هناك فرق جوهرى بين أن يكون الأصل فى الأشياء الإباحة .. وبين أن يكون الأصل فيها الإستباحة .. ولذلك فإننا يجب أن نتفهم جيدا أن المخاطب بتلك القاعدة الجليلة المهمة .. أى قاعدة أن الأصل فى الأشياءالإباحة ... هم الفقهاء والعلماء .. وليس العوآم أو آحاد الأمة كما يظن بعض المتجددين فى الدين .. بمعنى أن الفقيه وهو فى مجال بحثه واستنباطه للأحكام الشرعية من مظانها وأدلتها الكلية .. يجب أن يراعى تلك القاعدة وغيرها من المقدمات الأصولية اللازمة لمعرفة أحكام الكتاب والسنة .

فليس معنى أن الأصل فى الأشياء الإباحة ( أو مايعرف بالبراءة الأصلية ) .. أن يستبيح الناس كل الأفعال والأقوال والمعاملات إلى أن يتبين لهم بعد ذلك كلمة الشرع .. إذ يصبح العلم بالأحكام الشرعية حينئذ تحصيل حاصل وتنعدم الطاعة الشرعية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. ولذلك فالبراءة الأصلية ليست دليلا شرعيا كالكتاب والسنة والقياس والإجماع .. بل هى اعمال لدليل قائم بالفعل .. ولايمكن أن تكون دليلا مستقلا ومتقدما على غيره من الأدلة .. إلا حينما تصبح المسائل على رأى المثل ( بإذنك ومن غير إذنك ))


وهذا مايدعونا إليه للأسف الشديد فقهاء العلمانيين المتجددين .. حيث يقول أحدهم بالحرف مستنكرا .. (( وأصبح على المسلم أن يتريث أولا قبل أن يفعل أى شىء ليتثبت هل هو حرام أم حلال فإذا لم يكن لديه المراجع وهو مايغلب بالطبع فإن عليه أن يستفتى .. وظهر فى الصحف اليومية واالأسبوعية أبواب خآصه للفتاوى .. كما تخصص الصحف الإسلامية صفحات متعددة للفتاوى .. وفى هذه الفتاوى - سؤالا وجوابا - الكثير من المضحكات المبكيات )) .. وهكذا يستنكر هذا المتجدد أن يلجأ الناس إلى العلماء وإلى أهل الذكر فى لجان الفتوى لمعرفة أحكام دينهم .. ويطالبهم من ثم ببالتصرف فى ححياتهم بحرية وبتلقائية وبالفطرة .. يعنى الناس يصلون ويصومون ويتناكحون ويشترون ويبيعون ويحاربون ويسالمون ويتقاضون .. بدون أى حاجه إلى التريث أو التحرى لمعرفة كلمة الشرع أولا .. ومايتعلق بتلك الأمور الحياتية من أحكام الكتاب والسنة ؟؟


ولاشك أن مايدعونا إليه هذا المتجدد هو ( الفوضى الدينية بعينها ) وهى (( الإباحية )) بشحمها ولحمها .. وأى معنى يبقى بعد ذلك للإنقياد لكلمة الله وضبط حركة الحياة بالشرع .. وأى وظيفة تبقى بعد ذلك للفقه والفقهاء .. بل أى وظيفة تبقى للكتاب والسنة .. إذا جاء السؤال والعلم بالحكم الشرعى متأخرا بعد تمام الفعل والترك .. ؟؟ يعنى بعد خراب مالطه كما يقال .. ثم مافائدة الفقه الجديد الذى يبشرنا به هذا المتجدد .. إذا كان يستنكر علينا التريث وتحرى الأحكام الشرعية قبل الإقدام على الفعل ؟؟ وهل فقهه الجديد سيتناوله المسلم بعد الأكل أم قبله .. أى بعد أن يتريث فى الفعل أو الترك .. أم سيكون فقها للتسلية والمتعة الذهنية ؟؟ بالله عليكم هل هذا كلام عقلاء ؟؟