على الرغم من بعد المسافة بين اسرائيل والباكستان حوالي (4000 كم)، فقد شعرت اسرائيل على ذمة المعهد الجغرافي في حولون بقوة هزة ارضية صغيرة، فالجميع في اسرائيل يحاول استغلال هذه الاحداث التي قد تتطور بسرعة كبيرة من اجل التسلق على الفشل الذريع في المسيرة السلمية. ومما لا شك فيه فان سيطرة هذا الموضوع على العناوين الرئيسية في دول العالم تحت العنوان البارز " الباكستان هي الدولة الاسلامية الاولى التي تمتلك القدرات النووية"، تبعد النظر وتخفف الضغط الدولي المتوقع على اسرائيل من اجل احراز التقدم في العملية السلمية في المنطقة، واتهام ليبيا والسعودية بتوفير التمويل لها على اساس كونها القنبلة الاسلامية الاولى .
وهنا يأتي الدور الاسرائيلي فقد رفضت المؤسسات الامنية التعليق على مخاطر هذا التطور الذي كان متوقعا في منطقة جنوب وشرق آسيا فالهند اعلنت عن اجراء التجارب النووية خوفا من الصين. والباكستان تعلن اليوم عن هذه التفجيرات خوفا من الهند وقد تتبعها ايران غدا التي لا تبتعد كثيرا عن دائرة الصراعات الاقليمية في تلك المنطقة، فايران التي تملك حدودا مشتركة مع الباكستان قد تجد من هذا التطور شرعية في الاستمرار بالتسلح النووي ولن يتأخر الحديث عن البرنامج النووي في سوريا والعراق، وهنا تبرز العلاقة الاسرائيلية في استكمال حصار المثلث الايراني العراقي السوري، فان ملكية الهند والباكستان واسرائيل للسلاح النووي مسألة ليست بحديثة الا انها لم تكن معلنه بالشكل الواضح والصريح، فكل دولة على حده لها برنامجها النووي بمراحله ومبرراته المختلفة الا ان الجميع يبحث عن التوقيت والظروف المحلية والدولية الملائمة .
فعلى الرغم من الجمود الحالي والتردي الظاهر في العلاقات مع الولايات المتحدة فقد أصر نتنياهو أن يظهر وكأنه يتحدى الارادة الامريكية والدولية على زيارة الصين، الا ان المصالح الامريكية الاسرائيلية في هذه الزيارة لا تخفى على أحد اذ تعتبر الصين من الدول العظمى التي تؤيد رفع الحصار والعقوبات عن العراق، والتي لعبت وتلعب دورا كبيرا في مشروع تطوير الصواريخ الباليستية بعيدة المدى منذ مطلع الثمانينات، وخصوصا مشروع بناء الصاروخ الايراني شهاب 3 والتي تحاول اسرائيل جهدها من اجل وقف تطويره، اضافة الى كوريا الشمالية بعلاقاتها المميزة مع ايران واللتان تتمتعان بتعاون جيد في مجال بناء الصواريخ. وزيارة رئيس الحكومة الاسرائيلي لا تخرج عن نطاق اللعب في هذه المعادلة، فهي تأتي ضمن محاولات نتنياهو لخلق سياسة اسرائيلية استراتيجية تجاه تطور العلاقات الاستراتيجية بين بعض الدول العظمى مع دول الشرق الاوسط، والتي تعتبر مواجهتها صلب البرنامج القومي لنتنياهو. وتأتي ايضا من اجل محاولة منع الصين من تزويد اي سلاح استراتيجي لايران او لسوريا وخصوصا التكنولوجيا المتطورة المتعلقة ببناء الصواريخ عبر اغراء الصين بعلاقات اقتصادية وتبادل تجاري مميز مع اسرائيل، مع الاخذ بعين الاعتبار الرغبة الصينية بالاستمرار في الحصول على التكنولوجيا الاسرائيلية
يكمن التخوف الغربي والاسرائيلي في تحول الصين والباكستان والهند الى دول مركزية تعتمد على تجارة السلاح النووي المرغوب والمطلوب من اجل تمويل السباق النووي لدولهم، وخصوصا ان هذه الدول ستتعرض بالتاكيد الى سلسلة من العقوبات والضغوطات الاقتصادية والسياسية الامريكية والدولية .
