المقدمة
انّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادى له و أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له سبحانه لا نحصى ثناءا عليه هو كما أثنى على نفسه شرع لعباده ما فى مصلحتهم سبحانه و تعالى عمّا يصفون و اشهد أنّ محمدا عبده و رسوله صفيه من بين خلقه و حبيبه بلّغ الدين كاملا و لم يترك خيرا الا أمرنا به و لا شرا الا و نهانا عنه فصلى الله عليه و سلّم و على آله و صحبه أجمعين و أزواجه أمهات المؤمنين و من تبعهم باحسان الى يوم الدين ثمّ أمّا بعد...
مازال الغرب مستمرا فى الكيد للاسلام و أهله و هذا ظاهر جلىّ فى أشياء كثيرة تتوالى علينا و منها القضية التى سنتكلم فيها اليوم و للأسف فانّنا نرى من أبناء جلدتنا استجابة لهم و ذلك بسبب الهوس الغربىّ الذى حدث فى هذه الأمة فأصبح كل ما عند الغرب و كل ما يقوله الغرب من المسلّمات و أصبحت التشريعات تقام على ضوء منها و قد ينكر بعض المتمسلمين أحكاما من شرع الله عزّ و جلّ بزعم الحضارة و الالتحاق بركب التقدم الذى يتصدره الغرب الكافر الماجن و لا حول و لا قوة الا بالله ....و من هذه القضايا التى أثارها الغرب قضية ختان الاناث
فوجب على أهل الحق أن يبيّنوا هذه القضية و انّ يوجّهوا اهل الاسلام الى الدين الحق و الى الطريق المستقيم . عملا بقول الله عزّ و جلّ
(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) و لأنّ الغرب لن ينتهوا الى هذا الحدّ فهم يستخدمون معنا سياسة الجزرة و العصا فكلما تبعناهم فى شىء أخذونا الى آخر فلا احد يدرى اليوم ختان الاناث غدا ختان الذكور و الخ ... حتى نصل الى النهاية التى يريدها الغرب و هى أن تكون مجتمعاتنا نسخة من مجتمعاتهم الماجنة الفاجرة حتى يسهل عليهم التعامل مع أبناء هذه الامة و تحقيق مصالحهم عن طريقهم و لا ننسى أنّ الغرب يسير على عقيدة خلافا لما يظنّه الجاهلون .. فالغرب يسعى الى تحقيق الوعد المفترى و الكلام عن هذا الشىء يطول و الله المستعان .
و لقد تكلم العلماء فى هذه القضية كلاما جامعا مانعا و هو كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد و ما هذا الذى بين أيديكم سوى بضع كلمات تعليقا على القضية و قد قسّمتها الى مباحث المبحث الأول يتعلق بتعريف الختان و تعريف معناه المبحث الثانى يتعلق بالآثار المذكورة فى السنّة عن الختان و عرضت تصحيح حديث الخاتنة و الثالث أوردت فهما للنص فهما مجردا و هو النص الذى تم تصحيحه و الرابع أوردت قول الأئمة الأربعة و الخامس أوردت أقوال الأطباء فى الختان جسديا و نفسيا و أوردت أيضا آثار الختان اجتماعيا و الله المستعان.و لله الحمد و المنّة فأسأل الله عزّ و جلّ أن ينفعنا بما جمعنا و هو المستعان .
..(المبحث الأول) ..
معنى الختان :
لغة: القطع، قال ابن منظور رحمه الله: (وأصل الختن القطع، والختان موضع الختن من الذكر، وموضع القطع من نواة الجارية، قال أبو منصور: هو موضع القطع من الذكر والأنثى، ومنه الحديث المروي: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل"، وهما موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الأنثى).3
اصطلاحا
عند الأنثى : هو قطع شيء يسيـر من الجلدة التي كعُرْف الديك فوق مخـرج البول، وتحرم المبالغة في القطع.
تقول الدكتورة نور السيّد راشد فى كتابها وداعا للخلاف فى أمر الختان ما نصه .
الجلدة التي كعرف الديك فوق البظر عبارة عن غشاء هرمي الشكل مشقوق من جانب واحد، وهذا الغشاء ليس له أي تأثير على المعاشرة الزوجيّة. أ.ه
... (المبحث الثانى) ... هل ذكر ختان الاناث فى السنّة ؟؟
نعم ذكر فى السنّة ما يدل على الختان أدلة كثيرة..
و كل دليل يطول الكلام عليه و لذا سنذكر الأدلة اجمالا ثمّ نتطرق الى تصحيح حديث واحد و هو حديث الخاتنة و هذا ما سنعتمد عليه فى بحثنا ان شاء الله عزّ و جلّ .
