ هذه الآية: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصِيْرِ} بكى، فيقول عمر: لا تبكِ يا معاذ أنا فئتك وإنما انحزت إليَّ"(208).

      وكان عدد جيش المسلمين تسعة آلاف، مات منهم أربعة آلاف بين قتيل وجريح وغريق وهرب ألفان، وبقي مع المثنى ثلاثة آلاف، وقتل من الفرس نحو ستة آلاف.

      وبعد الموقعة كان "بهمن" على وشك عبور النهر لمتابعة انتصاره غير أنه بلغه خبر حدوث ثورة في المدائن - عاصمة الفرس - مؤداها أن الفرس ثاروا برُسْتَم، ونقضوا الذي بينهم وبينه، وصاروا فريقين، فعاد مسرعاً(209). وهكذا كانت اضطرابات الفرس الداخلية سبباً في جمع شمل المسلمين وانتصارهم.

      -------------------

      (194) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص365، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص286، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، ج1/ص217 وما بعدها، تاريخ الشعوب الإسلامية، بروكلمن ص96.

      (195) قس الناطف موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي، والمروحة بشاطئ الفرات الغربي.

      (196) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص364، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص285.

      (197) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص364، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص285.

      (198) هو من أشد الأعاجم على العرب وهو بهمن بن جاذويه.

      (199) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص366، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص286.

      (200) احتوشوا: حاش الصيد، جاء من حواليه ليصرفه إلى الحِبَالة. [القاموس المحيط، مادة: حاش].

      (201) بطانها: حزامها.

      (202) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص287، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص367.

      (203) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص368، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص287.

      (204) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص367، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص287.

      (205) هو عروة بن زيد الخيل بن مهلهل الطائي، قائد شاعر، من رجال الفتوح في صدر الإسلام، يقال: إنه اجتمع بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. ثم عاش إلى خلافة علي وشهد معه صفين. شهد وقعة القادسية، توفي سنة 37 تقريباً. للاستزادة راجع: البلاذري، الإصابة ترجمة 5521.

      (206) هو عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف، أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والإسلام، أسلم سنة 9 هـ، وروى عدة أحاديث، كان منهمكاً في شرب النبيذ، فحدَّه عمر مراراً، ثم نفاه إلى جزيرة في البحر، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص في القادسية يحارب الفرس، فكتب إليه عمر أن يحبسه، فحبسه سعد عنده، واشتد القتال في أحد أيام القادسية، فالتمس أبو محجن من امرأة سعد "سلمى" أن تحلّ قيده، وعاهدها أن يعود إلى القيد إن سَلِمَ، فخلَّت سبيله، فقاتل قتالاً عجيباً، ورجع بعد المعركة إلى قيده وسجنه، فحدَّثت سلمى سعداً بخبره، فأطلقه وقال له: لن أحدَّك أبداً، فترك النبيذ وقال: كنت آنف أن أتركه من أجل الحدَّ، توفي سنة 80 تقريباً في آذربيجان أو في جرجان. للاستزادة راجع: خزانة الأدب، للبغدادي ج3/ص380، الإصابة ترجمة 1017، الآمدي وسمَّاه حبيب بن عمرو، الشعر والشعراء، المسعودي، مروج الذهب ج2/ص345.

      (207) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، ولد سنة 20 قبل الهجرة وتوفي سنة 18 هـ، الأنصاري، الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، كان أعلم الأمَّة بالحلال والحرام، هو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج3/ص250، أسد الغابة ج4/ص300، الإصابة ترجمة 8039، حلية الأولياء ج1/ص170، مجمع الزوائد ج9/ص188، غاية النهاية ج2/ص287، صفة الصفوة ج1/ص111، المحبَّر ص125.

      (208) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص368، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص287.

      (209) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص288.

      -------------------‏

      أسباب هزيمة المسلمين:

      =====================

      سبب هزيمة المسلمين في هذه الموقعة، هو عبور جيش المسلمين إلى جهة الفرس مع أنهم حذروا أبا عبيد لكنه ظن أن في العبور إليهم شجاعة. ويذكر القارئ أن خالد بن الوليد ثبت في مكانه وأبى العبور في موقعة الغراض ولم يعتبر ذلك جبناً.

      ومما "زاد الطين بلة" أن عبد اللّه بن مرثد الثقفي قطع على المسلمين الجسر فحصروا وارتبكوا، وغرق كثير منهم، ولولا شجاعة المثنى لبادوا عن آخرهم، لكنه ويا للأسف أصيب، ولكن إصابته سبباً في وفاته - كما سيأتي - وقد خسر المسلمون بفقده قائداً عظيماً.

      وقد قتل في هذه المعركة أبو عبيد قائد الجيش تحت الفيل. ولا يخفى أن قتل القائد العام له تأثير سيِّئ في نفوس الجند ولا سيما في حروب العرب في تلك الأيام لوجوده في المقدمة فكانوا يعتبرون انخذاله أو قتله انخذالاً للجيش.



      أُلَيِّس الصغرى(210):

      ====================

      ثم إن المثنى سار إلى أُلَيِّس وعسكر هنالك، وحافظ على فتوحه السابقة، ولم يعلم "جابان" برجوع "بهمن" فوقع أسيراً في أيدي المسلمين وقتل.

      وكانت حالة المسلمين غامضة غير أن من كان مثل المثنى لا يداخله اليأس فجند جيشاً من القبائل التي حوله وتمكن من تثبيت مركزه



      موقعة البُوَيب(213) - يوم الأعشار(214) (سنة 13هـ/634م):

      =======================================

      استاء عمر بن الخطاب من انكسار المسلمين بالجسر وفرارهم، لكنه تلقى الخبر بهدوء، ولم يؤنب الفارين، ثم إنه ندب الناس إلى المثنى - وكان فيمن ندب بجيلة(215) - وأمرهم إلى جرير بن عبد اللّه(216) فلما اجتمعوا أمرهم بالعراق، إلا أنهم كانوا يرغبون المسير إلى الشام لكثرة الخيرات والغنائم، فوعد أن ينفلهم ربع الخمس، فأجابوا، وسيرهم إلى المثنى، وبعث عصمة بن عبد اللّه الضبي فيمن تبعه إلى المثنى. كذلك أرسل كل من أتى من أهل الردة، ثم إن المثنى بعث الرسل فيمن يليه العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم وكان فيمن جاءه أنس بن هلال النمري في جمع عظيم من النمر - وهم نصارى - وقالوا: نقاتل مع قومنا. وبلغ رُسْتَم والفيرزان ذلك، وأتتهم العيون به وبما ينتظرون من الأمداد، واجتمعا على أن يبعثا مِهْران الهمذانِي، فخرج في الخيول وأمَّراه بالحيرة. فسمع المثنى ذلك وهو بين القادسية وخفان(217)، وعلم بواسطة جاسوسه أن الأمور استتبت في المدائن وأن جيشاً كبيراً أرسل لمحاربته فاستبطن "فرات بادقلي"(218). وكتب إلى جرير وعصمة وكل من أتاه ممداً أن موعدهم "البويب" على الفرع الغربي من الفرات فوافوه هناك و "مِهْران" بإزائه من وراء الفرات. فأرسل "مِهْران" إلى المثنى إما أن تعبر إلينا، وإما أن نعبر إليك. فأبى المثنى العبور، وكان عمر حذَّره من عبور النهر إلا بعد الانتصار فقال: اعبروا إلينا، فعبر مِهْران، فنزل على شاطئ الفرات وكان ذلك في شهر رمضان فأمرهم بالإفطار ليقووا على عدوهم فأفطروا.

      تقدم الفرس في ثلاثة صفوف مع كل صف فيل، ومشاتهم أمام فيلهم، ولهم زجل فقال المثنى: "إن الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت"، وطاف المثنى في صفوفه يعهد إليهم وهو على فرسه "الشموس" - إنما سمي بذلك للينه - وكان لا يركبه إلا إذا قاتل، فوقف على الرايات يحرضهم ويهزهم ويقول لكل: "إني لأرجو أن لا يؤتى الناس من قبلكم اليوم واللّه ما يسرني اليوم لنفسي شيء إلا وهو يسرني لعامتكم" فيجيبونه بمثل ذلك لأنه كان محبوباً لديهم، وقال: إني مكبر ثلاثاً فهيّئوا ثم احملوا في الرابعة، لكنه ما كاد يكبر حتى أعجلتهم الفرس وخالطوهم، وركدت خيلهم وحربهم ملياً، فرأى المثنى خللاً في بني عجل فجعل يمد لحيته لما يرى منهم وأرسل إليهم يقول: "الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم"، فقالوا: نعم، واعتدلوا، فضحك فرحاً. فلما طال القتال واشتد: قال المثنى لأنس بن هلال النمري: "إنك امرؤ عربي وإن لم تكن على ديننا فإذا حملت على "مِهْران" فاحمل معي". فحمل المثنى على "مِهْران" فأزاله حتى دخل في ميمنته، ثم خالطوهم واجتمع القلبان، وارتفع الغبار والجنبات تقتل لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم لا المسلمون ولا المشركون، وأصيب مسعود أخو المثنى، وتضعضع من معه فقال: "يا معشر بكر ارفعوا رايتكم رفعكم اللّه ولا يهولنكم مصرعي" وكان المثنى قال لهم: "إذا رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه. الزموا مصافكم واغنوا عمن يليكم". واشتبك قلب المسلمين مع قلب المشركين في قتال عنيف. وقتل غلام نصراني من تغلب "مِهْران" واستوى على فرسه وأفنى "المثنى" قلب المشركين، فلما رأى مجنبات المسلمون ذلك قاتلوا مجنبات المشركين بشجاعة حتى هزموا الفرس، وسبقهم المثنى إلى الجسر وأخذ طريق الأعاجم وأخذتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم وجعلوهم جثثاً فما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها. بقيت عظام القتلى زمناً طويلاً وكانوا يقدرون القتلى مائة ألف. وسمي ذلك اليوم الأعشار. أحصى مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة فكانوا يفتخرون بذلك وغيرهم قتل تسعة فسموا أصحاب التسعة. وندم المثنى على أخذه بالجسر وقال: "عجزت عجزة وقى اللّه شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أخرجتهم فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها فإنها كانت زلة فلا ينبغي إخراج من لا يقوى على امتناع". يريد أنه بحجزه الجسر سبب خسارة لرجاله، ومات ناس من الجرحى - منهم مسعود أخو المثنى وخالد بن هلال - فصلى عليهم المثنى وقال: "واللّه ليهون وجدي أن صبروا وشهدوا البويب ولم ينكلوا". وكانت غنائم المسلمين عظيمة فغنموا شيئاً كثيراً من الحبوب، والدقيق، والبقر، والغنم. فقسمها المثنى فيهم، ونفل أهل البلاد وأعطى بجيلة ربع الخمس كما أمر أمير المؤمنين.

      بعد ذلك كتب القواد الذين قادوا الناس في الطلب إلى المثنى وكتب عاصم وعصمة وجرير: "إن اللّه عزَّ وجلَّ قد سلم وكفى ووجه لنا ما رأيت وليس دون القوم شيء فتأذن لنا في الإقدام" . فأذن لهم، فأغاروا حتى بلغوا ساباط، وتحصن أهل ساباط منهم، واستباحوا القرى دونهم، وتبعهم الناس، ثم رجعوا إلى المثنى.

      -------------------

      (213) البويب: نهر كان بالعراق يأخذ من الفرات. [القاموس المحيط، مادة: البوابة].

      (214) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص369، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص288، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، ج1/ص216.

      (215) بجيلة: اسم قبيلة من قبائل العرب تنتسب إلى بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة، من كهلان، أم جاهلية يمانية، هي أخت باهلة يُنسَب إليها البَجَليون وهم بنوها من زوجها "أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث" من كهلان. للاستزادة راجع: جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب.

      (216) هو جرير بن يزيد بن جرير بن عبد اللّه، البجلي، حفيد جرير بن عبد اللّه بن جابر البجلي. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج1/ص160، تهذيب التهذيب ج2/ص311، تقريب التهذيب ج1/ص222، خلاصة تهذيب الكمال ج1/ص325، الكاشف 18، تاريخ البخاري الكبير ج2/ص28، الجرح والتعديل ج2/ص385، ميزان الاعتدال ج1/ص168، لسان الميزان ج7/ص223، البداية والنهاية ج10/ص155، ضعفاء ابن الجوزي ج1/ص280، الثقات ج6/ص187.

      (217) خفّان: بالتشديد موضع قرب الكوفة، قيل: هو فوق القادسية. [القاموس المحيط، مادة: الخُفّ].

      (218) هذه الكلمة أصلها فارسي وهي "بودقلى" بالواو وأبدل العرب الواو ألفاً، ومعناه بالفارسية: متفرَّع. فيصبح المعنى: عند تَفَرُّع نهر الفرات.





      سوق الخنافس - وسوق بغداد(232) (غزوة الأنبار الآخرة - وغزوة أليس الآخرة):

      ============================================

      ثم سار المثنى في السواد وترك بالحيرة بشير بن الخصاصية(233) ونزل أُلَيِّس قرية من قرى الأنبار، وهذه الغزوة تدعى غزوة الأنبار الآخرة، وغزوة أليس الآخرة. وجاء المثنى رجلان أحدهما أنباري والآخر حيري يدله كل واحد منهما على سوق.

      فأما الأنباري فدله على سوق الخنافس. وأما الحيري فدله على سوق بغداد. فقال المثنى: أيتهما قبل صاحبتها؟ فقالا: بينهما أيام. قال: أيهما أعجل؟ قالا: سوق الخنافس ويجتمع بها ربيعة وقضاعة يخفرونهم.

      فاستعد لها المثنى حتى إذا ظن أنه موافيها يوم سوقها ركب نحوهم فأغار على الخنافس، فانتهب السوق وما فيها، ثم رجع فأتى الأنبار فتحصن أهلها منه، فلما عرفوه نزلوا إليه وأتوه بالأعلاف والزاد وأخذ منهم الأدلاء على سوق بغداد وسار ليلاً إليها وصبحهم في أسواقهم فوضع السيف فيهم وأخذ ما شاء.

      وقال المثنى: "لا تأخذوا إلا الذهب والفضة والخز(234) من كل شيء"(235). ثم عاد راجعاً حتى نزل بنهر السَّيْلَحَيْن(236) بالأنبار، ثم واصل زحفه حتى بلغ شمال تكريت وكتب إلى عمر بأخبار غزوته [ص 88].

      -------------------

      (232) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص376، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص292.

      (233) هو بشير بن معبد، وقيل: ابن زبير بن معبد بن ضباب بن سبع بن سدوس، السدوسي، المعروف بابن الخصاصية، الأسلمي، الكوفي. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج1/ص385، تهذيب التهذيب ج1/ص210، تقريب التهذيب ج1/ص118، الجرح والتعديل ج2/ص408، الوافي بالوفيات ج10/ص270، أسماء الصحابة الرواة ترجمة 199، تجريد أسماء الصحابة ج1/ص180، الاستيعاب ج1/ص285، الإصابة ج1/ص128، نقعة الصديان 135.

      (234) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص377، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص292: "الحُرّ من كل شيء" ولعلَّ "الحُرَّ" هنا بمعنى الحَسَن والجميل، أمّا "الخز" وهي واردة في الأصول أيضاً فلا معنى لها، والأرجح أن الخطأ بالكتابة والنقط.

      (235) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص377، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص292.

      (236) السَّيْلَحِين: وهي في الأصول قد وردت خطأ لأنها السَّيْلَحون، وهي ناحية قرب الحيرة ضاربة في البر بينها وبين القادسية. [القاموس المحيط، ولسان العرب، مادة سلح].

      -------------------‏



      تولية يزدجرد عرش فارس(237) وموقعة القادسية(238) (سنة 14هـ/635م):

      ===================================

      تركنا المثنى بعد موقعة البويب العظيمة في العراق وقد حدثت في المدائن أمور هامة فإن أشراف الفرس استاءوا من ضعف رُسْتَم والملكة وخشوا أن يؤدي ضعفهما إلى سقوط المملكة، وهددوا رُسْتَم والفيرزان بالقتل، فطلب رُسْتَم والفيرزان إلى الملكة بوران ابنة كسرى أن تكتب إلى نساء كسرى وسراريه ونساء آل كسرى وسراريهم بالحضور، فلما حضرن سُئلن عن ذكر من أبناء كسرى لاختياره ملكاً عظيماً عليهم، فلم يوجد عند واحدة منهن أحد وقال بعضهن: لم يبقَ إلا غلام يدعى "يزدجرد" من ولد شهريار بن كسرى، وأمه من أهل بادوريا(239) فأرسلوا إليها وطلبوه منها وكان ممن نجا من سيف عمه شيري حين جمعهن وقتل الذكور، وأرسلته أمه إلى أخواله فلما سألوها عنه دلتهم عليه فولوه عليهم، وكان عمره إذ ذاك أحد وعشرين عاماً(240) فاجتمع حوله الأشراف وقدَّموا له الطاعة وهو آخر ملوك العجم وذكر جيبون أن عمره كان خمسة عشر عاماً ولا بدَّ أنه كان أكبر من ذلك.

