لا .. للمتكبرين الجدد (الأخيرة)
بسم الله الرحمن الرحيم
و بناءا على هذه الصورة الواضحة فان الصراعات بين البشر لا تنطلق إلا بعد تعطيل سنن الله فيتشرب الاغتراب إلى الوجود البشري عند إنسان كان ظلوما جهولا كما أن الطغيان لا ينطلق إلا عند إنسان يصير إلهه هواه وأضله الله على علم يحسب ما يشاهد عند رؤوس الحركات المحرفة للدين ولشؤون الدنيا مثل الكهان والرهبان والقياصرة والفراعنة والمستبدين والمشعوذين حتى تنحرف العقائد عن طهارتها الأولى وتطمس فيها الحقائق العليا .

و مظاهر هذا الصراع كثيرة الأنواع بحسب شعب الوجود والحياة المادية والنفسية والفكرية والروحية.. فكم من مرة سمعنا أن بعض الناس في صراع مع أنفسهم ومع أفراد أسرتهم ، بين أسرة وأخرى وبين حي وأحياء وبين مدينة ومدينة وبين إقليم وإقليم وبين شعب وشعب وبين حلف وحلف ، كل ذلك دائما وأبدا مسبوق بفكرة .

و الدافع الأساسي من بين الدوافع الكثيرة عند أصحاب الضلال هي روح السيطرة والغلبة والرفض والاستكبار وإخفاء الحق .

و عندما يقوم هذا الصراع يتخذ ثلاثة أشكال بناءا على تركيب الجماعات وهندستها سواء كانت مدينة أو عسكرية .. فالجماعة المدنية تحتاج إلى تكوين الأفراد وإمدادهم بالأدوات الضرورية للمعاش وتزويدهم بهدف الحياة .

نفس الشيء يطبق على الجماعة العسكرية من تكوين الجند وإمدادهم بالعتاد و تزويدهم بالمثل الأعلى الذي يناضل من اجله وهو العقيدة ..ونسبة عنصر العقيدة بالمقارنة مع تكوين الأفراد وتوفير العتاد تكاد تقرب من ثلاثة أرباع المجهود.. وهي مقدمة على سائر العناصر الأخرى .

أما العقيدة الشيطانية فإنها أيضا رباعية الشكل.. منشيء إنساني عقله معرض للخطأ لان الكمال لله وحده..وزعامة تتقمص في شخص الزعيم ومضمون رسالة شيطانية هي تعاليم منشيء الرسالة مثل ماركس كمنشيء وماوتسي تونج كزعيم..وأمم مرسل إليها من عجيب خصائصها أنها توعد بالحرية وتعيش تحت القهر.

في حين أن الرسالة الربانية تجمع بين الوسائل والغايات فتكون الوسائل طاهرة والغايات طاهرة.. وبمعنى آخر تكون نصرة الحق عن طريق الحق ونصرة الخير عن طريق الخير والبر والتقوى ، وتكون نصرة الحرية عن طريق الحرية أيضا ، فلا يعقل بتاتا أن تستهدف الحرية وتتخذ في سبيلها طريق الاستعباد الذي كان يتبعه الاستعمار ، فهذه العقلية الاستعمارية كانت تقول لضحاياها :
تقدموا أولا ثم نمنحكم الحرية والاستقلال ثانيا.. وكانوا يغفلون أن المسجون لا يدرك الحرية وهو مكبل مسلسل غير قادر على أي نوع من أنواع الحركة نحو التقدم إذا كان مجبورا على أن يتزحزح من مكانه..

وبعد انهيار الاستعمار المكشوف جاء ما يسمى بالاستعمار المقنع لغزو الأفكار والأسواق معا .. وهنا نصل إلى الغزو المعنوي.

