(السوابق لواحق) مثل عامي بسيط يشرح ظاهرة مهمة في عالم التجارة والمال، وفي الغالب يستشهد بهذا المثل في المواضيع التجارية وكيف ان "السابقين" ممن لحقوا ببداية الطفرة (عقارات وكالات مناصب) كانوا وما زالوا هم اصحاب الغنى والجاه، في حين ان الجيل التالي - الأكثر تفتحاً وتعليماً - انتهت في زمنهم الفرص الجيدة وصعب عليهم الوصول لما وصل اليه الجيل السابق.
وأرى شخصياً ضرورة تدريس هذا المثل كـ (قانون اقتصادي) في كليات التجارة وان يعيه جيدا رجال الأعمال .. ففي جميع دول العالم يلاحظ ان الشركة التي (تبتكر منتجاً جديداً) تظل أبد الدهر صاحبة المركز الأول في المبيعات والأرباح - حتى وان زاحمتها لاحقاً شركات ومنتجات مشابهة !!؟
فعلى سبيل المثال الطابعة التي اكتب بها هذا المقال من انتاج شركة هوليت بكارد اول من انتج طابعات الليزر المكتبية. ولأنها "الأول" نجدها حالياً تسيطر على 50% من هذه السوق !
وتعد كرايسلر اصغر الشركات الامريكية في انتاج السيارات ومع ذلك تسيطر على 50% من سوق الدفع الرباعي لأنها ببساطة "أول" من اخترع الجيب !!
ولأن المخترع جيليت "اول" من ابتكر شفرة الحلاقة الآمنة : نجد اليوم ان شركته تسيطر على 65% من سوق الشفرات العالمية..
وكانت شركة مايكروسوف اول من طور بيئة تشغيل رسومية للكمبيوتر (من خلال نظامها الشهير ويندوز) واليوم تسيطر على 90% من سوق البرامج الشخصية !
وزيروكس بعد ان كانت شركة صغيرة لإنتاج الورق اخترعت ماكينة النسخ الجاف - ما زالت تسيطر على 45% من هذا السوق !!
وسوني بعد ان كانت ورشة لإنتاج أدوات المطبخ تحولت الى اخطبوط عالمي بفضل تقنية الترانزستور (الذي اشترته من معامل آبل بـ 25ألف دولار) واحتكرت بالتالي سوق الأجهزة الالكترونية المصغرة !!
وحين اكتشفت مادة الأبروفين المسكنة للألم كان "اول" منتج ينزل منها هو عقار "أدفيل" ثم الـ "نوربرين" ثم الـ "ميديبرين". واليوم تشكل مبيعات ادفيل 50% من السوق ثم النوبرين 10% ثم الميديبرين 1% وقد لا يكون المنتج اول النازلين للاسواق، ولكنه يحقق نجاحاً خارقاً لاحتكاره (سمعة جيدة في ميزة ثانوية). فشركة فولفو السويدية مثلا ليست اول من صنع السيارات ولكنها "أول" من اخترع حزام الأمان وصنعت سيارة تتوفر فيها جميع عناصر السلامة فاحتكرت بذلك سوقاً واسعاً اعتماداً على هذه السمعة ومن يتأمل اسواقنا المحلية يلاحظ أن أكثر البضائع رواجا هي أولها وصولاً : فتايد لايزال ملك المنظفات، وكلينكس تسيطر على سوق المحارم، وهاينز على سوق الكاتشب، والاسبيرين على المسكنات، والبيبسي على المشروبات الغازية (رغم أنها الثانية في امريكا بعد شركة كوكاكولا)!
وسر العلاقة (بين الأول والأكثر رواجاً) يكمن في قصور الذاكرة البشرية، فالناس دائما تتذكر الأول - وبالكاد الثاني - وتنسى البقية، فنحن مثلا نتذكر بطل العالم في كرة القدم و"نلخبط" في الوصيف. وننسى صاحب المركز الثالث والرابع .. أضف لهذا حين يظهر منتج جديد يرسخ في اذهان الناس بسهولة (كونه الوحيد) في الأسواق وحين تبدأ المنتجات المشابهة بالظهور لاحقا يكون المنتج الأول قد احتكر ولاء الناس وينظرون للبقية نظرة شك ومقارنة !
ومع هذا يمكن للأمر أن ينقلب إلى كارثة متى ما حاول المنتج الأول (أو الاسم الرائد) الخروج عن جلده والدخول في مجال مختلف لم يعرف من خلاله، فشركة "أتاري" مثلا كانت أول من طور ألعاب الفيديو المنزلية فسيطرت بالتالي على 85% من الأسواق. إلا أن الشركة اغراها النجاح ورواج الاسم فدخلت في مجال الكمبيوترات الشخصية ففشلت فشلا مريعاً واعلنت افلاسها .. ما حصل هنا ان "أتاري" انطبعت في الأذهان كصانعة "ألعاب" وتقبلها الناس بهذه الصفة، ولكن حين حاولت إنتاج كمبيوترات متقدمة لم يرغب أحد بشراء كمبيوتر من (أتاري) !؟.
منقو و و ل
عضو اقول عليه خطيــر