«حجاب».. تونس
بقلم :شعبان عبدالرحمن
في عام 1929م وقبل استقلال تونس وقف شاب في السادسة والعشرين من عمره مدافعاً عن الحجاب في إحدى الندوات التي شهدت دعوة صريحة لحظر الحجاب في البلاد.. قال الشاب: «الحجاب يصنع شخصيتنا، وبالنسبة لخلعه فإن جوابي هو الرفض...». يومها ضجت القاعة على وقع ما قاله ذلك الشاب، وحدث جدل امتد إلى صفحات الصحافة التونسية حيث قام الشاب نفسه بكتابة سلسلة من المقالات يدافع فيها عن حق المرأة في ارتداء الحجاب...ذلك الشاب هو المجاهد الأكبر «الحبيب بورقيبة»!
ولم يكن أحد يعلم بأن تصاريف القدر ستلقي بتونس بين يديه ليحكمها عقب الاستقلال مباشرة، وكان أول قراراته محاولة رفع الغطاء عن رؤوس النساء التونسيات، ثم تشدد في حظر «الحجاب» بإصدار القانون 108 لسنة 1981 الذي يعتبر «حجاب المرأة» المسلمة زياً طائفياً يحظر ارتداؤه، بل ويحدد للمرأة بقية لباسها ليكون فوق «الركبة»!!
النساء والفتيات والطالبات والموظفات يتعرضن للمطاردة وإلقاء القبض عليهن، والمنع من دخول المؤسسات والجامعات والمدارس بسبب حجابهن، حتى المستشفيات ترفض استقبال المرضى من النساء بحجابهن.!!
وبين الحين والآخر تجدد السلطات التونسية حملاتها المكثفة ضد الحجاب خاصة مع قدوم شهر رمضان الكريم ومع دخول ايام الحج وهي الحملات التي تذكّر بها السلطات الشعب بأن سلاحها مستيقظ لأي تهاون في الحجاب،
ويلخص الكاتب العلماني رضا الملولي توجه الدولة وجوقة الإعلام والطبقة الحاكمة حيال «الحجاب» في مقال له بعنوان: «مع الجمهورية.. ضد الحجاب» بقوله: «تحول الحجاب في السنوات العجاف الماضية إلى عنوان على القهر والعطالة اللذين أصابا المرأة المسلمة.. ما نلحظه في معاهدنا عودة غير بريئة إلى ارتداء الحجاب الطائفي وتحدي التلميذات للإدارات التي يبدو أن بعضها في غيبوبة».
والحرب المستعرة على الحجاب في تونس لا تمثل إلا جبل الجليد من منظومة حرب متكاملة ومتعددة المراحل على الهوية الإسلامية للشعب التونسي الذي يتجه نحو الإسلام بقوة، وهو ما أصاب سماسرة الاستعمار الثقافي بما يشبه الجنون، وقد أسفرت تلك الحرب حتى الآن عن اكتظاظ السجون بالأبرياء بسبب تمسكهم بإسلامهم، حيث لا يدري أحد عنهم شيئاً... قتل منهم من قتل، ويواجه الآخرون الموت البطيء في سرية وكتمان تحت الأرض، كما أسفرت عن (علمنة) التعليم حتى وصل إلى أعماق جامعة الزيتونة الإسلامية، وتأميم الحكم لصالح الحزب الواحد والرجل الأوحد..!
ألم نسمع الرئيس الفرنسي يتكئ وهو يتجه نحو حظر الحجاب في فرنسا على تونس ويستشهد بأن دولة إسلامية تحظره فلم اللوم إذاً لفرنسا العلمانية !! وأيا كان الأمر فإن المبهر والمعجز في آن... أن الشعب التونسي صار كغيره من شعوب كثيرة، لم يعد يأبه بالحديد والنار وصار يندفع بقوة إلى أحضان دينه.
منقوول..