      ولما تسلَّم يزدجرد سرير الملك ولبس تاج السلطنة وحضرته الأمراء والأكابر والأعيان والأماثل قال: "أنا الولد الطاهر الذي ورثت هذا الملك كابراً عن كابر. وسأجذب بأعضاد الأصاغر وأزيد في مراتب الأكابر. وأتجنب فيكم العتوّ والطغيان ولا أوثر إلا العدل والإحسان فإنه لا يبقى للملوك سوى ذكر جميل هو للإنسان عمر ثانٍ وما أحسن حلية العدل والدين على نحور السلاطين ورأيي فيكم أن أفرغ وسعي في قلع شافة الشر وأقصر جهدي على إحياء معالم الحق"(241).

      [ص 89] ثم إن يزدجرد جمع عساكره وجعلهم تحت قيادة رستم لمحاربة المسلمين، فاحتلوا الجزيرة، وحصنوا المدن إلى الحيرة فلما رأى المثنى قلة جيشه انسحب إلى ذي قار(242) وراء الفرات ونزل الطفّ(243) في عسكر واحد وقد كان من المستحيل على المسلمين الاحتفاظ بأرض الجزيرة لقرب المدائن منها لذلك كان من المهم أن يستولي عليها المسلمون مهما كلفهم ذلك، فكتب المثنى إلى عمر يطلب منه المدد لأن العدو يهددهم.

      -------------------

      (237) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص379، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص294.

      (238) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص378، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص294، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، ج1/ص217، تاريخ الشعوب الإسلامية، بروكلمن ص96. "القادسية بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً وبينها وبين العذيب أربعة أميال، واخْتُلف في سبب تسميتها، فقيل: سميت بالقادسية بقادس هراة وروى ابن عُيينة قال: مرّ إبراهيم بالقادسية فرأى زهرتها ووجد هناك عجوزاً فغسلت رأسه، فقال: "قدست من أرض" فسُمّيت القادسية.

      (239) بادوريا: منطقة في الجانب الغربي من بغداد.

      (240) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص379، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص294، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن ج1/ص217.

      (241) الفردوسي، الشاهنامة ج2، ترجمة الدكتور عبد الوهاب عزَّام ص264.

      (242) ذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط.

      (243) الطفّ: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البر، فيها كان مقتل الحسين.



      --------------------------------------





      التجنيد(244):

      ======================

      لما وصل كتاب المثنى إلى عمر اهتم بالأمر وقال:



      "واللّه لأضربن ملوك العجم بملوك العرب".

      ===============================

      وكان أول ما عمل به عمر حين بلغه أن فارس قد ملكوا يزدجرد أن كتب إلى عمال العرب على الكُوَر والقبائل وذلك في ذي الحجة سنة 13 ه



      وهذا ما كتبه عمر إلى عماله: "لا تدعوا أحداً له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه، ثم وجهتموه إليَّ العجل العجل" فمضت الرسل إلى من أرسلهم إليهم مخرجه إلى الحج ووفاه أوائل هذا الضرب من القبائل التي طرقها على مكة والمدينة. فأما من كان من أهل المدينة على النصف ما بينه وبين العراق فوافاه بالمدينة مرجعه من الحج. وأما من كان أسفل من ذلك فانضموا إلى المثنى فأما من وافى عمر فإنهم أخبروه عمن وراءهم بالحث .









      تأهب عمر للمسير إلى العراق بنفسه:

      =======================

      لما اجتمع الناس إلى عمر خرج من المدينة حتى نزل على ماء يدعى صراراً فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم؟ وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف وكان عثمان يدعى في إمارة عمر رديفاً (والرديف بلسان العرب الذي بعد الرجل. والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيسهم)، وكانوا إذا لم يقدر هذان على علم شيء مما يريدون ثلثوا بالعباس. فقال عثمان لعمر: ما بلغك ما الذي تريد. فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إليه فأخبرهم الخبر، ثم نظر ما يقول الناس فكانت الآراء كما يلي:

      رأي العامة :

      ==================

      كان رأي عامة الناس أن يسيروا إلى محاربة الفرس ويسير الخليفة معهم، فوافقهم عمر على رأيهم. وقال لهم: "استعدوا وأعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من ذلك"(256) وهذا يبين أن عمر لم يكن يستبد برأيه وأنه كان يلتمس خير الآراء [ص 92].



      رأي الخاصة:

      ===========

      كان رأي وجوه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأعلام العرب، ومنهم: علي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن على خلاف رأي العامة، وذلك أنهم أجمعوا على أن يبعث عمر رجلاً من الصحابة بالجنود فإن كان الذي يشتهي فهو الفتح وإلا أعاد رجلاً وندب جنداً آخر ففي ذلك غيظ العدو. وهذا هو الرأي الصواب لأن الخليفة إذا قاد الجيش بنفسه فإما أن ينتصر، وإما أن ينهزم، أو يقتل في ساحة الوغى، وعندئذ تكون الهزيمة شديدة الوقع على المسلمين، والخسارة جسيمة، والعاقبة وخيمة، وهذا ما رآه المسلمون عندما خرج أبو بكر الصديق رحمه اللّه إلى ذي القصة ليحارب بنفسه فإنهم قالوا وقتئذٍ: "ننشدك اللّه يا خليفة رسول اللّه أن تعرض نفسك فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامك أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن أصيب أمَّرت آخر. وقد يعترض على ذلك بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقود الجند بنفسه، لكن رسول اللّه كان ينزل عليه الوحي ويبشره بالنصر وكان اللّه يمده بالملائكة ومع ذلك فإنه لما شاع أنه قتل في موقعة أُحُد اضطرب الجيش وفر من فر إلى المدينة.

      -------------------



      اختيار سعد بن أبي وقاص :

      ===============

      كان سعد بن أبي وقاص على صدقات هوازن بنجد، وكان عمر كتب إليه بانتخاب ذوي الرأي والنجدة والسلاح كما كتب لغيره، فجاءه كتاب سعد وهو يستشير الناس فيمن يبعثه - يقول فيه لعمر: "قد انتخبت لك ألف فارس كلهم له نجدة ورأي وصاحب حيطة يحوط حريم قومه ويمنع ذمارهم إليهم انتهت أحسابهم ورأيهم فشأنك بهم فوافق كتابه مشورتهم فقالوا: قد وجدته. قال: فمن؟ قالوا: الأسد عارياً. قال: من؟ قالوا: سعد. فانتهى إلى قولهم فأرسل إليه فقدم عليه فأمرهم على حرب العراق.





      كان سن سعد بن أبي وقاص حين سار إلى العراق أربعين سنة وقد سار معه إلى العراق من المدينة أربعة آلاف مقاتل، وكان عمر كلما وفد عليه جيش سيره للانضمام إلى سعد، ومن الذين انضموا إليه طليحة الذي كان تنبأ، ثم أسلم، وعمرو بن معدي كرب، والأشعث، وعلى ذلك وجد سعد نفسه قائد جيش كبير يبلغ نحو خمسة وثلاثين ألف، وهو أعظم جيش وجِّه لقتال الفرس .





      وفاة المثنى (سنة 14 هـ/635م):

      ======================

      قبل أن يصل سعد إلى العراق مات المثنى من الجرح الذي أصابه بموقعة الجسر

      ( رحمك الله يا أيها القائد الشجاع )







      وصية المثنى إلى سعد بن أبي وقاص(264):

      ========================

      كان المثنى قد استخلف على الناس بشير بن الخصاصية، وهو يومئذ بزرود(265)، وكان المعني بعد موت أخيه المثنى قد سار إلى قابوس بن قابوس بن المنذر(266) بالقادسية لقتاله، لأن الفرس كانوا قد بعثوا قابوس ليستنفر بني بكر. ثم رجع المعني إلى سعد بوصية المثنى وكان قد أوصى بها وأمره أن يعجلها على سعد بزرود، فلم يفرغ لذلك إذ شغله قابوس، فلقيه بشراف، وكانت وصية المثنى لسعد أن لا يقاتل عدوه وعدوهم (يعني المسلمين من أهل فارس) إذا استجمع أمرهم وملأهم في عقر دارهم، وأن يقاتلوهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأن يقاتلوهم بعقر دارهم فإن يظهر اللّه المسلمين فلهم ما وراءهم وإن كانت الأخرى رجعوا إلى فيئة، ثم يكونوا أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد اللّه الكرة عليهم.

      فلما انتهى إلى سعد رأي المثنى ووصيته ترحم عليه، وأمَّر المعني على عمله، وأوصى بأهل بيته خيراً، وخطب سلمى زوجة المثنى وتزوجها.

      -------------------

      (264) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص386، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص300.

      (265) زرود: أي بلوع، والزرود: البلع، ولعلَّها سمِّيت بذلك لابتلاعها المياه التي تمطرها السحائب لأنها رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. [القاموس المحيط، مادة: زَرِدَ].

      (266) هو ابن قابوس بن المنذر الثالث ابن امرئ القيس بن النعمان اللخمي من ملوك الخيرة. للاستزادة راجع: العرب قبل الإسلام، اليعقوبي ج1/ص183.

      -------------------‏





      ترتيب جيوش المسلمين(267):

      =====================

      لما نزل سعد بشراف كتب إلى عمر بمنزله وبمنازل الناس فيما بين غضى إلى الجبانة

      فكتب إليه عمر:

      "إذا جاءك كتابي هذا فعشر الناس، وعرف عليهم، وأمر على أجنادهم، وعبهم، ومر رؤساء المسلمين فليشهدوا، وقدرهم، ثم وجههم إلى أصحابهم، وواعدهم القادسية، واضمم إليك المغيرة بن شعبة في خيله، واكتب إليِّ بالذي يستقر إليه أمرهم"(268).

      فبعث سعد

      إلى المغيرة فانضم إليه وإلى رؤساء القبائل فأتوه، فقدر الناس وعبأهم بشراف، وأمر أمراء الأجناد، وعرَّف العرفاء، فعرَّف على كل عشرة رجلاً، وأمر على الرايات رجلاً من أهل السابقة، وأمر على الأعشار رجالاً لهم وسائل في الإسلام، وولى الحروب رجالاً، فجعل على المقدمة زُهْرَة بن عبد اللّه(269)، واستعمل على الميمنة عبد اللّه بن المعتم(270). وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط(271)، وعلى الساقة عاصم بن عمرو التميمي(272)، وعلى الطلائع [ص 99] سواد بن مالك التميمي(273) وعلى المجردة سلمان بن ربيعة الباهلي(274) وعلى الرَّجْل(275) حمَّال بن مالك الأسدي(276) وعلى الركبان عبد اللّه بن ذي السهمين الخثعمي(277) وجعل خليفته خالد بن عُرْفُطة: فكان أمراء التعبئة يلون الأمير ويليهم أمراء الأعشار، ثم أصحاب الرايات، ويلي أصحاب الرايات والقواد رؤوس القبائل، وجعل على قضاء الناس عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي(278) وإليه قسمة الفيء. وجعل داعيتهم ورائدهم سلمان الفارسي(279).

      وكان معه تسعة وتسعون ممن شهد موقعة بدر، وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كانت له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة، فكان مجموع عدد الصحابة نحو ألف وأربعمائة.

      -------------------

      (267) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص385، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص301.

      (268) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص385.

      (269) هو زُهْرة بن عبد اللّه بن قتادة بن الحوية بن مرثد بن معاوية بن معن بن مالك بن أرثم بن جُشم بن الحارث الأعرج، التميمي، السعدي، كان ملك هَجَر قد سوَّده في الجاهلية، صحابي، من أشراف الكوفة وشجعانها المقدَّمين، شهد القادسية وكثيراً من الوقائع واشتهر، عاش إلى أن صار شيخاً كبيراً لا يستتم قائماً حتى يؤخذ بيده. للاستزادة راجع: ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج4/ص260.

      (270) هو عبد اللّه بن المعْتَمّ، كان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكان أحد التسعة الذين قدموا عليه صلى اللّه عليه وسلم.

      (271) هو شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة بن عديِّ بن ربيعة، أبو زيد ويقال: أبو السمط، الكندي الشامي، المتوفى سنة 40 هـ، والٍ، وقائدٍ من الشجعان، شهد القادسية، افتتح حمص، وقاتل في الردَّة، شهد صفين مع معاوية، وَلِيَ حمص نحواً من عشرين سنة، ومات فيها، وقيل: مات في صفين. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج2/ص185، تهذيب التهذيب ج4/ص310، تقريب التهذيب ج1/ص287، خلاصة تهذيب الكمال ج1/ص186، الكاشف ج2/ص202، تاريخ البخاري الكبير ج4/ص301، تاريخ البخاري الصغير ج1/ص300، الجرح والتعديل ج4 ترجمة 1484، أسد الغابة ج2/ص288، الاستيعاب ج2/ص355، تجريد أسماء الصحابة ج1/ص218، الإصابة ج3/ص333، الوافي بالوفيات ج16/ص265، الثقات ج3/ص25.

      (272) هو عاصم بن عمرو، التميمي، أحد الشعراء الفرسان، من الصحابة، له أخبار وأشعار في فتوح العراق، أبلى في القادسية البلاء الحسن. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 4349.

      (273) هو سوادة بن مالك، التميمي، شهد القادسية وأبلى بلاء حسناً، روى له ابن ماجه، صحابي. للاستزادة راجع: تعجيل المنفعة 228، تاريخ البخاري الكبير ج4/ص85.

      (274) هو سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم بن ثعلبة، أبو عبد اللّه، الباهلي، صحابي متوفى سنة 30 هـ، من القادة القضاة، شهد فتوح الشام، والقادسية، سكن العراق، استقضاه عمر على الكوفة. قال ابن قتيبة في المعارف: "هو أوَّل قاضِ قضى لعمر بن الخطاب بالعراق"، وقال أيضاً: "قُتل في بلنجر، من أرض الترك أو من أرمينية، ويقال: إن عظامه عند أهل بلنجر، في تابوت، إذا احتبس عليهم المطر أخرجوه فاستسقوا به، فسقوا". ثم وَلِيَ غزو أرمينية في زمن عثمان، واستشهد فيها. للاستزادة راجع: الإصابة ج2/ص185، تهذيب التهذيب ج4/ص220، تهذيب الكمال ج1/ص338، تقريب التهذيب ج1/ص285، خلاصة تهذيب الكمال ج1/ص111، المعارف 185، الكاشف ج1/ص285، تاريخ البخاري الكبير ج4/ص117، الجرح والتعديل ج4/ص266، طبقات ابن سعد ج6/ص308، البداية والنهاية ج7/ص205، الثقات ج4/ص228.

      (275) الرَّجْل: المشاة من الجيش. [القاموس المحيط، مادة: رَجَلَ].

      (276) هو حمَّال بن مالك، الأسدي، صحابي، شهد القادسية وفتوح العراق.

      (277) هو عبد اللّه بن ذي السهمين الخثعمي. للاستزادة راجع: الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص385، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص301: "الحنفي".

      (278) هو عبد الرحمن بن ربيعة بن يزيد، الباهلي، والٍ من الصحابة، كان يلقّب: ذا النور، ولاَّه عمر قضاء الجيش الذي وجَّهه إلى القادسية، وعهد إليه بقسمة الغنائم، ثم ولاَّه الباب، وقتال الترك والخزرج، استمر بولايته هذه إلى أن استشهد في بعض وقائعه ببنجر. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 5110، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج3/ص17، ياقوت، معجم البلدان: "بنجر".

      (279) هو سلمان الفارسي، صحابي، مقدَّم من مجوس أصبهان، عاش عمراً طويلاً، توفي سنة 36 هـ، اختلفوا فيما كان يسمّى به في بلاده، قالوا: نشأ في قرية جيلان، فرحل إلى الشام، فالموصل، فنصّيبين، فعموريّة، وقرأ كتب الفارسية والرومية واليهودية، قصد بلاد العرب فلقيه قوم من بني كلب فاستخدموه، ثم استعبدوه وباعوه، فاشتراه رجل من قريظة وجاء به إلى المدينة، فسمع بخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم فقصده وسمع كلامه وأسلم، كان قوي الجسم صحيح الرأي، عالماً بالشرائع وغيرها، وهو الذي دلَّ المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب، جُعِل أميراً على المدائن، فأقام فيها حتى وفاته. للاستزادة راجع: أخبار سلمان وزهده وفضائله، لابن بابويه القمّي، طبقات ابن سعد ج4/ص111، تهذيب ابن عساكر ج6/ص300، الإصابة ترجمة 3350، حلية الأولياء ج1/ص187، صفة الصفوة ج1/ص125، المسعودي ج1/ص210، محاسن أصفهان 25، الذريعة ج1/ص85.

