يا عبد الله ، أين الذى جمعته من الأموال ، و أعددته للشدائد و الأهوال ، لقد أصبحت كفك منه عند الموت خالية صفرا ، و بدلت من بعد غناك و عزك ذلا و فقرا ، فكيف يا رهين أوزاره ، و يا من سلب من اهله و دياره؟ ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد، و أقل اهتمامك لحمل الزاد، إلى سفرك البعيد، وموقفك الصعب الشديد، أو ما علمت يا مغرور: أن لابد من الارتحال، إلى يوم شديد الأهوال، وليس ينفعك ثَمَّ قيل و لا قال. بل يُعَد عليك بين يدى الملك الديان، ما بطشت اليدان ، ومشت القدمان، و نطق به اللسان، وعملت الجوارح و الأركان، فإن رحمك فإلى الجنان، و إن كانت الأخرى فإلى النيران.
يا غافلاً عن هذه الأحوال، إلى كم هذه الغفلة و التوان، اتحسب أن الأمر صغير، و تزعم أن الخطب يسير؟ و تظن أن سينفعك حالك ، إذا آن ارتحالك ، أو ينقذك مالك حين توبقك أعمالك ، أو يغنى عنك ندمك ، إذا زلت قدمك، أو يعطف عليك معشرك ، حين يضمك محشرك ؟ كلا و الله ، ساء ما تتوهم و لابد لك أن ستعلم. لا بالكفاف تقنع ، و لا من الحرام تشبع ، و لا للعظاة تسمع ، و لا بالوعيد ترتدع ، دأبك أن تتقلب مع الأهواء ، و تخبط خبط العشواء ، يعجبك التكاثر بما لديك، و لا تذكر ما بين يديك، يا نائماً فى غفلة و فى خبطه يقظان ، إلى كم هذه الغفلة و التوان ، أتزعم أنك ستترك سُدى ، وأن لا تحاسب غدا ، أم تحسب أن الموت يقبل الرِّشا ؟ كلا و الله ، لن يدفع عنك الموت مال و لا بنون، و لا ينفع أهل القبور إلا العمل المبرور، فطوبى لمن سمع و وعى ، وحقق ما ادعى ، و نهى النفس عن الهوى ، وعلم أن الفائز من ارعوى ، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى) ، فانتيه من هذه الرقدة ، و اجعل العمل الصالح لك عُدَّة ، و لا تتمن منازل الأبرار، وأنت مقيم على الأوزار عامل بعمل الفجار، بل أكثر من الأعمال الصالحات ، وراقب الله فى الخلوات ، رب الأرض والسماوات، و لا يغرنك الأمل فتزهد عن العمل، أو ما سمعت الرسول حيث يقول لما جلس عند القبوريا إخوانى لمثل هذا فأعدوا)، أو ما سمعت الذى خلقك فسواك يقول : (و تزودوا فإن خير الزاد التقوى). و لنا وقفة مع التقوى يا عباد الله إذا قدر الله لنا الحياه.