العمليات الانتحارية محرمة شرعا وليست سبيلا للمقاومة والدفاع عن النفس
الشيخ عبد المحسن العبيكان
12/11/2004 / قرأت مقالا لأحدهم، يتحدث عن القضية الفلسطينية والعراقية، وقد انتقد الكاتب فتوى الشيخ عبد المحسن العبيكان ـ حفظه الله ـ بتحريم المقاومة في العراق وفلسطين، وساءني ما وقع فيه الكاتب من أخطاء، فرأيت من الواجب تجلية الأمور وتوضيح الحقائق على ما هي عليه، فأقول مستعينا بالله:
لا يخفى على الكثيرين ما وصلت إليه الأمة الإسلامية من ضعف وتمزق وتفرق، ومعلوم أنه "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها".
حل مشروع "نبوي"
ولقد صالح النبي ـ صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وصالح اليهود، ولعل البعض يزعم وجود الفرق بين مصالحة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومصالحة الفلسطينيين أو العراقيين، فما هو الفرق يا ترى؟!
لا تكاد تجد أكثر من ادعائهم الفرق بين العدو المحتل والعدو غير المحتل، وهذا الكلام واه جداً، فالإسلام لا ينظر لمثل هذه الفروق، بل إن النظر يتوجه لما في الصلح من حقن الدماء وتسكين الفتنة وإقامة دين الله عز وجل بين المسلمين أنفسهم.
ولذلك فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "زوال الدنيا أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم"، فهذه الدنيا كلها، وليست نصف فلسطين أو أقل أو أكثر!
والعجب كل العجب ممن لم يرتض هذا الحديث وصارت دماء المسلمين عنده رخيصة جدا في مقابل استرجاع جزء من أرضه ووطنه!
ولقد قام الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ بدعوة الفلسطينيين للمصالحة وحقن الدماء، فما كان من الكثيرين إلا أن قاموا على الشيخ، وانتقدوه، واعترضوا عليه، واتسع بهم الحال إلى أن تجرأوا عليه، واستباحوا عرضه، حتى لقد انتقد بعضهم الشيخ في عقله!
حل ممنوع "المقاومة والعمليات الانتحارية"
لقد اخترع البعض من أرباب الحماسة والثورة، وممن يجهل حال الأمة ومقدراتها المقاومة، ولا شيء غير المقاومة، حتى إنه ليخيل إليك أن لدى هذا الخطيب أو الداعية، جيش عرمرم لا تقف أمامه أي قوة من قوى الأرض!
والمقاومة، وطرد المعتدي حق مشروع، بل واجب على الأمة، وهذا الحق يسمى شرعا بـ "جهاد الدفع"، ولكن لهذا الواجب شروطا، من أهمها، القدرة.
إذ إن قيد القدرة موجودة في عبادة من العبادات الشرعية، وهو وإن لم يذكر بالنص في تلك العبادة إلا أنه موجود في النصوص الشرعية المتكاثرة، كقوله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، ولا شك أن الأمة اليوم عاجزة عاجزة عاجزة، ولا يغفل هذا إلا مكابر.
ولعلي أوضح هذا بالنقل عن الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله:
ـ فلما سئل عن الدفاع عن المسلمين في البوسنة والهرسك ـ وهو جهاد دفع ـ قال: أنا لا أدري: هل الحكومات الإسلامية عاجزة؟ أم ماذا؟ إن كانت عاجزة فالله يعذرها، والله يقول: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله". فإذا كان ولاة الأمور في الدول الإسلامية قد نصحوا لله ورسوله، لكنهم عاجزون فالله قد عذرهم".
والمتأمل لقول الله تعالى: "الذين تتوفاهم الملائكة قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"، يجد أن الله عز وجل أوجب على المستضعف الذي لا يقدر أن يهاجر في الأرض، ولست أتحدث عن هجرة الفلسطينيين أو غيرهم، ولكنني ألفت الانتباه إلى أن الله عز وجل لم يشرع للمستضعف أن يقاتل دفعا لنفسه، مما يؤيد ضرورة الكف عن المقاومة حال الضعف الشديد وحال استحكام العدو وتمكنه من المسلمين وسيطرته عليهم.
وزيادة على ما تقدم، فإن العمليات الانتحارية "لا الاستشهادية" محرمة ممنوعة، وليست هي بسبيل جائز للمقاومة ولا الدفاع عن النفس! ولقد نهى الإسلام عن الانتحار. ثم قد أفتى بتحريم هذه العمليات: ابن باز، ابن عثيمين، الفوزان، وغيرهم، راجع كتاب: "الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية".
فالعجب كل العجب ممن لم يعجبه الحل النبوي، وسكنت نفسه لما دونه!
وإني أتساءل: كم للأمة وهي تقاوم في فلسطين؟هل أنتجت هذه المقاومة شيئا؟ وهل خرج المعتدي؟
إذا كان الشباب لم يستفيدوا من الخطيب الفلاني أو الداعية الآخر، أو القائد العسكري الثالث. فإني أدعوهم إلى تجربة الحل النبوي الذي ذكرته ودعا له الشيخ ابن باز وغيره من قبلي. فلعلهم يجدون في السنة النبوية ما يغنيهم عن آراء الرجال والحماس غير المنضبط والعاطفة غير النافعة.