      -------------------‏





      مراسلات عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص(280):

      ذكرنا وصية المثنى إلى سعد، وكان سعد عازماً على تنفيذها لما للمثنى من الخبرة والدراية فأتاه كتاب من عمر بن الخطاب بمثل رأي المثنى وهذا نصه:

      " أما بعد، فسر من شراف نحو فارس بمن معك من المسلمين، وتوكل على اللّه، واستعن به على أمرك كله واعلم فيما لديك أنك تقدم على أمة عددهم كثير، وعدتهم فاضلة، وبأسهم شديد، وعلى بلد منيع وإن كان سهلاً كؤوداً لبحوره وفيوضه، ودآدئه إلا أن توافقوا غيضاً من قيض، وإذا لقيتم أحداً منهم فابدأوهم الشد والضرب، وإياكم والمناظرة لجموعهم، ولا يخدعنكم فإنهم خدعة مكرة، أمرهم غير أمركم إلا أن تجادوهم، وإذا انتهيت إلى القادسية. والقادسية باب فارس في الجاهلية وهي أجمع تلك الأبواب لمادتهم ولما يريدونه من تلك الآصُل(281) وهو منزل رغيب، خصيب، حصين، دونه قناطر وأنهار ممتنعة فتكون مسالحك(282) على أنقابها(283)، ويكون الناس بين الحجر والمدر(284) على حافات الحجر، وحافات المدر [ص 101] والجراع(285) بينهما، ثم الزم مكانك فلا تبرحه فإنهم إذا أحسوك أنغضتهم(286) ورموك بجمعهم الذي يأتي على خيلهم ورجلهم وحدهم وجدهم. فإن أنتم صبرتم لعدوكم واحتسبتم لقتاله ونويتم الأمانة رجوت أن تُنصروا عليهم، ثم لا يجتمع لكم مثلهم أبداً إلا أن يجتمعوا وليس معهم قلوبهم، وإن تكن الأخرى كان الحجر في أدباركم فانصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم، ثم كنتم عليها أجرأ وبها أعلم، وكانوا عنها أجبن وبها أجهل حتى يأتي اللّه بالفتح عليهم ويرد لكم الكرة"(287).

      وكتب إليه أيضاً باليوم الذي يرحل فيه من شراف: "فإذا كان يوم كذا وكذا فارتحل بالناس حتى تنزل فيما بين عذيب الهجانات، وعذيب القوادس(288) وشرِّق بالناس وغرِّب بهم"(289).



      ثم قدم عليه جواب كتاب عمر:

      "أما بعد، فتعاهد قلبك، وحادث جندك بالموعظة، والنية، والحسبة، ومن غفل فليحدثهما. والصبر الصبر. فإن المعونة تأتي من اللّه على قدر النية والأجر على قدر الحسبة. والحذر الحذر على من أنت عليه وما أنت بسبيله، واسألوا اللّه العافية وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا باللّه، واكتب إليَّ أين بلغك جمعهم ومن رأسهم الذي يلي مصادمتكم فإنه قد منعني من بعض ما أردت الكتاب به قلة علمي بما هجمتم عليه، والذي استقر عليه أمر عدوكم. فصف لنا منازل المسلمين والبلد الذي بينكم وبين المدائن صفة كأني أنظر إليها واجعلني من أمركم على الجلية. وخف اللّه وارجه ولا تدل بشيء، واعلم أن اللّه قد وعدكم. وتوكل لهذا الأمر بما لا خلف له. فاحذر أن تصرفه عنك ويستبدل بكم غيركم"(290).

      فكتب إليه سعد بصفة البلد:

      "إن القادسية بين الخندق والعتيق، وإن ما عن يسار القادسية بحر أخضر في جوفٍ لاح إلى الحيرة بين طريقين. فأما أحدهما: فعلى الظهر. وأما الآخر، فعلى شاطيء نهر يدعى الحضوض يطلع بمن سلكه على ما بين الخورنق والحيرة، وإن ما عن يمين القادسية إلى الولجة فيض من فيوض مياههم، وإن جميع من صالح المسلمين من أهل السواد قبلي، أَلْبٌ(291) لأهل فارس قد خفوا لهم واستعدوا لنا. وأن الذي أعدوا لمصادمتنا "رستم" في أمثال له منهم. فهم يحاولون إنغاضنا وإقحامنا ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم، وأمر اللّه بعد ماض وقضاؤه مسلم إلى ما قدر لنا وعلينا فنسأل اللّه خير القضاء وخير القدر في عافية"(292).

      فكتب إليه عمر:

      "قد جاءني كتابك وفهمته، فأقم بمكانك حتى ينغض اللّه لك عدوك. واعلم أن لها ما بعدها. فإن منحك اللّه أدبارهم، فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن فإنه خرابها إن شاء اللّه(293).

      وجعل عمر يدعو لسعد خاصة ويدعون له معه وللمسلمين عامة.

      -------------------

      (280) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص386، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص302، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، ج1/ص217.

      (281) الآصُل: جمع أصل. [القاموس المحيط، مادة: أَصَلَ].

      (282) المسلّحة: قوم ذوو سلاح، والمسلّحة أيضاً: كالثغر، وفي الحديث: "كان أدنى مسالح فارس إلى العذيب". [القاموس المحيط، مادة: سلح].

      (283) أنقاب: جمع نقب، وقيل: الطريق الضيق في الجبل. [القاموس المحيط، مادة: نقب].

      (284) المدر: التراب المتلبد. [القاموس المحيط، مادة: مدر].

      (285) الجراع: جمع الجرعة، وهي الأرض ذات الحزونة، تشاكل الرمل، وقيل: هي الرملة السهلة المستوية. [القاموس المحيط، مادة: جرع].

      (286) أنغضتهم: حرَّكتهم. [القاموس المحيط، مادة: نغض].

      (287) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص386.

      (288) عذيب القوادس، عذيب: تصغير عذب، وهو الماء الطيب، بينه وبين القادسية أربعة أميال، وكتاب عمر يدلُّ على أن هناك عذيبين.

      (289) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص387.

      (290) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص387.

      (291) الألب: الجمع. [القاموس المحيط، مادة: أَلَبَ].

      (292) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص387.

      (293) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص387.

      -------------------‏



      ميدان القتال:

      =============

      سار سعد متمهلاً نحو العذيب، محاذياً حدود الصحراء، وهناك ترك النساء والأطفال بحماية فرقة من الفرسان، وتقدم نحو القادسية في سهل متسع يرويه الفرات ويحده من الغرب خندق سابور - وقد كان هذا الخندق في تلك الأيام غديراً - ووراءه تمتد الصحراء، وهذا السهل يخترقه طريق من بلاد العرب، وهناك يعبر النهر بجسر من القوارب إلى الحيرة، ومن ثمَّ الطريق إلى المدائن. هذا هو وصف ميدان القتال الذي عما قريب يُبتُّ فيه أمر الفرس. وقد سار سعد على الشاطئ الغربي وجعل مركز القيادة القديس - وهي قلعة صغيرة على الغدير بعد الجسر بقليل وهناك عسكر - وانتظر بفروغ صبر حركات العدو.

      ---------------------





      يزدجرد، يعجل بالقتال :

      ===============

      كان رُسْتَم يريد الانتظار كسعد لولا رغبة الملك في التعجيل بالقتال، لأن العرب كانوا يعبرون النهر إلى الجزيرة ويوالون الإغارات، ويهاجمون حصون الأشراف، وقد انقضى الربيع وأتى فصل الصيف، واستاق المسلمون النعم من المراعي تأديباً للقبائل الموالية للفرس، ولتقديم الغداء للجيش. فلما استغاث أهل البلاد لم يعد الملك يستمع لرأي رُسْتَم بالانتظار، وعوَّل على التقدم في الحال. وفي هذه الأثناء كان سعد يراسل عمر بن الخطاب ويوافقه على كل شيء ويصف له القادسية.

      أقام سعد شهراً ينتظر حركات العدوّ فلما طال به الانتظار كتب إلى عمر:

      "لم يوجه القوم إلينا أحداً ولم يسندوا حرباً إلى أحد علمناه ومتى ما يبلغنا ذلك نكتب به واستنصر اللّه فإنا بمنحاة دنيا عريضة دونها بأس شديد قد تقدم إلينا في الدعاء إليهم فقال: ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد".

      ثمَّ لما علم سعد أن الملك ولى رُسْتَم حربه كتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر: "لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتوك به، واستعن باللّه وتوكَّل عليه، وابعث عليه رجالاً من أهل المنظرة والرأي والجلد يدعونه فإن اللّه جاعل دعاءهم توهيناً لهم، وفَلْجاً عليهم واكتب إليَّ في كل يوم".



      ------------------------------------





      وفد المسلمين إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام(298):

      ================================

      لما وصل جواب عمر إلى سعد يأمره بإرسال وفد إلى الملك أرسل سعد نفراً منهم: النعمان بن مُقَرَّن(299) وبُسْر بن أبي رُهمْ، وحَمَلة بن جُوَيَّة، وحنظلة بن [ص 105] الربيع(300)، وفرات بن حيَّان(301) وعدي بن سهيل(302)، وعُطارد بن حاجب(303)، والمغيرة بن [ص 106] زُرارة بن النباش الأُسَيْدي، والأشعث بن قيس(304) والحِرث بن حسان، وعاصم بن عمرو، وعمرو بن معدي كرب(305) والمغيرة بن شعبة، والمعني بن حارثة إلى يزدجرد دعاة فخرجوا من العسكر فقدموا على يزدجرد، وتركوا رُسْتَم واستأذنوا على يزدجرد فحُبسوا وأحضر وزراءه ورُسْتَم معهم واستشارهم فيما يصنع ويقوله لهم، واجتمع الناس ينظرون إليهم وتحتهم خيول كلها صهال وعليهم البرود وبأيديهم السياط. فأذن لهم وأحضر الترجمان وقال له: سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا من أجل أننا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا؟ فقال النعمان بن مقرن لأصحابه: "إن شئتم تكلمت عنكم ومن شاء آثرته". فقالوا: بل تكلم، فقال: [ص 107] "إن اللّه رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يأمرنا بالخير وينهانا عن الشرور ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فلم يدع قبيلة إلا وقاربه منها فرقة وتباعد عنه بها فرقة. ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب فبدأناهم فدخلوا معه على وجهين مكره عليه فاغتبط، وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسَّن الحسن، وقبَّح القبيح كله. فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة. فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب اللّه، وأقمنا عليه على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن اتقيتمونا بالجزاء (الجزية) قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم".

      فتكلم يزدجرد فقال:

      "إني لا أعلم من الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً، ولا أسوأ ذات بَيْن منكم. قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونا أمركم. لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان غرر لحقكم فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتاً إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم" فأسكت القوم.

      فقام المغيرة بن زرارة بن النبَّاش الأُسَيْدي فقال:

      "أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم، وهم أشراف يستحيون من الأشراف وإنما يكرم الأشراف الأشراف. ويعظم حقوق الأشراف الأشراف، ويفخم الأشراف الأشراف، وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني لأكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً. فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا. وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع. كنا نأكل كل الخنافس والجعلان(306)، والعقارب، والحيات فنرى ذلك طعامنا. وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم. ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً، ويغير بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا. فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك. فبعث اللّه إلينا رجلاً معروفاً نعرف نسبه، ونعرف وجهه ومولده. فأرضه خير أرضنا. وحسبه خير أحسابنا، وبيته أعظم بيوتنا، وقبيلته خير قبيلتنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كنا فيها أصدقنا وأحلمنا فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد أول من ترب كان له وكان له الخليفة من بعده. فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل [ص 108] شيئاً إلا كان فقذف اللّه في قلوبنا التصديق له وإتباعه فصار فيما بيننا وبين رب العالمين. فما قال لنا فهو قول اللّه، وما أمرنا فهو أمر اللّه. فقال لنا: إن ربكم يقول: إني أنا اللّه وحدي لا شريك لي. كنت إذ لم يكن شيء وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شيء وإليَّ يصير كل شيء، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي أنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري دار السلام فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق. وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم. ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم، فمن قُتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك".

      فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ فقال:

      "ما استقبلت إلاّ من كلمني ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به" فقال: "لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم لا شيء لكم عندي" ثم استدعى بوقر(307) من تراب فقال: "احملوه على أشرف هؤلاء، ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن. ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رُسْتَم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية(308)، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم بأنفسكم بأشد مما نالكم من سابور" فقام عاصم بن عمرو ليأخذ التراب وقال: أنا أشرفكم، أنا سيد هؤلاء. فحمله على عنقه وخرج إلى راحلته فركبها، وأخذ التراب وقال لسعد: "أبشر فو اللّه لقد أعطانا اللّه أقاليد ملكهم"(309).

      -------------------

      (298) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص390، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص305.

      (299) هو النعمان بن مُقَرَّن بن عائذ، المزني، أبو عمرو، أبو حكيم، المتوفى سنة 21 هـ، من الأمراء القادة الشجعان، كان معه لواء "مزينة" يوم فتح مكة، وجَّهه سعد بن أبي وقاص بأمر من عمر لمحاربة الهرمزان فهزمه، وتقدَّم إلى تستر، وعاد إلى المدينة بشيراً بفتح القادسية. للاستزادة راجع: ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص280، تهذيب الكمال ج3/ص310، تهذيب التهذيب ج10/ص105، تقريب التهذيب ج2/ص211، خلاصة تهذيب الكمال ج3/ص120، تاريخ البخاري الكبير ج8/ص12، تاريخ البخاري الصغير ج1/ص207، الجرح والتعديل ج8/ص305، الثقات ج3/ص180، أسد الغابة ج5/ص278، الاستيعاب: 1505، البداية والنهاية ج7/ص300، سير الأعلام ج2/ص180، الإصابة ج6/ص190، التمهيد ج1/ص277، طبقات ابن سعد ج1/ص186.

      (300) هو حنظلة بن الربيع بن صيفي، التميمي، صحابي، يقال له: "حنظلة الكاتب" لأنه كان من كُتَّاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو ابن أخي أكثم بن صيفي. شهد القادسية ونزل الكوفة، وتخلَّف عن علي يوم الجمل، مات سنة 45 هـ في خلافة معاوية. للاستزادة راجع: الإصابة ج1/ص278.

      (301) هو فرات بن حيَّان بن عطية بن عبد العزى بن حبيب بن أحمد بن ربيعة بن سعد بن عجل، العجلي، صحابي، شهد القادسية. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج2/ص261، تهذيب التهذيب ج8/ص188، خلاصة تهذيب الكمال ج2/ص157، الكاشف ج2/ص167، تاريخ البخاري الكبير ج7/ص277، الجرح والتعديل ج7/ص308، الثقات ج3/ص518، الاستيعاب ج2/ص66، أسد الغابة ج4/ص418، الإصابة ج5/ص180، طبقات ابن سعد ج6/ص199، الحلية ج2/ص180، تجريد أسماء الصحابة ج2/ص203، أسماء الصحابة الرواة ترجمة 472.

      (302) هو عديُّ بن حاتم بن عبد اللّه بن سهيل بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ، أبو طريف، الطائي، المتوفى سنة 68 هـ وله من العمر 120 سنة، صحابي شهير ممن ثبت على الإسلام وحضر فتوح العراق وحروب علي. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج2/ص120، تهذيب التهذيب ج7/ص282، تقريب التهذيب ج2/ص10، خلاصة تهذيب الكمال ج2/ص311، الكاشف ج2/ص111، تعجيل المنفعة ج1/ص16، تاريخ البخاري الكبير ج7/ص220، تاريخ البخاري الصغير ج1/ص301، الجرح والتعديل ج7/ص265، الثقات ج3/ص110، أسد الغابة ج4/ص225، تجريد أسماء الصحابة ج1/ص312، الإصابة ج4/ص85، الاستيعاب ج3/ص20، أسماء الصحابة الرواة ترجمة 49، طبقات ابن سعد ج1/ص209.

      (303) هو عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبيد اللّه بن دارم، التميمي، المتوفى سنة 20 هـ، خطيب من سراة بني تميم، قيل: وفد على كسرى في الجاهلية وطلب منه قوس أبيه، فردَّها عليه وكساه حلّة ديباج، ولما ظهر الإسلام وفد على النبي صلى اللّه عليه وسلم فكان خطيبه، واستعمله على صدقات بني تميم، ارتدَّ بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم وتبع سجاح، ثم عاد إلى الإسلام. للاستزادة راجع: تعجيل المنفعة ص106، الإصابة ترجمة 5568، البيان والتبيين ج1/ص14، الآمدي ص77.

      (304) الأشعث بن قيس بن معدي كرب، الكندي، أبو محمد. ولد سنة 23 ق.م، أمير كندة في الجاهلية والإسلام، كانت إقامته في حضرموت، وفد على النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ظهور الإسلام، في جمع من فوقه، أسلم وشهد اليرموك، فأصيبت عينه. لما ولي أبو بكر الخلافة امتنع الأشعث وبعض بطون كندة عن تأدية الزكاة، فتنحَّى والي حضرموت بمن بقي على الطاعة من كندة، وجاءته النجدة فحاصر حضرموت فاستسلم الأشعث وفتحت حضرموت عنوة، وأرسل الأشعث موثوقاً إلى أبي بكر في المدينة ليرى فيه رأيه، فأطلقه أبو بكر وزوَّجه أخته أم فروة، فأقام في المدينة وشهد الوقائع وأبلى البلاء الحسن، ثم كان مع سعد بن أبي وقاص في حروب العراق، ولما آل الأمر إلى علي كان الأشعث معه يوم صفّين، على راية كندة، وحضر معه وقعة النهروان، وورد المدائن، ثم عاد إلى الكوفة فتوفي فيها سنة 40 هـ على أثر اتفاق الحسن ومعاوية، كان من ذوي الرأي والإقدام، موصوفاً بالهيبة، هو أول راكب في الإسلام مشت معه الرجال يحملون الأعمدة بين يديه ومن خلفه. للاستزادة راجع: ابن عساكر ج3/ص64، الآمدي 45، تاريخ الخميس ج2/ص289، ثمار القلوب 69، ذيل المذيّل 34، خزانة الأدب للبغدادي ج2/ص465، تاريخ البغدادي ج1/ص196.

