من القصص الغريبة في تراثنا الإسلامي ما حدث في معركة بدر حين تمثل ابليس للمشركين بهيئة سراقة بن مالك - وكان من أشراف بني كنانة. وحينها وقف فيهم خطيباً ووعدهم بالمساندة ضد المسلمين وأخبرهم أن بني كنانة قادمون لنصرتهم. ولكن ما أن شاهد الملائكة تضرب أعناق الكفار حتى هرب وهو يقول (إني أرى ما لا ترون).. ويحكي الرواة أن سراقة بن مالك (الحقيقي) حين زار مكة لاحقاً تشبث به أهلها وهم يصرخون: يا سراقة خرمت الصف وأوقعت فينا الهزيمة وهو يهرب منهم ويردد: والله ما علمت بأمركم حتى ظهرت هزيمتكم!!
هذه الحادثة الغريبة تضم في إطارها العام تفسيراً لظاهرة محيرة تعرف باسم "الشبيه" (أو ما يسمى في الغرب Bilocation)؛ ففي هذه الظاهرة يُشاهد نفس الشخص في مكانين مختلفين في نفس الوقت. فقد يدعي أحدهم مثلاً أنه شاهد "فلانا" في حفل زفاف فيجيبه الآخر مستغرباً "يا شيخ كان معانا طول الليل في المزرعة". وفي الغالب يتراجع الطرف الأول بسرعة - لأنه غير متأكد مما رأى - في حين يؤكد الثاني شهادته بقوله: "مهو بس كذا؛ الضعيّف قرصته عقرب قدام عيني"!!
وحين نراجع كتب التراث العربي - والقصص المعروفة لألف ليلة وليلة - نجد تأصلاً لهذه الظاهرة في أذهان الناس في ذلك الوقت وتصديقاً بحدوثها.. وقبل الإسلام بالذات ذُكرت قصص كثيرة عن رهبان وعرافين وسحرة تواجدوا في نفس الوقت في عدة أماكن مختلفة - أو حضروا بصورة مفاجئة من مناطق بعيدة "قبل أن يرتد إليك طرفك"!!!
@ ورؤية نفس الشخص في مكانين - أو حتى في عدة أماكن مختلفة - ظاهرة مسلم بها في ديانات وثقافات كثيرة.. وفي بدايات القرن الماضي جمع الباحث الإنجليزي فريدرك مايرز 141حادثة عالمية عن أشخاص شوهدوا في نفس الوقت في عدة أماكن..
ففي التيبت مثلاً يدعي الناس أن للكاهن الأعظم القدرة على إرسال روحه إلى عدة معابد متفرقة - حيث يراه الناس في تلك المعابد أثناء صلواتهم. وفي الثقافة المسيحية ينظر لهذه الظاهرة كمعجزة ربانية - أو خدعة من عمل الشيطان (وتدعى في هذه الحالة Doppelganer)؛ ففي أكثر من مناسبة ادعى أشخاص أنهم رأوا البابا في مناطقهم وقت الكوارث في حين لم يغادر روما أبداً.. وقيل نفس الشيء عن قديس ميلانو "سانت امبروس" والقديس رافينا "سانت سيفيريوس" وسكرتير الفاتيكان "بارديو بينو" في حوادث متفرقة.. وفي عام 1774شوهد القس "الفونسو - ديليجوري" بقرب البابا أثناء احتضاره رغم أنه كان محتجزاً في فرنسا تحت حراسة الجيش الملكي!!
.. وفي الغالب يتصرف الشبيه (أو الطرف غير الأصيل) بطريقة غريبة وغير معتادة. فقد يبقى صامتاً وساهياً عمّا حوله أو يظهر شاحباً مستوحشاً أو يمر أمام الناس بسرعة كبيرة - وفي حالات كثيرة اتضح أن الشبيه يظهر قبل وفاة المريض بفترة قصيرة...!!
على أي حال؛ بالإضافة إلى احتمال خلط الشهود بين شخصين متشابهين فعلاً (.. حيث يخلق من الشبه أربعين) لا أشك مطلقاً في أن للجن علاقة بالموضوع؛ فقدرتهم على التشكل والانتقال اللحظي تتيح لهم الظهور بهيئة أشخاص معروفين في أماكن بعيدة ومتفرقة - كما حدث لسراقة بن مالك في معركة بدر وكان بين قومه لا يدري شيئاً!!
منقو و و ل
وليس 42 
.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحـسام المهند
مشاركة: يخلق من الشبه 42