ولعلي أعود إلى كاتب المقال لأبيّن بعض مجازفاته:
1- أقرّ الكاتب على نفسه بأنه ليس فقيها، فإن كان كذلك فعلام أقحم نفسه فيما لا يحسن؟.
2- برر الكاتب لنفسه الخوض في القضية، وانتقاد الشيخ العبيكان بأنه يملك العقل! فهل يسوغ الخوض في مسائل الدين باستخدام أداة العقل فقط؟.
3 ـ قرر الكاتب "الحق الكامل لكل فرد بالدفاع عن نفسه بكل الطرق والوسائل"، ولا أدري لماذا ثقل على قلمه أن يقيّد عبارته هذه بـ "المشروعة"؟ ومن هنا نعلم أن الدفاع عن النفس مشروع متى ما كان بالطرق المشروعة فقط. أما الدفاع عن النفس بغير المشروع فأمر لا يقره الإسلام.
4 ـ لقد انتقد الكاتب فتوى المنع من المقاومة، ولم يكلف نفسه بعرض هذه الفتوى في مقاله حتى يكون القارئ على بيّنة، بل بالغ في انتقاد شيء مجهول حتى يتسنى له التهويل والمبالغة وإضفاء الأوصاف غير اللائقة بتلك الفتوى دون أن يعترض عليه القارئ بشيء. ولذلك فقد مارس الافتراء في مقاله ذاك بشتى صوره. حيث زعم أن الشيخ يطالب بالاستسلام للمعتدين، وأنه يرى أن المعتدي ولي أمر المسلمين وتجب طاعته!
5 ـ ومن أشد افتراءاته: زعمه أن الشيخ بنى فتواه ـ فقط ـ على اعتبار أن حاكمي العراق وفلسطين يرفضان المقاومة، وأنه تجب طاعتهما، ولم يعلم الكاتب أن هناك تعليلات أخرى ـ مؤثرة ـ لم يذكرها ـ عمدا أو غير عمد ـ فمثلا: الضعف الشديد لدى المسلمين، استحكام العدو عليهم، عدم اتضاح الراية التي يقاتل تحتها، عدم وجود ولي أمر يقيم الجهاد. فلماذا غفل أو تغافل الكاتب عن هذه المناطات المؤثرة واقتصر على مناط واحد؟
6 ـ "فلسطين بلد عربي مسلم كله وليس بعضه"، هذه مغالطة للواقع أو حجب للحقيقة ـ وكلاهما مر ـ فالكل يعرف أنه يوجد في فلسطين يهود ونصارى، وأنه ليس كلهم مسلمين، كما زعم الكاتب.
7 ـ قال "والمقبل أسوأ بكثير"، إن المسلم مأمول بالفأل، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحبه، ولو كان الكاتب "فقيها أو طالب علم" لما وقع في هذه المخالفة، ولكنه ليس كذلك بشهادته على نفسه.
8 ـ "إنني أخالف الشيخ تماما في قضية..." إن غير أهل العلم لا يعتبر برأيهم، فكما أن موافقتك ـ أيها الكاتب ـ لأحد من العلماء لا تزيد من فتواه قوة، فكذلك مخالفتك لأحد لا توهن فتواه.
9 ـ انتقاده فتوى الشيخ بأنها "تشكل مكسبا هائلا لكل المحتلين"، والذي أعرفه ـ ويعرفه العلماء ـ أن على المسلم أن يسير وفق منهج الكتاب والسنة، متبعا الدليل الشرعي، ولا يلتفت إلى: هل هذا يسر العدو أو لا يسرّه، فمتى ما أخذ المرء بالدليل فهو ناج وإن ظنه الناس غير ذلك.
10 ـ "هذه الفتوى لم يقل بها أحد من علماء المسلمين المعاصرين"، والذي أعرفه أن الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ كان ينهي الشباب عن المقاومة ويأمرهم بترك السلاح وحقن الدماء، فكيف يتجرّأ الكاتب فينفي؟
11 ـ "بل إنهم يرون وجوب مقاومة المحتل"، من هؤلاء العلماء الذين خالفوا الشيخ؟ وأين هي فتاواهم؟ ولماذا قدمت فتواهم على فتوى الشيخين؟ وما هو المرجح الذي أملته وحسمت به النزاع؟
12 ـ استشهاده ببعض النقول عن العلماء في ضرورة دفع المعتدي، وقتاله، استشهاد غير مفيد، فلا أحد يخالفه في ضرورة الدفع عن بلاد المسلمين ولا في وجوب قتال المعتدي ولا في فرضية صيانة دماء المسلمين وممتلكاتهم، ولكننا نقول إن لهذا الواجب شروطا، على رأسها: القدرة. وأن العاجز عنه لا يأثم. وأن القائم به ـ ممن لا يستطيعه ـ إنما يهلك نفسه ويزيد في استعداء الأعداء
http://stage.eqt-srpc.com/Detail.asp?InNewsItemID=24095
ملاحظة الى ... بعض الأعضاء ... CyberMaster أو غيره ....
ناقل الخبر ... لا يدل ... على موقفه .... من الخبر
فاتقوا الله![]()