رسالة من تل أبيب " بالعبرية " !
بعد ظهر اليوم التالي جاءت حسناء وادي أبو جميل لزيارة السيدة الفرنسية، وكانت ترتدي فستاناً قصيراً
بعض الشيء ، بلون برتقالي .. كما لفت شعرها بشال من الحرير الرمادي .. وقد أكثرت من وضع
الماكياج على وجهها ، وكأنها تريد أن تثبت للسيدة الفرنسية بأنها فعلا إحدى أجمل بنات وادي أبو جميل .
دار بينهما الحديث في مختلف المواضيع ( مواضيع نسائية ) .. كأي حديث يجري بين امرأتين في اللقاء الثاني .
وبلباقة غريبة تمكنت السيدة الفرنسية أن تغير الموضوع فقالت لـشولا "
- أعتقد أنك يهودية يا شولا ..
قالت شولا وهي تستغرب هذا السؤال " ( ايوه ) " اللغة العامية من ملف القضية نفسه وسنجدها بكثرة فيما بعد " كيف عرفت ؟
-اسم عائلتك أوحى لي بذلك .. بالمناسبة زوجي يهودي أيضاً
قالت شولا وهي تحاول أن تستفسر منها أكثر وأكثر .. زوجك يهودي ..
ولكن ماذا يفعل هنا ؟ .. في بيروت ؟
رسمت آن ماري ابتسامة غامضة على ثغرها وقالت " إنه يشتغل في تجارة الاستيراد والتصدير !
قالت شولا " عظيم .. ولكن اليهود في لبنان وسائر البلاد العربية سيتعرضون كما أعتقد لحملة اضطهاد بعد ما فتحت أبواب الهجرة إلى فلسطين .
قالت مدام مولخو وهي تنظر لشولا بإعجاب " إنك تتعاطين السياسة على ما يبدو من حديثك .
نفخت شولا دخان سيجارتها وقالت بتصميم " لقد حان الوقت ليعرف جميع يهود العالم أن لهم وطناً .. وأن فلسطين هي أرضهم الموعودة .
هنا لم تجد آن ماري صعوبة في مكاشفة شولا بالموضوع الرئيسي فقالت " إن أفكارك تنسجم مع افكار زوجي يا آنسة شولا .. فلم لا تتعاونين معه ؟
- ----------------------------
بعد نصف ساعة جاء مولخو ومعه شخص آخرمالبث ان قدمه مولخو إلى شولا بإسم محمد سعيد العبدالله .
بدأ مولخو يتحدث مع شولا في مختلف المواضيع وعن قضية اليهود وإسرائيل بصورة عامة وقال لها إنه كان أحد كبار الضباط في الجيش الفرنسي وزعم أنه صديق " ديغول "الحميم !
هنا أعجبت شولا به فحدثته بدورها عن نفسها وأنها من مواليد الأرجنتين وأن اسمها الأصلي ( زيلاما ماير كوهين ) وهو اسم بالعبرية يترجم إلى العربية ( سليمى ) ولكنها غيرت اسمها إلى شولا لأن فيه رنة موسيقية !
توغلوا في الحديث وكانت آن ماري ومحمد سعيد يشتركان في هذه الأحاديث التي كانت تدور حول الوطن القومي الصهيوني في فلسطين وعملية تسفير اليهود العرب إلى الأرض التي اغتصبها العدو ( نحن ! ) فيما بعد .
وأثناء الحديث سحب مولخو من جيبه ورقة مكتوبة إلى شولا وهي عبارة عن رسالة موجهة بالعبرية وطلب منها ترجمتها .. فقرأتها إلى مولخو وجاء فيها ما يلي "
إننا نطلب منكم إرسال أكبر عدد ممكن من اليهود اللبنانيين إلى فلسطين .. عن طريق البر والبحر .. ويجب أن يتم ذلك بسرية وكتمان شديدين ..وبأسرع وقت ممكن .. الدراهم تصلكم مع عميلنا خلال أيام "
لم تكن هذه الرسالة موقعة بإمضاء أحد ولكن شولا فهمت فوراً أنها مع أحد عملاء إسرائيل فشعرت بالراحة ( نقدر نقول إنها أتأكدت أنه لا يكذب عليها ) وقالت "
إني أتمنى لو أساعدك يا سيد مولخو في هذه المهمات الخطيرة .. فقد يكون بإمكاني أن أساعدك كثيراً ّ
شعر مولخو أن حسناء وادي أبو جميل وقعت في فخ الشبكة التي ينوي زرعها في بيروت فعينها سكرتيرته الخاصة .. وقبل أن تخرج من منزله قبضت مبلغاً كبيراً من المال واتفقت معه على اللقاء في اليوم التالي لتباشر عملها !
