~الوعد الأزرق~
~Blue Promise~
- 1 -
رسائل تغرق:
كانت تجلس في طرف الغرفة التي كانت تتأرجح بما فيها يمنةً ويساراً. على طاولتها بعثرت الرسائل الجديدة والقديمة.
تتأمل خطوطها ومعانيها على ضوء الشموع المعطرة.
إنها عائدة إلى بغداد, على متن السفينة الهندية, مع عمها العجوز.
تقرأ رسائل خطيبها مرات ومرات, وتتصور اللقاء المرتقب لدى عودتها. زمردة إبنت الشهبندر, فتاة في السابعة عشر من عمرها, بدر ينير ماحوله من دجى, يكسوه شعر من الأبنوس ووجنتين كالكرز, تعلوهما عينان حالمتان.
طرق الباب, فدخل عجوزها مبتسماً ومرهقاً من التحيات في السهرة الصاخبة على متن السفينة, يسألها مصاحبته إلى القاعة, إنه حفل يقيمه القبطان تكريماً لضيوفة, وجميع الركاب والطاقم مدعويين. رائحة الأطعمة والمشروبات والعطور تملأ الممرات. الأنوار تزين السفينة كأنها عروس تمشي فوق الماء في ظلمة الليل وتغني... تتابع خطاها النجوم.
جلسا على طاولتهما المعينة, فرآهما القبطان فأتجه إليهما, وحياهما مبتسماً متمنياً لهم قضاء وقت سعيد في الحفل.
إلتفت زمردة لما حولها, الجميع يضحك ويثرثر ويحرك يداه معبراً.
الأطفال يغنون, والنبيلات يثرثرن, والتجار يبارك كل واحد فيهم تجارة الآخر, بينما إنشغل الطاقم في نقل الأطعمة والمشروبات هنا وهناك, تتلقف الطاولات كل أصناف الطعام شرقياً وغربياً.
تنهدت زمردة وهي تتخيل منتظرها يمشي بين جموع الحاضرين متجهاً إليها وفي يده رزمة من الأزهار.
كانت تتساءل: متى ستصل السفينة إلى ميناء بغداد؟
؟؟؟؟: ما بها إبنة أخي مشغولة البال؟
زمردة: عمي!!
نظرت إليه ثم إلى الطاولة ونفت في أن يكون هناك ما قد يشغلها.
العم: لم يبقي من الرحلة إلا القليل إبنتي, سنصل بإذن الله.
إبتسمت مدعية بأن هذا لا يشغلها, ولكن عيناها كانتا تصرخان بحنين العودة, ورؤية خطيبها.
البهلوان: إنظروا إلى هذا القرد كيف سيمشي على يديه فوق الكرة!!!
نبيلة بدينة: أوووووهههه!! ياله من أمر عجيييب!
أحد التجار: رائع مذهل.
إلتفت الجميع ناحية المسرح الصغير الذي كان يتوسط القاعة.
وإذا بطفلة سمراء, ذات شعر جمري, تملئ الاصباغ الفاتحة وجهها فحسب, ترمي خناجراً في الهواء وتتشقلب للوراء لتلتقطها وهي في وضعية إستعراضية تنتظر عبارات الإعجاب.
الجميع يصفق: رائع! جميل!
إبتسمت زمردة وتابعت العروض.
ظهر رجل ضخم مزين بالريش الملون, وأخذ يبتلع سيفاً طويلاً حتى لامس مقبضه شفتيه, ففرد ذراعيه مستعرضاً وصفق الجميع منبهراً: ما هذا! أمر لا يصدق!
العم والتجاعيد ترسم إبتسامة على وجهه: لقد رأينا أمر مماثلاً في لاهور! أليس كذلك عزيزتي؟!
أيدت تعليقه زمردة وتابعت العروض.
البهلوان: والآن, إليكم جلنار! فتاة النار! بالعة اللهب!
وإذا بإمرة فاتنة تلبس أوشحه حمراء شبة عارية تتبختر في خطاها بغرور إلى وسط العتبة وتحمل في يديها مشعلين, وضعتهما في فاهها وإبتلعت ناريهما, دارت راقصة حول نفسها بسرعة ثم نفثت نافورة من النيران المتراقصة تحاكي دورانها.
ذهل الجميع وعلا التصفيق وتهليلات التعجب والدهشة جو القاعة.
أحد النبلاء: ياله من أمر لا يصدق!
زوجت أحد التجار: يا ويلي!! ألم تحترق السيدة؟
نبيلة متعجبة: ياإلاهي! إن هذا أمرٌ عجاب!!
أخذت العروض تتدفق, والحضور يصرخون متعجبين تارة, ومهللين سعيدين تارة أخرى.
حتى دوت صرخة مرعبة كادت تصم الآذان أتت من خارج السفينة...
عم السكون والصمت... وهدأت الحركة... وأخذ الجميع يرقب بعضه البعض في مفاجأة وحذر... ثم...
إهتزت السفينة...
يتبع قريباً...