يتردد السؤال دائماً: لماذا يلجأ الكاتب/ الكاتبة إلى استخدام لغة أجنبية في الكتابة الإبداعية؟ فهناك الكتاب الذين هاجروا في سن مبكرة، وهناك الذين تعلموا في مدارس أجنبية، وهناك الذين قام الاستعمار بمحو لغتهم الأم، ولكن النتيجة ثابتة: النص الإبداعي المنتج هو نص منتج مزدوج الهوية، بمعنى أن الرؤية مرتبطة بالوطن الأم معبرة عن نفسها بلغة مغايرة، بل إن الازدواج يظهر أيضاً في الأسلوب ذاته، بمعنى أن النص ينقل حرفياً الثقافة العربية إلى اللغة الأجنبية، أو كما يقال يفكر الكاتب باللغة الأم ويكتب بلغة أجنبية.
لم يغفل أصحاب اللغة الإنجليزية وجود هذه الكتابات، ففي عام 1998 عقد المجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة مؤتمراً بعنوان(( العرب وبريطانيا: تغيرات وتبادلات)) ودُعي إلى المؤتمر عدد كبير من العرب الذين يكتبون باللغة الإنجليزية وقُدمت العديد من الشهادات، وكان رأي بيتر كلارك( أحد مستشاري المجلس) إذ يرى أن استخدام اللغة الإنجليزية في التعبير عن مشاعر عربية يؤكد البعد الفيزنقي والنفسي وليس العاطفي عن الموضوع العربي في النص.
ما أردت أن أخلص إليه في النهاية هو أن الكاتب العربي الذي يكتب لغة أجنبية والتركيز هنا على اللغة الإنجليزية لم يعد ظاهرة استثنائية أو فردية (( بالطبع يعتبر عدد هؤلاء الكتاب قليل إذا ما قورن بإنتاج الأدب العربي)) ولكنه في النهاية يشكل تياراً ورافداً لا يمكن تجاهله.
هذا وقد خصصت مجلة (( ألف)) التي تصدر عن قسم الأدب الإنجليزي والمقارن بالجامعة الأمريكية بالقاهرة رقم 20 لهؤلاء الكتاب وكان عنوانه (( النص الإبداعي ذو الهوية المزدوجة: مبدعون عرب يكتبون بلغات أجنبية). وقد ظهر في هذا العدد ثراء هذه الكتابات والوعي الذي تعبر عنه تجاه الثقافة الأصلية وتجاه آلية استخدام لغة أجنبية للتعبير عنها.
وقد سبقت (( ألف)) في الاعتراف بهؤلاء الكتاب سلمى خضر الجيوسي الناقدة والشاعرة الفلسطينية. في عملها الضخم (( موسوعة الأدب الفلسطيني)) المكونة من جزأين. النثر والشعر، أفردت فصلاً خاصاً للشعراء والكتاب الفلسطينيين الذين يكتبون باللغة الإنجليزية وهم: فواز تركي، لينا الجيوسي، نتالي حنضل، حنان ميخائيل عشراوي، أمينة قزق، ليزا سهير مجج، شريف الموسى، نيومي شهاب ناي وقد صدرت هذه الموسوعة باللغة العربية والإنجليزية.
ومن اللافت للنظر أن الكتاب العرب الذين يكتبون باللغة الإنجليزية قد برزوا بشكل واضح على الساحة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وفيما عدا ذلك لم يكن هناك سوى أعمال جبران خليل جبران ورواية(( بيرة في نادي البلياردوا))(1964) للكاتب المصري وجيه غالي والسيرة الذاتية لإدوارد عطية(1964) والتي أعلن فيها إيمانه بالصداقة العربية الإنجليزية وهو ما فعله جبران بشكل أكثر شمولي.
كان التركيز على الهنود الذين يكتبون باللغة الإنجليزية والمغرب العربي الذي كتب ومازال يكتب بالفرنسية، ظهرت رواية (( في عين شمس))(1992) للكاتبة المصرية أهداف سويف وهي الرواية التي استقبلت بحفاوة من البعض وبهجوم من البعض الآخر وكانت المشكلة ( الاعتيادية) أن كل من هاجم الرواية لم يقرأها! ومفاد ذلك الاتهام ( التقليدي أيضا) أن الرواية مكتوبة للغرب.
ورُشحت رواية (( خارطة الحب))(1999) للكاتبة أهداف سويف لجائزة البوكر ثم استبعدتها اللجنة لأنها تعبر عن مشاعر ضد السامية!
وللحديث بقية في الحلقة القادمة
والسلام خير ختام








































