الأخ "عادل":السلام عليكم:
-------------------------------
وبعد: شكرا لك على النقل المفيد عن الشيخ ابن باز -رحمه الله وإيانا-
فأنا موافق لك في ما تقول من مسألة تكفير الحاكم إذا حكم بغير شرع الله، والتفصيل الذي نقلت تفصيل مهم جدا، ولكن لي إضافة منهجية بسيطة وهي أن هذه المسألة التي يكثر الحديث عنها أحيانا هي فرع لمسألة شهيرة في علم العقيدة وهي: حكم مرتكب الكبيرة هل يكفر أم لا؟ والخلاف معروف في هذالمسألة بين أهل السنة وبين الخوارج والمعتزلة والمرجئة؟
-------------------------------
وأظن أن التعليق على أكل الربا واستحلالها فرع عما كنتَ قد أصَّلت سابقا في مسألة الحاكم بغير ما أنزل الله لأنها (الحكم بغير ما أنزل الله وأكل الربا) كبيرتان معلوم تحريمهما من الدين بالضرورة؟
بيان ذلك أن مستحل الربا إن كان يرى أن استحلالها أفضل من تحريمها، أو إن كان يرى أن القول بحرمتها لا يناسب الزمان ولا يلائم متطلبات القتصاد الحديث أو نحو ذلك، أو كان يرى القول بحرمتها مساو للقول بحليتها، أو كان يرى جواز خروجه عن حكم الله بحرمتها فهذا كافر باعتبار الحالات الأربع التي ذكرت، أما إن استحلها خوفا أو طمعا، أو جهلا دون رجوع إلى عالم يفتيه، أو أنه استحلها لأجل هواه فالقول بفسقه أقرب إلى القول بكفره.
وضابط ما قال الشيخ أن كل من وقع في ذنب عالم به كبيرة كان أم صغيرة ولم يتب منه:
- فإن كان مستحلا له، بأي وصف من أوصاف الاستحلال فقد كفر.
- وإن لم يكن مستحلا له فهو على الفسق والظلم والخروج عن طاعة الله.
------------------------------
وأما ما ذكرت عن القياس والاجتهاد فما اختلفنا، وأظنك ستوافقني فيما سأقول الآن:
1- ملاحظة منهجية: دأب الأصوليون عند إرادة التعريف أن لا يزيدوا في الكلام ولا ينقصوا منه لأن التعريف صورة للمعرَّف فلا يحدث تغيير في هذاالتعريف، ولأجل هذا كنت قد نبهتك على إضافة مصطلح الاجتهاد في مصادر التشريع، لأجل هذه القاعدة، ولأجل النكتة الثانية التي أضفتها أنت: ((والاجتهاد هو القياس , وليس كل مجتهد يقيس , وإنما كل من يقيس مجتهد)) فيصير لدينا في حصر مصادر الاجتهاد تكرار لأن من معاني الاجتهاد القياس.
2- لا يجب أن نقول وأنت الخبير في علم الأصول: ((الاجتهاد هو القياس)) لأن "ال" في كلمة الاجتهاد جنسية تفيد الاستغراق، فيصير مفهوم الاجتهاد محصورا في استعمال القياس وهذا خطأ لا أظنك تخالفني فيه لأن الاجتهاد أوسع من القياس.
ولتوضيح المسألة أكثر أقول:
أن المفهوم من تتبع مقصود علماء الأصول من كلمة الاجتهاد يتحدد على مراتب:
أ- الاجتهاد = إثبات المصدر التشريعي أو نفيه:
بمعنى أن يعمد من تتوفر فيه شروط الاجتهاد إلى تقرير أصل من الأصل كمصدر من مصادر التشريع، كما قرر المالكية إثبات عمل أهل المدينة مصدرا من مصادر التشريع ونفاه غيرهم، وكما قرر الحنفية حجية الاستحسان ونفاه الشافعية ونحو ذلك، فكل هذا من باب الاجتهاد.
ويندرج ضمن هذه المرتبة تحرير أحكام الدليل في مقدار إثباتها للحجية: فالقول بشروط حجية أخبار الآحاد (الذي هو فرع من الدليل التشريعي الثاني: السنة) هو نوع من أنواع الاجتهاد، والقول بحجية المناسب أو عدمها هو نوع من أنواع الاجتهاد ...الخ.
ب- الاجتهاد= استنباط حكم من الدليل الكلي:
بمعنى أن يقرر المجتهد وجوب الصلاة من قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" ونحو ذلك وهو الاجتهاد المستند على اللغة وكيفية دلالتها على المعاني، وهذا المعنى هو أكثر المعاني دلالة على مفهوم الاجتهاد.
ومن هذا المعنى أيضا استنباط الحكم الشرعي عن طريق القياس، الذي يشترط فيه كما علمت وجود أصل ثابت مستند إلى دليل نصي (الكتاب أو السنة أو الإجماع).
ج- الاجتهاد= استنباط حكم من القواعد العامة للشريعة:
بمعنى البحث عن الحكم الشرعي لمسألة من المسائل التي لم يرد فيها نص من الشارع الحكيم ولم يسبق فيها إجماع لعلماء الأمة، وهو باستخدام بعض مصادر التشريع الثانوية: كالمصالح والذرائع والأخذ بالأحوط ونحو ذلك.
د- الاجتهاد= الاجتهاد في توصيف مسألة من المسائل وإنزالها على الحكم الشرعي:
وهو نوع من أنواع الاجتهاد يكثر استعماله في القضاء والفتوى، ومعناه أن يجتهد القاضي أو المفتي في الحكم على مسألة من المسائل وفق الأدلة التي يملكها ويحكم فيها بحكم شرعي مقرر، مثال ذلك: أن يصف القاضي فعل من أخذ مال الناس بغير وجه حق على أنه سرقة أو غصب أو حرابة أو نحو ذلك، ويقرر فيما بعد أنه يستوجب القطع أو التعزير أو النفي أو غير ذلك....
-------------------------------
فهذه أخي المحب في الله أنواع الاجتهاد بحسب تتبعي لما كتبه علماء الأصول وأرجو تصويبي إن كنت قد أخطأت في التقرير أو التفصيل،
ولا تُخلِنَا أبدا من تعليقك، وفقك الله وإيانا لما يحبه ويرضاه، آمين.
خطأ منهجي خير من صواب فوضوي