      (305) هو عمرو بن معدي كرب بن ربيعة بن عبد اللّه الزبيدي، فارس اليمن، وصاحب الغارات المذكورة، وفد على المدينة سنة 9 هـ، في عشرة من بني زبيد، فأسلم وأسلموا، وعادوا، لما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم ارتدَّ عمرو في اليمن، ثم رجع إلى الإسلام، فبعثه أبو بكر إلى الشام، فشهد اليرموك، وذهبت فيها إحدى عينيه، وبعثه إلى العراق، فشهد القادسية، وكان عصيِّ النفس، فيه قسوة الجاهلية، يكنَّى أبو ثور، له شعر جيّد، توفي على مقربة من الريِّ، وقيل: قتل عطشاً يوم القادسية سنة 21 هـ. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 5972، سمط اللآلي ص85، طبقات ابن سعد ج5/ص208، معاهد التنصيص ج2/ص118، الحور العين 10، شرح الشواهد 186، المزرباني 209، الشعر والشعراء 187، الشعور بالعَوَر 115، خزانة الأدب للبغدادي ج1/ص100، سرح العيون 98، البلاذري 110، الإشراف في منازل الأشراف 220.

      (306) الجعلان: جمع جُعل وهو الحرباء. [القاموس المحيط، مادة: جعل].

      (307) الوِقْر: بالكسر حِمْل البغل أو الحمار، ويستعمل للبعير. [القاموس المحيط، مادة: وقر].

      (308) ورد في الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص392: "حتى يُدفيَكم ويُدفيَه في خندق القادسية" يدفي ويدفو بمعنى: يُجَهز على. [القاموس المحيط، مادة: دَفَوْتُ].

      (309) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص390، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص305.

      -------------------‏







      مسير جيش رُسْتَم(310) (سنة 14هـ/635م):

      ===============================

      لم يعد رستم ينتظر بعد ذلك فجمع جيشاً يبلغ مائة وعشرون ألفاً(311) ومعهم الفيلة ومع ذلك سار متمهلاً، ثم عبر الفرات بالقرب من بابل وتقدم نحو الحيرة إلى أن صار بمرأى من جيش المسلمين وعسكر على الشاطئ المقابل، واستعمل رُسْتَم على ميمنته الهُرمُزان وعلى ميسرته مِهْران بن بهرام الرازي، وعلى ساقته البيرزان، ودعا رُسْتَم أهل الحيرة فقال: "يا أعداء اللّه، فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا، وكنتم عيوناً لهم علينا، وقويتموهم بالأموال"، فاتقوه بابن بُقَيْلة وقالوا له: كن أنت الذي تكلمه فتقدم فقال:

      "أما أنت وقولك: إنا فرحنا بمجيئهم. فماذا فعلوا؟ وبأي ذلك من أمورهم نفرح؟ إنهم ليزعمون أنا عبيد لهم وما هم على ديننا، وإنهم ليشهدون علينا أنا من أهل النار. وأما قولك: إنا كنا عيوناً لهم فما الذي يحوجهم إلى أن نكون عيوناً لهم؟ وقد هرب أصحابكم منهم وخلوا لهم القرى! فليس يمنعهم أحد من وجه أرادوه إن شاؤوا أخذوا يميناً أو شمالاً. وأما قولك: إنا قويناهم بالأموال فإنا صانعناهم بالأموال عن أنفسنا إذا لم تمنعونا مخافة أن نُسي، وأن نحرب، وتقتل مقاتلتنا وقد عجز منهم من لقيهم منكم فكنا نحن أعجز، ولعمري لأنتم أحب إلينا منهم وأحسن عندنا بلاء فامنعونا منهم نكن لكم أعواناً، فإنما نحن بمنزلة علوج السواد عبيد من غلب" فقال رُسْتَم: "صدقكم الرجل"(312).

      -------------------

      (310) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص394، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص307.

      (311) ورد في الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص394: "بعث في مقدِّمته الجالينوس في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً".

      (312) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص396.

      -------------------‏







      سعد يمنع جيشه من القتال(313):

      =======================

      اضطر المسلمون أن يظلوا مدة طويلة في العراق بلا قتال بالرغم منهم تنفيذاً لأوامر سعد ما عدا بعض سرايا صغيرة أرسلها سعد ورُسْتَم بالنجف، والجالينوس بين النجف(314) والسَّيْلَحين فطافت في السواد فبعث سواداً وحُميضة في مائة مائة فأغاروا على النهرين، وبلغ رُسْتَم الخبر فأرسل إليهم خيلاً وسمع سعد أن جيلة قد وغلت فأرسل عاصم بن عمرو، وجابراً الأسدي في آثارهم فلقيهم عاصم وخيل فارس تحوشهم ليخلصوا ما بأيديهم فلما رأته الفرس هربوا ورجع المسلمون بالغنائم وأرسل سعد عمرو بن معدي كرب وطُلَيْحَة الأسدي(315) فأما طليحة فأمره بعسكر رُسْتَم، وأما عمرو فأمره بعسكر الجالينوس، فخرج طُلَيْحَة وحده وخرج عمرو في عدة فبعث قيس بن هبيرة في آثارهما فقال: إن لقيت قتيلاً فأنت عليهم، وأراد إذلال طُلَيْحَة لمعصيته. وأما عمرو فقد أطاعه فخرج حتى تلقى عمراً فسأله عن طليحة فقال: لا علم لي به فلما انتهيا إلى النجف من قبل الجوف، قال له قيس: ما تريد؟ قال: أريد أن أغير على أدنى عسكرهم. قال: في هؤلاء؟ قال: نعم. قال: لا أدعك واللّه وذاك. أتعرض المسلمين لما لا يطيقون! قال: وما أنت وذاك؟ قال: إني أمرت عليك ولو لم أكن أميراً لم أدعك وذاك وشهد له الأسود بن يزيد في نفر إن سعداً قد استعمله عليك وعلى طُلَيْحَة إذا اجتمعتم فقال عمرو: واللّه يا قيس، إن زماناً تكون عليَّ فيه أميراً لزمان سوء لأنْ أرجع عن دينكم هذا إلى ديني الذي كنت عليه، وأقاتل عليه حتى أموت أحب إليِّ من أن تتأمر عليَّ ثانية. وقال: لئن عاد صاحبك الذي بعثك لمثلها لنفارقنه. قال: ذاك إليك بعد إمرتك هذه، فرده فرجعا إلى سعد بالنجر وشكا كل واحد منها صاحبه. فقال سعد: يا عمرو الخبر والسلامة أحب إليَّ من مصاب مائة بقتل ألف. أتعمد إلى حلبة فارس فتصادمهم بمائة إن كنت لأراك أعلم بالحرب مما أرى. فقال: إن الأمر لكما.

      -------------------



      جرأة طُلَيْحَة:

      =========

      خرج طليحة حتى دخل عسكرهم في ليلة مقمرة فتوسم فيه فهتك أطناب بيت رجل عليه واقتاد فرسه. ثم خرج حتى مر بعسكر ذي الحاجب فهتك على رجل آخر بيته وحل فرسه. ثم دخل على الجالينوس عسكره فهتك على آخر بيته وحل فرسه. ثم خرج حتى أتى الخرَّارة(319) وخرج الذي كان بالنجف والذي كان في عسكر ذي الحاجب فاتبعه الذي كان في عسكر الجالينوس فكان أولهم لحاقاً به الجالينوس، ثم الحاجبي، ثم النجفي، فأصاب الأَوَّلين وأسر الآخر وأتى به سعداً فأخبره وأسلم، فسماه سعد مسلماً ولزم طُلَيْحَة فكان معه في تلك المغازي كلها.

      -------------------

      (319) الخرَّارة: موضع قرب الكوفة.

      -------------------‏







      رُسْتَم يحاول منع القتال:

      =================

      كان رُسْتَم شجاعاً وفارساً، مقداماً، وكان منجماً فرأى طالع الفرس منحوساً، وعلم أن نعيمهم عاد بؤساً، فكتب كتاباً إلى أخيه مشحوناً بالأسف والحزن - وهذا نصه:

      "إني نظرت في أسرار الكواكب، واستشففت أستار العواقب، فرأيت بيت ملك الساسانية خالياً، ورسم سلطانهم عافياً، واتفقت الشمس والقمر والزهرة في طالع العرب فلن يروا سوى الخير والعلاء، وأما من جانبنا فقد صار الميزان خالياً، فلسنا نرى غير العناء والشقاء، ولقد أمعنت النظر وبين أيدينا أمر عظيم وخطب جسيم، والأولى أن أوثر السكوت، وأفوِّض الأمر إلى مالك الملك والملكوت". وقال في كتابه: "وإن الرسل تختلف بيننا وبينهم، وهم يلتمسون أن نقاسمهم الأرض فيكون لهم ما وراء الفرات، ويكون لنا ما دونه على أن نفتح لهم الطريق إلى السوق حتى يدخلوا إليها ويتسوقوا. هذا قولهم ويا ليته وافقه فعلهم، ثم إنه يجري كل يوم وقعة يهلك فيها خلق من الإيرانيين والذين معي منهم قوم مغترون بشجاعتهم ورجوليتهم ووفورة عَددهم وعُددهم. ومستصغرون أمر العدو القادر، ولا يدرون سر الفلك الدائر. فإذا وقفت على كتابي هذا فاجمع أموالك وخزائنك، وخيلك ورجلك، وانهض إلى آذربيجان، واعتصم بتلك البلاد واشرح لأمي حالي، وسلها الدعاء فإني وأصحابي في عناء وتعب، وهمٍّ، وأسف، وأنا أعلم أني لا أسلم بالآخرة من هذه الوقعة، ثم إن عليك بحفظ الملك فإنه لم يبقَ من هذه الشجرة أحد سواه (320)".

      هذا خطاب رُسْتَم إلى أخيه قبل أن يشتبك الجيشان في الحرب، وهو يؤيد ما جاء في المصادر العربية التي نعوّل عليها مثل الطبري، وابن الأثير من أنه فاوض المسلمين وخاطبهم مراراً محاولاً منع وقوع الحرب ومن هذا الخطاب الفارسي المصدر يتبين أنه كان يتوقع انتصار العرب وهزيمة الفرس. كان هذا رأي رُسْتَم قائدهم الأعظم مع أنه كان تحت قيادته مائة وعشرين ألف مقاتل مجهزين بالفيلة، والخيول، والسيوف والنبال، والخوذ ومعهم المؤن الوافرة والأموال الطائلة، وليس لدى المسلمين غير خمسة وثلاثين ألف رجل تحت قيادة سعد بن أبي وقاص، ولم تكن مؤنهم متوفرة ولذا اضطروا أن يغيروا على القبائل هناك للاستيلاء على الماشية لتموين الجيش ومع ذلك كان رُسْتَم يتوقع هزيمة، وينصح لأخيه بالالتجاء إلى آذربيجان، ولذلك حاول إقناع المسلمين بالكف عن القتال فذكر لهم سوء حالهم وقلة عَددهم وعُددهم، وأظهر لهم حسن حال الفرس وما هم فيه من عز وسلطان، فلم يفلح لسببين:

      أولاً: لأن يزدجرد كان يعجل بالقتال لأن الفرس اختاروه ملكاً، لأن أشراف الفرس خشوا من سقوط المملكة في أيدي العرب، فولوه لقتالهم. أضف إلى ذلك استغاثة القبائل الموالية للفرس من جراء غارات المسلمين وكانت العاصمة مهددة، ورغبة الأشراف شديدة في القتال لصد المسلمين والانتقام منهم، وكانوا مغترين بشجاعتهم وكثرة عَددهم ويرون أنهم أرقى من العرب فكانوا يعيِّرونهم بسوء الحال، وشظف العيش، وجدب البلاد، ورثاثة الثياب الخ.

      ثانياً: لأن المسلمين لم يكونوا يبغون الفتح لأجل الفتح، بل كانوا يحاربون في سبيل اللّه. وكانوا يعتقدون أن من قُتل منهم دخل الجنة، فعرضوا على رُسْتَم واحداً من ثلاثة أمور: إما الإسلام أو الجزية، أو القتال. ورفضوا ما دون ذلك من العطايا، والمنح، والوعود.

      وإنا هنا نذكر ما كان بين رُسْتَم والمسلمين من المفاوضات في شأن الصلح. فقد ذكروا أنه لما نزل رُسْتَم على العتيق، وبات وأصبح غادياً، تأمل القوم حتى أتى على شيء يشرف منه على جيش المسلمين، فلما وقف على القنطرة راسل زُهرة فخرج إليه حتى وافقه، فأراده على أن يصالحهم ويجعل له جُعلاً على أن ينصرفوا عنه، وجعل يقول: "أنتم جيراننا وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا فكنا نحسن جوارهم ونكف الأذى عنهم ونوليهم المرافق الكثيرة ونحفظهم في أهل باديتهم فنرعيهم مراعينا ونميرهم من بلادنا ولا نمنعهم من التجارة في شيء من أرضنا وقد كان لهم في ذلك معاش" يعرض لهم بالصلح وإنما يخبر بصنيعهم والصلح يريد ولا يصرح.

      فقال له زُهرة: "صدقت، قد كان ما تذكر، وليس أمرنا أمر أولئك. ولا طلبتنا طلبتهم. إنا لم نأتكم لطلب الدنيا. إنما طلبتنا وهمتنا الآخرة. كنا كما ذكرت يدين لكم من ورد عليكم منا، ويضرع إليكم يطلب ما في أيديكم. ثم بعث اللّه تبارك وتعالى إلينا رسولاً فدعانا إلى ربه فأجبناه. فقال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني. فأنا منتقم بهم منهم واجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به وهو دين الحق. لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به أحد إلا عز.

      فقال له رُسْتَم: "وما هو؟".

      قال: "أما عموده الذي لا يصلح منه شيء إلا به، فشهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه. والإقرار بما جاء من عند اللّه تعالى".

      قال: "ما أحسن هذا. وأي شيء أيضاً؟".

      قال: "وإخراج العباد من عبادة العبادة إلى عبادة اللّه تعالى".

      قال: "حسن. وأي شيء أيضاً؟" قال: "والناس بنو آدم وحواء إخوة لأب وأم" قال: "ما أحسن هذا"، ثم قال له رُسْتَم:

      "أرأيت لو أني رضيت بهذا الأمر وأجبتكم إليه ومعي قومي كيف يكون أمركم. أترجعون؟ قال: إي واللّه، ثم لا نقرب بلادكم أبداً إلا في تجارة أو حاجة" قال: "صدقتني واللّه أما إن أهل فارس منذ ولي "أردشير" لم يدعو أحداً يخرج من عمله من السفلة كانوا يقولون: إذا خرجوا من أعمالهم تعدوا طورهم وعادوا أشرافهم". فقال له زُهرة: "نحن خير الناس للناس فلا نستطيع أن نكون كما تقولون نطيع اللّه في السفلة ولا يضرنا من عصي اللّه فينا.

      فانصرف عنه ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فحموا من ذلك وأنفوا.

      وأرسل سعد إليه رِبْعيُّ بن عامر فاستعدوا للقائه، وبسطوا البسط، ووضع لرُسْتَم سرير من الذهب، وألبس زينته من الأنماط(323) والوسائد المنسوجة بالذهب، وأقبل رِبْعيُّ يسير على فرس له ومعه سيف ومعه قوسه، ونبله. ولرأسه أربع ضفائر، وهو رثُّ الثياب. فقالوا له: دع سلاحك. فأذن له رُسْتَم فأقبل يتوكأ على رمحه وزُجه نصل يقارب الخطو ويزج النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقة ولا بساطاً إلا أفسده وتركه متهتكاً مخرقاً. فلما دنا من رُسْتَم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط. فقالوا: ما حملك على هذا؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه. فكلمه. فقال: ما جاء بكم؟ قال: اللّه ابتعثنا، واللّه جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه. فمن قبل منا ذلك، قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا. ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود اللّه".

      قال: "وما موعود اللّه؟" قال: "الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي".

      قال رُسْتَم: "قد سمعت مقالتكم. فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟" قال: "نعم، كم أحب إليكم أيوماً أم يومين؟" قال: "لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا". وأراد مقاربته ومدافعته فقال: "إن مما سنَّ لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعمل به أئمتنا أن لا نمكن الأعداء من آذاننا ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، فنحن مترددون عنكم ثلاثاً فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل. اختر الإسلام. وندعك وأرضك أو الجزاء (الجزية) ونكف عنك، وإن كنت عن نصرنا غنياً تركناك منه، وإن كنت إليه محتاجاً منعناك، أو المنابذة في اليوم الرابع، ولسنا نبدأك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا وأنا كفيل بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى" قال: "أسيدهم أنت؟" قال: "لا، ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم.

