تتمة
وسئل ـ رحمـه الله تـعالى: عـن خـلـق السموات والأرض، وتركيبالنيرين والكواكب، هل هي مثبتة في الأفلاك والأفلاك تتحرك بها ؟ أم هي تتحرك والفلك ثابت؟ أم كلاهما متحرك؟ وهل الأفلاك هي السموات، أم غيرها؟ وهل تختص النجوم بالسماء الدنيا؟ وهل إذا كان الشمس والقمر في بعض السموات يضيء نورها جميع السموات؟ وهل ينتقلان من سماء إلى سماء؟ وهل الأرضون سبع أو بينهن خلق أو بعضهن فوق بعض؟ وهل أطراف السموات على جبل أم الأرض في السماء كالبيضة في قشرها، والبحرتحت ذلك، والريح تحته؟ وهل فوق السموات بحر تحت العرش؟
فأجـاب:
الحمد لله، هذه المسائل تحتاج إلى بسط كثير لا تحتمله هذه الورقة، والسائل عن هذه المسائل يحتاج إلى معرفة علوم متعددة، ليجاب بالأجوبة الشافية، فإن فيها نزاعًاوكلامًا طويلاً، لكن نذكر له بحسب الحال.
أما قوله: الأفلاك هل هي السموات أو غيرها؟ ففي ذلك قولان معروفان للناس،لكن الذين قالوا: إن هذا هو هذا احتجوا بقوله تعالى :{ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًاوَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح :15، 16]، قالوا: فأخبر الله أن القمرفي السموات.
وقد قال تعالى :{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء :33]، وقال تعالى:{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40].
فأخبر في الآيتين أن القمر في الفلك، كما أخبر أنه في السموات ؛ ولأن الله أخبرأنا نرى السموات بقوله: { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّاتَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 3، 4].
وقال: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [ق:6]، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على أن السماء مشاهدة، والمشاهد هو الفلك، فدل على أن أحدهما هو الآخر.
وأما قوله: هل الشمس والقمر تحركان بدون الفلك، أم حركتهما بحركة الفلك، ففيه نزاع أيضًا، لكن جمهور الناس على أن حركتهما بحركة الفلك.
وأما قوله تعالى :{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فلا يمنع أن يكون ماذكره من أنهم يسبحون تابعًا لحركة الفلك، كما في الليل والنهار، فإن تعاقب الليلوالنهار، تابع لحركة غيرهما، وقوله:{ّ كٍلَِ فٌي فّلّكُ يّسًبّحٍونّ } يتناول الليل والنهار والشمس والقمر، كما بين ذلك في سورة الأنبياء.
وكذلك في سورة يس: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَفَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَكَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَوَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 37ـ40].
فتناول قوله:{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ما تقدم الليل والنهار،والشمس كما ذكر في سورة الأنبياء، وإذا كان أخبر عن الليل والنهار بما أخبر به من أنهما يسبحان، وذلك تابع لحركة غيرهما مثل ذلك ما أخبر به من أن الشمس والقمر يسبحان تبعًا للفلك، وعلى ذلك أدلة ليس هذا موضع بسطها.