والغزو المعنوي قسمان:
تلقائي لمحق شخصية المغلوب وفرض شخصية الغالب، ومدسوس لإفساد عقلية المغلوب الضعيفة المقلدة وذلك عن طريق النظريات المادية من ماركسية وميركارتيلية (المذهب الرأسمالي) والفردية والداروينية والإلحادية والوجودية الإلحادية والفلسفة والآداب المنحلة والمفاهيم والشعارات الفارغة ، والمفاهيم الفارغة التي تدس لإفساد العقيدة تسعى لتعويض القواعد الصحيحة بمفاهيم غامضة ومقلوبة وذلك لقلب الحقائق ثم قلب الأوضاع.

الديانات والاديولوجيات والفلسفات والنظم السياسية والاقتصادية تمديد للتحريف الواقع على عقيدة التوحيد وإسلام الوجه للحق مدبر العالم.

إن تحريف وقلب الحقائق تتجلى في إبدال المقولات الفطرية السليمة وتعويضها بالأفكار السرابية كما هو في الجدول (1) الذي نرى فيه أمثلة من شراء الضلالة بالهدى واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وخصوصا نرى فيه أفظع نموذج للغزو الفكري وحشو وإملاء الفراغ المعنوي بما هو أسوأ ، بمفاهيم نفسها مثل السراب لتحل محل المعاني الفطرية الثابتة التي هي الأسس لإدراك معنى الوجود الحقيقي ومعنى الحياة الصادقة ، ومعنى الشريعة الفطرية الطاهرة لحماية البشر من المهالك، وما يلي من مقارنة هو على سبيل المثال لا الحصر ، وما نفهم من هذه الأمثلة هو العمل المحكم الشيطاني الذي تزعمته الجمعيات السرية في الغرب لهدم العقائد الدينية من وراء الستار والقضاء على المسيحية بوجه خاص في القرن الثامن والتاسع عشر بضربة قاضية على رأسها ، كما جاء في تعبير أحد زعماء الصهيونية في والذين استراحوا من عقبات الديانات في وجههم واعتراضها لهم في طريقهم إلى السيطرة على أهم المدن والعواصم الكبرى ثم يولون بعد ذلك اهتمامهم للإسلام ليحاربوه عن طريق أبنائه المغفلين ، الذين تسيطر عليهم المفاهيم المقلوبة الفارغة حتى تمسح من عقولهم وقلوبهم المفاهيم الصحيحة الدائمة دوام الوظائف العقلية والنفسية عند الأحياء المستبصرين.

وطرق الحركة الصهيونية كبعض الحركات المهاجمة لغيرها في العقيدة كثيرة ومتنوعة تنتشر على فروع الحياة ومنها :

1. السيطرة على المال والحياة الاقتصادية الكبرى.
2. السيطرة على الإعلام للأخذ بزمام الحرب النفسية والفكرية.
3. الاستحواذ على أهم الكراسي في الجامعات ودور الثقافة لتوجيه الفكر وتسيير العقول.
4. الاستيلاء على الحركات النقابية ودور السباب.
5. التسلل إلى بعض الأسر عن طريق الزواج المقصود أو الطب.
6. الانخراط في المجالس التشريعية والمحاكم لتوجيه القانون .
7. احتكار المسرح والسينما وما يتصل من تلفزيون وإذاعة.
8. تجارة الأزياء خصوصا النسوية منها قصد تغيير الباطن بصورة الظاهر من المرأة والرجل.
9. الاتصال بسائر الأحزاب والحركات السياسية حتى لا تغيب عنهم لحظة لبسط نفوذهم.
10.العمل جهرا في المرافق العامة وسرا في المحافل الخاصة بهم . وغير ذلك مما يشاهد في سائر فروع الوجود الإنساني.

فهذا الجدول (1) ما هو إلا إشارة لفساد العقول ثم النفوس ، حيث يوضح لنا الصراع الخفي والمنظم لهدم بعض العقائد المسيحية والإسلام بتعويض المعتقدات الدينية بمعتقدات علمانية أي إلحادية.

