![]()
(1)في يوم جمعةٍ صيفيٍ حارٍ وملل .. من الأيام الخوالي , ذهبت إلى المسجد لصلاة الجمعة .. ذاك المسجد الجميل الذي يتحمل ما نحن فيه بكل رحابة صدر وبدون تذمر أو شكوى .. سمعت الخطبة و صليت ثم انتشرت من المنتشرين في أرض الله الواسعة .
مشيت بين شوارع الفريج نحو بغيتي .. منزل جدتي التي اعتدنا التجمع عندها كل جمعة في ذاك الوقت "وهذا الوقت" , أطنان من الأشعة الحارقة تُرمى فوق رأسي , تتغلغل وسط أحشائي مروراً بملابسي الخفيفة لتصل حرارتها إلى عظامي فتكسبها الكره للصيف ! .
دخلت هناك فسلمت على الجميع ثم جلست في الطرف .. أستمع للأحاديث التي يمكن وصف جزء منها
بـ "سوالف صيف!" , سوالف عن السفر .. مكة , تركيا , الأردن , ماليزيا , المالديف ؛ برك السباحة وخطورتها على الأطفال .. طبعاً مع ضرب أمثلة عن أطفال ماتوا غرقاً ! . دخل الحديث عن الجو في الخارج .. الموضوع الرئيس في كل مجلس في الصيف , طال الحديث درجة الحرارة "47" وموجة الحر القادمة ... دام الصمت في الصالة لثوانٍ قليلة ثم قالت جدتي : والله يتروالي بأن اللي أخترع الكنديشن بيدش الجنة !! .
(2)
كم قاسوا هم "أي السابقين" .. كم تململوا وتألموا من فرط الحرارة .. مابين تبليل الثياب واستعمال المهفّات برعوا في التخلص من الصيف , دخل بعضهم أعماق البحر ليخرج درره لكي توضع في تاج مهراجا في الهند , وبعضهم جلس في طرف مزرعته ينثر الرطب لتجفيفه وآخر يسوق غنمه نحو فتافيت الشجر المتبقي ؛ ترى في وجوههم التضايق .
بين عشية وضحاها تدفقت الحضارة بتدفق البترول , وانتعشت دنياهم بعد أن كانت خراباً , فأتى ما عند الغرب بخيره وشره ومنه أدواتهم ومنها "المكيــف" . في نهاية الخمسينات أطل علبنا هذا الاختراع , أنتشر في بيوت الشعب كالنار في الهشيم , فقد كان شيئاً مذهلاً ورائعاً جعل الكثير يبيع كثيراً مما يملك لهذا الجديد . مرّ الزمان وبقى المكيف يصدح بصوته المزعج في بعض حجرات بيوتهم فيذهب عنهم الضجر .
(3)
المكيف .. هكذا سُمّي .. لأدري لماذا لكن أجزم أنه سمي كذلك لأنه يجيب "الكيف" ويخليك "مكيّف الراس " بالمصطلح العامي ! ؛ اختراع لا أعرف مُخترعه لكن أقول له على أية حال : جزاك الله خيراً , فقد أفدت الملايين .
في زاوية الغرفة رُكِن , وفي أعالي المجالس وُضِعَ , مزعج أحياناً وهامس أحياناً .. شكل انسيابي أنيق ينفث برودته ليجعلك حياتك الصيفية أكثر جدوى . . كثرت الماركات وكثرت الخرابات وكثرت أموال أصحاب الشركات !.
(4)
أتى الصيف وبمجيئه أتى الصوت المزمجر ليزمجر في غرفنا بكل قوته .. أتى الصيف ومعه أتى موضوع غاز المكيفات , الموضوع المتجدد سنوياً , أتى الصيف بحلوه ومره , ويا كثر مره ! .
يزيد النهار ويزيد الغبار وتزيد البلاهة وحك الرؤوس! , تكثر المسلسلات والأفلام .. لتسلي من بقى في بلاده !.
فالكثير مع موعد في دول "معتدلة الجو" , في مشهد هجرة جماعية نحو الشمال , والشمال الغربي بشكل عام ؛ فمنهم من اكتفى بدول بلاد الشام , ومنهم من وصل لآخر الدنيا .. وكلهم فارّين من واقع مرير !
قد يسلي من بقى نفسه بالبحر فيذهب له كل يوم وقد صار مثل "الصلونه" من حرارته , لكن صلونة دافئة خير من لواهيب حارقة ! . آخرين أكتفوا بما في تلفزيونهم وما في جعبة الـ دي-في-دي الفضي .. هناك من ملأهم الفراغ حتى آخر شعرة من جسدهم فلم يفلحوا سوى في السرحان وفتح الأفواه ! .
(5)
الحديث يجر بعضه بعضاً , وكثرته ثرثرة , والوقت من ذهـب , والصيف من خشـب! ؛ وعلى أية حال سيـأتي –بل أتى- هذا الضيف الثقيل والطويل الأقامة عند مضيفه , أتى مع الفرحة لبعضنا والضيق للبعض , فهو مثل "الفوكسويجن بيتل" .. يحب البعض شكله وبعضهم يضحكون لمجرد رؤيته ...
تحياتي للجميع .. ثريول.