      فخلص رُسْتَم برؤساء أهل فارس. فقال: ما ترون؟ هل رأيتم كلاماً قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ اللّه لك إلى أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك. أما ترى إلى ثيابه؟

      فقال: ويحكم، لا تنظروا إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة. إن العرب تستخف باللباس والمأكل، ويصونون الأحساب. ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون.

      ولما انتهى الأجل بعثوا: إن ابعث إلينا ذلك الرجل، فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن فتكلم بمثل ما كلمه زُهرة. ثم عاد وطلبوا رجلاً فأرسل سعد المغيرة بن شعبة فعرض عليه رُسْتَم أن يعطي أمير المسلمين كسوة وبغلاً، وألف درهم، ولكل رجل وِقْر تمر وثوبين على أن ينصرفوا عن الفرس فأبى المغيرة وانصرف، وحاول رُسْتَم أن يقنع رؤساء الفرس بالكف عن الحرب فازدادوا لجاجة. وكان ترجمان رُسْتَم من أهل الحيرة يدعى عبود.

      -------------------

      (320) سواه: يريد الملك يزدجرد فإنَّه آخر ملوك العجم.

      (322) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص400، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص310.

      (323) الأنماط: جمع نمط، ثوب من صوف ذو لون من الألوان ولا يكاد يقال للأبيض نمط. [القاموس المحيط، مادة: نمط].

      -------------------‏



      الفرس يعبرون النهر(327):

      =================

      لما انقضى الأجل، قال رُسْتَم: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟ فقالوا: بل اعبروا إلينا، فخرجوا من عنده ليلاً وأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم وأرسل إليهم شأنكم والعبور فأرادوا القنطرة فأرسل إليهم. لا، ولا كرامة. أما شيء قد غلبناكم عليه فلن نرده عليكم تكلفوا معبراً غير القناطر. فباتوا يسدون العتيق بحيال قادس حتى الصباح بإلقاء الأخشاب والتراب والبراذع حتى جعلوه طريقاً لهم فعبروا بأثقالهم حتى نزلوا على ضفة العتيق. ثم لبس رُسْتَم درعين ومغفراً، وأخذ سلاحه وأمر بفرسه، فأُسرِج، فأُتِي به، فوثب فإذا هو عليه لم يمسه ولم يضع رجله في الركاب، ثم قال: "غداً ندقهم دقاً"، فقال له رجل: إن شاء اللّه. فقال: وإن لم يشأ(328).

      -------------------





      الاستعداد للحرب(329):

      لما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم وجلس رُسْتًم على سريره وضرب عليه طيارة وعبر في القلب ثمانية عشر فيلاً عليها الصناديق والرجال، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة عليها الصناديق والرجال. وأقام الجالينوس بينه وبين ميمنته، والبيرزان بينه وبين ميسرته، وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين، وكان يزدجرد وضع رجلاً على باب إيوانه إذا سرح رُسْتَم وأمره بلزومه وإخباره حيث يسمعه من الدار وآخر خارج الدار وكذلك على كل دعوة رجلاً. فلما نزل رُسْتَم قال: الذي بساباط قد نزل، فقاله له الآخر حتى قاله الذي على باب الإيوان، وجعل بين كل مرحلتين على كل دعوة رجلاً فكلما نزل وارتحل أو حدَّث أمر قاله فقاله الذي يليه حتى يقوله الذي يلي الإيوان. فنظم ما بين العتيق والمدائن رجالاً وترك البُرُد وكان ذلك هو الشأن".

      وأخذ المسلمون مصافهم وجُعل زُهرة وعاصم بين عبد اللّه وشرحبيل، ووكل صاحب الطلائع بالطراد، وخلط بين الناس في القلب والجنبات، ونادى مناديه: "ألا إن الحسد لا يحل إلا على الجهاد في أمر اللّه. أيها الناس، فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد"(330).

      ---------------------------















      خطبة سعد:

      ==========

      قال سعد بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:

      "إن اللّه هو الحق لا شريك له في الملك وليس لقوله خلف. قال اللّه جل ثناؤه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُوْرِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضِ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 15] إن هذا ميراثكم وموعود ربكم وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج، فأنتم تطعمون منها، وتأكلون منها، وتقتلون أهلها وتجبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب وأعيانهم، وخيار كل قبيلة وعز من ورائكم. فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع اللّه لكم الدنيا والآخرة. ولا يقرب ذلك أحداً إلى أجله وإن تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم"





      ---------------------------------





      يوم أرماث (أول يوم من موقعة القادسية):

      ==============================

      لما كبر سعد التكبيرة الثالثة برز أهل النجدات، فأنشبوا القتال، وخرج إليهم من الفرس أمثالهم فاعتوروا الطعن والضرب، وخرج غالب بن عبد اللّه الأسدي وهو يقول:

      قَدْ عَلِمَتْ وارِدَةُ المَسائِحِ * ذَاتَ اللِّبانِ والبَنَانِ الواضِحِ

      أَنِّي سِمَامُ البَطَلِ المُشايحِ * وفَارجُ الأَمْرِ المُهِمِّ الفَادِحِ

      فخرج إليه هرمز وكان من ملوك الباب، وكان متوجاً فأسره غالب أسراً فجاء به سعداً فأدخل وانصرف غالب إلى المطاردة وخرج عاصم بن عمرو وهو يقول:

      قَدْ عَلِمَتْ بَيْضَاءُ صَفراءُ اللُّبِّ * مثْلَ الُّلجَيْنِ إذْ تَغَشَّاهُ الذَّهَبْ

      إنِّي امْرُؤٌ لاَ مَنْ يعينه السَّبَبُ * مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ يُغريه العَتَبْ

      فطارد رجلاً من أهل فارس فهرب منه واتبعه حتى خالط صفهم التقى بفارس معه بغلة فترك الفارس البغل واعتصم بأصحابه، فحموه. واستاق عاصم البغل والرحل حتى أفضى به إلى الصف فإذا هو خباز الملك، فأتى به سعد ورجع إلى موقفه، ثم قتل عمرو بن معدي كرب رجلاً من الأعاجم. كسر عنقه ووضع سيفه على حلقه فذبحه ثم ألقاه. ثم قال: هكذا فاصنعوا بهم. فقالوا: يا أبا ثور من يستطيع أن يصنع كما تصنع! وقيل: إنه أخذ سواريه ومنطقته.

      -------------------



      الفيلة(340):

      ===============

      ثم حملت الفيلة على جيش المسلمين ففرقت الكتائب وكانت الفرس قد قصدت بني بجيلة بسبعة عشر فيلاً(341) فنفرت خيل بجيلة، وكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمن معها فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة وعمن معها من الناس، فخرج طليحة بن خويلد، وحمَّال بن مالك، وغالب بن عبد اللّه والربِّيل بن عمرو في كتائبهم فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها وأن على كل فيل عشرين رجلاً فكانت عبارة عن حصون متحركة فقال طليحة حين قام في قومه:

      "يا عشيرتاه، إن المنوَّه باسمه الموثوق به هذا لو علم أن أحداً أحق بإغاثة هؤلاء منكم استغاثهم. ابتدئوهم الشدة وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحَربة، فإنما سُمِّيتم أسداً لتفعلوا فعله. شدوا ولا تصدوا. وكروا ولا تفروا. للّه در ربيعة. أيّ فَريّ يفرون، وأيّ قرن يغنون. هل يوصل إلى مواقفهم فأغنوا عن مواقفكم أعانكم اللّه شدوا عليهم باسم اللّه"(342).

      فما زالوا يطعنونهم ويضربونهم حتى حبسوا الفيلة عنهم فأخرت، وخرج إلى طليحة عظيم منهم فبارزه فما لبثه طليحة أن قتله.

      وقام الأشعث بن قيس في كندة فقال:

      "يا معشر كِندة، للّه در بني أسد، أيّ فري يفرن، وأيّ هذيٍ يُهذّون عن موقفهم منذ اليوم أغنى كل قوم ما يليهم وأنتم تنظرون من يكفيكم البأس. أشهد ما أحسنتم إسوة قومكم العرب منذ اليوم وإنهم ليقتلُون ويقاتلون وأنتم جثاة على الركب تنظرون"(343).

      فوثب إليه عشرة منهم فقالوا: "عثر اللّه جدك. إنك لتؤيسنا جاهداً ونحن أحسن الناس موقفاً. فمن أين خذلنا قومنا العرب وأسانا إسوتهم. فها نحن معك". فنهد ونهدوا فأزالوا الذين بإزائهم فلما رأى أهل فارس ما تلقى الفيلة من كتيبة أسد رموهم بحدِّهم، وحملوا عليهم - وفيهم ذو الحاجب والجالينوس - والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة وقد ثبتوا لهم.

      لم يكن سعد قد كبَّر التكبيرة الرابعة بعد، فلما كبر اجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة، فزحف المسلمون ودارت رحى الحرب على أسد، وحملت الفيلة على الميمنة والميسرة على الخيول، فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو فقال: يا معشر بني تميم ألستم أصحاب الإبل والخيل، أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة؟ قالوا: بلى، واللّه. ثم نادى في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة فقال لهم: يا معشر الرماة، ذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل، وقال: يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة فقطعوا وُضنها(344). وخرج يحميهم والرحى تدور على أسد وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد. وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذنابها وذناذب توابيتها فقطعوا أحزمتها، وارتفع عواؤهم فما بقي لهم يومئذ فيل إلا أعرى، وقتل أصحابها، وتقابل الناس ونُفِّس عن أسد وردوا فارساً عنهم إلى مواقفهم فاقتتلوا حتى غربت الشمس وذهبت هدأة من الليل، ثم رجع هؤلاء وهؤلاء وأصيب من أسد خمسمائة وكانوا رداءاً للناس وكان عاصم حامية للناس وهذا اليوم الأول وهو "يوم أرماث"(345) [ص 121].

      -------------------

      (340) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص411، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص319.

      (341) اختُلِف في عدد الفيلة التي وجهها الفرس إلى بجيلة. ففي الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص411: "عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم أن الأعاجم وجّهت إلى الوجه الذي فيه بجيلة ثلاثة عشر فيلاً"، وعن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد: "... فصرفوا إليهم ستة عشر فيلاً". وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص319: "وحملت الفيلة عليهم ... وكانت الفرس قد قصدت بجيلة بسبعة فيلاً".

      (342) الطبري تاريخ الأمم والملوك ج2/ص411.

      (343) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص412.

      (344) وُضُنها: جمع وضين وهو بطان منسوج بعضه على بعض يشدّ به الرَّحل على البعير كالحزام للسرج. [القاموس المحيط، مادة: وضن].

      (345) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص412، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص320.



      --------------------------------------





      يوم أغواث(350) (وهو اليوم الثاني):

      ======================

      ولما أصبح القوم من الغد أصبحوا على تعبية، وقد وكل سعد رجالاً بنقل الشهداء إلى العذيب. وأما الجرحى فسلموهم إلى النساء ليقمن عليهم، ودفن الشهداء هنالك على مُشَرِّق - وهو وادٍ بين العذيب وعين الشمس - ثم طلعت نواصي الخيل من الشام، وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر، وكان عمر بن الخطاب أرسل إلى أبي عبيدة بن الجراح بإرسال أهل العراق إلى العراق، فسيرهم أبو عبيدة وهم ستة آلاف، خمسة آلاف من ربيعة ومضر، وألف من أفناء اليمن من أهل الحجاز(351)، وأمَّر عليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص(352)، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو التميمي(353) فتعجل القعقاع فقدم على الناس صبيحة هذا اليوم - وهو يوم "أغواث" - وقد عهد إلى أصحابه وهم ألف أن ينقسموا إلى عشرة أقسام كل مائة قسم وكل قسم في أثر الآخر. ثم أقبل على جيش سعد وبشَّرهم بالجنود فقال: "يا أيها الناس، إني قد جئتكم في قوم، واللّه إن لو كانوا بمكانكم، ثم أحسوكم حسدوكم خطوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم"(354) ومجيء الجيش بهذه الصفة وهذا النظام كان له وقع عظيم في نفوس الفرس والمسلمين جميعاً.



      ثم إن القعقاع حرض الجيش على القتال وقال: اصنعوا كما أصنع، فتقدم ثم نادى من يبارز؟ فقالوا فيه بقول أبي بكر: "لا يهزم جيش فيهم مثل هذا"، وسكنوا إليه فخرج إليه ذو الحاجب "بهمن" فقال له القعقاع: "من أنت؟" قال: "أنا بِهْمن جاذويه". فنادى "يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب يوم الجسر"(355). وتضاربا، فقتله القعقاع وجعلت خيله ترد قطعاً، وما زالت ترد إلى الليل وتنشط الناس وكأن لم يكن بالأمس مصيبة، وفرحوا بقتل بِهْمن، وانكسرت الأعاجم ونادى القعقاع أيضاً من يبارز؟ فخرج إليه رجلان أحدهما البيرزان، والآخر البندوان فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان، فبارز القعقاع البيرزان فقتله، وقتل الحارث البندوان. ونادى القعقاع: يا معاشر المسلمين، باشروهم بالسيوف فإنما يحصد الناس بها فتواصى الناس وتشايعوا إليهم واقتتلوا حتى المساء، فلم يرَ أهل فارس في هذا اليوم ما يعجبهم وأكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل لأن توابيتها كانت قد انكسرت بالأمس فاستأنفوا إصلاحها حين أصبحوا فلم ترتفع حتى كان الغد.

      وحمل بنو عم للقعقاع عشرة عشرة على إبل ألبسوها - وهي مجللة مبرقعة - وأطافت بهم خيولهم تحميهم، وأمرهم القعقاع أن يحملوها على خيل الفرس يتشبهون بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم كما فعلت فارس بالأمس فجعلت خيل الفرس تفر منهم وركبتها خيول المسلمين فلما رأى الناس ذلك سروا بهم فلقي الفرس من الإبل أعظم ما لقي المسلمون من الفيلة.

      وكانت امرأة من النخع لها أربعة أولاد شهدوا القادسية فقالت لهم: "إنكم أسلمتم فلم تبدلوا، وهاجرتم فلم تثربوا، ولم تنب بكم البلاد ولم تقحمكم السنة، ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس. واللّه إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره، فأقبلوا يشتدون، فلما غابوا عنها رفعت يديها وهي تقول: "اللّهم ادفع عن بَنيَّ" فرجعوا إليها وقد أحسنوا القتال ولم يجرح منهم أحد. قال الشعبي: فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفين ألفين من العطاء، ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يصلحهم ويرضيهم(356).



      وخرج رجل من فارس يبارز

      فبرز إليه الأعرف بن الأعلم فقتله، ثم برز إليه آخر فقتله، وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه وأخذوا سلاحه فغبر في وجوههم التراب حتى رجع إلى أصحابه. وحمل القعقاع بن عمرو يومئذ ثلاثين حملة كلما طلعت قطعة حمل حملة وأصاب فيها وجعل يرتجز ويقول(357):

      أُزْعِجْهُم عَمْداً بِها إِزْعاجاً * أَطْعَنُ طَعْناً صَائِباً ثَجَّاجاً

      أَرْجُو بِهِ مِنْ جَنَّةِ اَفْواجاً

      اقتتل الجيشان إلى أن انتصف الليل فكانت ليلة أرماث تدعى ليلة الهدأة، وليلة أغواث تدعى السواد - ولم يزل المسلمون يرون يوم أغواث الظفر، وقتلوا فيها عامة أعوام الفرس وجالت فيه خيل القلب وثبت رجلهم(358).

      -------------------

      (350) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص413، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص322.

      (351) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص413.

      (352) هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، صحابي، خطيب من الفرسان يلقّب بالمرْقال، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، أسلم يوم فتحها، أرسله عمر مع ستة عشر رجلاً من جند الشام مدداً لسعد بن أبي وقاص في العراق، شهد القادسية، أصيبت عينه يوم اليرموك فقيل له: الأعور، وفتح جلولاء، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه، تولى قيادة الرَّجَّالة في صفين، قتل في آخر أيامها سنة 37 هـ. للاستزادة راجع: ذيل المذيّل، الأخبار الطوال، رغبة الآمل ج3/ص115، معجم ما استعجم، نسب قريش، وقعة صفّين، مرآة الجنان ج1/ص10.

      (353) هو القعقاع بن عمرو التميمي، أحد فرسان العرب وأبطالهم في الجاهلية والإسلام، له صحبة، شهد اليرموك وفتح دمشق وأكثر وقائع أهل العراق مع الفرس، سكن الكوفة، وأدرك وقعة صفين مع علي بن أبي طالب، وكان يتقلّد في أوقات الزينة سيف هرقل (ملك الروم) ويلبس درع بهرام (ملك الفرس) وهما مما أصابه من الغنائم في حروب فارس، وكان شاعراً فحلاً، قال أبو بكر: "صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل"، توفي سنة 58 هـ. للاستزادة راجع: ابن الأثير، الكامل في التاريخ حوادث سنة 16 هـ، الإصابة ترجمة 7129.



