سباب وقذف بالفوارغ، بل بلغ الامر في الشارع الرياضي الخليجي لاستخدام التقنية في تفجير صيغ انفعالية يبدو انها اعدت لـ «سياسيين وساسة» ثم استخدمت في الرياضة، فالاحتقان الذي نقرأه في الصحافة الخليجية انما يأتي بفعل الهزيمة النفسية، او نصف الحرب في كل شيء، كوننا كخليجيين نشعر دوما بأننا ندار ولا ندير، ولأننا مثلا تعودنا في السياسة ان تحاط صيغ التعبير عن الرأي بأسلوب خطاب «مسلفن»، كانت الكرة هذه المرة في ملعب الرأي والرأي الآخر، لوجود ما يزيد عن 700 اعلامي يحاصرون دورة من سبعة منتخبات، وبالتالي كثف الاعلام بكافة تفرعاته عملية تسليط الضوء بقدر اكبر من مساحة المكان.
ولا ادل من ان يوصف المنتخب الكويتي «بالخردة» وينعت احد نجومه بحليمة بولند وبمجرد تصفحك للصحافة الكويتية صبيحة انتهاء الامارات من مهمة الازيرق، كانت الصحافة الكويتية في ذلك اليوم «أسوأ ما في الأمر»، وكتبت الصحافة الاماراتية «بالابيض» اكثر من الاسود لفوز بهدفين، غير ان الحال انقلب عقب هزيمة عمان، واشتعلت الديمقراطية اكثر فتحول الابيض للاسود وبعنف!! ولو جمعت لك في هذا المقال مفردات السباب لوجدت انني احتاج الى مساحة اخرى للكتابة، في لغة خطاب اعلامي يثور لاول مرة، بل يتحدث متجاوزا حدود «نقل الواقع بأمانة» التي لا تتطلب من الصحيفة او القناة تحويل مسار مدرج الملعب الى مكاتب الصحيفة على سبيل المثال.
هزيمتان جعلتا 150 كويتيا يقودون مظاهرة لخلع الرئيس السادس في تاريخ اتحاد الكرة، هزيمتان تسببتا في المطالبة باستقالة احمد اليوسف، هزيمتان جعلتا الصحافة تؤسس لفكر الشتيمة على غرار «فشلونا» و«دجاجة أم ناصر» و«الازيرق الفاشل».
اتحدث عن صياغة خطاب اعلامي غير مغلف هذه المرة، فعناصر المظاهرة وفق تصريحات فضائية يمارسون حقا مشروعا في التعبير عن رأيهم، ويحملون يافطات ديمقراطية امام مقر الاتحاد لفتح النار بل دفع ذلك 15 نائبا لتحويل ملف الازمة الى مجلس الامة «هذا والمنتخب الكويتي صاحب اعلى رقم في الفوز بدورات الخليج» حتى الآن، وفيما تخرج من نفق اعلام «الازيرق» تقع في اعلام آخر اكثر اتزانا واقل حدة ولكنه يمارس ادوارا شبه محددة سلفا.
عموما هذا التأجيج، انما يأتي لكون «الرياضة» باتت من مقبلات السياسة، بل يأتي لكون الاعلام الخليجي ينظر للرياضة وفق زوايا منفعية بحتة فيما بين الدولة والأخرى، وبالتالي تصاغ مفردات الخطاب وفق مصالح احادية لا يتبلور من خلاله اعلام حقيقي يمارس في كافة الظروف، يؤدي دوره وفق تخصصه وليس عواطفه او عواطف من يقومون بإدارته عن بعد.
ولكي ابقى في مدرج الرياضة بديمقراطية مطلقة اقول ان لغة الخطاب التي شهدتها دورة الخليج نتاج كبت، نتاج حرب، نتاج «سياسة» اكثر من كونه نتاجا رياضيا بحتا، بل ان كرة القدم نشأت في الاصل على اثر توقف حروب فكر من اخترعها في تفريغ طاقة المقاتلين «سلميا» فأوجد هذه اللعبة، وما بعد الحرب على العراق عادت «الكرة» لارض الملعب الذي جف زرعه، وقل «حشيشه» فغضب ماتشالا، وامتعض من خلاله اكثر من مدير فني غير تبعا لسوء ارضية الملعب طرقهم التكتيكية الى الكرات الطويلة باتجاه الآخر اكثر من تلك «البينية» المتقاربة حتى بلوغ مرمى الخصم.. انه في هذه الحالة «يتقدم بسرعة وبشكل اخطر».
وفيما بين تصريح «الكأس لا زال في ارض الملعب» لرئيس رعاية الشباب السعودية، وتصريحات اقامة الدورة المقبلة بين القطريين والاماراتيين وموعد اقامتها «خطاب اعلامي آخر» لم يتوقف لدى تحول الازرق الى خردة او بشار الى حليمة.. فعلا الكأس لا زال في الملعب وستكتشف ان حامل اللقب هذه المرة هو الذي لا ديمقراطية لاعلامه كونها مضرة بالصحة.. وتحفظ بعيدا عن متناول الاعلام.
شرق الاوسط
