الـحمد لله وحده و الصلاة والـسلام على من لا نبي بعده مـحمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أما بعد:
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم وأجمل صورة, قال الله تعالى: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين: 4 ]
وفضله على كثير من خلقه وكرمه بكرامات كثيرة وميزه بخصائص عديدة¸ قال الله تعالى:
{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } [ الإسراء:70 ] .
ومن تكريم الله لهذا الإنسان أن أنزل عليه لباسا يستر عورته ويتزين به ويتجمل, قال الله تعالى:
{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون } [ لأعراف:26]
فاللباس لباس مادي لستر العورة والزينة والجمال وآخر معنوي يستر سوءة النفس البشرية وهو لباس الإيمان والتقوى ومتى اجتمعا في إنسان فقد بلغ الغاية في تحقيق الكمال الإنساني, إن الاستحياء من كشف العورات واستقباح التعري وإبداء السوءات ليس عرفا إنسانيا ولا اصطلاحا بشريا, وإنما هو فطرة إلهية مغروسة في عمق النفس البشرية ما لم تلوثها الأوحال الجاهلية, ولذلك ما إن ظهرت لأدم وحواء سوءاتهما لأول مرة بسبب وقوعهما في الخطيئة بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها حتى سارعا بدافع الفطرة رغم عدم وجود بشر سواهما في ذلك الحين إلى سترها بورق الجنة حياء من الله, قال الله تعالى: { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } [ الأعراف: 22] .
ومما تميز به الإنسان المتحضر تاريخيا عن الإنسان المتوحش الذي كان يعيش في الغابات و البراري اللباس و الزينة, و قد خص الله تعالى كلا من الذكر والأنثى بخصائص جسدية و مشاعر وأحاسيس نفسية واقتضت حكمته تعالى تمايزهما في اللباس و الزينة وفقا لتمايزهما النفسي والجسدي ولهذا أمر الله المسلمة أن تستر جميع بدنها أمام الرجال الأجانب غير المحارم - وهم من يحرمون عليها تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة - قال الله تعالى:
{ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ النور:31 ]
فالآية نص في وجوب ستر المسلمة زينتها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها حيث أمر الله تعالى بضرب الخمار على الجيوب و الخمار هو ما تغطي المرأة به رأسها وعنقها ونحرها و الجيب هو فتحة الثوب جهة الرأس وضرب الخمار على الجيب هو ليه عليه وذلك حتى لا يبدو شيء من زينة العنق والصدر وختمت الآية بوجوب ستر الساقين والقدمين بل وتحريم لفت انتباه الرجال إلى الزينة المخفية تحت اللباس عبر ضرب الأرجل بالأرض فقال تعالى: { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } [ النور:31 ] فإذا كان لا يجوز تعمد إسماع الرجال صوت الخلاخيل فكيف يجوز إظهار الساقين بخلاخيلها أمام الرجال؟
ومن الأدلة على وجوب ستر المسلمة قوله تعالى:
{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } [ الأحزاب: 59] والجلباب هو الثوب الذي كانت تلتحف به المسلمة من رأسها حتى قدميها ونلاحظ في هذه الآية أن الأمر الإلهي لم يستثن أطهر نساء العالمين ومن لا يتصور في حقهن الأنحراف و الوقوع في الفاحشة وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته الطاهرات بل بدأ الأمر بهن ليكن قدوة لمن دونهن من النساء في الفضل والمنزلة وحتى لا يقول قائل أن الحجاب لا يكون إلا لمن يخشى منها