أيها الأحبة المؤمنون لا يخفى على أحد ما تقوم به فئة من المسلمين من تفجيرات وقتل للناس وتدمير للممتلكات في بلاد المسلمين وغيرها. مستدلين على صحة أفعالهم بأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وببعض أقوال الفقهاء. وهذا مما جعل بعض الناس يتعاطفون معهم ظنا منهم أنهم ربما كانوا على حق.
لكن كبار علماء هذا العصر يحرمون تلك الأفعال بموجب أدلة من القرآن والسنة، فاحتار كثير من عامة الناس بين هؤلاء وهؤلاء. بل ربما شك بعضهم في نزاهة علمائنا، ظانين أنهم يبيعون دينهم بدنياهم، طائعين للحكام عاصين لله، أعاذنا الله من ذلك.
سنعرض أيها الأحبة أهم الأدلة التي يستدل بها من يقومون بالتفجيرات لقتل النصارى في السعودية وسنرى هل أصابوا الحق أم أخطئوه.
إن أبرز أدلتهم في هذا، هو قول رسولنا صلى الله عليه وسلم "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
ولبيان الحق في هذه المسألة نقول:
أولا – من الخطأ اعتبار أن هذا الحديث يأمرنا بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فهذا الحديث يتحدث عن المشركين لا عن أهل الكتاب من اليهود أو النصارى، فعلى الرغم من أن النصارى مشركون وهناك يهود مشركون، إلا أن القرآن والرسول قد ميزا بينهم وبين المشركين، وأعطيا لكل فئة منهما أحكاما في الشريعة.
فمثلا تؤكل ذبيحة الكتابي ولا تؤكل ذبيحة المشرك، ويجوز الزواج من كتابية أم المشركة فلا. فمن الخطأ الخلط بين الفئتين.
لكنه قد جاء حديثا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإخراج يهود الحجاز ونجران من جزيرة العرب. فهو يتحدث عن يهود الحجاز ونجران لا عن عامة اليهود والنصارى في جزيرة العرب. وذلك لأسباب يعلمها من علمها ويجهلها من جلها ولسنا بصدد الحديث عن ذلك.
كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يبقين دينان بأرض العرب" وأنه قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" .
لكن لم نجد أن أحدا من الخلفاء الراشدين قد قام بقتل اليهود والنصارى أو ظلمهم لإخراجهم من جزيرة العرب إمضاء لهذه الأحاديث، فالواجب العمل بكل ما جاءنا عن الله ورسوله لا أن ننزع حديثا من ذلك الأصل فنعمل به ونترك غيره.
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أجلا يهود خيبر أجلا فئة منهم إلى تيماء وتيماء من جزيرة العرب، وكان إجلاؤه لهم بناء على ما اتفق عليه رسول الله معهم حين فتح خيبر، وحين أخرج يهود فدك دفع إليهم ثمن أملاكهم بناء على اتفاق رسول الله معهم أيضا، فلا ظلم في الإسلام لأحد.
ثانيا- إن قتل اليهود أو النصارى المعاهدين بناء على اجتهاد مجتهد، هو مخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهَدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عام". ومن هذا يتضح أن إخراجهم ليس بقتلهم.
فلم يرد عن رسول الله ولا عن صحابته أنهم قد قاموا بقتل اليهود أو النصارى بسبب أنهم يهود أو نصارى يقيمون في جزيرة العرب. وما حدث من قتل ليهود بني قريضة لم يكن لذلك السبب، فلقد أقر الرسول بقاءهم في المدينة وعقد معهم عهدا، لكن عندما خانوا العهد كان ذلك هو جزاؤهم.
فلقد تآمروا مع الأحزاب للقضاء على دولة الإسلام والمسلمين، مع أنهم مواطنون في دولة الإسلام، وهذه الجريمة في هذا العصر تسمى بالخيانة العظمى التي قد اتفقت الأمم على عقاب مرتكبها بأقصى العقوبات.
ثالثا- لقد بقي اليهود والنصارى في جزيرة العرب على عهد رسول الله وعلى عهد خلفائه الراشدين مرورا بالسلف الصالح لهذه الأمة، فلقد بقي فئات من نصارى بني تغلب في الأحساء واليمامة، ولم يجلي اليهود أحدا من اليمن حتى هذا العصر.
كما أن الرسول وخلفاءه كانوا يستقبلون سفراء الروم النصارى في جزيرة العرب.
وقد كان أهل الكتاب يأتون إلى جزيرة العرب للتجارة، وكانت تؤخذ منهم أنصاف العشور، فمن يأتي من اليهود أو النصارى في هذا العصر للعمل في جزيرة العرب وهو مسالم فهو مثل أولئك الذين كانوا يأتون في سفارات أو للتجارة على عهد رسول الله وخلفائه الراشدين والسلف الصالح.
رابعا- لقد أباح الله لنا الزواج باليهوديات والنصرانيات، قال تعالى:] الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ [ فهل يسمح الله لنا بالزواج منهن مع أنه واجب علينا إخراجهن من جزيرة العرب؟
إذن مما سبق يتضح أن الأحاديث التي تأمرنا بإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب تعني أن علينا أن نسعى إلى إزالة استيطانهم في جزيرة العرب، لكن ليس بقتلهم أو ظلمهم. ومن طرق إخراجهم منها هو معاقبة من أخل منهم بعهده معنا بالإجلاء عنها.