      ----------------------------------





      أبو مِحْجَن الثقفي يخرج من حبسه ويقاتل(359):

      ============================

      كان أبو مِحْجَن الثقفي قد حبس وقيد في القصر( لأنه كان ممن شغب على سعد،

      أو لقوله الشعر فى الخمر والله أعلم ) فساءه أن يظل سجيناً والمسلمون يقاتلون، فصعد إلى سعد وطلب إليه أن يعفو عنه فنهره، فنزل، فأتى سلمى زوجة سعد فقال: "يا سلمى بنت آل خَفْصَة هل لك إلى خير؟" قالت: "وما ذاك؟" قال: "تخلين عني وتعيريني البلقاء(360) فللّه عليَّ إن سلمني اللّه أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي". فقالت: "وما أنا ذاك". فرجع يرسف في قيوده ويقول:

      كفى حَزَناً أن تَرْدِي الخيْلُ بالقَنا * وأُترَكَ مَشْدوداً عليَّ وِثَاقِيا

      إِذا قُمْتُ عَنَّاني الحديدُ وأُغْلِقَتْ * مَصاريعُ دوني قد تُصمُّ المُنادِيا

      وقَدْ كُنْتُ ذَا مالٍ كثيرٍ وإخوَةٍ * فَقَدْ تَركُوني وَاحِداً لا أَخا لِيَا

      وَللّه عَهْدٌ لا أَخِيسُ بِعَهْدِهِ * لَئِنْ فُرِجَتْ أّنْ لا أزُورَ الحَوانِيا

      فرقَّت له سلمى وأطلقته وقالت: "أما الفرس فلا أعيرها". ورجعت إلى بيتها فاقتاد الفرس فأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق فركبها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبَّر ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه وبين الناس وهم يعجبون منه ولا يعرفونه، ورآه سعد فقال: لولا محبس أبي مِحْجَن لقلت: هذا أبو مِحْجَن، وهذه البلقاء. وقال بعض الناس: هذا [ص 125] الخَضِر. وقال بعضهم: "لولا أن الملائكة لا تباشر الحرب لقلنا: إنه ملك يثبتنا فلما انتصف الليل وتراجع المسلمون والفرس عن القتال أقبل أبو مِحْجَن فدخل القصر وأعاد رجليه في القيد وقال:

      لَقَدْ عَلِمَتْ ثَقِيفٌ غَيْرَ فَخْرٍ * بِأنَّا نَحْنُ أَكْرَمُهم سُيوفا

      وَأَكْثَرُهُم دُروعاً سَابِغاتٍ * وَأَصْبَرُهُم إِذَا كَرِهُوا الوُقوفا

      وَأَنا وَفْدُهم في كُلِّ يَومٍ * فَإِنْ عَمِيُوا فَسَلْ بِهِم عَرِيفا

      وَلَيلَةَ قادِسٍ لم يَشْعروا بِي * ولَمْ أشْعُرْ بِمَخْرِجي الزُّحْوفا

      فإنْ أُحْبَسْ فَذَلِكُمُ بَلائي * وإِنْ أُتْرَكْ أذِيقُهُمُ الحُتُوفا

      فقالت له سلمى: يا أبا مِحْجَن في أي شيء حبسك ذلك الرجل (تعني سعداً) قال: أما واللّه ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني يبعثه على شفتي أحياناً فيساء لذلك ثنائي ولذلك حبسني قلت:

      إِذا مِتُّ فَادْفنَي إلى أَصْلِ كَرْمَةٍ * تُرَوِّي عِظَامي بَعْدَ مَوْتِ عُروقِها

      وَلا تَدْنِنِّي بالفَلاةِ فَإِنَّني * أَخَافُ إِذا مَا مِتُّ أَنْ لا أذُوقَها

      وَتَرْوِي بِخَمْرِ الحُصِّ لَحْدي فإنَّني * أسيرٌ لها مِنْ بُعْدِ ما قَدْ أَسُوقُها

      وقد اختلف في سبب حبس أبي مِحْجَن فقيل: إنه كان ممن شغب على سعد فحبس. وقيل: إنه حبس بسبب الخمر.

      وبلغ عدد القتلى والجرحى من المسلمين ألفين ومن الفرس عشرة آلاف في يوم أغواث .

      أخبرت سلمى( زوجت سعد) سعدا بخبر أبي محجن فدعا به وأطلقه وقال: "اذهب، فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله". قال: "لا جرم واللّه لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبداً".



      -----------------------------------------





      يوم عماس(362) (وهو اليوم الثالث):

      =====================

      أخذ المسلمون في اليوم الثالث ينقلون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وكان النساء والصبيان يحفرون القبور، وكان على الشهداء حاجب بن زيد، وقال سعد: من شاء غَسَّل الشهداء ومن شاء فليدفنهم بدمائهم.

      أما قتلى المشركين فتركوا ولم ينقلوا، وبات القعقاع تلك الليلة يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه، وقال: إذا طلعت الشمس فاقتلوا مائة مائة فإن جاء هاشم فذاك وإلا جددتم للناس رجاء وجداً ولا يشعر به أحد، وأصبح الناس على مواقفهم فلما طلعت الشمس أقبل أصحاب القعقاع فحين رآهم كبر وكبر المسلمون وقالوا: جاء المدد، واختلفوا الضرب والطعن فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم وقد طلعوا في سبعمائة فأخبروه برأي القعقاع وما صنع في يوميه، فعبى أصحابه سبعين سبعين وكان فيهم قيس بن هبيرة بن عبد يغوث المعروف بقيس بن المكشوح المرادي، ولم يكن من أهل الأيام إنما كان باليرموك، فانتدب مع هاشم حتى إذا خالط القلب كبَّر وكبَّر المسلمون. وقال: أول القتال المطاردة، ثم المراماة، ثم حمل على المشركين يقاتلهم حتى خرق صفهم إلى شاطئ النهر، ثم عاد إلى موقفه.

      وبات المشركون في علاج توابيتهم حتى أعادوها وأصبحوا على مواقفهم، وأقبلت الفيلة معها الرَّجَّالة يحمونها أن تقطع وضنها ومع الرَّجَّالة فرسان يجمعونهم إذا أرادوا كتيبته دلفوا لها بفيل وأتباعه لينفروا بهم خيلهم فتقاتلوا حتى عدل النهار. وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديداً. العرب والعجم فيه على السواء. وقد كان يزدجرد يبعث المدد ممن بقي عنده فيقوون بهم، ولولا الذي صنع اللّه للمسلمين بالذي ألهم القعقاع في اليومين وأتاح لهم بهاشم لكسر المسلمون وانهزموا.



      --------------------------------







      فرار الفيلة :

      ==============

      لما رأى سعد الفيلة تفرق بين الكتائب وعادت لفعلها كيوم أرماث استشار نفراً من الفرس أسلموا فأشاروا عليه بضرب المشافر والعيون، فأرسل إلى القعقاع وعاصم ابني عمر. أكفياني "الأبيض"، وكانت كلها آلفة له وكان بإزائهما، وأرسل إلى حمال والرَّبِّيل: أكفياني "الأجرب"، وكانت آلفة له كلها وكان بإزائهما وهذان الفيلان هما أكبر الفيلة وسائرهما تبع لهما.

      أما القعقاع وعاصم فحملا على الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما معاً في عينيه فقبع(365) ونفض رأسه، وطرح سائسه، ودلى مشفره، فنفحه القعقاع، فرمى به، ووقع لجنبه، وقتلوا من كان عليه.

      وأما الحمال فقال للرَّبِّيل: اختر إما أن تضرب المشفر وأطعن في عينه، أو تطعن في عينه وأضرب مشفره. فاختار الضرب، فحمل عليه حمال وطعنه في عينه فأقعى(366)، ثم استوى ونفحه(367) الرَّبِّيل، فأبان مشفره، وقد ولى الفيل الأجرب فوثب في النهر فاتبعته الفيلة، فخرقت صف الأعاجم فعبرت النهر في أثره، فأتت المدائن في توابيتها وهلك من فيها.

      -------------------

      (364) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص420، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص328.

      (365) قبع: صوَّت.

      (366) أقعى: جلس على إليتيه ونصب فخذيه.

      (367) نفحه: ضربه. [القاموس المحيط، مادة: نفح].

      -------------------‏



      +++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

      ليلة الهرير أو ليلة القادسية(368) (القتال إلى الصباح - قتل رُسْتَم):

      ++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

      بعد أن فرت الفيلة وخلص المسلمون بأهل فارس، ومال الظل تزاحف المسلمون وحماهم فرسانهم الذين قاتلوا أول النهار حتى المساء، واشتدَّ القتال، وصبر الفريقان، فخرجا على السواء إلا الغماغم(369) من هؤلاء وهؤلاء فسميت ليلة الهرير(370) لم يكن قتال بليل بعدها بالقادسية.

      بعث سعد "ليلة الهرير" طليحة وعمراً إلى مخاضة أسفل العسكر ليقوما عليها خشية أن يأتيه القوم منها.

      قال طليحة: لو خضنا فأتينا الأعاجم من خلفهم، فقال عمرو: بل نعبر أسفل، فافترقا، فأخذ طليحة نحو العسكر من وراء العتيق، وسفل عمرو بأصحابهما جميعاً، فأغاروا، وثارت بهم الأعاجم، وزحف قوم بغير إذن سعد، ولم ينتظروا أمره، فكان القعقاع أول من زحف، فقال سعد: اللّهم اغفرها له، وانصره، فقد أذنت له إن لم يستأذني. ثم قال: إذا كبَّرتُ ثلاثاً فاحملوا، وكبَّر واحدة لكتهم لم ينتظروا فحملت أسد، ثم بجيلة، ثم كندة، ثم زحف الرؤساء وهكذا فإن العرب لشجاعتهم لا يطيقون الانتظار في ميدان القتال بل يندفعون بكل قواهم، وقد كان سعد ينتظر طويلاً بين كل تكبيرة وأخرى كي يستعدوا وينتظموا، ولكنهم ما كانوا يطيقون الصبر.

      كانت رحى الحرب تدور على القعقاع، وتقدم حنظلة بن الربيع وأمراء الأعشار، وطليحة، وغالب، وحمال، وأهل النجدات. ولما كبر سعد الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً، وخالطوا القوم واستقبلوا الليل بعد صلاة العشاء وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون(371) ليلتهم إلى الصباح، ورأى العرب والعجم أمراً لم يروا مثله، وانقطعت أخبار القتال عن سعد ورستم، وأقبل سعد على الدعاء فلما كان الصبح استدل المسلمون على أنهم المنتصرون بعد أن حاربوا أربعاً وعشرين بلا انقطاع.

      كان أول شيء سمعه سعد في هذه الليلة مما يستدل به على الانتصار في نصف الليل الباقي صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول(372):

      نَحْنُ قَتَلْنَا مَعْشَراً وَزَائِداً * أَرْبَعَةً وَخَمْسَةً وَوَاحِداً

      نَحْسَبُ فَوْقَ اللَّبَدِ الأَسَاوِدا * حتَّى إِذا مَاتُوا دَعوتُ جَاهداً

      اللّه رَبِّي واحترزتُ عامِداً

      لم يغمض الناس عيونهم في تلك الليلة، وفي الصباح سار القعقاع في الناس فقال: "إن الدَّبْرَة(373) بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فآثروا الصبر على الجزع"(374) فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء وصمدوا(375) لرُسْتَم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح، وأخذت مجنبتا الفرس في الارتداد، ونشب في القلب قتال عنيف. وعند الظهر ركد عليهم النقع(376)، وهبت ريح عاصفة، فقلعت سُرادق رُسْتَم عن عرشه، فهوى في النهر وانتهى القعقاع ومن معه إلى العرش، فعثروا به، وقد قام رُسْتَم عنه حين طارت الريح بالسُرادق إلى بغال قدمت عليه بمال يومئذٍ فهي واقعة، فاستظل في ظل بغل، وَحِمْلِهِ، وضرب هلال بن عُلَّفة(377) الحِمْلَ الذي كان رُسْتَم تحته، فقطع حباله ووقع عليه أحد من جانبي الحِمْل، ولم يره هلال، ولم يشعر به،

      ففر رُسْتَم نحو النهر، فرمى بنفسه فيه، ولحقه هلال فأخذ برجله، ثم خرج به، وضرب جبينه بالسيف حتى قتله، ثم جاء به ورماه بين أرجل البغال، وصعد العرش ونادى: "قتلت رُسْتَم ورب الكعبة"(378). فاضطرب قلب المشركين عند ذلك وانهزموا، وقام الجالينوس على الردم، ونادى أهل فارس إلى العبور، فوخزهم المسلمون برماحهم، وأرسل سعد إلى هلال فدعا له، فقال: أين صاحبك؟ قال: رميت به تحت أرجل البغال. قال: اذهب فجئ به. فذهب فجاء به. فقال: جرده إلا ما شئت فأخذ سلبه فلم يدع عليه شيئاً.

      هذه رواية سيف عن قتل رُسْتَم كما جاء في الطبري، هكذا ذكرها ابن الأثير،

      (وهناك روايات أخرى ترجح أن الذى قتل رستم هو أبو محجن ورواية أخرى أنه

      سعد ابن ابى وقاص والله أعلم )

      وبعد أن قُتِل رُسْتَم اضطرب الفرس وانهزموا، وقام الجالينوس على الردم ونادى أهل فارس إلى العبور، وأخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس درفش(379) كابيان فعوض منها ثلاثين ألفاً، وكانت قيمتها مليوناً ومائتي ألف وذهب فرسان من المسلمين في أثر الفرس ولحق زهرة بالجالينوس، وكان في آخرهم يحميهم، فاختلفا ضربتين، فقتله زهرة، وأخذ سلبه، وقتلوا ما بين الخرارة والسيلحين إلى النجف، وأمسوا، فرجعوا، فباتوا بالقادسية، وأصيب المؤذن فتشاحَّ الناس في الأذان فأقرع سعد بينهم.

      -------------------

      (368) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص420، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص328.

      (369) الغماغم: أصوات الأبطال عند القتال.

      (370) الهرير: أصل معنى الكلمة صوت الكلب، وهو دون النبيح، وسميت ليلة الهرير لتركهم الكلام، وإنَّما كانوا يهرون هريراً.

      (371) القيون: جمع قين وهو الحداد.

      (372) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص423، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص329.

      (373) الدَّبْرة: الهزيمة.

      (374) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص329 وفيه: "إن الدائرة بعد الساعة".

      (375) صمدوا: قصدوا.

      (376) النقع: الغبار.

      (377) هو هلال بن عُلَّفة التميمي، من تيم الرباب، من زعماء الأباضية. كان شجاعاً من أبطال زمنه، وهو الذي قتل رُسْتَم يوم القادسية. خرج على علي بن أبي طالب بعد وقعة النهروان، وأتى ماسبذان ومعه أكثر من مائتين، فوجَّه إليه علي بن أبي طالب معقل بن قيس الرياحي، فقتله هو ومن معه. للاستزادة راجع: ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص149، التاج ج6/ص204.

      (378) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج1/ص424، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص330.

      (379) درفش: معناها بالفارسية اللواء. وفي مفتاح العلوم للخوارزمي: الدرفس، معرَّب من درفش كابيان، والدرفش: هو العلم، وكان اسم الرجل الذي خرج على الضحاك حتى قتله: أفريدون كابي، وكان علم كابي من جلد دبّ، ويقال: من جلد أسد، وكان يتيمّن به ملوك الفرس، فغشوه بالذهب، ورصَّعوه بالجواهر الثمينة.

      -------------------‏

      خسائر العرب(380):

      =================

      بلغت خسائر المسلمين قبل ليلة الهرير ألفان وخمسمائة، وفي يوم القادسية ستة آلاف، وبلغت خسائر الفرس عشرة آلاف.

      قال الطبري(381): "وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوي(382) يسقون من به رمق من المسلمين ويقتلون من به رمق من المشركين".وقيل بعض النساء وعلى كل حال لم يكن ذلك بإذن القائد العام، أو أحد من القواد، لأنهم لم يكونوا يجهزون على جريح. أما الصبيان فمن يلومهم على هذا العمل!؟.

      وكتب سعد إلى عمر بالفتح، وبعدة من قتلوا ومن أصيب من المسلمين، وسمى لعمر من يعرف مع [سعد بن] عُمَيلة الفزاري.

      كانت غنائم المسلمين عظيمة، فنال كل جندي ستة آلاف قطعة، وقدر ما سلب من رستم بسبعين ألفاً أعطاها سعد لهلال، وكانت راية الفرس المصنوعة من جلد النمور والمرصعة بالجواهر تقدر بمائة ألف. ويقال: إن سعد بن أبي وقاص، استكثر سلب الجالينوس على زهرة فكتب إلى عمر فكتب عمر إليه: "إني قد نفَّلت كل من قتل رجلاً سلبه"(384) فدفعه إليه فباعه بسبعين ألف. وفضل أهل البلاء يوم القادسية عند العطاء خمسمائة خمسمائة في أعطياتهم خمس وعشرين رجلاً. أما أهل الأيام فإنه فرض لهم على ثلاثة آلاف فضلوا على أهل القادسية وكتب سعد إلى عمر بالفتح، وبعدة من قتل، وأسماء من يعرف منهم.

      -------------------

      (380) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج1/ص424، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص330.

      (381) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص425.

      (382) الأداوي: جمع إداوة وهي الأواني الصغيرة من الجلد.