1.المفاهيم الصحيحة الخالدة عبر العصور:
تعوض ب: المفاهيم العقيمة التي لا تبرز إلا في أيام الانحطاط عبر التاريخ.
2.الحق المطلق الذي لا يدرك إلا عن طريق الوحي:
يعوض ب: العلم بالمفرد الذي لا يليق إلا بالحضرة الربانية وكأن الإنسان أحاط بكل شيء علما بفرط غروره.
3.الغيب وعالم الغيب الذي هو عند الله وبه يتصرف في الأكوان:
تعوض ب: فرضيات غامضة في الكون مثل الجدلية التي أصبح العلماء يرفضونها ومثل اللاشعور واللايبيدو أو الهورمة أو إرادة القوة والانطلاقية الحيوية التي وقع فيها كثير من الأخذ والرد والجدل.
4.خلود الروح وبعث المادة والأجسام تعرض يوم النشر والحساب وبعث الناس على ما عاشوا عليه (( من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى)). :
تعوض ب: خلود المادة ونفي البعث والنشر والحساب والقول بالاقتصار على تطور التاريخ في نهاية المطاف نحو الفردوس الأرضي المزعوم.
5.عالم الأمر الرباني أو كلمات الله من ممكنات وتعبئات وعلاقات :
تعوض ب: عالم الحتمية المادي الذي غيرت معالمه اليوم فيزياء الذرة والذي كان منفذ الغرور والإلحاد والطغيان.
6.العقيدة : تعوض ب: بالايديولوجيا
7.الإيمان: تعوض ب: الالتزام بفلسفة أو نظرية أو حركة سياسية متقلبة.
8.الجهاد: تعوض ب: الثورة.
9.الدين: تعوض ب: المذهب يميني أو يساري وفرقة شبه دينية بل حتى عبادة الشيطان.
10.الميمنة أو أصحاب اليمين: تعوض ب: التقدمية اليسارية.
11.المشئمة أو أصحاب الشمال: تعوض ب: الرجعية اليمينية.
12.الرسول تعوض ب: الزعيم.
13.الكتاب: يعوض ب: المؤلفات النازية والماركسية أو الفلسفية والكتاب الأحمر والبيان والدستور المفروض.
14.الرسالة: تعوض ب: العلم المزعوم المادي الاجتماعي الاقتصادي والنظام الجديد عند هتلر أو ماركس أو غير ذلك.
15.الأمة الفاضلة: تعوض ب: الطبقة التقدمية أو العنصرية أو اللبرالية المادية.
16.المترفون: تعوض ب: البرجوازيون.
17.المستضعفون: تعوض ب: المستلبون أي المستغربون أو المرهونون في الرأسمالية أو المكسوبون في الشيوعية.
18.الديار المقدسة: تعوض ب: قبر الزعيم وتماثيله.
19. الدرجات: تعوض ب: الطبقات..
20.الأخ والأخوة : تعوض ب: الرفيق والرفقاء.
21.الآلة: تعوض ب: الوثنية القديمة والجديدة والشرك الخفي والصريح.
22.الاستقامة: تعوض ب: الطلائعية.
23.الحق والباطل: تعوض ب: الاصالة والمعاصرة.
24.الوعظ والإرشاد : تعوض ب: الدعاية والتمذهب المفروض والإكراه.
25.الواقع : تعوض ب: المادة المحسوسة.

إن المفاهيم الصحيحة بمثابة المقولات العقلية وهي وظائف ثابتة ولازمة يستحيل النشاط النفسي بدونها والا وقع الفكر في الفراغ مع ماله من الم وقلق وضيق وضجر، ولا يتصور عقلا ونقلا أن يعيش الإنسان حياته الباطنية في الفراغ فلا بد من تعويض الذهب الإبريز بالزبد والهشيم الذي يتمثل في المفاهيم العقيمة وهو نوع جديد مما يسمى في التراث الإسلامي بالإسرائيليات في القديم.