" شولا تمارس عملها مع المخابرات الإسرائيلية "
أصبح منزل مولخو مسرحاً لنشاط شولا التي اطلعت على جميع أسرار العصابة التي تتولى تهريب اليهود إلى فلسطين فكانت هي مكلفة بكتابة الرسائل وترجمتها .. كما كلفت بالقيام بإتصالات مع عملاء إسرائيل ومع عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية في بيروت لتكسب من خلال علاقتها معهم عطفاً على قضية إسرائيل !
كانت شولا تمارس عملها بشغف لدرجة أن مولخو كان يستشيرها في جميع الأمور والمواضيع .
علمت شولا أن محمد سعيد شاب من الجنوب وهو مكلف بتهريب اليهود اللبنانيين إلى فلسطين عن طريق الحدود الجنوبية . وأنه يدخل إلى إسرائيل ساعة يشاء .. وهو يعرف عدداَ من عملاء الاستخبارات الإسرائيلية .
كان محمد سعيد يتودد إلى شولا ويطري جمالها ويقول إنه يتمنى لو كانت صديقته !
ولم تكن هذه اليهودية تبخل عليه بنظرة ذات معنى وأحياناً بابتسامة ذكية مما جعله يهيم بها حباً .. ولكنه حب من طرف واحد .. في بداية الأمر .
فقد كانت شولا مشغولة عنه بعملها الذي استولى على تفكيرها .. كانت تعتبره مجرد عضو في الشبكة ولا حاجة لكسب ودها فهو يقبض أجرته لقاء أعمال التهرب التي يقوم بها .... ( ماكو مصلحة من بناء صداقة معه )
" مهمة خطيرة "
ذات يوم جلس مولخو مع شولا في مكتبه يحدثها في مهمة خطيرة .. قال لها أنه اتفق مع أحد الشبان النافذين في بيروت على تهريب عدد وافر من اليهود إلى فلسطين عن طريق البحر وأن الشاب النافذ ( وهو صاحب سيطرة على فريق من " القبضايات" ) استأجر مجموعة من المراكب البحرية لهذه الغاية ...
واضاف مولخو يقول لسكرتيرته الحسناء أن هذه العملية تعتبر من أكبر عمليات التهريب التي يقوم بها منذ وجوده في لبنان .. وأن تهريب اليهود سيجري فيما بعد عن طريق البر والبحر ..
فهمت شولا من حديثه أنه يريدها أن تتصل ( بموظف لبناني ) أقيل في الوقت الحاضر من منصبه وذلك كي يفرض عليهم الحماية .. وكي لا يتعرضوا لمشاكل قد تؤدي بهم إلى السجن ..
أخبرها مولخو بأن الموظف السابق يهوى النساء ! .. وأن بإمكانها أن تسيطر عليه فيما لو أحسنت التصرف !
طمأنته اليهودية إلى نجاح مهمتها سلفاً .. وطلبت منه أن يزودها بعنوان الموظف ، ورقم تليفونه والأماكن التي يتردد إليها .. كما طلبت منه مهلة 48 ساعة لكي تنفذ المهمة على وجهها الأكمل
عرفت شولا كل شي عن الموظف .. وبدأت تستعد لمقابلته ، وإيقاعه في حبائلها !
شولا وصديقتها .. والموظف السابق !
مساء اليوم التالي كانت شولا ترتدي فستاناً أسود اللون يرتفع إلى أعلى ركبتيها ( لم يكن * الميني - جوب * موضة ذلك العصر ) .. وتوجهت إلى محل الكوافير حيث سرحت شعرها بريقة أوريجنال .. أضفت
عليها مزيداً من الجمال ثم اتصلت بصديقتها سارينا ،( فتاة يهودية جميلة ) ودعتها إلى السهرة في الأيرو كلوب ) حيث رعفت أن الموظف السابق يسهر هناك ..
عندما دخلت شولا وصديقتها إلى النادي الذي تتردد إليه الطبقة الارستقراطية ، تعلقت بهما الأنظار وكان الموظف السابق من جملة الذين بهرهم جمال الفتاتين اليهوديتين .
جلست شولا مع سارينا على طاولة مقابلة للطاولة التي كان يجلس عليها الموظف السابق مع أحد أصدقائه وكانت من وقت لآخر تختلس منه النظرات .. مما جعله يحدق بها ملياً .. ويبادلها النظرات التي كانت كافية لتجعلهما يتفاهمان على كل شي ء !
عندما تأكد الموظف السابق أن الحسناء تخصه وحده بالنظرات طلب من أحد مستخدمي النادي أن يدعوها مع صديقتها إلى طاولته
واقترب * الغارسون waiter * من حيث كانت تجلس شولا وصديقتها .. وقال موجهاً كلامه لـشولا "
- إن البيه يتشرف بأن يدعوك إلى طاولته .
التفت شولا إلى حيث كان يجلس الموظف السابق وابتسامة كبيرة تطل من ثغرها ..