و من جملة الأحاديث :
ما جاء فى صحيح مسلم و صحيح البخارى و اللفظ لمسلم
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الفطرة خمس الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط
و ما جاء فى صحيح مسلم عن أبي موسى و فيه (فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك فقالت لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل )
أن بنات أخي عائشة [ختن]، فقيل لعائشة : ألا ندعو لهن من يلهيهن؟ قالت : بلى، فأرسلت إلى عدى فأتاهن فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسه طربا - وكان ذا شعر كثير - فقالت : أف، شيطان! أخرجوه، أخرجوه.
حسنه الألباني صحيح الأدب 945
و غيرها من الأحاديث... و الحديث الذى سنسهب فى بيان تصحيحه هو هذا الحديث ..
(اذا خفضت فأشمى , و لا تنهكى, فانّه أسرى للوجه, و أحظى للزوج) هذا الحديث ذكره الألبانى فى الصحيحة برقم (722) , و سنورد تصحيحه للردّ على من ضعّفه و للتدليل على القضية التى نتكلم عليها و الله المستعان .
قال الألبانى فى الصحيحة بعدما ذكر هذا الحديث :
(رواه الدولابى (2/122) و الخطيب فى (التاريخ) (5/327) عن محمد بن سلام الجمحى مولى قدامة بن مظعون قال:حدثنا زائدة بن أبى الرقاد أبو معاذ عن ثابت عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم لأم عطية: فذكره.
قلت: و هذا اسناد ضعيف , رجاله ثقات غير زائدة بن أبى الرقاد فانه منكر الحديث كما قال الحافظ فى (التقريب).
و أما قول الهيثمى فى (مجمع الزوائد) (5/172) :
(رواه الطبرانى فى الأوسط و اسناده حسن)
فان كان من غير هذا الوجه فمحتمل , و ان كان منه فلا , و ما أراه الا منه , فقد رأيت ابن عدى قد أخرجه فى الكامل (150/2) و قال:
(هذا يرويه عن ثابت زائدة بن أبى الرقاد , و لا أعلم يرويه غيره, و زائدة ,له أحاديث حسان , و فى بعض أحاديثه ما ينكر).
قلت: و روى الخطيب عن القواريرى أنه أنكر هذا الحديث.
قلت :لكن للحديث طريق أخرى عن أنس, أخرجه أبو نعيم فى (أخبار أصبهان) (1/245) عن اسماعيل بن أبى أمية ثنا أبو هلال الراسى:سمعت الحسن : ثنا أنس قال :
(كانت ختانة بالمدينة يقال لها : أم أيمن , فقال: لها النبىّ صلى الله عليه و سلّم .....)
فذكره.
قلت: و رجاله موثقون غير اسماعيل هذا, و الظاهر أنه الذى فى (الميزان) و (اللسان):
(اسماعيل بن أمية, و يقال :ابن أبى أمة , حدث عن أبى الأشهب العطارى, تركه الدارقطنى)
و له شاهد من حديث على قال:
(كانت خفاضة بالمدينة ,فأرسل اليها رسول الله صلى الله عليه و سلّم : ..) فذكره.
أخرجه الخطيب (12/291) من طريق عوف بن محمد أبى غسان حدثنا أبو تغلب عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصارى حدثنا مسعر عن عروة بن مرة عن أبى البخترى عنه .
ذكره فى ترجمة عوف هذا و قال عن ابن منده : (روى عنه عمرو بن على و بندار) , و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
و أبو تغلب هذا لم اجد له ترجمة .
و بقية رجاله معروفون ثقات من رجال ( التهذيب) , لكن أبا البخترى لم يسمع من على شيئا , و اسمه سعيد بن فيروز.
و له شاهد آخر , عن الضحاك بن قيس قال:
(كانت أم عطية خافضة فى المدينة , فقال النبىّ صلى الله عليه و سلّم فذكره .
أخرجه ابن عساكر فى (تاريخ دمشق) (8/206/1) عن أبى أمية الطرسومى نا منصور بن صقير نا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عنه . و قال : (ذكر أبو الطيب أن الضحاك بن قيس هذا آخر غير الفهرى).
قلت : و هو الذى جزم به غير واحد , و حكاه فى التهذيب عن ابن معين و الخطيب .قال المفضل الغلابى فى (أسئلة ابن معين): (و سألته عن حديث حدثنيه عبد الله بن جعفر _هو الرقى_عن عبيد الله بن عمرو_هو الرقى_ قال :حدثنى رجل من أهل الكوفة (عن عبد الملك بن عمير) عن الضحاك بن قيس قال : (قلت فذكره) فقال : الضحاك بن قيس ليس بالفهرى ).
قلت: و رواية ابن جعفر هذه تدل على أنه سقط من اسناد ابن عساكر الرجل الكوفى , و لعل ذلك من منصور بن صقير , فانه ضعيف ,و من طريقه أخرجه ابن منده كما فى (التهذيب).
و قد جاءت رواية فيها تسمية الرجل الكوفى, أخرجها أبو داود (5271) من طريق مروان ثنا محمد بن حسان الكوفى , عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية :
( أن امرأة كانت كانت تختن فى المدينة , فقال النبىّ صلى الله عليه و سلّم .....)
