الرحالة الفرنسيون والاسبان إلى الجزيرة العربية
للدكتور محمد الحناش
الرحلات مصدر من مصادر التأريخ للجزيرة العربية وطالما كان الاهتمام قليلاً بالرحالة الفرنسيين والتركيز على الرحالة الانجليز لاسباب قد تكون لغوية بالاساس، اما الرحالة الاسبان فعددهم أقل، لعب الرحالة الفرنسيون دوراً مهماً في التعريف بالجزيرة العربية من جميع المناحي:السياسية والاقتصادية والجغرافية وغيرها، كما لعبوا دوراً كبيراً في الصراعات الاقليمية والدولية بالعلم والجاسوسية.
لماذا الجزيرة العربية؟
الجزيرة العربية هي الارض المقدسة، ارض الرسالات السماوية وارض الانبياء، وهي مهد اللغة العربية، وهي ارض الحضارات القديمة والارض التي استغلقت اسرارها على العديد من الغربيين الذين كانوا يجهلون ما كان يدور بداخلها ومصدر قوتها، ولا عجب في ذلك فهي الارض التي عاش فيها شعب احتفظ باستقلاله على مر العصور فاستمر يقاوم دخول القوات الاجنبية التي دأبت على دخول أراضي الدول الأخرى بسهولة واستباحة حرمتها والتصرف في خيراتها تصرف المالك في ملكه.
الجزيرة العربية هي ارض اللغة العربية، لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد ظلت هذه اللغة لغة العلوم لقرون طويلة في جامعات غربية كثيرة، دون ان يتمكن الغربيون من الوصول الى مهدها.
وهي ارض الحضارات القديمة، تلك الحضارات التي لاتزال آثارها موجودة في مناطق كثيرة، وتكفي الاشارة الى الآثار التي تحتفظ بها المنطقة الغربية الوسطى والغربية الشمالية: العلا ومدائن صالح الاخدود في الجنوب، وارم ذات العماد، وابر في الشمال، والفاو في الوسط، وغيرها كثير.
وهي كلها مناطق تحتفظ باثار يسيل لها لعاب الغربيين وعلماء الآثار في العالم، كانت ولاتزال منطقة تجارية كبيرة، وتاريخ هذه التجارة ضارب في القدم، ويكفي ان نتذكر في هذا الصدد طريق الحرير الذي كان يجلب من الهند، وتجارة القهوة التي كانت تصدر من المخاء وغيرها من المناطق في اليمن وهي مهد الدعوة السلفية التي ظهرت في بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فاربكت حسابات الدول الغربية في تطبيق سياساتها الاستعمارية، التبشيرية ايضا. ووجود هذه الحركة كان قد اصبح يقض مضجع المبشرين الذين يودون اكتساح مناطق كثيرة في البلدان العربية، كما ان انتشار هذه الدعوة بسرعة اصبح يهدد مصالح القوى الاستعمارية التي كانت تحتل بعض دول الجوار.
كان الغربيون يجهلون الاجابة عن الاسئلة التالية: ما سر هذه القوة الكبيرة الكامنة في هذه الارض المقدسة، التي تدفع المسلم اينما وجد الى السفر اليها قاطعا آلاف الأميال متحملا الاهوال والصعاب ارضاء لضميره ولعقيدته التي يؤمن بها، وما السر في تمسك المسلم بدينه واستحالة جعله يرتد عنه؟ وما السر في انتشار اللغة العربية بين شعوب العالم، اذ انها الى حدود سنة 1632م كانت تدرس بها جميع العلوم في أكبر الجامعات في العالم؟ وماذا عن المذهب الذي جاء به محمد بن عبدالوهاب الذي انتشر في فترة وجيزة في جميع ربوع الجزيرة العربية، ومعه استطاع اتباعها السيطرة على سائر المناطق، ما سر قوته؟
أجعل نفسك وحيداً في هذا الكون الوسيع وتابع أحواله منذ خلقه الله إلى عصرك وتنبأ بما سيحدث وأقرأ التاريخ بخيال واسع فإنك إن فعلت ذلك تصبح كما قال الشاعر :
ومن يعي التاريخ في صدره *** يضيف أعماراً إلى عمره