ثم نهضت مع سارينا .. واقتربت من الموظف السابق تقدم له نفسها فوقف الموظف السابق يرحب بحسناء وادي أبو جميل وهو يوزع نظراته بينها وبين رفيقتها سارينا ..
لقد جاءت شولا بصديقتها معها إلى الأيرو كلوب حيث قررت مطاردة الموظف السابق لتجعله يستسلم باسرع وقت ممكن
.. رغم أنها لم تفهم سارينا مهمتها الحقيقية وإنما أوهمتها أن لها مصلحة خاصة في اصطياد * البيه *
ما إن استقرت شولا و صديقتها ‘لى جوار الموظف السابق الذي كان يشغل مركزاً حساساً في الدولة حتى التفت إليهما وابتسامة كبيرة تطل من وجهه ... ونظراته تعبث بهما ... كيف لا ؟! وهو مع أجمل فتاتين في بيروت ؟! .. قم قال "
-ماذا تشربان ؟
رشقته شولا نجد أن اليهودية تؤدي دورها ببراعة ! بنظرة عميقة أتبعتها بابتسامة ذات معنى ! وهمست بالفرنسية "
أي شيء .. ماذا تشرب أنت ؟
قال الموظف السابق وهو يحاول أن يجعل الجو أكثر وداً بينه وبينهما "
سنشرب جميعا ً الويسكي .. أو لعلكما تفضلان الشمبانيا ؟ أو أي مشروب آخر ؟
ثم التفت إلى صديقه الذي كان صامتاً وقال "
نسيت أن أقدم لكما صديقي الدكتور غازي .. إنه رفيق سهراتي .
-بدأت شولا تتجاذب معه وتمازحه وكانت تحاول أن تلعب دور الفتاة المستهترة التي لا هم لها من الحياة سوى التمتع بالملذات !
وقد اعتمدت شولا هذه الطريقة حتى تشعر الموظف السابق إنها مجرد صيادة رجال لا تبتغي منه سوى المنفعة الشخصية ===> تبعد الشبهات عن نسفها في موضوع التجسس عبقرية !
كان الأربعة يؤلفون شلة كان خامسها زجاجة وسكي .. أوشكت على نهايتها !
*****************************
انتهت اللعبة بأن ذهبت الفتاتان إلى شقة الموظف السابق وخرجوا في ساعة متأخرة من الليل ! على وعد بلقاء في اليوم التالي
وبدلاً من أن تتجه إلى منزلها ، أوصلت سارينا إلى بيتها ثم اتجهت هي إلى منزل اليهودي وأطلعته على تفاصيل ما جرى بينها وبين الموظف السابق وبدأت تبحث معه موضوع تهريب عدد وافر من اليهود إلى فلسطين .
قال لها مولخو أن عدداً كبيراً من اليهود المقيمين في سوريا قد وصلوا إلى بيروت وهم على استعداد للسفر .. وأن عملية التهريب ستجري بواسطة اللنشات ومراكب بحرية وأنه قد رتب كل شي ء ..
وسيتولى معاونه محمد سعيد قيادة القافلة ...
نظرت شولا إلى مولخو وقالت " بالمناسبة، اريد أن أسألك عن محمد سعيد .. وعما إذا كان أمره يهمك ؟ فهو يتقرب إلى من وقت لآخر ! ولكنني مازلت أصده .. فأنا لا أرغب أن ارتبط بعلاقات عاطفية مع العملاء إلا إذا كانت المصلحة تقضي بذلك
قال لها مولخو " إن محمد سعيد من أخلص عملاء الشبكة .. فهو من بلدة الخيام المتاخمة للحدود التي تفصل بين وطننا الموعود إسرائيل وبين لبنان ..
وهو الآن في تل أبيب وسيعود ظهر غد .. وأجهزتنا تثق به ثقة كبيرة .. وقد سبق أن اعتمدنا عليه في عدد من المهمات فنفذها بدقة وإخلاص .. فأرجو أن تسايريه قدر استطاعتك.. لأننا بخسارته نخسر عميلاً ممتازاً من عملائنا !
قالت شولا وهي تبتسم ابتسامة ذكية "
إذن سأجعل محمد سعيد يخضع لنا طوال عمره .. وسيكون لي لقاء معه خلال الأيام المقبلة
قبل أن تغادر شولا منزل مندوب مكتب الوكالة اليهودية وضعت معه مخطط عملية التهريب وتُقُرِرَ أن يجمعها في اليوم التالي بأحد عملاء الشبكة اليهودية ( جوزف كوبي ) والشاب اللبناني المتنفذ الذي سيتولى تأمين اللنشات والمراكب ..
هنا ينتهي الـ part 2 ..وأعتذر عن إني ما رح اضع إلا part واحد كل أسبوع لسبب خارج عن إرادتي