إن هذه العقيدة موجودة ولكنها كنز مدفون يجهله حتى أصحابه إلا من رحم ربك من المؤمنين والمقربين وهي إسلام الوجه لله.
وهذا الجهل بأسرار العقيدة هو الذي يحيطها بالأعداء من كل جانب حتى في عقر دارها، حيث أصبح أبناؤها يخربون بيوتهم بأيديهم تقليدا لأعداء المكشوفين والمقنعين في الحركات الدولية.

إن لكل عقيدة أعداء وأنصار، ولكن خصوم الإسلام لا يحصى عددهم في الخارج والداخل.. ففي الواجهة الخارجية نجد الدوائر الدينية والسياسية والمحافل والحكومات والجمعيات الظاهرة والسرية، وفي الواجهة الداخلية نجد جيش خصوم الإسلام من العناصر المتنوعة الآتية:

1.الظالمون لأنفسهم ولغيرهم خصوصا المستبدون الإرهابيون.
2.المشركون في الوثنيات القديمة والجديدة.
3.الجاحدون والكافرون أي الساترون للحقيقة وهم في ضلال.
4.المنافقون في الحركات المختلفة من دساسين وانتهازيين.
5.العصاة الذين يخافون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6.المغفلون من غير سوء نية الذين يقلدون الأعداء والأجانب المنهارين المضطربين في نفسيتهم وعقليتهم ومعارفهم العلموية المتفقهة بحسب العبارة القديمة ، ومنهم يلتقط قسم المخابرات المتدخلة في البلدان من غير وعي بتبعيتهم وهم الذين يسميهم الاستعمار الغربي المغفلون المخلصون .

أما عقيدة المستقبل لا بد أن يتوفر فيها مجموعة الشروط الآتية:

1.إيقاظ العقل وتكليفه أول خطوات العلم والعمل.. وجمعهما هو الحقيقة، وهي المطلوب من الحياة المعنوية.
2.نظام الكون الظاهر والوجود الباطن أساس التفكير وموضوعه إذ لا تخلق الكائنات بالباطل.
3.رفض العبث وطلب الحق لكل الأشياء والا لما كان للوجود معنى.
4.لا تفرغ المعنى على الكائنات إلا بالرجوع إلى أصلها واصلها هو نشأتها ، ونشأتها من الله فلا بد للرجوع إلى اصل الأصول ومنشئها وهو خالقها والإيمان به.
5.بالإيمان تفتح الأكوان للعقول والأسرار للقلوب.
6.الإيمان يرتبط بالوحي ، والوحي مضمونه العلم، والعلم المطلوب معصوم من الخطأ ، والعصمة في العلم المطلق الجامع للأسرار لا تكون إلا لله ، ولا بد أن يأتي هذا العلم من الله في كتاب محفوظ من الخطأ والعبث والتحريف والتزوير وهو القرآن وحده لا يماثله كتاب في الوجود.
7.هذا العلم عقيدة وشريعة وأسرار ميزته العظمى الاحاطة الشاملة المطلقة، وبالتالي كل طاعة له فضل وربح ، وكل عصيان ظلم وخسران ، وخصوصا الشرك (( إن الشرك لظلم عظيم )).
8.الاحاطة تكون في الزمان والمكان في الظاهر والباطن وفي الأسرار والغبن في عالم الكلمات، أي كلمات الله التامات.
9.العقيدة والشريعة تتصلان بنظام الوجود العام وبتدبير الأرض في الحياة الدنيا بوجه خاص فيما يتعلق بالإنسان،ويتميزان بالشمول للحق والخير والجمال الاحساني لحفظ الإثقان الإلهي .

وخلاصة القول ..إن العقيدة التي سيدين بها المستقبل نظام محكم كنسق مرتب أو هندسة متقنة لها راس ولها قدم مفتوح من باب الاجتهاد والشورى بين الناس بحيث تضمن فيها الطاعة لله والحرية للبشر.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العلمين.
د.م.ب.ع.