      (383) ربما لم يذكر الطبري لفظة: "النساء"، لكن ورد في الطبري، ج2/ص433: "كتب إليَّ السريُّ، عن شعيب، عن سيف، عن سليمان بن بشير، عن أمّ كثير، امرأة همَّام بن الحارث النخعي، قالت: شهدنا القادسية مع سعد مع أزواجنا، فلمَّا أتانا أن قد فُزع من الناس شددنا علينا ثيابنا، وأخذنا الهَرَاوى، ثم أتينا القتلى، فما كان من المسلمين سقيناه ورفعناه، وما كان من المشركين أجهزنا عليه، وتبعنا الصبيان نولّيهم ذلك، ونصرّ منهم به". وهذا دليل على اشتراك النساء من العمل ولو لم يذكرهن صراحة، أما تبرير المؤلف لتصرُّف الصبيان بقتل الجرحى فلا مبرر له. فالحرب هي الحرب مهما كانت أهدافها نبيلة، وهذا التبرير لن ينفي ولن يلطَّف ما جاء في المصادر التاريخية التي تحدثت عن مثل ذلك الفعل.

      (384) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص426، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص331.

      -------------------‏





      أهمية انتصار المسلمين:

      كانت هزيمة الفرس مقدرة وحاسمة، ولم يمض على ذهاب خالد بن الوليد إلى العراق إلا نحو ثلاثين شهراً، وكانت دولة الفرس قد هزمت الإمبراطورية البيزنطية بالشام، وعسكرت جيوشها على ضفاف البسفور منذ خمس عشرة سنة، وها هي قد اندحرت أمام جيوش المسلمين الذين لم يتجاوز عددهم ثلاثين أو أربعين ألفاً غير مسلحين تسليحاً جيداً، ومع أن جيوش الفرس تمكنت من عبور النهر فارة فإن قوتهم الحربية لم تلتئم ولم تعد خطراً يهدد جيوش المسلمين. وقد وقع الرعب في نفوس الأهالي وانضمت القبائل العربية وحاربت القبائل المسيحية في صفوف المسلمين، وجاءت إلى سعد خاضعة نادمة، ودخلت في دين اللّه. وقد كان عمر رضي اللّه عنه شديد الاهتمام بأخبار حرب الفرس فكان يسأل الركبان حتى يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية، ثم يرجع إلى أهله ومنزله. فلما لقي البشير سأله من أين فأخبره. قال: يا عبد اللّه حدثني. قال: هزم اللّه المشركين وعمر يخب معه يسأله، والآخر يسير على ناقته لا يعرفه حتى دخل المدينة وإذا الناس يسلمون عليه بإمرة المؤمنين. قال البشير: هلا أخبرتني رحمك اللّه أنك أمير المؤمنين! فقال عمر: لا بأس عليك يا أخي(385).

      فانظر إلى بساطة عمر وتواضعه مع أنه كان أعظم شأناً وأرفع منزلة من قيصر وكسرى .

      -------------------









      الفصل الخامس: ما بعد القادسية من الحوادث: فتح المدائن (سنة 15-16هـ/636-637م): يوم بُرس(386):

      ================================

      بعد أن انهزم الفرس بالقادسية توقف سعد عن القتال مدة شهرين ليستريح الجند ويستعد للقتال، وسار من القادسية لأيام بقين من شوال. فلما وصلت مقدمة المسلمين برس(387) وعليهم عبد اللّه بن المعتَمّ، وزهرة بن حوية، وشرحبيل بن السمط لقيهم جمع من الفرس فهزمهم المسلمون إلى بابل - وبها فالة القادسية - فهزموا قائدهم بُصْبُهْرَى فألقى نفسه في النهر ومات من طعنة زهرة، ثم أقبل بسطام دهقان برس وصالح زهرة وعقد له الجسور وأخبره بمن اجتمع ببابل.

      -------------------

      (386) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص455.

      (387) برس: موضع بأرض بابل به آثار لبخت نصّر، وتلٌّ مفرط في العلو يسمَّى صرح البرس.

      -------------------

      يوم بابل(388):

      ===========

      نزل سعد الكوفة(389) مع هاشم بن عتبة وأتاه الخبر عن زهرة باجتماع الفرس ببابل على الفيرزان، فزحف بقواده إلى بابل، ولم يلبث أن هزم الفرس، فخرج الهرمزان متوجهاً نحو الأهواز، فأخذها، ثم سار حتى طلع على نهاوند وبها كنوز كسرى فأخذها، وأقام سعد ببابل أياماً، ثم نزل كوثي(390) وأتى البيت الذي كان فيه إبراهيم عليه السلام محبوساً فنظر إليه وصلى على رسول اللّه وعلى إبراهيم وعلى أنبياء اللّه وقرأ: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].

      -------------------

      (388) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص455.

      (389) الكوفة: بالضم، المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، ويسمِّيها قوم "خد العذراء"، قيل: سمِّيت الكوفة لاستدارتها أخذاً من قول العرب: رأيت كُوْفاناً وكَوْفاناً، بضم الكاف وفتحها للرميلة المستديرة، وقيل: سمِّيت الكوفة لاجتماع الناس بها، من قولهم: قد تكوَّف الرمل، وقيل غير ذلك.

      (390) كوثي: موضع بالعراق في أرض بابل، وكوثَيّ العراق كوثيان أحدهما كوثي الطريق، والآخر كوثي ربى وبها مشهد الخليل عليه السلام، وبها مولده، وهما من أرض بابل، وبها طُرِحَ إبراهيم في النار وهما ناحيتان.

      -------------------‏





      فتح المدائن(391) (سنة 16هـ/637م):

      =========================

      المدائن: هي عاصمة ملك فارس، وكانت مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانية وغيرهم وإنَّما سمَّتها العرب المدائن لأنها سبع مدائن، واسمها عند الفرنج "اكتيزيفون"، بينها وبين بغداد خمسة وعشرون ميلاً.

      قدم سعد زهرة إلى بَهُرَسير(392) فصالحه شيرازاد دهقان ساباط على تأدية الجزية وهزم زهرة كتيبة بنت كسرى التي تدعى بوران، ثم زحف سعد على بَهُرَسير، فرأى المسلمون الإيوان (وهي تجاه الإيوان). فقال ضرار بن الخطاب: "اللّه أكبر. أبيض كسرى. هذا وعد اللّه ورسوله". وكبَّر، وكبَّر الناس معه، فكانوا كلما وصلت طائفة كبَّروا ثم نزل على المدينة.

      وفي صفر دخل المسلمون بَهُرَسير، وكان سعد محاصراً لها، وأرسل الخيول فأغارت على من ليس له عهد، فأصابوا مائة ألف فلاح، فأصاب كل واحد منهم فلاحاً، فأرسل سعد إلى عمر يستأذنه فأجابه: "إن من جاءكم من الفلاحين ممن لم يعينوا عليكم فهو أمانة، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به". فخلى سعد عنهم وأرسل إلى الدهاقين ودعاهم إلى الإسلام أو الجزية لهم والذمة، فتراجعوا ولم يدخل في ذلك ما كان لآل كسرى، فلم يبق غربي دجلة إلى أرض العرب سواري إلا آمن واغتبط بملك الإسلام، وأقاموا على بَهُرَسير شهرين يرمونهم بالمجانيق، ويدبون إليهم بالدبابات، ونصبوا على المدينة عشرين منجنيقاً فشغلوهم بها، واشتدَّ الحصار بأهل المدائن الغربية حتى أكلوا السنانير والكلاب، وصبروا من شدة الحصار على أمر عظيم، ثم قطعوا دجلة إلى المدائن الشرقية ودخلوا المدينة فأنزلهم سعد المنازل.

      أقام سعد ببُهْرَسير أياماً من صفر فأتاه علج فدله على مخاضة تخاض إلى صلب الفرس فأبى وتردد عن ذلك، وقحمهم المد، وكانت السنة كثيرة المدود، ودجلة تقذف بالزبد فأتاه علج آخر وقال له: ما يقيمك لا يأتي عليك ثلاثة حتى يذهب يزدجرد بكل شيء في المدائن، فعزم سعد على قطع البحر، وخطب في الجيش، وندب الناس إلى العبور، وجعل عاصماً على الفراض ليمنعها وأذن في الاقتحام وقال: "قولوا نستعين باللّه ونتوكل عليه. حسبنا اللّه ونعم الوكيل. واللّه لينصرن اللّه وليه وليظهرن دينه وليهزمن عدوه ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم". وتلاحق الناس في دجلة، وكان الذي يساير سعداً سلمان الفارسي، فعامت به خيولهم، وخرج الناس سالمين وخيولهم تنفض أشرافها. وسمُّوا يوم عبورهم الدجلة: "يوم الجراثيم" لأنه لم يكن أحد يعبر إلا ظهرت له جرثومة يسير معها وهي من القش المربوطة حزماً. فلما لم يقدر الفرس على منع المسلمين من العبور هربوا إلى حُلوان(393) فدخلها المسلمون ولم يجدوا بها أحداً، وقد أخرج يزدجرد عياله إلى حلوان، فلحق بعياله، ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وسرح في آثار القوم زهرة في المقدمات.

      -------------------

      (391) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص460.

      (392) بَهُرَسير: من نواحي بغداد، قرب المدائن، وهي إحدى المدائن السبع التي سمِّيت بها المدائن، وهي في غربي دجلة، وهي تجاه الإيوان لأن الإيوان في شرقي دجلة، وهي في غربيِّه.

      (393) حلوان العراق: هي آخر حدود السواد مما يلي الجبل من بغداد، وقيل: إنها سمِّيت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، كان بعض الملوك أقطعه إياها فسمِّيت به، وهي مدينة عامرة، ليس بأرض العراق بعد الكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، وسرّ من رأى أكبر منها. أكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط الثلج، وأما جبلها فإن الثلج يسقط به دائماً، وهي وبئة ردية الماء وكبريتية، وبها رمَّان وتين في غاية الجودة، وحواليها عدّة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء، والغريب أن حلوان مصر بها ينابيع كبريتية كحلوان العراق.

      -------------------‏





      إيوان كسرى(394):

      زعموا أنه تعاون على بناء إيوان كسرى الذي بالمدائن عدة ملوك وهو من أعظم الأبنية. ولما أراد كسرى بناء إيوانه أمر بشراء ما حوله من مساكن الناس وأرغبهم بالثمن الوافر وإدخاله في الإيوان، وقيل: إنه كان في جواره عجوز لها دويرة صغيرة فرادوها على بيعها فامتنعت وقالت: ما كنت لأبيع جوار الملك بالدنيا جميعها، فاستحسن هذا الكلام منها وأمر ببناء الإيوان وترك دارها في موضعها منه وأحكم عمارتها. وقد كان في الإيوان صورة كسرى أنو شروان [ص 138] وقيصر ملك أنطاكية وهو يحاصرها ويحارب أهلها.

      قال ابن الحاجب يذكر الإيوان:

      يا من بناه بشاهق البنيان * أنسيت صنع الدهر بالإيوان

      هذي المصانع والدساكر والبنا * وقصور كسرى أنو شروان

      كتب الليالي في زُراها أسطراً * بيد البلى وأنامل الحدثان

      إن الحوادث والخطوات إذا سطت * أودت بكل موَثَّق الأركان

      صلى سعد صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينها، وكان في الإيوان تماثيل وصور، فتركها على حالها، وتحول من الإيوان بعد ثلاثة أيام إلى القصر الأبيض.

      -------------------

      (394) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص460، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص357.

      -------------------‏







      غنائم المسلمين(395):

      =================

      أقام سعد على قبض أموال الغنائم عمرو بن مقرن، وأمره أن يجمع ما في القصور، والإيوان، والخزائن، والدور، والأسواق، وأن يحصيها، ومما وجدوه جواهر ودروع، وسيوف، وذهب، وفضة. ولما قسم سعد الغنائم على الناس أصاب الفارس اثني عشر ألف دينار، وكلهم فرساناً ولم يكن فيهم راجل، وأخرج للغائبين مع النساء والحريم في الحيرة نصيبهم. وقسم الدور بين الناس، وأخرج الخمس لعمر بن الخطاب وأرسل إليه بساط الملك. قال الواقدي في كتاب فتوح الشام يصف هذا البساط: "كان كله ذهب منسوج بالحرير. منظوم بالدر، واليواقيت الملونة، والمعادن، والجواهر المثمنة، والزمرد، وكان طوله ستين ذرعاً(396)، قطعة واحدة في جانب منه كالصور، وفي جانب كالشجر، والرياض، والأزهار، وفي جانب كالأرض المزروعة المبقلة بالنبات في الربيع، وكل ذلك من الحرير الملون، والمعادن على قضبان الذهب، والزمرد، والفضة. وكان الملك لا يبسطه إلا في أيام الشتاء في إيوانه إذا قعد للشراب، وكانوا يسمونه بساط النزهة والمسرَّات، فيكون لهم شبه الروضة الزهراء. فلما رآه العرب قالوا: "واللّه هذه قطيفة زينة". وهذا يدل على مقدار ما وصل إليه الفرس من العز، والترف، والتقدم في صناعة الأبسطة وفي الفنون الجميلة.

      وفي الطبري(397) عن حبيب بن صُهبان قال: دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالاً مختمة بالرصاص فما حسبناها إلا طعاماً فإذا هي آنية الذهب والفضة فقسمت بعد بين الناس. وقال حبيب: وقد رأيت الرجل يطوف ويقول من معه، بيضاء بصفراء، وأتينا على كافور كثير فما حسبناه إلا ملحاً فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز.

      وقيل: إنهم عثروا على تاج كسرى وثيابه ودروعه، ومغفره وسيفه، وبعثوا بذلك إلى عمر ليراه المسلمون، ولتسمع بذلك العرب.

      ولما وصل البساط إلى عمر استشار الناس فأجمع ملأهم على أن قالوا: قد جعلوا ذلك لك فالرأي رأيك إلا ما كان من عليٍّ فإنه قال: يا أمير المؤمنين، الأمر كما قالوا، ولم يبق إلا التروية إنك إن تقبله على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له. قال: صدقتني ونصحتني فقطعه بينهم.

      وفي رواية أن علياً قام حين رأى عمر يأبى حتى انتهى إليه فقال: "لم تجعل علمك جهلاً ويقينك شكاً إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، أو لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت". قال: صدقتني فقطعه فقسمه بين الناس فأصاب علياً قطعة منه فباعها بعشرين ألفاً وما هي بأجود تلك القطع(398).

      لم يخطر ببال عمر ولا ببال أحد من المسلمين وقتئذ إنشاء متحف لهذه الغنائم الأثرية النادرة المثال لتبقى مدى الدهر ناطقة بمجد المسلمين وجهادهم، وتكون درساً نافعاً للمؤرخين، وعلماء الآثار، وتحفة من أثمن التحف الفنية.

      ولا شك أن تقسم مثل هذا البساط بواسطة قطعه قطعاً، وتوزيع سيوف الملوك، ودروعهم، وملابسهم، وتيجانهم خسارة عظيمة من الوجهة التاريخية والفنية، لكن المسلمين في ذلك الوقت يلتمس لهم عذر لأن فكرة المتاحف العامة لخدمة التاريخ والفن لم تكن موجودة في عصرهم، فرأوا أن خير ما يفعلون تقسيم الغنائم تقسيماً عادلاً بقدر الطاقة بغض الطرف عن قيمتها الأثرية والفنية.

      ولما أُتي بحلي كسرى وزيِّه في المباهاة وزيِّه في غير ذلك وكانت له عدة أزياء لكل حالة زيّ، وقال عمر بن الخطاب: عليَّ بمُحَلِّم وكان أجسم عربي يومئذ بأرض المدينة فألبس تاج كسرى على عمودين من خشب وصبَّ عليه أوشحته وقلائده، وثيابه وأجلس للناس فنظر إليه عمر ونظر إليه الناس فرأوا أمراً عظيماً من أمر الدنيا وفتنتها، ثم قام عن ذلك فألبس زيه الذي يليه فنظروا إلى مثل ذلك في غير نوع حتى أتى عليها كلها، ثم ألبسه سلاحه وقلده سيفه فنظروا إليه في ذلك، ثم وضعه ثم قال: "واللّه إن أقواماً أدوا هذا لذوو أمانة ونفل سيف كسرى محلماً".(399).

      -------------------

      (395) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص464، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص360.

      (396) طوله 60 ذراعاً في 60 ذراعاً.

      (397) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص464، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص360.

      (398) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص467.

      (399) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص467.

      -------------------‏





      موقعة جلولاء(400) (سنة 16هـ/637م):

      ============================

      اغتبط عمر بما فتح اللّه على المسمين في المدائن وعاد إلى حذره فنهى عن الزحف فأقام سعد في المدائن ومضى صيف سنة 16 هـ في راحة. أما يزدجرد وجيشه المنهزم فإنه فر إلى الجبال وخضع الذين على شاطئ الدجلة لأنهم وجدوا أن المقاومة لا تجدي نفعاً، وفي الخريف اجتمع الفرس على يزدجرد بحُلوان على نحو مائة ميل من المدائن، ومن هناك تقدم قسم من الجيش إلى جلولاء وهي حصن أحاطوه بخندق، وأحاطوا الخندق بحسك الحديد(401) إلا طرقهم فبلغ ذلك سعداً فأرسل إلى عمر فكتب إليه عمر أنْ سَرِّح هاشم بن عتبة إلى جلولاء، واجعل على مقدمة القعقاع بن عمرو، وإن هزم اللّه الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل، وليكن الجند اثني عشر ألفاً ففعل سعد ذلك، وسار هاشم من المدائن بعد قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفاً منهم: وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ممن كان ارتد ولم يرتد.