هذا التسلح وادواته المختلفة سيترك بالتأكيد بصماته على مستقبل التحالفات السياسية وتوازن القوى في منطقة الشرق الاوسط على ابواب العام 2000 ، والتي فيها قد تكون ملكية هاتان الدولتان للسلاح النووي سببا كافيا في اعادة التوازن الاستراتيجي الى تلك المنطقة، الا انها ستكون بالتأكيد منطلقا كافيا لخلخلة عدم التوازن الاستراتيجي ضمن معادلات الصراع في الشرق الاوسط وتفرد اسرائيل بالقدرات النووية، وهذا ما سوف تسعى الدول العظمى الى ترتيبه عبر اتفاقيات حظر وتقييد لقدرات هاتان الدولتان على تصدير وبيع التكنولوجيا النووية الى دول الشرق الاوسط . الا ان التخوف الاسرائيلي والامريكي ينبع اولا واخيرا من مضاعفات هذا التوازن التي قد تزيد من امكانية حصول بعض الدول العربية والاسلامية على مساعدات تقنية او مساعدات علمية من هذا النوع بطرق غير مباشرة، والتي ستؤثر على اسرائيل بالضرورة . وهذا هو المبرر الذي قد تحتاجه الولايات المتحدة واسرائيل من اجل مهاجمة ايران، فعلى الرغم من ان احتمالات قيام الباكستان ذات الاغلبية السنية بتزويد او بيع ايران السلاح النووي الجاهز او المعدات الحساسة جدا لمساعدة ايران في اكمال مشروعها النووي هي احتمالات قليلة جدا، الا ان الغرب واسرائيل سيستمرون في تغذية ومحاربة هذا الاتجاه في نفس الوقت .
فقد سبق للباكستان وان زودت العراق قبل حرب الخليج بالمعلومات والخبرات اللازمة في المجال النووي والتي مكنت العراق من تخصيب اليورانيوم ومن الاقتراب الى مرحلة قصيرة من تفجير القنبلة النووية العربية الاولى. وعلى الرغم من عدم تواجد الباكستان في الوقت الحالي في حالة حرب او عداء مع اسرائيل، الا ان التخوفات الاسرائيلية لا تبتعد عن احتمالات التغيير في قيادات هذه الدولة على النمط الإيراني، والذي وحسب الادعاءات الاسرائيلية فان ذلك يشكل خطرا كبيرا يجب التعاطي معه بحذر .
فالقلق الرئيسي يتركز حسب الادعاءات الاسرائيلية ليس من امكانية حصول بعض الدول العربية والاسلامية على القنبلة النووية فقط، وانما يكمن التخوف في القدرة على اتخاذ القرار باستخدامها في حال كانت لدى اسرائيل نوايا عدوانية اخرى كالتي كانت مع العراق لمنع السباق في تسليح الدول العربية والاسلامية لهذا السلاح، وبالتالي مواجهة وكسر الاحتكار الاسرائيلي لهذا السلاح، فالنقاش حول هذا الموضوع في اسرائيل لم يبدأ على اثر التفجيرات النووية الاخيرة في الهند ومن ثم الباكستان، بل على العكس تماما فان المبدأ الذي ترتكز عليه اسرائيل في لعبة السباق النووي في تلك المنطقة لا يبتعد عن مقاصد اسرائيل ومصلحتها الاستراتيجية في زيادة حدة التوتر في المنطقة، بل قد يصل الامر الى التدخل مباشرة في صياغة المعادلات الاقليمية حتى ولو كان الثمن لذلك مرحليا قد يرضي غرور من يعتقد بان الهدف المرحلي من هذه القنبلة النووية "الاسلامية" هو ضرب اسرائيل نوويا والقضاء عليها فورا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان المبرر المطلوب اسرائيليا لمعالجة هذه التطورات اليوم قد يرافقه الاعلان الاسرائيلي الاول عن اجراء التفجير النووي العلني الاول، او قد تستمر في نفس السياسة السابقة وابقاء الامر غامضا قدر الامكان .
الا انه وفي معظم الاحتمالات فان اسرائيل ستستغل ذلك في العمل على اثارة الرأي العام والدول العظمى من اجل استغلال هذا الصراع والانشغال قدر الامكان بعيدا عن المسائل الحساسة والقضايا العالقة في الشرق الاوسط، وقد تكون في النهاية هناك مصلحة اسرائيلية في محاولات العرب والمسلمين من اجل ملكية هذا النوع من السلاح مرحليا خاصة وان الهدف المعلن والغير معلن ليس ضرب اسرائيل بالتأكيد، الا انها سوف تحاول بالتأكيد استغلال هذه الحالة، فليس من المعقول او المقبول بان تقوم اسرائيل بمهاجمة بعض الاهداف الاستراتيجية في عمق الدول العربية او الاسلامية ما لم يكن لها المبرر الكافي لذلك، والذي سيكون فيه بالتأكيد ملكية السلاح النووي والقدرة على استخدامه عاملا مركزيا في ذلك، فالامر في الحالتين قد يؤدي الى احداث التوازن المطلوب وبالتالي التوصل الى اتفاقيات مناسبة تضمن منع تطور الصراع العربي الاسرائيلي واستمراره، او قد تؤدي في النهاية الى الانفجار وبالتالي الصدام النووي الاول في الشرق الاوسط.