فذكره بنحوه و قال:
(روى عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه و اسناده , قال أبو داود : ليس هو بالقوى , و قد روى مرسلا , و محمد بن حسان مجهول , و هذا الحديث ضعيف).
قلت : و سبب الضعف الجهالة و الاضطراب فى اسناده كما ترى , و قد قال الحافظ عقب رواية بن صقير عند ابن منده : (و قد أدخل عبد الله بن جعفر الرقى , و هو أوثق من منصور بين عبيد الله و عبد الملك الرجل الكوفى الذى لم يسمه , فيظهر من رواية مروان بن معاوية أنه محمد بن حسان الكوفى , فهو الذى تفرد به , و هو مجهول. و يحصل من هذا أنه اختلف على عبد الملك بن عمير هل رواه عن أم عطية بواسطة أو لا ؟ و هل رواه الضحاك عن النبىّ صلى الله عليه و سلّم و سمعه منه أو أرسله ؟ أو أخذه عن أم عطية ؟ أو أرسله عنها ؟ كل ذلك محتمل )
و أقول : لكن مجىء الحديث من طرق متعددة و مخارج متباينة , لا يبعد أن يعطى ذلك للحديث قوة : يرتقى بها الى درجة الحسن , لا سيما و قد حسن الطريق الأولى الهيثمى كما سبق و الله أعلم .
ثم وجدت للكوفى متابعا , أخرجه الحاكم (3/525) من طريق هلال بن العلاء الرقى ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبى أنيسة عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك ابن قيس , قال :
(كانت بالمدينة امرأة تخفض......) الحديث.
و سكت عليه الحاكم و الذهبى , و رجاله ثقات , غير العلاء بن هلال الرقى والد هلال , قال الحافظ : فيه لين.
و زيد بن أبى أنيسة حرانى , فلم يتفرد به محمد بن حسان الكوفى.
و الله أعلم .
و الضحاك بن قيس صحابى ثبت سماعه فى غير ما حديث واحد , و سيأتى أحدها برقم (1189) .
و وجدت له شاهدا آخر يرويه مندل بن على عن ابن جريج عن اسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال : (دخل على النبى صلّى الله عليه و سلّم , نسوة من الأنصار فقال :
يا نساء الأنصار اخضبن غمسا , و اخفضن , و لا تنهكن , فانه أحظى عند أزواجكن , و اياكن و كفر المنعمين ).
قال مندل : يعنى الزوج).
أخرجه البزار (175) و قال : (مندل ضعيف).
و كذا قال الهيثمى فى المجمع (5/171—172) و زاد :
( و ثق , و بقية رجاله ثقات) .
قلت: و بالجملة فالحديث بهذه الطرق و الشواهد صحيح . و الله اعلم .
و اعلم أن ختن النساء كان معروفا عند السلف خلافا لما يظنه من لا علم عنده , فاليك بعض الآثار فى ذلك :
1_عن الحسن قال:
(دعى عثمان بن أبى العاص الى طعامه , فقيل: هل تدرى ما هذا ؟
هذا ختان جارية ! فقال: هذا شىء ما كنا نراه على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فأبى أن يأكل).
أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير (3/7/2) من طريق أبى حمزة العطار عنه .
قلت : و أبو حمزة اسمه اسحاق بن الربيع حسن الحديث كما قال أبو حاتم , و سائر رواته موثقون , فان كان الحسن سمعه من عثمان فهو سند حسن . و قد رواه محمد بن اسحاق عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن الحسن به دون ذكر (جارية) .
أخرجه الطبرانى أيضا و أحمد (4/217) , و اسناده جيد , لولا عنعنة ابن اسحاق , فانه مدلس , و به أعله الهيثمى (4/60).
2_ عن أم المهاجر قالت :
(سبيت و جوارى من الروم , فعرض علينا عثمان الاسلام , فلم يسلم منا غيرى , و غير أخرى فقال : أخفضوهما , و طهروهما , فكنت أخدم عثمان).
أخرجه البخارى فى ( الأدب المفرد) (1246,1245).
3_عن أم علقمة
(أن بنات أخى عائشة ختن, فقيل لعائشة : ألا ندعو لهنّ من يلهيهنّ ؟
قالت: بلى , فأرسلت الى عدى , فأتاهنّ , فمرت عائشة فى البيت , فرأته يتغنى , و يحرك رأسه طربا _ و كان ذا شعر كثير_ فقالت : أف, شيطان ! أخرجوه , أخرجوه).
أخرجه البخارى فى (الادب) (1247)
قلت: و اسناده محتمل للتحسين , رجاله ثقات , غير أم علقمة هذه , و اسمها مرجانة , وثقها العجلى و ابن حبان , و روى عنها ثقتان. )
انتهى كلام الألبانى رحمه الله تعالى و أجزل له المثوبة . و بذلك ينتهى المبحث الثانى و الله المستعان .