      حاصر المسلمون الفرس فطاولهم الفرس وجعلوا لا يخرجون عليهم إلا إذا أرادوا، وزاحفهم المسلمون بجلولاء ثمانين زحفاً، فظفروا عليهم وغلبوهم على الحسك، وجعل سعد يمد هاشماً بالفرسان. وأخيراً اقتتلوا فهزم أهل فارس وبعث اللّه عليهم ريحاً أظلمت عليهم البلاد، ثم عادوا فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله إلا "ليلة الهرير". إلا أنه كان أعجل وانتهى القعقاع إلى باب الخندق، واستولى عليه وحمل عليهم المسلمون فهزموهم، وقتل منهم يومئذ نحو مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم فهي: "جلولاء الوقيعة"، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حُلوان نحو الري في اتجاه بحر قزوين.

      وكان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة 16 هـ وبينها وبين المدائن تسعة أشهر، وقدم القعقاع حلوان، وقتل دهقانها، وكتبوا إلى عمر بالفتح وبنزول القعقاع حلوان، وأصاب القعقاع سبايا فأرسلهن إلى هاشم فقسمن، فاتخذن، فولدن وقسمت الغنيمة، وأصاب كل واحد من الفوارس تسعة آلاف وتسعة من الدواب. وقيل: إن الغنيمة كانت ثلاثين مليون درهماً عدا الخيول الفارسية الجميلة. وبعث سعد بالأخماس إلى عمر وبعث الحساب مع زياد بن أبيه(402) فكلم عمر فيما جاء له ووصف له فقال عمر: هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل ما كلمتني به؟ فقال: واللّه ما على الأرض أهيب في صدري منك فكيف لا أقوى على هذا من غيرك. فقام في الناس بما أصابوا وما صنعوا وبما يستأنفون من الانسياح في البلاد. فقال عمر: "هذا الخطيب المصقع" فقال: إن جندنا أطلقوا ألسنتنا.

      ولما قدم الخمس على عمر قال: "واللّه لا يُجنُّه سقف حتى أقسمه" فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد اللّه بن الأرقم(403) يحرسانه في المسجد فلما أصبح جاء الناس فكشف عنه فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى. فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فو اللّه إن هذا لموطن شكر؟ فقال عمر: "واللّه ما ذلك يبكيني وباللّه ما أعطى اللّه هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا. ولا تحاسدوا إلا ألقى اللّه بأسهم بينهم". ومنع عمر من قسمة السواد لتعذر ذلك بسبب الآجام والغياض وتبعيض المياه.

      وكان صلح عمر الذي صالح عليه أهل الذمة أنهم إن غشوا المسلمين لعدوهم برئت منهم الذمة، وإن سبوا مسلماً أن ينهكوا عقوبة، وإن قاتلوا مسلماً أن يقتلوا، وعلى عمر منعتهم وبرئ عمر إلى كل ذي من معرة الجيش.

      ---------------------

      (400) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص468، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص364.

      (401) حسك الحديد: مسامير.

      (402) هو زياد بن أبيه، أمير من دهاة العرب، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، فقيل: عُبَيْد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، ولدته أمه سمِّية - وهي جارية الحارث بن كلدة الثقفي - في الطائف سنة 1 هـ، وتبنَّاه عبيد الثقفي مولى الحارث بن كلدة، وأدرك النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتباً للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة، ثم ولاه علي بن أبي طالب على فارس، ولما توفي عليٌّ امتنع زياد على معاوية، وتحصَّن في قلاع فارس، وتبيَّن لمعاوية أنه أخوه من أبيه (أبي سفيان) فكتب إليه بذلك، فقدم عليه وألحقه معاوية بنسبه سنة 44 هـ، قال الأصمعي: أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش اسم "اللّه" ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم، زياد. للاستزادة راجع: ابن خلدون ج3/ص5، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج3/ص195، الطبري ج6/ص162، تهذيب ابن عساكر ج4/ص406، ميزان الاعتدال ج1/ص355، لسان الميزان ج2/ص493، خزانة الأدب ج2/ص517، الذريعة ج1/ص331، عقود اللطائف.

      (403) هو عبد اللّه بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، القرشي، الزهري، صحابي، من الكتاب الرؤساء، وهو خال النبي صلى اللّه عليه وسلم، أسلم يوم الفتح، وأصبح من كتابه، ثم استكتبه أبو بكر وعمر، وكان على بيت المال أيام عمر كلها، وسنتين من خلافة عثمان، واستقال وأجازه عثمان بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها. للاستزادة راجع: الاستيعاب ج3/ص865، تهذيب التهذيب ج5/ص146، تقريب التهذيب ج1/ص401، خلاصة تهذيب الكمال ج2/ص40، الكاشف ج2/ص72، تاريخ البخاري الكبير ج5/ص32، تاريخ البخاري الصغير ج1/ص67، الجرح والتعديل ج5/ص1، أسد الغابة ج3/ص174، تجريد أسماء الصحابة ج1/ص96.

      ---------------------‏





      فتح تكريت والموصل(404):

      ====================

      تكريت بلدة مشهورة بين بغداد والموصل(405) وهي إلى بغداد أقرب وبينها وبين بغداد 30 فرسخاً ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة وهي غربي دجلة.

      فتحت تكريت في جمادى سنة 16 هـ وقد أرسل سعد الجيوش إلى تكريت (شمال المدائن) وكان يحميها جيش مختلط من الروم وقبائل إياد، وتغلب، والنمر، والشهارجة - وهي قبائل مسيحية - وعلى رأسهم الأنطاق، وكان عمر كتب إليه: أن سرِّح إليه عبد اللّه بن المُعَتّم واستعمل على مقدمته رِبْعيّ بن الأفكل، وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة، فسار عبد اللّه إلى تكريت، وحاصرها أربعين يوماً، وأرسل عبد اللّه بن المُعَتّم إلى العرب الذين مع الأنطاق يدعوهم إلى نصرته، وكانوا لا يخفون عليه شيئاً ولما رأت الروم المسلمين ظاهرين عليهم تركوا أمراءهم ونقلوا أمتعتهم إلى السفن، فأرسلت تغلب، وإياد، والنمر إلى عبد اللّه بالخبر، وسألوه الأمان، وأعلموه أنهم معه. فأرسل إليهم إن كنتم صادقين فأسلموا فأجابوه وأسلموا. فأرسل إليهم عبد اللّه إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا أخذنا أبواب الخندق فخذوا الأبواب التي تلي دجلة، وكبِّروا واقتلوا من قدرتم عليه وعلى ذلك قتلوهم جميعاً ولم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من القبائل البدو، وأرسل عبد اللّه بن المُعَتّم ابن الأفكل إلى الحصنين، وهما نينوى، والموصل، فسمى نينوى الحصن الشرقي، وسمى الموصل الحصن الغربي، فاقتحم ابن الأفكل الحصنين فأجابوه إلى الصلح وصاروا ذمة، وقسموا الغنائم فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف درهم وسهم الراجل ألف درهم، وبعثوا بالأخماس إلى عمر مع فرات بن حيان، وبالفتح مع الحارث بن حسان(406).

      -------------------

      (404) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص474، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص368.

      (405) الموصل: المدينة المشهورة العظيمة، إحدى قواعد بلاد الإسلام، وهي باب العراق، ومفتاح خُراسان، ومنها يقصد إلى آذربيجان، وقيل: إنها سميت الموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين دجلة والفرات، وهي مدينة على طرف دجلة ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى، هواؤها جيد، وماؤها عذب، وحرُّها شديد في الصيف، وبردها عظيم في الشتاء.

      (406) هو الحارث بن حسَّان بن كلدة ويقال: هو الحارث بن يزيد، ويقال: حريث بن حسَّان، الدُّهلي، البكري، صحابي، توفي سنة 36 هـ. كان شريفاً مطاعاً من السادة الشجعان، وكان مع الأحنف عندما فتح خُراسان، وشهد يوم الجمل ومعه راية بكر بن وائل، فقتل وقتل معه ابن له وخمسة من أهله. للاستزادة راجع: ابن الأثير ج3/ص99، الإصابة ج1/ص290، تهذيب الكمال ج1/ص213، تهذيب التهذيب ج2/ص139، تقريب التهذيب ج1/ص140، خلاصة تهذيب الكمال ج1/ص182، الكاشف ج1/ص193، الجرح والتعديل ج3/ص71، الثقات ج3/ص75، أسد الغابة ج1/ص384، تجريد أسماء الصحابة ج1/ص99، الوافي بالوفيات ج11/357.

      -------------------‏



      فتح ماسبَذَان(407):

      ===================

      لما رجع هاشم بن عتبة من جلولاء إلى المدائن بلغ سعداً أن آذين بن الهرمزان قد جمع جمعاً فخرج بهم إلى السهل، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: ابعث إليهم ضرار بن الخطاب في جند، واجعل على مقدمته ابن الهذيل الأسدي وعلى مجنبتيه عبد اللّه بن وهب الراسبي(408) - حليف بجيلة، والمضارب - فخرج ضرار بن الخطاب(409) - وهو أحد بني [ص 144] محارب بن فهر - في الجند، وقدم الهذيل حتى انتهى إلى سهل ماسبذان(410)، فالتقوا بمكان يدعى "بهندف" فاقتتلوا بها، فأسرع المسلمون في المشركين، وأخذ ضرار آذين فأسره، فانهزم عنه جيشه، فضرب عنقه، ثم خرج في الطلب حتى انتهى إلى السيروان فأخذ ماسبذان عنوة، فهرب أهلها في الجبال فدعاهم فاستجابوا له وأقام بها ثم تحوَّل سعد من المدائن، فأرسل إليه فنزل الكوفة، واستخلف ابن الهذيل على ماسبذان فكانت أحد فروج الكوفة.

      وبهندف بليدة من نواحي بغداد في أخر أعمال النهروان بين بادَرَايا وواسط.

      قال ضرار بن الخطاب صاحب الجيش الذي مَرَّ ذكره:

      ولما لقينا بهندف جمعهم * أناخوا وقالوا اصبروا آل فارس

      فقلنا جميعاً نحن أصبر منكم * وأكرم في يوم الوغا والتمارس

      ضربناهم بالبيض حتى إذا انثنت * أقمنا لها مثلاً بضرب القوانس

      فما فنيت خيل تقص طريقهم * وتقتلهم بعد اشتباك الحنادس

      فعادوا لنا ديناً ودانوا بعهدنا * وعدنا عليهم بالنهي في المجالس

      -------------------

      (407) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص475، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص369.

      (408) هو عبد اللّه بن وهب الراسبي، من الأزد، من أئمة الأباضية، كان ذا علم ورأي وفصاحة، وشجاعة، وكان معجباً في العبادة، أدرك النبي صلى اللّه عليه وسلم، وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص، ثم كان مع علي في حروبه، ولمَّا وقع التحكيم أنكره جماعة، فيهم الراسبي، فاجتمعوا بالنهروان بين بغداد وواسط، وأمَّروه عليهم، فقاتلوا عليّاً، وقتل الراسبي في هذه الوقعة سنة 38 هـ. للاستزادة راجع: الكامل للمبرّد ج2/ص119.

      (409) هو ضرار بن الخطاب بن مرداس القرشي، الفهري، فارس، شاعر، صحابي، من القادة. من سكان الشراة، فوق الطائف، قاتل يوم أُحد والخندق أشد قتال، وأسلم يوم فتح مكة، ولم يكن في قريش أشعر منه، له أخبار في فتح الشام، واستشهد من وقعة أجنادين سنة 13 هـ. للاستزادة راحع: إمتاع الأسماع ج1/ص232، الإصابة ترجمة 4168، الجمحي 203، تهذيب ابن عساكر ج7/ص31، حسن الصحابة 31، التاج ج3/ص350، أسد الغابة ج3/ص53.

      (410) هي مدن عدّة أصله ماه سبَذَان منها أريوجان، يخرج ماؤها إلى البندنيجين، ومن هذه المدينة إلى الروذ عشرة فراسخ.

      -------------------‏



      فتح قرقيسياء(411):

      ==============

      قرقيسياء: معرب كركيسيا، وهو مأخوذ من كركيس، وهو اسم لإرسال الخيل - المسمى بالعربية الحلبة - وكثير ما يجيء في الشعر مقصوراً.

      لما رجع هاشم بن عتبة عن جلولاء إلى المدائن وقد اجتمعت جموع أهل الجزيرة فأمدوا هرقل على أهل حمص، وبعثوا جنداً إلى أهل هيت، وكتب بذلك سعد إلى عمر، فكتب عمر: أن ابعث إليهم عمر بن مالك في جند وابعث على مقدمته الحارث بن يزيد العامري وعلى مجنبتيه ربعي بن عامر، ومالك بن حبيب فخرج عمر بن مالك في جنده سائراً نحو هيت، وقدم الحارث بن يزيد حتى نزل على مَن بـ "هيت" وقد خندقوا عليهم فلما رأى عمر بن مالك امتناع القوم بخندقهم واعتصامهم به استطال ذلك، فترك الأخبية على حالها، وخلف عليهم الحارث بن يزيد محاصرهم، وخرج في نصف الناس يعارض الطريق حتى يجيء قرقيسياء في غرة، فأخذها عنوة، فأجابوا إلى الجزاء، وكتب إلى الحارث بن يزيد إن هم استجابوا فخل عنهم فليخرجوا، وإلا فخندق على خندقهم خندقاً أبوابه مما يليك حتى أرى من رأيي. فسمحوا بالاستجابة، وانضم الجند إلى عمر والأعاجم إلى بلادهم.

      قال عمر بن مالك يذكر قرقيسياء:

      ونحن جميعنا جمعهم في حفيرهم * بهيت ولم نحفل لأهل الحفائر

      وسرنا على عمد نريد مدينة * بقرقيسياء سير الكماة المساعر

      فجئناهم في دارهم بغتة ضحى * فطاروا وخلوا أهل تلك المحاجر

      فنادوا إلينا من بعيد بأننا * ندين بدين الجزية المتواتر

      قبلنا ولم نردد عليهم جزاءهم * وحطناهم بعد الجزا بالبواتر

      أما هيت: التي مضى ذكرها فقيل: سميت هيت لأنها في هوة من الأرض - انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها - وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة وهي مجاورة للبرية.

      قال عمر بن مالك يذكرها:

      تطاولت أيامي بهيت فلم أحم * وسرت إلى قرقيسيا سير حازم

      فجئتهم في غرة فاحتويتها * على عنن من أهلها بالصوارم

      -------------------

      (411) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2/ص475، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج2/ص370.

      -------------------‏

      وبهذه المعارك التاريخية دانت بلاد كسرى للمسلمين وهرب كسرى وقيل أنه



      بناء البصرة(412) (سنة 17هـ/638م):



      بناء الكوفة(413) (سنة 17هـ/638م):

    10. #10
      التسجيل
      07-06-2001
      الدولة
      أرض الله الواسعة
      المشاركات
      2,553
      المواضيع
      186
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاك الله الف خير يااا متصفح....

    11. #11
      التسجيل
      22-11-2001
      المشاركات
      1,889
      المواضيع
      319
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاك الله خير اخوي المتصفح.


      الفـــــــــــــــــــاروق عمـــــربن الخطـــاب///ابوبكـــــــر الصديـــــق

    12. #12
      التسجيل
      06-05-2002
      المشاركات
      366
      المواضيع
      32
      شكر / اعجاب مشاركة
      وإياكم يا اخوان

      لكن الصفحة صارت بطيئة جدا
      هذا ونحن لم ننقل فتوحات الشام ومصر
      تاريخ عهد الفاروق - تاريخ وأى تاريخ
      مثلك لم تلد النساء ولن تلد----- رحمك الله ياعمر

    13. #13
      التسجيل
      14-06-2002
      الدولة
      السعودية == ينبع الصناعية
      المشاركات
      259
      المواضيع
      58
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاكم الله خيرا ولا ييمكنني أن أضيف على ما قلتموه جزاكم الله خيرا ،،،،،
      أتمنى مقابلتكم على الماسنجر
      mts_100@hotmail.com
      محبكم : محب الخير ;-)




    14. #14
      التسجيل
      22-11-2001
      المشاركات
      1,889
      المواضيع
      319
      شكر / اعجاب مشاركة
      جزاك الله خير اخوي محب للخير على ما دررت علينا من كليمات قيمة عن الفاروق رضي الله عنه ..
      انت والمتصفح والكوبرا ومحمد راشد ..وبارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم ....مع ان الكلام عن الفاروق لاينتهي ابدا من سيرته الذهبيه ..العظيمة


      الفـــــــــــــــــــاروق عمـــــربن الخطـــاب///ابوبكـــــــر الصديـــــق

    15. #15
      التسجيل
      01-03-2001
      الدولة
      سوريا
      المشاركات
      617
      المواضيع
      40
      شكر / اعجاب مشاركة
      ما شاء الله عليكم ...
      بارك الله بالجميع ....

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •